كم مرة اشتريت شيئًا كبيرًا أو صغيرًا من محلات البقالة، ثم قال لك البائع إنه لا يملك «باقي» من الفئات الصغيرة (الفكّة) وحصلت على باقي أموالك علكة.

البعض يُضايقه هذا الأمر، والبعض الآخر يتناول العلكة في الطريق إلى المنزل في سعادة ونهم، والبعض يتركه في جيبه ليعطيه لأقرب طفل يُصادفه في الطريق.

فما قصة هذه العلكة، ومتى وأين بدأ تداولها حول العالم؟

تاريخ العلكة

لقد أرّخ العالم حديثًا للبن والشوكولاتة والتوابل وغيرها من المواد الغذائية الحديثة، إلا أنه حتى الآن لا يوجد تأريخ كامل للعلكة. الأمر الذي دفع بعض الباحثين والكُتّاب والمؤرخين المهتمين بهذا الصدد لتولي هذه المهمة، ومنهم العالمة الأمريكية «جنيفير ماثيوز» صاحبة كتاب «ChicleThe Chewing Gum of the Americas, from the Ancient Maya to William Wrigley».

تذكر ماثيوز أن شعب المايا سكن جزيرة يوكاتان بخليج المكسيك منذ حوالى 2000 عام قبل الميلاد، وهناك تركوا حضارة عظيمة، عرفوا الكتابة والطب وعلوم الفلك، وبنوا الأهرامات المُدرَّجة، وقدّموا عليها القرابين ورسموا الرموز على حجارة المعابد، ومن هذه الرسوم والرموز؛ دلائل على تناولهم العلكة. لقد أحب الماويون العلكة أكثر من أي شيء.

وفقًا للعالمة الأمريكية فإن شعب المايا سمح للأطفال الصغار والمرضى بمضغ العلكة علنًا؛ ومع ذلك، كان يُطلَق على النساء اللاتي تتناول العلكة علنًا «عاهرات»، والرجال «مخنثين»، وما شابهها من الأحكام النمطية.

صناعة العلكة

كانت مادة الصمغ تُستخرَج من أشجار الهيفيا والسابوتا، بمجرد ضرب هذه الاشجار بآلة حادة؛ تخرج منها مادة بيضاء، للدفاع عن نفسها من القطع، تُجمع هذه المادة في جوارب خاصة مصنوعة من القش، لتُضع في قدور ضخمة على النار لمدة طويلة مع التقليب الجيد والمستمر حتى تخرج منها الرطوبة، ثم تُوضع في قدور خاصة مصنوعة من الخشب المُشبَّع بالماء لفترة طويلة حتى يستطيعوا إخراج العلكة منها، ثم تُترَّك لتجف في الهواء، ليُستخرَج منها العلكة وقت الحاجة.

لقد عرف العالم العلكة منذ آلاف السنين، ليس فقط شعب المايا لكن أيضًا الشعوب الأفريقية والعربية القديمة، وشعوب اليونان، وكانت تُستخدم في الأساس لسد الجوع وتقليل الشعور بالعطش، وذلك وفقًا لعالمة الأنثروبولوجيا «جنيفير ماثيوز»، ونجد أيضًا أن شعوب العالم القديم استخدموا صمغ العلكة في علاج الصداع وتقرحات الأسنان، واستخدموه أيضًا في البخور لإصدار الروائح الزكية.

تجارة العلكة

ومع ذلك لم تتحول العلكة إلى تجارة رائجة إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، على يد «وليام ريغلي»، الرجل الذي برع في التسويق.

لقد كان ريغلي جونيور والد وليام، يملك مصنعًا للصابون، وقد وكّل عملية البيع لابنه، ولأن التجارة كانت ضعيفة بعض الشيء، فقرر أن يبيع مع الصابون «باكينغ باودر» كهدية. سرعان ما اهتم الناس أكثر بالهدية، فقرّر وليام أن يتخصّص في صناعة وبيع الباكينغ باودر، إلا أن المنافسة كانت شديدة، فقرر أن يُقدِّم العلكة هدية، ليكتشف مع مرور وقت قليل أنه وجد ضالته.

أنشأ وليام ريغلي أول مصنع للعلكة عام 1892، ثم بدأ أكبر حملة دعائية عرفتها أمريكا للترويج للمنتج الجديد، حيث أجّر لوحات إعلانية في تايم سكوير أكبر ميادين منهاتن في ولاية نيويورك، ووزّع أكثر من 8 ملايين علكة مجانية على المنازل، منها 750 ألف علكة على الأطفال في المدارس وساحات الألعاب والمتنزهات.

لقد روّج للعلكة كسلوك عصري للمواطن الأمريكي الجديد، ثم قام بتوزيع ملايين العلكات على الموانئ، بحيث تُعطى لكل مسافر أو مهاجر جديد إلى أمريكا، حتى أصبحت العلكة جزءًا لا يتجزأ من سلوك المواطن في أمريكا.

تجارة ضخمة

نجا وليام من الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة عام 1907، عندما باع علكة بأكثر من مليون دولار، والذي كان وقتها مبلغًا ضخمًا.

والآن، هل فكرت كم يبلغ حجم التجارة العالمية لسلعة تُباع بمقابل مالي ضئيل؟

يستهلك العالم حاليًا أكثر من 370 تريليون علكة سنويًا، هذا الرقم كفيل بقطع كل أشجار أمريكا اللاتينية. لذلك تخلى العالم عن العلكة العضوية الطبيعية، وأصبحت تُصنَّع من المطاط الصناعي. وللمفارقة، فهي نفس المادة التي تُصنَع منها القفازات وإطارات السيارات، وذلك بعد إضافة بعض مُكسّبات الطعم والرائحة.

هذه العلكات تُقدَّر- وفقًا لإحصاءات عام 2019- بـ 935 مليون دولار أمريكي. وتستحوذ الصين 10% من استهلاك العالم من العلكة، بينما صدّرت الولايات المتحدة- أكبر مُنتِّج في العالم- ما قيمته 98 مليون دولار إلى العالم.

لذلك، فنحن أمام تجارة حيوية، لا ترى منها سوى القروش التي تدقها مقابل قطعة العلكة، ولكنها صارت جزءًا أساسيًا من اقتصاد العالم، في ظل العولمة وحركة التجارة العالمية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.