أنظمة الكيمياوي: إبادة الشعب كحل في الخيال السياسي لحكام العرب
أفاق العالم اليوم 4 أبريل/ نيسان على مجزرة جديدة في تاريخ بشار الأسد الزاخر بعمليات الإبادة الجماعية ضد الشعب السوري، جابت صور الأطفال والأموات أركان مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لإنقاذ ما تبقى من معالم للحياة بسوريا من يد القوى العالمية المتصارعة على مستقبل أشباه وطن دمره حلم مواطنيه بالحرية.
مجزرة خان شيخون
مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني
استيقظ العالم صباح الثلاثاء الرابع من أبريل/ نيسان على جريمة إنسانية جديدة حيث كان أهالي مدينة خان شيخون بريف إدلف غربى سوريا على موعد مع غاز السارين السام، وكأن رصاص البنادق الآلية والدبابات والقنابل لم يكفِ للقضاء على السوريين فتدخلت الغازات الكيميائية هذه المرة، وبحسب مديرية صحة إدلب فإن هناك أكثر من 100 قتيل و 400 جريح حتى الآن.
وأطلق الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية بيانًا أشار فيه إلى أن استخدام النظام لغاز السارين يمثل خرقًا لميثاق جنيف ولقرارات مجلس الأمن أرقام 2118,2119 ,2235,2254، ودعا أيضًا إلى تفعيل المادة 2118 من الميثاق التي تفرض تدابير بموجب ميثاق الأمم المتحدة في حالة عدم امتثال النظام السوري للقرار.
من جانبها استنكرت العديد من الدول تلك المجزرة وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل، حيث طالبت فرنسا وإنجلترا بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأمر، وكذلك أدانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قيام أي شخص باستخدام هذه الأسلحة.
يذكر أنه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام السوري أسلحة كيميائية منذ 2011، فقد اعترف للمرة الأولى بامتلاكه أسلحة كيميائية وجواز استخدامها ضد عدو في 2012، قبل أن يتراجع النظام عن هذا، لكنه استخدمها بالفعل في أكثر من مرة أبرزهم غاز السارين في أغسطس/آب 2013، رغم نفي النظام إلا أن اللجنة التابعة للأمم المتحدة أكدت وجود «أدلة واضحة» لخبرائها على استخدام النظام لغازات السارين، كما أشار محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن غاز الكلور استخدم بشكل متكرر وممنهج في محافظة حماة والتمانعة وتلمنس في إدلب.
الفتك بالأعداء بالغازات السامة: من الدول العظمى للعالم الثالث
استيقظ العالم في الحادي والثلاثين من يناير/كانون الثاني لعام 1915 على إطلاق الغازات السامة بمعركة بوليمو بين الإمبراطورية الألمانية ونظيرتها الروسية، ضمن سلسلة معارك الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1.3 إنسان وسط ساحات قتال عرفت كل أنواع الأسلحة، ومن بينها الكيماوية ذات الفتك الشامل.
تصارع طرفا النزاع في الحرب العالمية على استخدام الأسلحة الكيماوية للفتك بأكبر عدد ممكن في صفوف الخصم، ولعبت الطبيعة دورها في انتقال الغازات من ساحات المعركة إلى أحياء المدنيين القريبة من مواقع انتشار الغازات السامة، لتكون حصيلة القتلى المدنيين على إثر استخدام الأسلحة الكيماوية ما يقرب من 260 ألف إنسان إلى جانب الندوب القاسية التي حملتها أجساد وأرواح الناجين من الموت.
شهد التاريخ الحديث منذ تلك الحرب استخدام الدول المختلفة الأسلحة الكيماوية في حروبها،فتبادلت قوات الجيش البريطاني والجيش الأحمر الروسي استخدام تلك الغازات في الحرب الأهلية الروسية عام 1919، وفي عام 1924 شهد الريف المغربي أمطارًا من غاز الخردل كرد من الجيش الإسباني على هزيمته أمام محمد بن عبد الكريم الخطابي عام 1921.
هذا إلى جانب ما شنه الجيش الياباني من هجمات مختلفة على الصين من الغازات القاتلة في الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها ما يقرب من 10 آلاف شخص، كما استخدمت بولندا تلك الغازات في عام 1939 ضد الجنود الألمان.
وبعدما أفاق العالم على ما أحدثه من معاناة موجعة للبشر على نطاق العالم، عُقدت اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية بأنواعها (بروتوكول جنيف) في عام 1925، إلا ان أطراف المعاهدة لم تلتزم بها واستمر استخدام الأسلحة الكيماوية في النزاعات المختلفة ومن أبرزها الحرب العالمية الثانية في معسكرات الاعتقال النازية، ولكن أيقنت الدول العظمى الأضرار الناجمة عن تلك الحروب فقررت التوجه إلى نوع آخر أقل تكلفة؛ الحروب الاقتصادية، تاركة تلك الأسلحة إلى دول العالم الثالث لتستكمل مسيرتها دون التعلم من التاريخ أو أخطاء الماضي.
الوطن العربي: أنظمة إبادة الشعوب
آلبرت آينشتاين
يزخر التاريخ بأمثلة مختلفة لاستخدام دول العالم الثالث الأسلحة الكيماوية في نزاعاتها المختلفة، ومن بينها دول الوطن العربي التي انتهج رؤساؤها عمليات الإبادة الجماعية للتخلص من معارضيهم، غير مكترثين لدروس التاريخ التي أثبتت فشل كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية في تحقيق الاستقرار السياسي أو الحفاظ على السلطة دون خسائر من كلا الطرفين.
صدام حسين: إبادة جماعية الأكراد
استخدم صدام حسين الأسلحة الكيماوية في مارس 1988 بعدما تقدم على الجيش الإيراني ومقاتلي الأكراد لتحرير مدينة حلبجة؛ مما أسفر عن سقوط ما يقرب من 5500 من أهالي المدينة العراقيين الأكراد، ولحقهم آلاف آخرون في السنة التالية بسبب الأمراض الخطرة والمضاعفات الصحية الناتجة عن الغازات السامة التي انتشرت حينها بالبلدة بسبب صدام حسين، تاركًا الشعوب العربية في حالة ذهول من انتقال تلك المعارك إلى محيطها الجغرافي.
تنصلت العراق من الاتهامات الموجه إليها آنذاك وادعت أن الهجوم الكيماوي هو من صنع يد القوات الإيرانية، إلا أن المستقبل حمل دلائله التي كشفت عن تسليح دول العالم الكبرى قوات صدام حسين بالكيماوي في حرب الخليج لما مثلته من خطر داهم على الغرب، ليصبح صدام أحد الرؤساء العرب الذي ظن أن الإبادة الجماعية هي حله الوحيد للتخلص من شعبه وكأنه عدو لدود.
هذا إلى جانب الانتهاكات المختلفة التي اقترفها صدام حسين بحق الشعب العراقي، ومن أبرزها حملة الأنفال في العام ذاته (1988) التي شنها ضد الأكراد والأقليات المختلفة بإقليم كردستان حيث قام بتدمير القرى التابعة لهم هذا إلى جانب حملته، بالإضافة إلى عمليات القتل الجماعي التي شهدتها قبيلة «البارزانيين» في عام 1983 بالعراق، ووقع على إثرها إبادة ما يقر من 8000 إنسان تتراوح أعمارهم ما بين 12 و45 عام.
معمر القذافي: القصف بالطيران للتخلص من الثوار
لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لنظام معمر القذافي وسياسته المتبعة في التخلص من معارضيه، ومن أشهر المجازر التي ارتكبها القذافي خلال فترة حكمة لليبيا قتله حوالي 1200 شخص من سجناء الرأي بسجن بوسليم الواقع في مدينة طرابلس بيونيو من عام 1996، بعدما فتحت القوات الأمنية النيران عليهم واستخدمت القنابل اليدوية والغدارات وبنادق الكلاشينكوف والرشاشات في عملية التصفية تلك، وقامت القوات بدفنهم في ساحة السجن.
ادعت قوات القذافي تمرد المسجونين وقتذاك، معظمهم من الجماعات الإسلامية، إلا أن النظام الليبي ظل ساكتًا تجاه ما حدث حتى عام 2009، بعدما علم الأهالي حقيقة موت ذويهم وقد عرض عليهم التعويضات المادية لكنهم أبوا متمسكين بحقهم في معاقبة الجناة.
وبقيام ثورات الربيع العربي استمر القذافي في سياسته المتبعة تجاه المعارضة متمسكًا بكرسي الحكم، حيث كلف الطيران الليبي بقصف مواقع الثائرين ضده في مدينة البريقة النفطية بشرق ليبيا، في محاولة لإعادة السيطرة على البلاد غير مكترث للأرواح التي ستزهق من الشعب الليبي، وبالرغم من مقتل القذافي إلا أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يستكمل مسيرته بليبيا.
علي عبد الله صالح: شق الصف لاستعادة السيطرة
الباحث السياسي اليمني حمزة الكمالي
خاض علي عبد الله صالح رئيس اليمن السابق عددًا من المعارك الشرسة ضد الحوثيين من العام 2002 وحتى العام 2009 بدعم من المملكة العربية السعودية، لالتقاء المصالح وقتذاك والرغبة في التخلص من الشيعة القابعين في أنحاء الدول العربية، إلا أنه وبقيام ثورات الربيع العربي -مما مثل خطرًا على حكم علي عبد الله صالح- تحالف مع الحوثيين في محاولة لبسط سيطرته على البلاد مرة أخرى.
وشاركت قوات صالح الحوثيين في الهجمات التي شنتها على تعز والضالع ومأرب وذمار، كما يعمل على توفير السلاح اللازم للتخلص من عناصر المقاومة الشعبية التي تحول دون السيطرة على اليمن، فبالرغم من أنه لم يعد رئيسًا إلا أن علي عبد الله صالح ما زال متحكمًا في حاضر ومستقبل اليمن لاستعادة السيطرة حتى لو كلفه ذلك شق النسيج المجتمعي وقتل المدنيين.
الأسدان: استمرار الحكم على جثث الشعب
يحفل تاريخ حكم حافظ الأسد بجرائم ومذابح مختلفة ضد الشعب السوري من أبرزها مجزرة حماة على مدار 27 يومًا متصلاً في عام 1982، حيث شنت قوات النظام السوري حملة عسكرية ممنهجة ضد جماعة الإخوان المسلمين بعدما اشتد الصراع بينها وبين حزب البعث السوري الحاكم بقيادة حافظ الأسد، وقد أدت تلك الحملة إلى سقوط ما يقرب من 40 ألف مواطن نتيجة القصف بالمدفعية والمدرعات والدبابات وتدمير أحياء سكنية بأكملها.
ليعيد بشار الأسد ذكرى والده من خلال إحياء إنجازاته في القضاء على معارضيه بأبشع الطرق الممكنة، فشهدت سوريا عددًا من عمليات الإبادة التي شنها النظام السوري بمساندة النظام الروسي لبسط سيطرته على كافة أنحاء سوريا مستخدمًا الأسلحة الكيماوية، ومن أبرز المجازر التي ارتكبها النظام في عام 2013 بشنه الغازات الكيماوية على حلب في محاولة لدحر المعارضة.
ولم تسلم دمشق هي الأخرى من يد الأسد فقد قام النظام السوري بقصف الغوطة الشرقية بالكيماوي في أغسطس من نفس العام (2013)، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 1400 مواطن سوري وفقًا للتقديرات الدولية.
ويستمر نظام الأسد في السير على نهج سياسات الحكام العرب في التخلص من المعارضين من خلال الإبادة الجماعية، ليسطر اليوم في كتاب التاريخ مجزرة جديدة في سلسلة مجازر قديمة، وسط حالة من الاعتياد الدولي والتجاهل الرسمي وعجز المجتمعات العربية عن حماية ما يتبقى من معالم للإنسانية داخل سوريا.
- أبرز الهجمات بالأسلحة الكيماوية في التاريخ
- اكراد العراق ماضون في تدويل عمليات الابادة الجماعية التي مورست ضدهم
- 13 مذبحة من القرن العشرين، هل كان بالفعل قرن المذابح المروعة بلا منافس؟
- تعرف على أبرز الأسلحة الكيماوية وأشهر حوادث استخدامها
- قتلى بقصف للحوثيين وقوات صالح على تعز
- بعد “مجزرة” خان شيخون.. هذه أبرز الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا
- فرنسا وبريطانيا تدعوان مجلس الأمن لبحث مجزرة خان شيخون