أسباب توقف التدخل العسكري المصري في ليبيا
اتجهت مصر في عهد عبد الفتاح السيسي إلى النظر للصراع في ليبيا، على أنه خطر كبير، يهدد الأمن القومي للدولة المصرية ومؤسساتها، بسبب سيطرة التنظيمات الجهادية على المشهد هناك، وانتشار حالة الاقتتال الداخلي، والصراع المسلح متعدد الأطراف، إضافةً إلى عمليات القتل المتنوعة لجنود ومواطنين مصريين، والتي حدث بعضها على الحدود المصرية الليبية كما في العام الماضي، وأخرى داخل ليبيا نفسها آخرها عملية ذبح 21 قبطيًا على يد تنظيم داعش، مما سبَّب حالة من التوتر والانزعاج الشديد دعت النظام المصري إلى تنفيذ ضربة جوية، بالإضافة للأخبار المتناثرة عن عملية إنزال معقدة تمت في درنة شرقي ليبيا، قيل أنه قام بها قوات مصرية خاصة بمشاركة ليبية، فيم وصفت مصادر عسكرية مصرية الغارة الجوية بأنها أسفرت عن مقتل 50 عنصراً من تنظيم «داعش» بينهم 7 قيادات،غير أنها أدت لقتل وجرح العشرات من المدنيين الليبيين (وفقًا لمنظمات حقوقية)، مؤكدةً أن مصر تستعد لتوجيه ضربات جديدة، تستهدف كافة مواقع تنظيم «داعش» ومواقع لتنظيم «أنصار السنة» في درنة وسرت، إضافة إلى تصفية معسكرات تدريب الإرهابيين في مصراتة.
بعدها ظهر السيسي في مقابلة بثتها قناة «أوروبا1» الفرنسية يقول فيها : «إنه لا يوجد خيار آخر غير الغارّات الجوية التي نفذتها الطائرات المصرية في ليبيا»، مشدّدًا على أن «الوضع يتطلب تكرار سيناريو الغارّات، وبشكل جماعي».
قبل أن تتراجع مصر عن ذلك ويُصدر السفير بدر عبدالعاطي، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية بيانًا يقول فيه: «إن التحرك السياسى المصري فى نيويورك بشأن ليبيا، هو بداية المشوار السياسي وليس نهايته»، مؤكدًا أنه لا حديث عن أي طلب لتدخل عسكري خارجي في ليبيا.
وفيما يلي نرصد أهم الأسباب التي أدَّت إلى تراجع مصر عن التدخل العسكري في ليبيا:
المعارضة الدولية
حاولت مصر استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يمنح تفويضًا لتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا، ودعم الحكومة الليبية في طبرق، المنبثقة عن مجلس النواب المنحل، ورفع حظر التسلح عنها، غير أن التحرك المصري واجه معارضة دولية، خاصةً من الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية، التي شددت على ضرورة عدم الانحياز لأي طرف من الأطراف في الساحة الليبية، والإعلان بشكل ضمني، رفضها دعوة السيسي، إلى تدخل عسكري دولي في ليبيا، وتأكيدها على أن الحل السياسي هو الأفضل حاليًا.
حيث شدّدت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا في بيان مشترك، على ضرورة إيجاد حل سياسي في ليبيا، وأشار البيان إلى أنه «لن يكون مسموحًا، لمن يحاول منع العملية السياسية، والانتقال الديمقراطي في ليبيا، أن يجرّ البلاد إلى الفوضى والتطرف»، من دون أي إشارة إلى إمكانية القيام بتدخل عسكري في حال فشلت الجهود السياسية.
من جهتها، قالت الممثلة العليا لشئون السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، «فريدريكا موغيريني» في تصريحات صحفية، أنه «لن يتم دراسة أي التزام أوروبي بأي عمل عسكري في ليبيا».
فضلًا عن بيان منظمة العفو الدولية الذي صدر مؤخرًا والذي بدوره وصف الغارات التي شنتها مصر على مدينة درنة شرقي ليبيا، بأنها جرائم حرب، حيث كشفت التحقيقات التي أجرتها المنظمة، أن صاروخين على الأقل أصابا منطقة بها كثافة سكانية كبيرة، مما أدى إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وصل عددهم إلى سبعة وهم: أم وأطفالها الثلاثة، وثلاثة أشخاص آخرين، قتل بعضهم جرّاء تساقط الحطام، والبعض الآخر جرّاء الشظايا.
رفض عربي
«المجموعة العربية» لم تتّخذ موقفًا مشتركًا مع مصر حول الوسائل التي عليها اتّخاذها لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، فالأردن بصفتها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، سحبت مسودة مشروع القرار المصري الذي كان يُطالب بالتدخل العسكري، لإعادة صياغته في ضوء توجهات القوى الدوليّة الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ويأتي تراجع الأردن في ظل تراجع خليجي عن دعم القرار الخاص بالضربة العسكرية، كما أن الموقف الخليجي الأخير والموحد، الذي أعلن صراحة رفض اتهامات الحكومة المصرية لدولة قطر بدعم الإرهاب، لأن الأخيرة رفضت الحماسة المصرية للحرب في ليبيا يؤكّد على رفض القرار المصري، من ناحية أخري فالجزائر أيضًا رفضت -شأنها شأن تونس- فكرة التدخّل العسكري، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية الجزائري «رمطان لعمامرة»:
وأهمية موقف الجزائر يتمثل في أنها تمثل الجار الآخر الأهم لليبيا، وعلى حدودها مباشرة، مثل مصر تمامًا، فيما أعلنت الحكومة التونسية أنها ترفض أي تدخل أجنبي في ليبيا، وقال «الحبيب الصيد»، رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي «نحن دائما ضد التدخل العسكري في ليبيا، والحل السياسي هو الحل الوحيد، حيث أن الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 السبب فيها أساسًا التدخل العسكري، لذا فموقفنا واضح، الحل السياسي هو الأسلم».
واستنكرت السلطات الليبية متمثلة في المؤتمر العام الوطني (البرلمان) ورئيس حكومة الإنقاذ، التدخل العسكري المصري في ليبيا، حيث قرر المؤتمر التقدم بشكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة في هذا الشأن، فيما وصف رئيس حكومة الإنقاذ «عمر الحاسي» الغارات المصرية، بالعدوان الآثم، الذي استهدف المدنيين، معتبرًا «الإرهاب» الذي قاده سلاح الجوّ المصري انتهاكًا صارخًا للسيادة الليبية وخرقًا للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة. كما استنكرت قوات فجر ليبيا أي تدخل عسكري داخل الأراضي الليبية، تحت أي ذريعة.
تحذيرات داعش
صورة من الفيلم الذي صورته داعش لقتل 21 مصريا في ليبيا
ذكرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، أن الدول الأوروبية، أخذت على محمل الجدّ تهديد تنظيم الدولة «داعش»، بإرسال نصف مليون مهاجر إفريقي دفعة واحدة إلى أراضيها، في حال أقدمت على دعم طلب مصر بالتدخل العسكري في ليبيا.
فيما أكدت الحكومة الإيطالية التي كانت تدعم في البداية فكرة التدخل العسكري في ليبيا، تراجعها بعد أن تأكدت أن هناك أدلة حول أن «داعش» يخطط لإغراق أوروبا بنصف مليون مهاجر في وقت واحد عن طريق مئات القوارب، انطلاقًا من ليبيا، في حال تمت الموافقة على الطلب المصري، حيث أنه في حال تدفق آلاف المهاجرين بطريقة غير شرعية، انطلاقًا من ليبيا، فإن المدن الأوروبية ستتحول حينها إلى ساحات من الفوضى والشغب.
الضعف المصري
كل من تابع مسار حروب الإرهاب، يعرف أنها مكلّفة، وتحتاج إلى صبر وموارد هائلة، وهو ما لا يتوفر في ظل أزمات اقتصادية تلاحق مصر، والأهم من ذلك تحتاج إلى تعاون محلي وإقليمي ودولي، وهو ما تفتقده مصر أيضًا، ومن دون ذلك يرى خبراء عسكريون، أنه لن تتحقق أي نتائج ملموسة، وسيصبح التدخل العسكري، استنزافًا منهِكًا بلا نتائج حاسمة، وسيزيد من عرضة مصر لهجمات انتقامية، متوقعين تكرار استهداف المصريين وقتلهم مجددًا على أيدي التنظيمات المسلحة، بقصد جرّ القوات المصرية، إلى دخول صحراء ليبيا، وتشتيت جهودها فى أكثر من اتجاه، وهو ما سيعرض مصر لما يُعرف بـ«حرب الجبهات المفتوحة»، كما حدث فى اليمن فى الستينيات، وكانت عواقبه سيئة للغاية.
وإذا تدخلت مصر بريًّا لوحدها، فإنها تكون قد جُرَّت إلى فخ يريده المتطرفون لإشغالها بحربين، واحدة في أقصى الشرق في سيناء، والأخرى في أقصى الغرب في ليبيا، وهو وضع صعب لأي جيش نظامي، ومستنزف لأي بلد، ولدى مصر الآن ما يكفيها من المشكلات، وما يجعلها تتجنب الوقوع في «نكسة» أخرى.