فيروس كورونا الكلاب: ماذا نعرف عنه؟ هل يُشكل خطرًا؟
فيروس كورونا الكلاب.. شقيق جديد من عائلة الفيروسات التاجية يبدأ في الظهور، قبل حتى أن ينجح العالم في احتواء الجائحة التي سببها شقيقه الأقدم «كورونا الجديد / سارس 2 المسبب لمرض كوفيد-19» الذي فشل الباحثون في تحديد مصدره الرئيسي حتى الآن، مع بعض التشاؤم حول قدرة البحث العلمي على السيطرة على الفيروس الذي لم نعلم الكثير عن أسرار تحوراته.
ظهرت الإصابات لأول مرة بين البشر بين عامي 2017 و2018، لكن تصنيفها باعتبارها فيروسًا جديدًا مصدره الكلاب تأخر حتى مايو 2021، قبل أن يتضح في نوفمبر أن كل تلك الحالات التي ظهرت في هايتي وماليزيا بشكل متفرق متطابقة، وأننا أمام الفيروس الثامن من عائلة الفيروسات التاجية الذي سمي بــ «فيروس كورونا الكلاب»، والذي ربما يكون قد بدأ الانتشار الصامت في أجزاء أخرى من العالم.
ويحمل الفيروس الجديد اسم CCoV-HuPn-2018؛ باعتباره رُصد لأول مرة في 2018. ويكشف تسلسله الجيني أن مصدره الكلاب في حالة قد تكون الأولى من نوعها الذي تنقل الكلاب فيروسات كورونا الحيوانية إلى البشر.
كشف الفيروس بالصدفة
بعد انتشار جائحة كورونا الجديد، طلب أستاذ الأمراض المعدية في جامعة ديوك، غريغوري جراي، من باحث الدكتوراه، ليشان زيو، طالب الدكتوراه، طلبًا عجيبًا: تطوير أداة اختبار يمكن أن تساعد العلماء في اكتشاف جميع أنواع الفيروسات التاجية، حتى إذا لم تكن معروفة.
نجح ليشان بالفعل في إنتاج تقنية اختبار استخدمها في تحليل عينات قديمة من مسحات البلعوم الأنفي المأخوذة من 301 شخص نقلوا إلى المستشفى بأعراض تشبه الالتهاب الرئوي في ماليزيا في عامي 2017 و2018.
اكتشف الباحث عينات لما بدا أنه فيروس تاجي جديد قريب من تلك المعروفة أنها تصيب الكلاب. وكانت العينات مأخوذة بشكل أساسي من أطفال دون سن الخامسة، يعيشون في مناطق كان فيها الاتصال بالحيوانات الأليفة والبرية شائعًا.
في البداية، اعتقد الباحث وزملاؤه أنهم ارتكبوا خطأً في جمع العينات، التي يمكن أن تكون تلوثت خلال عمليات الجمع أو النقل؛ لذلك أرسل جراي العينات إلى عالمة الفيروسات البيطرية في جامعة ولاية أوهايو، أناستاسيا فلاسوفا، لإجراء مزيد من عمليات التدقيق. استخدمت فلاسوفا تقنية فحص أقل حساسية قليلًا، وتأكدت أن بعض العينات كانت تحتوى على فيروس كورونا الكلاب الجديد. علاوة على ذلك، أثبتت إحدى العينات أنها قادرة على إلحاق الضرر بخلايا الكلاب.
من هذه العينة، جمعت فلاسوفا الجينوم الكامل لفيروس كورونا الكلاب التي تطابقت بشكل وثيق مع جينوم فيروسات كورونا الأخرى المعروفة، لكنها كانت سلالة جديدة، فيما قالت فلاسوفا إن الفيروس يبدو عبارة عن مزيج من اثنين من فيروسات كورونا التي جرى تحديدها سابقًا.
الملاحظة الثانية أن فيروس كورونا الكلاب الجديد يحمل طفرة جينية غير عادية، يرصد للمرة الأولى في الفيروسات التاجية التي تصيب الكلاب، لكن طفرات مماثلة ظهرت في الفيروسات المسببة لسارس 1 وكوفيد-19.
أحد الاحتمالات التي تفسر هذه الطفرة أنها الطفرة التي تساعد فيروسات كورونا الحيوانية على التكيف مع المضيف البشري.
صدفة مشابهة في هايتي
فيروس كورونا الكلاب اكتشف بنفس طريقة الصدفة في مكان آخر غير ماليزيا. النتائج التي أعلن عنها في نوفمبر 2021 هي الأخرى نتيجة تحليل عينات قديمة من هايتي.
في أوائل 2017، عاد فريق من العاملين في المجال الطبي الأمريكيين إلى موطنهم في فلوريدا بعد التطوع في عيادة في هايتي.
بعد فترة وجيزة من عودتهم، بدأ 20 من أعضاء الفريق يشعرون بقليل من التعب، الذي صنفه عالم الفيروسات بجامعة فلوريدا جون ليدنيكي بـ «حمى طفيفة دون مرض شديد».
حينها، كان فيروس زيكا ينتشر في هايتي، وكان مسئولو الصحة قلقين من احتمال إصابة الفريق الأمريكي بالفيروس، وبالتالي تصديره إلى فلوريدا، لذا جمعوا عينات بول من كل مسافر، وطلبوا من ليدنيكي اختبار فيروس زيكا.
أجرى ليدنيكي اختبارات «بي سي آر» القياسية للفيروس، وظهرت جميعها سلبية، لكنه لم يكن راضيًا. كان لديه حدس أن عينات البول تحتوي على فيروس آخر غير زيكا، لذا أخذ العينات، وأضاف إليها محلولًا خاصًّا من خلايا القرود، للتأكد مما إذا كانت تحوي أي فيروسات، لتصيب خلايا القرود، فتنمو وتتكاثر إلى مستويات يمكن اكتشافها.
نجحت فكرة ليدنيكي بالفعل، وتمكن من جمع جينات الفيروس والتعرف عليه.. وحدث ما لم يكن متوقعًا، وجد نوعًا من فيروسات كورونا الذي توقع أن يكون أحد مسببات الأمراض البشرية الجديدة، وبمزيد من البحث، اكتشف أنه نفس فيروس الكلاب الذي رصده باحثون آخرون في ماليزيا.
الثامن من عائلة كورونا
أنواع فيروسات كورونا متعددة في الطبيعة. وقسمها العلماء إلى أربع فئات رئيسية: ألفا – بيتا – جاما – دلتا. كلها قادرة على نقل العدوى بين الحيوانات والطيور، وتعرف الباحثون على أولها في عشرينيات القرن العشرين.
من كل هذه الأنواع، تعرف العلماء لأول مرة على فيروسات كورونا القادرة على إصابة البشر لأول مرة في الستينيات من القرن العشرين، واكتشفوا أنها تميل إلى فئتي ألفا وبيتا.
نعرف حتى الآن أن 7 فيروسات كورونا كانت قادرة على إصابة البشر: HCoV-229E – HCoV-NL63 – HCoV-OC43 – HCoV-HKU1، والتي تسبب نزلات البرد المعتدلة، وكلها من فئة ألفا، بجانب ثلاثة فيروسات تسبب أمراض سارس – متلازمة الشرق الأوسط التنفسية – وكوفيد-19، وكلها من فئة بيتا.
المطمئن أن فيروس كورونا الكلاب الجديد صنّف ضمن فئة ألفا.
انتقال الفيروسات حيوانية المنشأ عمومًا إلى البشر أمر مألوف. يعتقد العلماء أن معظم الفيروسات عبر التاريخ، إن لم يكن كلها، جاءت للإنسان من الحيوانات. يعتقد الخبراء أنه من المحتمل أن يكون هناك المزيد من فيروسات كورونا غير المكتشفة وغير الضارة نسبيًّا المنتشرة بين البشر، وكلما بحثنا عنها، وجدنا أكثر.
وقال عالم الفيروسات في جامعة فلوريدا جون ليدنيكي إن الدراسة الجديدة حول كورونا الكلاب مهمة للغاية لأنها تكشف أن مجموعة فيروسات كورونا المنتشرة في الطبيعة تستحق الكثير من التدقيق؛ لأن كثيرًا منها تظهر طول الوقت ولا تتفشى، لكنها قد تحمل تهديدًا بالتحول إلى جائحة في أية لحظة.
خبير الأمراض المعدية غريغوري جراي قال إن الرسالة الرئيسية هنا هي أن انتقال الأمراض بين البشر والحيوانات يحدث في جميع أنحاء العالم دون قدرة على الرصد، مؤكدًا أن أهمية الدراسات المشابهة أنها تسمح بالتخفيف من أضرار مسببات الأمراض قبل أن تتحول إلى جائحة كما فعل فيروس كورونا الجديد.
ألغاز فيروس كورونا الكلاب
يؤكد الباحثون أنه لم يتضح بعدُ ما إذا كان فيروس كورونا الكلاب يشكل تهديدًا خطيرًا للبشر؛ إذ لم يتضح بعدُ ما إذا كان فيروس قادرًا على إمراض البشر أو أنه «يصل فقط» إلى الشعب الهوائية للمريض دون التسبب في أعراض مرضية، وكذلك ما إذا كان قادرًا على الانتقال بين البشر من مصاب إلى آخر أو أنه ينتقل فقط من الكلاب إلى البشر.
الدكتورة فلاسوفا قالت إنه لا سبب حاليًّا للاعتقاد بأن فيروس كورونا الكلاب الجديد بإمكانه التسبب في جائحة. وكتب عالم الفيروسات فينسينت راكانييلو في مدونة علم الفيروسات، بعد دراسة حالات ماليزيا: «يبدو أن هذه الإصابات البشرية الناتجة عن فيروس كورونا الكلاب كانت حوادث منعزلة ولم تؤدِّ إلى انتقال بشري واسع النطاق».
لكن اكتشاف فيروس متطابق في هايتي، على بعد 11000 ميل من ماليزيا في نفس الوقت، مع تطابق التسلسل الجيني للفيروس بنسبة 99.4%، ترك سؤالًا كبيرًا: كيف وصل فيروس كورونا الكلاب في ماليزيا إلى الأطباء والممرضات في هايتي؟
يقول ليدنيكي: «ربما ينتشر الفيروس على نطاق واسع، لكن لم ينتبه إليه أحد»، متوقعًا أنه قد يكون منتشرًا في أنحاء العالم، وإن كان الأطباء شخصوا الإصابات التي وصلتهم بشكل خاطئ باعتبار أن الفيروس لم يكن مكتشفًا.
عالمة الفيروسات بجامعة ولاية أوهايو ليندا سيف ترجح كذلك سيناريو «الانتشار الصامت»؛ على فرضية مفادها أنه ينتشر بين البشر بمستويات منخفضة في أجزاء كثيرة من العالم.
خبر جيد
على السطح تبدو النتائج الجديدة بمثابة مروعة؛ باعتبار أن آخر ما يحتاجه العالم الآن هو فيروس كورونا آخر قد يؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الرئوي عند الأطفال. لكن الباحثين يعتقدون أن الخبر الجيد هنا أن العلماء باتوا قادرين على اكتشاف الفيروسات قبل أن تسبب مشكلات كبيرة.
من خلال العثور على فيروس كورونا الكلاب مبكرًا، أصبح لدى العلماء الوقت لدراسته وإنشاء أدوات لتشخيصه وفهم ما قد يتطلبه الأمر لإيقافه.
يقول عالم الأوبئة غريغوري جراي: «نحتاج إلى العثور على هذه الفيروسات الجديدة جيدًا قبل أن تتكيف تمامًا مع البشر وتصبح مشكلة وبائية. لحسن الحظ ، لدينا اليوم الأدوات لكشف وتقييم مخاطر مثل هذه الفيروسات الجديدة. نحن بحاجة فقط إلى الإرادة السياسية والدعم المالي للقيام بذلك».