مجاهدو الشيشان يحلمون بحرب تخشاها إسرائيل في أوكرانيا
بينما تستعد روسيا لغزو أوكرانيا، تتأهب كتيبة من عدة مئات من المجاهدين الشيشانيين للقتال في جنوب شرقي أوكرانيا.
لماذا يذهب مقاتلون إسلاميون إلى هذه البقعة تحديدًا للقتال؟ ربما لأن الشيشانيين ينظرون إلى الحرب هنا على أنها امتداد لمعركتهم المستمرة منذ عقود ضد احتلال موسكو القاسي لوطنهم الأم، أو ردًا لجميل المئات من رجال الميليشيات الأوكرانية اليمينية الذين سافروا سابقًا للقتال في الشيشان. لكن نقطة الاتفاق أن الجميع يرون في الصراعين جزءًا من نفس الحرب الطويلة ضد محاولات موسكو لإعادة إحياء الإمبراطورية السوفيتية التي انهارت في عام 1991.
كتيبة جوهر دوداييف
عام 1991، أعلن المجاهد الشيشاني جوهر دوداييف استقلال بلاده عن روسيا. هذا الإعلان فتح الطريق أمام حرب طويلة مع موسكو، انتهت أحدث حلقاتها مطلع القرن الحالي، حيث دخلت القوات الروسية جروزني، ثم تعقبت المجاهدين الذين فروا إلى الجبال.
أحد هؤلاء الذين منحهم القائد دوداييف ثقته كان عيسى موناييف، القائد العسكري الشيشاني الذي تصدّى للدفاع عن العاصمة جروزني خلال حرب الشيشان الثانية عام 1999، ليخطط على مدار عامين لكمائن وسيارات مفخخة وتفجير ألغام ضد القوات الروسية.
في أكتوبر 2000، ذكرت السلطات الروسية أنه قُتل عندما حاولت مجموعة من المتمردين تفجير شاحنة عسكرية. لكن المعلومات كانت خاطئة، وكان الجنرال حيًا. ليتحول بعد انسحاب القوات الشيشانية من العاصمة إلى الجبال، ويقود الجبهة الجنوبية الغربية منذ أوائل عام 2001 حتى 2005، حين تعرض لإصابة خطيرة أثناء القتال، أجبرته على مغادرة الشيشان، واللجوء السياسي في الدنمارك، حيث قاد الحركة السياسية «القوقاز الحرة» التي تأسست عام 2009.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، في يوليو 2014، أعلنت المنظمة عن تشكيل «كتيبة حفظ سلام دولية» من المتطوعين لدعم أوكرانيا في محاربة التمرد الموالي لروسيا. حملت الكتيبة اسم القائد جوهر دوداييف، وقادها الجنرال بنفسه، على رأس 500 متطوع عملوا بشكل مستقل دون تبعية لأي هيئة في أوكرانيا.
قال الجنرال عيسى موناييف، في مقابلة:
وقُتل موناييف في معركة دبالتسيف في 1 فبراير 2015، بعد إصابته بشظايا قذيفة دبابة، في عمر الـ49، ودفن في مقابر المسلمين في مدينة دنيبرو الأوكرانية، حيث شيع في جنازة مهيبة باعتباره شهيد الوطن.
انتقال القيادة إلى «طالب رأس بوتين»
بعد وفاته، اختير آدم عسماييف، المواطن الأوكراني من أصول شيشانية، والذي تلقى تعليمه في بريطانيا، ليكون قائدًا جديدًا للكتيبة. لم يكن عثماييف يعيش في مسقط رأسه جروزني منذ عام 2006، خلال حرب الشيشان الثانية، والتي خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وانتهت بحكم موسكو للمنطقة عن طريق أمير الحرب الوحشي رمضان قديروف.
يعتبر عثماييف أن المعركة ضد روسيا وبوتين تحديدًا شخصية للغاية بالنسبة لرجاله، والأهم من ذلك كله، بالنسبة له هو نفسه.
عثماييف سُجن في أوكرانيا لمدة ثلاث سنوات، حيث كان فيكتور يانوكوفيتش المدعوم من موسكو رئيسًا لأوكرانيا، بتهمة التخطيط لقتل بوتين، قبل إطلاق سراحه بعد ثورة أوكرانيا البرتقالية في عام 2014، ونجا منذ ذلك الحين من محاولتي اغتيال، إحداهما في عام 2017، والتي قتلت فيها زوجته أمينة أوكوييفا. وتقول السلطات الأوكرانية إنها تشتبه في أن عملاء روس كانوا وراء الهجوم.
يقول عثماييف:
يحاربون الروس في أي جبهة
يصل تعداد المجاهدين الشيشان في أوكرانيا ثلاث كتائب، من بين 30 كتيبة متطوعة تنخرط في الحرب على حدود روسيا شرق أوكرانيا. وبلحية كثيفة وملابس عسكرية مموهة، يقود مقاتل يطلق على نفسه اسم «مسلم»، وهو مجاهد شيشاني سابق، مجموعة منهم.
أثار تمركزهم في البلدات القريبة من الخطوط الأمامية من الحرب دهشة السكان المحليين. لكنها كانت مفاجأة سارة بالنسبة للعديد منهم؛ إذ يرحب الأوكرانيون بسعادة بأي مساعدة يمكنهم الحصول عليها؛ ترقبًا لوقوع هجوم من روسيا أو الانفصاليين المدعومين من روسيا، باعتبار أنهم يوازنون الكفة بعدما رفضت الحكومات الغربية تزويد القوات الحكومية بأي شكل من الدعم العسكري الذي يوازي الدعم الذي يتلقاه المتمردون من موسكو، بينما يعاني الجيش الرسمي من الفساد ونقص التمويل.
لكن، وبصرف النظر عن العدو، ليس لهذه الجماعات كثير من القواسم المشتركة مع الأوكرانيين، أو مع حلفاء أوكرانيا الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عملت باجتهاد لتعزيز قدرات القوات النظامية الأوكرانية، وتقليل اعتماد كييف على هذه الجماعات شبه العسكرية شبه العسكرية.
وتنسجم مجموعات المقاومة الشيشانية بشكل مثالي مع القوميين الأوكرانيين، وبينهم مجموعات نازية صريحة؛ باعتبار أن الطرفين متشابهان في كراهية روسيا.
داعش حضرت كذلك
تجذب أوكرانيا كذلك مقاتلي تنظيم داعش من أصول أوروبية بعد خسارة الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في سوريا والعراق؛ إذ توفر البلد مكانًا آمنًا للاختباء والانتظار حتى تتاح لهم فرصة العودة بأمان إلى دولهم الأصلية الاتحاد الأوروبي أو في أي مكان آخر في الاتحاد السوفيتي السابق.
في نوفمبر 2019 مثلًا، تمكنت حملة مشتركة بين ثلاث دول- أوكرانيا وجورجيا والولايات المتحدة- من اعتقال نائب وزير الحرب في تنظيم داعش قيصر توكوساشفيلي في كييف، بعدما بقي في أوكرانيا لسنوات في ظروف طبيعية ودون تعقب، بل وحتى من دون أن تكتشف الأجهزة الأمنية وجوده، رغم دخوله أوكرانيا بأوراق هوية أصلية.
وخلال سنوات بقائه في أوكرانيا، ظل توكوساشفيلي عضوًا نشطًا في داعش، إذ تضمنت مهامه تجنيد مقاتلين جدد، والتخطيط لهجمات، وتنسيق أعمال جهاز أمن التنظيم.
يبقى من الصعب قياس مدى انتشار داعش أو نشاطها في أوكرانيا في غياب تقديرات رسمية أو حتى مستقلة. لكن، في عام 2016، قالت وحدة الاستخبارات الأمنية، إنها حددت هوية أكثر من 100 شخص واعتقلت 46 مرتبطًا بـ«المنظمات الإرهابية الدولية والمتطرفة الدينية»، إضافة إلى 11 «نقطة عبور» لمقاتلي تنظيم داعش في البلاد. إضافة إلى ذلك، حظرت إدارة أمن الدولة فرعين للمنظمة في دنيبرو وخاركيف، اللتين قدمتا الدعم المادي واللوجستي لأعضاء المجموعة في أوكرانيا وساعدتهم على السفر إلى الخارج. وزعمت الوكالة أيضًا أن 443 شخصًا مرتبطون بداعش لم يُسمح لهم بدخول أوكرانيا.
ومنذ ذلك الحين، أبلغت إدارة الأمن الداخلي بانتظام عن اعتقالات لأشخاص متورطين في داعش، لكن هذه المعلومات غالبًا ما تكون غير صحيحة بعد التحقق.
واعتبارًا من عام 2017، وفقًا لوسائل الإعلام الأوكرانية، اعتقل ما لا يقل عن 17 شخصًا متهمين بالارتباط بداعش، بما في ذلك أولئك الذين يُزعم أنهم شاركوا في القتال وكانوا مسؤولين عن قيادة المجموعة.
وبينما تشير المعلومات الواردة أعلاه فقط إلى أولئك الذين ألقي القبض عليهم، لا يزال العدد الكلي غامضًا، وإن كان يتراوح، وفقًا لمصادر مختلفة مطلعة على مجتمع الاستخبارات والباحثين، بحدود عدة مئات.
إسرائيل لا تريد الحرب
في لقائه مع فلاديمير بوتين في سوتشي في أكتوبر 2020، عرض رئيس حكومة إسرائيل، نفتالي بينيت، عقد قمة بين الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في القدس المحتلة، لكن بوتين رفض. وقبل بضعة أشهر، قدم سلف بينيت، بنيامين نتنياهو، عرضًا مشابهًا لبوتين، لكنه رفضه أيضًا.
تقول هاآرتس إن إسرائيل هي واحدة من الدول القليلة التي تملك علاقات دبلوماسية وثيقة مع كل من كييف وموسكو، حيث تتدفق العشرات من طائرات رجال الأعمال الروس والأوكرانيين إلى مطار بن غوريون في نهاية كل أسبوع وخلال الأعياد الدينية.
إسرائيل كذلك ملعب مناسب للطبقات العليا في البلدين، وفي أوقات التوتر، تكون ملاذًا ومكانًا للقاء. خلال الحرب السابقة بين الجانبين في عام 2014، كانت ردهات الفنادق الراقية في تل أبيب تحتضن نخب رجال الأعمال الروس والأوكرانيين، الذين ظلوا هناك حتى مرت العاصفة. والأدهى، أنها، بسبب ما تصفه «هاآرتس» باتفاقيات سرية، تبقى المكان الآمن الوحيد، للفارين من يد بوتين الطويلة التي تطال معارضيه في عواصم أوروبا مهما بلغت درجات تأمينهم.
تظل روسيا وأوكرانيا على رأس قائمة الدول التي يهاجر منها اليهود إلى إسرائيل. لكن السبب الأهم الذي يجعل قادة إسرائيل حريصين على فعل أي شيء في وسعهم لتقليل التوترات التي قد تؤدي إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا، بكل بساطة، أن لدى إسرائيل الكثير لتخسره إذا حدث ذلك.
ففي حين أن الحليف الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل على مدار الخمسين عامًا الماضية كان الولايات المتحدة، وسيظل هذا هو الحال في المستقبل المنظور، لكنها باتت مطالبة بضمان ود موسكو، بعدما قللت واشنطن، في عهد الرؤساء باراك أوباما ودونالد ترامب والآن جو بايدن، وجودها في الشرق الأوسط، مما يخلق فراغًا تملؤه روسيا.
وعلى مدى السنوات الست ونصف الماضية، منذ الانتشار الروسي في سوريا، كانت إسرائيل تنسق عن كثب عملياتها الجوية مع روسيا ضد أهداف إيرانية هناك. وفي حين أن إسرائيل لا تبلغ الروس بشكل مباشر بأهدافها المقصودة، فإن آلية عدم الاشتباك بين الجيشين، والترتيبات الهادئة، مكّنت إسرائيل من مواصلة العمل فوق سوريا من دون الاشتباك مع القوات الروسية.
اعتبار استراتيجي آخر هو أمل إسرائيل في بيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا، عبر خط أنابيب شرقي البحر المتوسط. إذا اندلعت الحرب، وأصبح الوقف المحتمل لشحنات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية في عمق الشتاء حقيقة واقعة، فسيكون هناك طلب على الغاز الإسرائيلي لتخفيف النقص. ستكون إسرائيل بالطبع سعيدة ببيع الغاز، لكنها ستكون أيضًا حريصة على ألا يُنظر إلى هذا على أنه تحرك مناهض لروسيا.
وبطبيعة الحال، تأمل إسرائيل في الاحتفاظ بمكانتها كأقرب حليف لأمريكا في الشرق الأوسط. ولكن عندما يتعلق الأمر ببوتين، وأي حرب أو غزو قد يخطط له، فإن أقصى ما تريده بشدة هو البقاء على الهامش.