«الكبتاجون»: معضلة العرب الجديدة مع الأسد وحلفائه
قرب فجر السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2022، تسلل عدد من الأشخاص من سوريا تحت جنح الضباب لعبور الحدود الأردنية، في ذروة العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة مؤخرًا، وبمجرد أن شاهدهم الأمن الأردني فاجأهم المتسللون بإطلاق النيران عليهم، واندلعت بينهم اشتباكات أسفرت عن سقوط 27 قتيلاً وعدد من الجرحى في صفوف المتسللين، في رابع معركة من نوعها خلال أقل من شهر بين الأردن والمهرّبين القادمين من سوريا.
أسفرت هذه المواجهات عن ضبط شحنة ضخمة من المخدرات كما كان متوقعًا، فقد اعتمد المهربون الأراضي الأردنية كطريق عبور لهم إلى دول الخليج العربي الغنية، وزاد الطين بلة منذ أن فتحت عمّـان معبر «جابر» في محافظة إربد مع سوريا في سبتمبر/أيلول الماضي، وقد بلغت المواجهة بين الطرفين ذروتها في منتصف يناير/كانون الثاني حين هاجم حوالي مائتي مهرب خط الحدود وقتلوا الضابط الأردني محمد الخضيرات مما دعا عمـّان للتعامل بحزم وشدة مع هذه الظاهرة المتصاعدة.
«الحشاشون» الجدد
ازدهرت تجارة المخدرات لا سيما أقراص الكبتاجون خلال الحرب في سوريا، رغم أن قانون المخدرات الصادر عام 1993 يحظر بيع الحبوب المسببة للإدمان دون وصفة طبية، وتنص مادته الثالثة والأربعين على اعتقال من يتعاطاها مدة لا تقل عن 3 سنوات وغرامة مالية، وبحسب المادة 45 قد تصل عقوبة المهربين للإعدام، لكن الواقع أن النظام السوري نفسه بات أكبر منتج ومـُهرب للمخدرات في المنطقة بعد انهيار منظومة الدولة وإلغاء العمل بالقوانين عمليًا باستثناء قانون التجنيد الإجباري الذي يضمن جلب عناصر جدد للعمل في منظومة ترويج المخدرات التابعة لقوات النظام.
والكبتاجون هو الاسم التجاري لدواء ظهر في الستينيات لمعالجة الاكتئاب، لكن منظمة الصحة العالمية حذرت منه عام 1986 لأنه يضر بالقلب ويسبب الإدمان، وتم حظره، لكن تواصل تصنيعه في بلغاريا بشكل غير قانوني، ومنها انتشر في دول أوروبا والخليج العربي، وبسبب علاقاتها القديمة بشركات الأدوية البلغارية أصبحت سوريا منصة كبرى لهذه السموم بعد حصولها على الخبرات اللازمة، وانتشرت بين سكانها تحت مسمى شعبي هزلي هو «يا مسهرني».
انتشر الكبتاجون بين المقاتلين خلال الحرب السورية لأنه يمنح مدمنيه جرأةً وتهورًا مما يجعلهم أقدر على خوض القتال العنيف ويمنع الشعور بالجوع والنعاس ويجنبهم الصدمات النفسية؛ في طقوس مشابهة لما يشتهر تاريخيًا عن فرقة «الحشاشين» الشيعية الإسماعيلية في سوريا وبلاد الشام قديمًا الذين كانوا يخدرون أتباعهم بنبتة الحشيش لدفعهم للقيام بعمليات شبه انتحارية ضد الخصوم.
تواترت الأنباء والتقارير عن انتشار المخدرات بين صفوف الميليشيات التي تقاتل تحت لواء الحرس الثوري الإيراني في سوريا على اختلاف جنسياتها، وأحيانًا تندلع خلافات أو اشتباكات بين تلك الجماعات بسبب الخلاف على تقاسم حصص المواد المخدرة، وتنشط هذه التجارة بين عناصر ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي التي تستغل استبعادها من التفتيش على الحدود وتنقل الكبتاجون بسياراتها لبيعها داخل بلادها.
وتعاني الدول العربية المجاورة لإيران من تدفق المخدرات عبر حدودها بشكل كبير، بداية من العراق الذي يشكو مسؤولوه من أن معظم هذه السموم تأتي من الأراضي الإيرانية التي أصبحت أيضًا المصدر الرئيسي لتهريب المخدرات بكل أنواعها إلى الدول الخليجية، حتى أن الدول التي تتعامل بحذر مع طهران يتم إرسال الشحنات إليها عبر دول ثالثة أو رابعة لتسهيل دخولها، وتتفنن جهات التهريب في إخفائها بطرق مبتكرة كما وقع في نوفمبر/تشرين ثاني حين دخلت المخدرات الإيرانية إلى الكويت داخل أحشاء قطيع من الأغنام الحية.
وقد تكرر اكتشاف قضايا مخدرات في أوروبا مرتبطة بحزب الله اللبناني الذي يواجه ضغوطا مالية شديدة بسبب العقوبات الأمريكية والانهيار الاقتصادي في لبنان، وفي يونيو/حزيران الفائت حذر تقرير صادر عن وكالة إنفاذ القانون الأوروبية «يوروبول» من أن عناصر حزب الله يُعتقد أنهم يتاجرون بالمخدرات ويغسلون أموال العائدات في دول أوروبية.
وبحسب تقارير، فإن أعضاء من حزب الله تورطوا منذ منتصف التسعينيات في هذه التجارة، وأقام الحزب علاقات مع عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية. وبمرور الوقت، أصبح شريكًا في شبكات تهريب هذه المواد بحسب ماثيو ليفيت، مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، وتوسع الأمر منذ عام 2006 ، ثم بدأ الإنتاج بتوسع في سوريا عندما تدخل الحزب عسكريًا فيها عام 2012.
وساهمت هذه التجارة في تعويض جزئي للخسائر المالية الضخمة التي تكبدها الحزب بعد أن كان يعتمد على الإعانات المالية الإيرانية لتمويل عملياته في لبنان وخارجه، لكن بعد العقوبات على طهران تعرض التمويل لتخفيضات حادة، وهكذا تضافرت الظروف التي جعلت إيران والدول المنخرطة في محورها وتنتشر بها ميليشياتها كالعراق وسوريا ولبنان تتورط في هذا الأمر بعد انهيار قيم عملاتها جميعًا وتردي الأوضاع الداخلية بها.
لبنان يدفع الثمن
وتكررت محاولات تهريب المخدرات إلى دول الخليج العربي ولا سيما الكويت والسعودية خلال الأشهر الماضية من لبنان الذي تحولت موانئه الخاضعة لهيمنة حزب الله إلى منفذ رئيسي لتلك التجارة في المنطقة العربية، مما يدل على ضلوعه في تهريب المخدرات إلى دول الخليج وفقًا لما أكده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، وليد جنبلاط.
فقد تم ضبط شحنات هائلة من تلك الأقراص في الموانئ العربية والأوروبية في العامين الماضيين خاصة المملكة العربية السعودية التي أعلنت أن إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة من لبنان منذُ بداية عام 2020 حتى شهر أبريل/نيسان 2021، بلغ أكثر من 57 مليون قرص مخدر بحسب السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، فتم فرض حظر على الواردات الزراعية اللبنانية في أبريل/نيسان الماضي.
ورغم تأكيدات رئيس الجمهورية ميشال عون أنه لا يقبل أن يكون بلده معبرًا لما يمكن أن يسيء إلى الدول العربية عمومًا وإلى الرياض ودول الخليج خصوصًا، فإن شحنات الكبتاجون لم تتوقف إلى أراضي المملكة بشكل غير مسبوق رغم جهود المكافحة الكبيرة، فتم فرض حظر سعودي على جميع الواردات اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول، وسرى هذا القرار على كل الشحنات التي تمر بالمملكة بما فيها الصادرات إلى الكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة.
إلا أن ذلك لم يوقف السيل الكبتاجوني الذي سلك طرقًا أخرى تبدأ من نفس المصدر وتصل إلى نفس الأسواق، وكمثال على ذلك أعلن وزير داخلية لبنان بسام مولوي، خلال مؤتمر صحفي في يناير/كانون الثاني 2022 عن «ضبط شحنة كبتاجون كانت في طريقها إلى توجو في أفريقيا»، كمحطة ترانزيت إلى السعودية بعد تزوير هويتها.