حفرية قرموط وادي الحيتان: حوار مع الباحثة المصرية سناء السيد
مع بداية شهر «تاريخ المرأة» الذي يحتفي بإنجازات المرأة في المجالات المختلفة، وقبل أيام قليلة من ذكرى «يوم المرأة العالمي»، نشرت دورية «بلس ون» PLOS ONE في الأول من مارس ورقة بحثية للباحثة المصرية «سناء السيد» من جامعة المنصورة، تعلن فيها عن كشف أحفوري جديد من وادي الحيتان، لتصبح بذلك أول باحثة في مجال الحفريات الفقارية في الشرق الأوسط، تتمكن من النشر العلمي في دورية عالمية مرموقة، وتقدم الأمل والتشجيع لسائر الباحثات الشغوفات بتاريخ الحياة القديم في المنطقة، لاقتحام مجال صعب لطالما كان حكرًا على الباحثين الذكور.
قرموط وادي الحيتان Qarmoutus hitanensis هو الاسم العلمي الذي منحته الباحثة لكشفها الجديد الذي ينتمي إلى رتبة السلوريات أو أسماك القطة والتي تعرف محليا بالقراميط، والذي استوطن قديما منطقة وادي الحيتان جنوب غرب منخفض الفيوم. وإذا أردت رؤية السمكة خلال فترة حياتها فإنك ستحتاج إلى السفر عبر الزمن إلى عصر الأيوسين قبل قرابة 37 مليون سنة، هناك من فوق قاربك في مياه بحر تيثس الذي غطى المنطقة التي أصبحت الآن صحراء جرداء، قد تلاحظ حجمها الضخم بطول يقارب المترين وهي تطارد فرائسها، أو تهرب من الوحوش الضخمة كالتماسيح، أو أسلاف الحيتان القديمة ذات الأرجل مثل الباسيلوسورس التي تسيدت المنطقة قديمًا، والتي استمد الوادي والأحفورة اسميهمها منها.
وتكمن أهمية الأحفورة التي ستكمل حلقة مفقودة في التاريخ التطوري لسلالتها، أنها تنتمي إلى جنس ونوع جديدين تمامًا، كما أن دراستها المستفيضة ستساعد على زيادة فهم النظام البيئي القديم للوادي وفقًا لـ د. سناء، يضاف إلى ذلك أنها أول السلوريات المكتشفة في وادي الحيتان، بحالة حفظ جيدة للغاية، وهي أولى الأحافير التي تم استخراجها ودراستها بشكل كامل من قبل فريق باحثين مصريين فقط.
كيف بدأت رحلتك مع الأحافير الفقارية؟
أظن أن البداية كانت في المرحلة الإعدادية، حيث صادفني كتاب مبسط عن أسس الجيولوجيا، قرأت عن الزلازل والبراكين، وعن الأحافير وأنواعها، كام كان مذهلاً أن تتفحص آثار كائنات حية عاشت قبلنا بملايين السنين، وأن ملايين السنين هي فترة وجيزة في تاريخ الأرض.
بعد انتهائي من المرحلة الثانوية، كنت مصممة على دراسة الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة المنصورة، ولم تظهر عائلتي أي ممانعة، في السنة الثالثة من الكلية حظيت بدراسة مادة الحفريات الفقارية مع د.هشام سلام، وهو أول أستاذ في علم الحفريات الفقارية في مصر، وكان لأسلوبه الجذاب أن يدفعني لدراسة ذلك التخصص بالتحديد، وها أنا اليوم أناقش رسالة الماجستير عن حفريات الأسماك.
بالحديث عن الأسماك، ما هي قصة «قرموط وادي الحيتان»؟
تبدأ قصة قرموط وادي الحيتان مع أول رحلة ميدانية لي على الإطلاق، كانت تلك الرحلة في أواخر عام 2011. فبعد إنشاء مركز المنصورة للحفريات الفقارية، أراد د.هشام تدريب الطلبة وأعضاء المركز على كيفية استخراج حفرية فقارية من موقعها، ولحسن الحظ كانت عمليات المسح الدورية حينها قد حددت موقع تلك السمكة في وادي الحيتان إلا أنه لم يتم استخراجها، وخلال تلك الرحلة تمكنا من استخراجها بشكل جيد، ومن ثم نقلها إلى المعمل لتتم دراستها.
إذا كانت الحفرية قد تم استخراجها من 6 سنين، لماذا استغرقت دراستها كل تلك الفترة؟
هناك عدة أسباب لذلك، لكن دعني أوضح في البداية المراحل التي تمر بها دراسة حفرية جديدة بعد استخراجها، وقبل إعلانها نوعًا أو جنسًا جديدًا.
أولى المراحل هي مرحلة الإعداد، تشمل تلك المرحلة إزالة الرواسب العالقة بالحفرية وتنظيفها، تقويتها بأصماغ معينة للحفاظ عليها، ثم محاولة وضع الأجزاء أو العناصر الناقصة في موقعها إذا تمكنت من ذلك، وتركها إذا لم تكن واضحة، ولا تشمل تلك المرحلة أي سعي لتعريف العينة، وقد قمت بتلك المهمة في السنة الرابعة أو الأخيرة من الكلية ضمن مشروع التخرج.
تبدأ مرحلة الدراسة ومحاولات تعريف العينة بعد ذلك، وهنا نعتمد بشكل أساسي على المواصفات التشريحية للعينة التي ستوضح الفصيلة أو الرتبة العامة التي تنتمي لها، ومن ثم مقارنتها بالأنواع الأخرى في فصيلتها، لنتعرف إذا ما كانت نوعًا جديدًا أو حفرية سبق تعريفها.
كانت مشكلتنا الأكبر هي عدم معرفتنا الكافية بعلم التشريح، حيث إن علوم التشريح لسوء الحظ لا تدرس إلى طلبة الجيولوجيا في مصر، ومن ثم قضيت وقتًا طويلاً في دراسة تشريح الأسماك، خاصة الأنواع الحديثة أو المعاصرة من أسماك القراميط، قبل البداية في الدراسة المقارنة.
إذًا متى يحدد علماء الأحافير أنهم يتعاملون مع «نوع جديد»؟
كما ذكرت سابقًا، من خلال دراستها التشريحية نحدد الفصيلة أو الرتبة العامة التي تنتمي لها الحفرية، يلي ذلك تحديد العائلة التي تنتمي إليها، ثم مقارنتها بالأجناس المدرجة تحت تلك العائلة. إذا توافقت مع إحداهم، يتم مقارنتها بالأنواع التابعة للجنس للتأكد إذا ما كان نوعًا جديدًا، إذا لم تتوافق مع أي جنس فهي جنس جديد وبالضرورة نوع جديد.
على سبيل المثال، تعرفنا خلال دراستنا لأحفورة قرموط وادي الحيتان في البداية أنها من السلوريات أو القراميط، ومن ثم تعرفنا أنها تنتمي إلى عائلة من القراميط تعيش أغلبها في المياه المالحة وتعرف علميا باسم Ariidae، اعتمادًا على توافق الصفات التشريحية المميزة لها مع عينة الدراسة كما تواجد بقايا أسماك تعيش في المياه المالحة كأسنان القرش في الرواسب المحيطة بها، قمنا بعد ذلك بمقارنتها بالصفات المميزة لكل جنس يتبع تلك العائلة من الأوراق العلمية المنشورة، لنتأكد بعد ذلك أنها تختلف عنهم جميعًا، علمنا حينها أننا نتعامل مع جنس ونوع جديدين.
ما هي الصعوبات التي قد تواجه الباحثات في مجال الحفريات الفقارية في مصر؟
الصعوبة الأساسية تكمن في ثقافة المجتمع عن دور الفتيات وحدودهن، فأغلب العائلات هنا لا تقبل أن تتغيب بناتهم عن المنزل في مكان معزول كصحراء وادي الحيتان لعدة أيام، وأن يكون ذلك هو نمط حياتهم المستمر، لحسن الحظ لم أواجه تلك المعضلة مع عائلتي التي دعمتني من البداية، وهو نفس الحال مع زميلاتي في المركز، و هن للعلم 4 فتيات يعملن جميعًا على رسالة الماجستير من خلال مركز جامعة المنصورة.
هناك أيضًا صعوبات عامة تواجه الإناث والذكور على حد سواء، فثقافة المجتمع العلمية بشكل عام ضعيفة، حيث يصعب عليك إقناع العامة إذا شاهدوك في موقع العمل الميداني في الصحراء أنك تبحث عن ديناصور عاش قبل ملايين السنين، حيث سيسارع الجميع بالظن أنك تبحث عن الآثار، وهو ما يعرضنا دائمًا للمضايقات.
ما هي الأهداف المستقبلية لأول باحثة في مجال الحفريات الفقارية في الشرق الأوسط؟
مصر غنية بالحفريات الفقارية، أتمنى أن أستكشف المزيد والمزيد منها، كما أنني أسعى مع مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية لتدريب كوادر مصرية تستطيع القيام بكل العمل وحدها، فلا تواجه الباحثات الصغيرات المهتمات بذلك المجال صعوبة في السعي وراء حلمها مستقبلاً.