شيكابالا أفضل من أبو تريكة: حقيقة أم كذبة؟
مرحبًا، طالما أنك هنا فأنت على الأرجح قد صادفت المنشورات التي عجت بها صفحات التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي. منشورات تقارن شيكابالا بأبو تريكة، وأخرى تقارنهما بحازم إمام، وثالثة امتلك صاحبها الجرأة الكافية ليضع شيكابالا في مواجهة ليونيل ميسي، ثم استخلص في النهاية أفضلية اللاعب المصري في لحظة ما على ذلك المسكين الأرجنتيني.
في الحقيقة ليس هناك مشكلة في المقارنة بحد ذاتها، وذلك لأن كرة القدم تشجع أساسًا على عقد المقارنات بين اللاعبين، سواء كانوا من نفس الجيل أو من أجيال مختلفة. وبالتالي ليست المشكلة في أن يفاضل أحدهم بين مسيرة شيكابالا وبين مسيرة أبو تريكة، أو حتى بين أفضل حالة فنية وبدنية وصلا لها في مشوارهما مع الكرة.
إذن أين تكمن المشكلة؟ في أمرين: الأول هو المعايير التي تقوم عليها المقارنة، فلا يصح أن يتم اللجوء لأمور لا يمكن قياسها، وتختلف فيها آراء وأذواق المشجعين، إنما ينبغي الاعتماد على عوامل موضوعية.
أما الأمر الثاني فهو مدى دقة المعلومات والأرقام التي تستخدم في المقارنة، وهذا نتيجة لقلة المصادر الإحصائية الموثوقة التي تغطي الدوري المصري. سنحاول اليوم تجنب هذين الأمرين لنجيب: من الأفضل؟
مقدمة لا بد منها
وعدناك للتو أن نعتمد على معايير موضوعية، ونتحرى الدقة في الأرقام التي نستعين بها. بالنسبة للمعايير، سنعتمد على إسهام الثنائي شيكابالا وأبو تريكة مع الفرق التي لعبا لها، وذلك عن طريق الأهداف التي سجلها أو صنعها كلاهما، ثم حساب معدل تلك الأهداف خلال الموسم، وتأمل مدى تأثيرها.
لن نحتسب عدد البطولات المسجلة لهما، لأنها تتعلق أكثر بحالة الفرق لا اللاعبين، وكذلك لن نحكم من منهما أكثر موهبة، ﻷن الموهبة لا يمكن قياسها، وهي مفهوم واسع تختلف فيه الآراء.
طبعًا كنا نود الاعتماد على نماذج إحصائية أكثر دقة، لتكشف الفارق بين عدد الأهداف الفعلي وبين الفرص التي أتيحت لكليهما، وكذلك معدل صناعة الهجمات كما الركض واستخلاص الكرة، لكن للأسف كل ذلك غير متاح.
وهذا يجرنا للنقطة الثانية، وهي الأرقام والإحصائيات. في الواقع لم ينشر الأهلي أو الزمالك بصورة رسمية إحصائيات لأبو تريكة أو شيكابالا، لذلك حاولنا البحث عن مواقع إحصائية موثوقة نعتمد عليها. وصلنا أخيرًا لموقع إحصائي عالمي يدعى footballdatabase، وهو موقع يحتل مركزًا جيدًا في ترتيب المواقع الرياضية، كما تعتمد عليه شبكات رياضية كبيرة مثل sport360. سنستعين به لمعرفة أرقام الثنائي المصري.
جولة في مسيرة شيكابالا
لنحو أكثر من 15 موسمًا، لعب أبو تريكة وشيكابالا ضمن الخط الهجومي لفرقهم. وحتى نكتشف حجم إسهامات كل واحد منهما، ليس أمامنا سوى مطالعة عدد الأهداف التي سجلها.
لنبدأ بشيكابالا؛ تقول الإحصائيات إنه ظهر للمرة الأولى بموسم 2002/2003، وفي سجله منذ ذلك الحين 346 مباراة خاضها مع أندية مصرية، وخليجية، وأوروبية. هل يمكنك تخمين كم هدف سجل؟
شيكابالا نجح في تسجيل 62 هدفًا بالدوري، كما 8 آخرين في بطولات الكأس المحلية. أما بالنسبة للبطولات القارية، فخاض اللاعب الزملكاوي 4 مباريات بالدوري الأوروبي رفقة نادي باوك اليوناني، بالإضافة لـ 45 مباراة مع ناديه المصري بالبطولات الأفريقية، ولم ينجح أثناءها سوى في هز الشباك 8 مرات فقط.
على الصعيد الدولي، سنجد أن لشيكابالا 32 مباراة بقميص المنتخب. ليست جميعها مباريات رسمية، بل إن نصفها يقع ضمن المباريات الودية، بواقع 16 مباراة. وتقول الإحصائيات إن له هدفين خلال مشواره الدولي.
ماذا عن صناعة الأهداف؟ في حالة شيكا، سنجد أنه صنع إجمالي 79 هدفًا في مسيرته، أغلبهم بالدوري والكأس المصرية، من ضمنهم أيضًا سنجد 13 هدفًا بالبطولات القارية، وخمسة آخرين بقميص المنتخب.
إذا تعبت من تلك الأرقام، وتريد المحصلة النهائية، فالخلاصة أن الغزال الأسمر قد سجل 80، وصنع 79 هدفًا في مسيرته، أي ساهم بنحو 159 هدفًا خلال تواجده في الملاعب منذ ظهوره الأول.
جولة أخرى في مسيرة أبو تريكة
الآن لننتقل لأبو تريكة؛ بدأ الماجيكو مسيرته مع نادي الترسانة، والحقيقة أن أرقامه التهديفية هناك جديرة بالتأمل. فخلال ثلاثة مواسم ونصف، بداية من موسم 2000/2001 وحتى منتصف 2003/2004 قبل انتقاله للأهلي، خاض معهم بحسب footballdatabase نحو 39 مباراة، مسجلًا 28 هدفًا، بل إنه خلال موسم 2002/2003 كان معدله التهديفي 0.73 هدف/المباراة، بواقع 11 هدفًا في 15 مباراة.
أما مع الأهلي، فسنجد أن حصيلته التهديفية بالدوري وصلت لـ78 هدفًا، بالإضافة لـ12 هدفًا آخر خلال 23 مباراة بكأس مصر. طبعًا هذا ليس كل شيء، وعلينا مطالعة إحصائياته بدوري أبطال أفريقيا الذي فاز به خمس مرات، ناجحًا في هز شباك خصومه 36 مرة في 101 مشاركة، وهو رقم يجعله أحد أكبر هدّافي البطولة القارية خلال الألفية الجديدة.
الحضور الأفريقي القوي لم يقتصر على الأهلي، بل امتد لمنتخب مصر، حيث كان أبو تريكة ركنًا أساسيًا فيه خلال عشرة أعوام كاملة من 2003 وحتى 2013. ونجد أن سجله الدولي قد تجاوز الـ100 مباراة، 60% منهم هي مباريات كأس الأمم الأفريقية، وتصفيات التأهل لكأس العالم، فيما تشكل 40% منها مباريات ودية. وهذا العدد من المباريات أتاح له تسجيل 38 هدفًا.
على صعيد الصناعة، نجد أن أرقام أبو تريكة هنا أقل من أرقامه التهديفية. فمع مشواره مع المنتخب، نكتشف أنه صنع 22 هدفًا. وبالقميص الأحمر، في جعبته 17 تمريرة حاسمة تحولت لأهداف قاريًا، أما في الدوري والكأس فحصيلته تصل لنحو 23 هدفًا صنعهم رفقة الشياطين الحمر والشواكيش.
وحتى لا تصاب بالصداع، سنخبرك الآن بإجمالي إحصائيات أبو تريكة. الخلاصة أنه سجل 195 هدفًا، وصنع 62 آخرين، أي ساهم بـ 257 هدفًا.
فخ المستوى الأعلى
الآن يبدو واضحًا تفوق الماجيكو تهديفيًا، وهو ليس تفوقًا بفارق ضئيل، بل تفوق يزيد عن ضعف أهداف شيكابالا. المثير هو أن موقع footballdatabase يؤكد أن أرقام أبو تريكة تزيد عن مهاجمين وظيفتهم الأساسية تسجيل الأهداف، من بينهم الثنائي الأبرز: عماد متعب وعمرو زكي. أما بالنسبة للصناعة، فاليد العليا فيها لشيكابالا، بفارق يصل لـ17 تمريرة تحولت لأهداف.
هذه الأرقام تضعنا أمام حقيقة واضحة، وهي أن مسيرة أبو تريكة كانت أكثر إنتاجًا وفاعلية من شيكابالا، وهي تحسم الجدل الدائر حول أفضلية أي منهما إحصائيًا. تبقى مساحة أخرى من الجدل حول من فيهما وصل للمستوى الأعلى عبر مسيرته؟
يرى جمهور الزمالك أن مستوى شيكابالا خلال موسم 2010/2011 هو الأفضل، فيما ينحاز جمهور الأهلي لما قدمه أبو تريكة خلال موسم 2005/2006. والأرقام تؤكد فعلًا أنهما قدما أداءً مبهرًا، فالأول سجل 13 هدفًا وصنع 8 آخرين في 27 مباراة بالدوري، كما ساهم في أربعة أهداف خلال دوري أبطال أفريقيا، وقاد الزمالك لوصافة الدوري فقط.
أما أبو تريكة في 2005/2006 فله النصيب الأكبر من الأهداف كالعادة، إذ سجل 18 هدفًا وصنع ثلاثة بالدوري، بالإضافة لـ8 أهداف بدوري الأبطال الأفريقي، ليقود بذلك الأهلي للفوز بكل شيء: دوري، كأس، دوري أبطال، سوبر محلي، وسوبر أفريقي، كل ذلك مع بروزنية كأس العالم للأندية.
بين 2006 و2011
هنا لا يمكننا أن نقارن بين عدد الأهداف التي ساهم فيها كلاهما، ومن ثم نقرر من وصل للمستوى الأعلى، لماذا؟ لأن ذلك سيهمل السياق، فريق الأهلي في 2006 مختلف عن الزمالك في 2011، وخصوم الأهلي في 2006 يختلفون عن خصوم الزمالك في 2011، الكرة المصرية نفسها في 2006 تختلف عن 2011.
الخبر السعيد أن موقع footballdatabase حاول حل هذه المشكلة، كيف؟ صنع نموذجًا إحصائيًا وسماه: تطور مستوى اللاعب، يقوم على حساب فاعلية كل لاعب مع فريقه عن طريق تحليل إحصائياته خلال كل مباراة شارك فيها، وذلك من خلال تعامله مع الهجمات التي أتيحت، وصناعته للفرص، كما ارتداده الدفاعي.
وبناء على تلك المعايير، يحصل اللاعب على عدد من النقاط منذ انطلاقة مسيرته وحتى يومنا، سنستغل هذا النموذج لنعرف إلى أي مدى وصل الثنائي. أبو تريكة سجل أعلى نقطة في مسيرته عام 2006 بالفعل، وقد جمع ما يزيد عن 170 ألف نقطة، بينما شيكابالا كان في ذروة مستواه عام 2011، وله من النقاط ما يتجاوز 71 ألف نقطة.
التفسير الوحيد الذي يجعل أبو تريكة مبتعدًا بذلك الفارق هو الحسم؛ الماجيكو كان حاسمًا للغاية في فوز الأهلي ومنتخب مصر بالبطولات خلال هذا العام. دعك من احتلاله صدارة هدافي الدوري المحلي، وتأمل فقط مدى أهمية أهدافه القارية الثمانية خلال هذا العام.
له هدفان بمرمى شبيبة القبائل في الجزائر، ثم هدف آخر في شباك أسيك أبيدجان بنصف النهائي، قبل أن يصنع لفلافيو هدفًا في ذهاب النهائي، وبعد ذلك يسجل هدفه التاريخي بمرمى الصفاقسي في ملعب رادس. هذه الأهداف كانت حاسمة جدًا في الفوز بالبطولة، ولا أتخيل أبدًا تتويج الأهلي بدونها.
بعد شهرين كان على موعد تاريخي مع مونديال الأندية، ليقدم عرضًا فريدًا بعد تسجيله لثلاثة أهداف جاءت جميعًا من مجهود فردي. ثلاثة أهداف جعلت منه هداف البطولة، وكانت السبب الرئيسي لفوز الأهلي ببرونزية العالم، خصوصًا بعد تسجيله هدفين بمباراة تحديد صاحب المركز الثالث أمام كلوب أمريكا.
لم يكن هذا كل شيء، ففي بداية العام كان أبو تريكة يسجل هدفه الأول بكأس الأمم الأفريقية، ثم هدفًا آخر في ساحل العاج، قبل أن يصنع هدف الفوز على السنغال بنصف النهائي، وأخيرًا يسدد ركلة الجزاء الأخيرة بالنهائي. لم يكن هذه المرة هداف البطولة، ولا أفضل لاعب فيها، لكن الأكيد أنه كان عنصرًا هامًا جدًا.
في المقابل، شيكابالا كان أيضًا حاسمًا مع الزمالك خلال عام 2011، بل من غير المبالغة وصفه بأفضل لاعبي مصر خلال هذا الموسم، لكنه لم يكن بنفس درجة التأثير ولا الفاعلية التي كان عليها أبو تريكة في أعلى مستوياته، صحيح أنه ساعد الزمالك على اعتلاء الدوري فترة لكنه خسره في نهاية الأمر.
أشياء لا تقاس
لا شك في موهبة شيكابالا، ولا ينكر أحد قدراته الفنية والبدنية. كان لاعبًا سريعًا، يمتلك قدمًا يسرى حساسة، ولا يحب المدافعون مواجهته والكرة تحت قدمه، لكنه افتقد أشياء هامة توفرت في أبو تريكة، ولا يمكن قياسها بالإحصائيات.
أولها: ثبات المستوى الفني والبدني، حيث تذبذب أداء شيكابالا كثيرًا، وتحول للاعب لا يؤدي غالبًا وظائف دفاعية في الارتداد والاستخلاص والالتحام مع الخصم. الأمر يختلف مع أبو تريكة الذي حافظ أغلب الأحيان على مستواه، ولم يشكل عبئًا دفاعيًا، بل بقي مؤثرًا حتى نهاية مسيرته، يكفي أنه سجل ذهابًا وإيابًا بنهائي دوري الأبطال 2013 قبيل اعتزاله.
ثانيًا: القوة الذهنية والتركيز، هذا العامل الذي افتقده شيكابالا وأثر سلبيًا عليه، صحيح أن حالة الزمالك دفعته أحيانًا للتشتت، لكن هذا لا يبرر عدم التزامه مع سبورتنج لشبونة، ووأده لتجربة كان من الممكن أن تحييه، وهو ما تكرر ثانية مع الإسماعيلي.
على العكس، استهلك طاقته في صراعات لا طائل منها؛ تارة مع جمهور الأهلي ومع خصومه، وتارة مع زملائه ورئيس ناديه، وتارة مع المدربين: حسن شحاتة ومحمد حلمي، وتارة مع جمهور الزمالك نفسه، حتى هبط مستواه منذ كان في عامه الثلاثين قبل أربع سنوات، وانتهى به الحال للاعب لا يحظى بمشاركات منتظمة، وأبرز ما يفعله هو الرقص مع جمهور الزمالك، والاشتباك طبعًا مع جمهور الأهلي.
قد يكون أبو تريكة محظوظًا، أما شيكابالا فلم يكن. أما الأكيد فهو تقصير الأخير في حق نفسه، وحقيقة أن الأول كان أكثر فاعلية والتزامًا وذكاءً، وإن كان محظوظًا بجودة زملائه، فهم أكثر منه حظًا ﻷنه كان عامودًا رئيسيًا في أغلب إنجازاتهم.