CES 2017: احتدام السباق نحو سيارة ذاتية القيادة
تتسبب حوادث الطرق في إزهاق حياة 1.25 مليون شخص سنويا، بجانب معاناة من 20 إلى 50 مليونا آخرين من إصابات غير مميتة، محتلة المرتبة الأولى في قائمة أسباب وفاة الشباب حتى عمر 20 عاما طبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، ومستنزفة لمليارات الدولارات على الرعاية الصحية والتأهيل النفسي، وهو ما يشكل عبئا اقتصاديا يؤثر بدرجة لا يستهان بها على الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، حيث 90% من وفيات الطرق تحدث على أراضيها .
منذ قرابة العامين نشرت هيئة سلامة الطرق الأمريكية (NHTSA) تقريرا يشير إلى أن ما يقرب من 94% من حوادث الطرق بسبب خطأ قائد المركبة. وهذه النسبة من الممكن أن تنخفض بطريقة دراماتيكية إلى حد التلاشي مع تنحية البشر جانبا، وإعطاء الفرصة للسيارات ذاتية القيادة لإنقاذ البشر أنفسهم، وهو المنحى التقني الذي ما زال يواجه الكثير من الاعتراضات الأخلاقية والفلسفية، التي لم تمنع مختلف شركات السيارات والتقنية من التحالف سويا لإنتاج السيارة ذاتية القيادة الأفضل. وكان معرض إلكترونيات المستهلك CES لعام 2017 بلاس فيجاس فرصة ممتازة ليعرض الكل ما في جعبته للعالم.
كرايسلر: الأولوية للرحابة
فاجأت مجموعة فيات-كرايسلر رواد النسخة الحالية من معرض CES باقتحام فئة السيارات الكهربية ذاتية القيادة، لكنها خالفت عادة منافسيها وتوقعات محبيها عقب أن فضلت العملية و الاعتمادية على أرقام الأداء وخطوط التصميم الرياضية، وذلك بتقديم مفهوم «بورتال Portal» الذي يرتكز على الطابع العائلي والمساحات الرحبة. وربما تشير ترجمته الحرفية «البوابة» إلى دخول عصر جديد من سيارات الـ «Third Space أو الفضاء الثالث» تدمج بين اعتمادية العمل ورحابة المنزل في آن واحد.
وبالحديث عن العملية والاعتمادية، فإن كرايسلر بورتال التجريبية لديها القدرة على قطع مسافة 400 كيلومتر قبل الحاجة لإعادة شحنها مرة أخرى، ومزودة بجهاز شحن فائق السرعة بقوة 350 كيلو-وات، يمكنها من شحن مدى قيادة يقدر بـ 240 كيلومترا خلال 20 دقيقة على الأكثر.
تعج كرايسلر بورتال التجريبية بالتكنولوجيا المتقدمة كغيرها من السيارات الكهربية ذاتية القيادة، لكنها تمتاز عن منافسيها بنظام تعرف على الصوت يعدل من خصائص الإضاءة والصوت بل وجهة القيادة أيضا بعد التعرف على صوت قائد المركبة. وكذلك نظام عزل صوتي مخصص لكل راكب للاستمتاع بالموسيقى المفضلة بدون الحاجة لسماعات الرأس، مع كاميرات داخلية تسمح للركاب بالتقاط صور شخصية وقتما أرادوا، ومقاعد مرنة قابلة للطي والحركة في اتجاهات عدة لاستغلال المساحة حسب الغرض.
نيسان/ناسا: ذاتية القيادة من الفضاء إليك
تمتلك وكالة ناسا لأبحاث الفضاء خبرة كافية بتكنولوجيا القيادة الذاتية بفضل مركبات استكشاف المريخ لديها Mars Rover، وهو ما دفع بشركة نيسان اليابانية للتفكير خارج الصندوق وعقد شراكة بينهما بدأت مع تطوير الجيل الجديد من نيسان ليف الكهربية وامتدت لما هو أكثر من ذلك بكثير.
ناسا ونيسان أعلنتا عن تطوير نظام «SAM/Seamless Autonomous Mobility» يساهم في ضمان قدرة أسطول من شاحنات تجارية أو سيارات أجرة ذاتية القيادة ألا تقف مكتوفة الأيدي عندما تُفاجأ بحادث أو منطقة عمل تعترض سبيلها. ويمتاز النظام بقدرة استثنائية على تخطي العقبات والمسارات غير المتوقعة بفضل تجميع و تحليل معلومات من المستشعرات والكاميرات، تُبث إلى وحدة تحكم رئيسية ذات لمحة بشرية لا تختار الخطوة التالية بدقة فحسب، بل تتعلم من تجارب كل مركبة على حدة وتتقاسم الحلول بين المركبات وبعضها.
طورت نيسان تلك التقنية لقناعتها أن تطبيق مفاهيم السيارات ذاتية القيادة بصورة فعالة وآمنة سيستغرق عقدين من الزمان على أقل تقدير، لذا لا يمكن إخراج عامل التدخل البشري خارج المعادلة في الوقت الراهن. رئيس نيسان التنفيذي كارلوس غصن صرح في الشأن ذاته قائلا: «مهما بلغ علم الخوارزميات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من تطور، ستجد سيارة عالقة تحتاج إلى تدخل بشري لإنقاذها من مأزقها». قبل أن يضيف: «ربما سنتغلب على هذا في غضون 15 أو 20 عاماً. لكني أشك في ذلك. البشر يحترمون القواعد لكنهم يعرفون سبل التحايل عليها».
نفديا/أودي: تفادي الخطر بدون تدخل السائق أولويتنا
على الأغلب تعلم أن شركة نفديا Nvidia من أكبر مصنعي معالجات الرسوميات في العالم، والتي تستخدم في الألعاب كما في إنتاج الفيديو ثلاثي الأبعاد. ما لا تعلمه أنها عزمت اختراق عالم السيارات بكل ما أوتيت من قوة، ليس فقط عبر شراكتها لعدة سنوات مع شركة «بوش Bosch» لإنتاج قطع الغيار عالية الجودة، بل بنيتها تتويج شراكتها مع شركة «أودي Audi» الألمانية إلى مستوى غير مسبوق عبر بناء سيارة ذاتية القيادة بحلول عام 2020.
تهدف أودي ونفديا إلى دمج خبراتهما سويا من أجل تقديم سيارة ذاتية القيادة من المستوى الرابع -ما قبل التحكم الكامل- قادرة على قيادتك إلى مكتبك في الصباح والعودة إلى المنزل بعد العمل، فتح وغلق باب المرآب أوتوماتيكيا، وضبط درجة الحرارة داخل السيارة وتشغيل قائمة الأغاني المفضلة لكل قائد على حدة.
ضمن فعاليات النسخة الحالية من معرض CES 2017 تم تقديم لمحة عن المستقبل عبر نسخة أولية من أودي Q7 الرياضية متعددة الاستخدامات بنظام مساعد للقيادة، لا يعمل فقط وفق أوامر معدة مسبقا، بل يجسد مبادئ الذكاء الاصطناعي بشأن مراقبة حالة الطرق والسيارات الأخرى على الطريق، ومن ثم التصرف وفقا لتلك المعطيات والتنبؤ مسبقا بأي خطر محتمل.
بي إم دبليو/ إنتل: منصة مشتركة لجميع الشركاء
ثمرة تعاون شركة بي إم دبليو الألمانية مع شركة إنتل للمعالجات وشركة Mobileye الإسرائيلية للتكنولوجيا ألقت بظلالها على أحداث معرض CES 2017، بعد إعلان التحالف عن بدء تجربة 40 سيارة ذاتية القيادة من الفئة السابعة الفاخرة 7-Series على الطرق الأمريكية والأوروبية خلال النصف الثاني من العام الحالي. وهذا على أن تتوافر تجاريا بحلول عام 2021 إن سارت الأمور كما هو مخطط لها.
بي إم دبليو وإنتل على لسان مديريها التنفيذيين لا يعتزمان أن تقتصر التكنولوجيا على سيارات بي إم دبليو فحسب، بل يهدف التحالف إلى بناء منصة تكنولوجية مفتوحة المصدر للقيادة الذاتية، مُرحب فيها بشركاء جدد لتشارك الخبرات والتجارب من أجل بلوغ التقنية غايتها بأسرع وقت وأقل تكاليف ممكنة.
فاراداي وحلم سحب البساط من تسلا
لعل أبرز مفاجآت المعرض بلا استثناء كانت شركة فاراداي فيوتشر Faraday Future أمريكية المنشأ بتمويل صيني، التي خلال السنوات القليلة الماضية كانت تعمل في صمت بعيدا عن الضوضاء على بناء سيارة كهربية ذاتية القيادة تدعى FF91، يثق الكثيرون بقدرتها على سحب بساط التفرد من شركة تسلا، وذلك بفضل مزجها بين تكنولوجيا متطورة وأرقام أداء مذهلة.
فلسفة فاراداي تقوم بالأساس على جعل السيارة أقرب وأكثر اتصالا وتفاعلا مع قائد السيارة من أي سيارة أخرى. بداية من فتح باب السيارة بضغطة زر على الهاتف المحمول واصطفافها أوتوماتيكيا بزر آخر، مرورا بنظام معلوماتي ترفيهي يغير درجة الحرارة وقوة الإضاءة وتشغيل الإذاعة المفضلة لكل سائق بعد التعرف على صوته، انتهاء بقيادة ذاتية من المستوى الرابع مدعمة بـ 10 كاميرات أمامية وخلفية، 13 رادارا قصير وطويل المدى، 12 جهاز استشعار موجات فوق صوتية.
لعل أبرز ما يميز فاراداي FF91 حقا أن تحت مظلة خطوط التصميم الثورية والتكنولوجيا المعقدة تقبع سيارة رياضية ذات أداء غير مسبوق. و تدعي الشركة أن مدى فاراداي FF91 الكهربي يزيد على 600 كيلومتر دفعة واحدة. مع محرك أيقوني ينتج 1050 حصانا يمكنها من التسارع من 0-100 كم/س في 2.39 ثانية، وهو ما يجعلها أسرع من منافسيها في تلك الفئة وعلى رأسها تسلا موديل إكس Model X.
عقب إزاحة الستار عن النسخة التجريبية من فاراداي FF91 بالمعرض تلقت الشركة طلبات حجز فاقت توقعاتها، حيث تخطت 65 ألف طلب حجز خلال 36 ساعة فقط، بمقدم حجز 5 آلاف دولار من ثمن السيارة المقدر أن يتراوح بين 100-120 ألف دولار أمريكي -نفس سعر النسخة الأكثر تجهيزا من تسلا موديل إس- ومن المتوقع أن تبدأ تسليم السيارات لمالكيها تباعا عام 2018.
ربما كانت السيارات ذاتية القيادة هي أبرز ما كان في المؤتمر بجانب بعض التقنيات الأخرى التي لم تلق نفس الاهتمام المماثل، فهل سنرى أساطيل السيارات بدون قائد قريبا في الطرق؟ هل سنتخلى قريبا عن حاجتنا للتدريب واستخراج رخص القيادة الشخصية قبل القدرة على شراء سيارة خاصة؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال الآن، لكن المؤكد أن الجميع يعمل بقوة من أجل الوصول لتلك اللحظة الفارقة.