إلغاء بنكهة التطوير: منظومة التعليم المفتوح في مصر
بيان جامعة القاهرة عقب إصدار قرار المجلس الأعلى للجامعات بوقف نظام التعليم المفتوح
قرر المجلس الأعلى للجامعات في جلسته التي انعقدت يوم 23 يونيو/ تموز 2016 إيقاف قبول طلاب جدد بنظام التعليم المفتوح الحالي، وذلك دون المساس بوضع الطلاب المقيدين حاليًا بذلك النظام، وهي ما أكدته جامعة القاهرة في بيان لها عقب إصدار قرار المجلس الأعلى للجامعات. جاء السبب وراء ذلك الإلغاء تطوير منظومة التعليم المفتوح وتوفير عدد من البدائل الأخري التي من شأنها تأهيل الطلاب أكثر لما يحتاجونه في سوق العمل، كما أوضح القرار الصادر عن الجامعة.
والجدير بالذكر أن إجمالي خريجين نظام التعليم المفتوح بجامعة القاهرة قد بلغ ما يقرب من 80 ألف طالب منذ تأسيس منظومة التعليم المفتوح عام 1991 وحتي أغسطس 2014، بينما بلغ إجمالي الطلاب المقيدين في التعليم المفتوح في العام الدراسي 2014-2015 نحو 93 ألف طالب، بما يعني أن عدد الطلاب المقيدون في عام دراسي واحد قد بلغ أكثر من إجمالى خرجين تلك المنظومة خلال 13 عامًا، كما بلغ إجمالي المقيدين بالتعليم المفتوح في جامعات مصر ما يقرب من نصف مليون طالبًا وطالبة.
التعليم العالي بين الانتساب والتعليم المفتوح
بدأ العمل بنظام التعليم المفتوح في مصر منذ عام 1991 وبدأ في جامعات القاهرة والإسكندرية وأسيوط، وفي عام 1998 تم إنشاء مركز للتعليم المفتوح بجامعة عين شمس وأخذ توالي الإنشاء حتي وصل تواجد مراكز التعليم المفتوح متواجدة بـ23 جامعة حكومية وهو إجمالى الجامعات الحكومية المصرية باستثناء جامعة العريش والتي تم إصدار قرار بإنشائها في 12 إبريل/ نيسان 2016.
وعلى الرغم من تواجد مراكز التعليم المفتوح بجميع الجامعات الحكومية، إلا أن تلك المراكز لا يوجد بها برامج لجميع الكليات المتواجد بتلك الجامعات إلي جانب أنها لا تتيح جميع الشُعَب والتخصصات داخل الكليات التي تتوافر لها ذلك البرنامج، فبطبيعة الحال جميع الكليات العملية مستثناه من ذلك النظام وفقًا لطبيعة الدراسة بها، أما فيما يخص الكليات النظرية فجامعة القاهرة على سبيل المثال يوجد بها ذلك النظام في كليات «تجارة، آداب، حقوق، زراعة، إعلام، رياض أطفال، دار علوم».
تم إنشاء نظام التعليم المفتوح بالأساس لمن مرَّت على شهادتهم الثانوية أو التعليمية المتوسطة 5 أعوام بحيث يحق لهم الالتحاق بنظام التعليم المفتوح من أجل تحسين مستواهم التعليمي، ولم يكن متاحًا للطلاب حديثي التخرج من الثانوية العامة الالتحاق بذلك النظام.
وكان البديل عنه هو نظام الانتساب، والذي بدأ العمل به في أوائل السبعينيات، حيث يتيح للطلاب تخفيف التزامهم بالحضور إلي المحاضرات إلي جانب انخفاض مجموعها عن مجموع نظام الانتظام. إلا أنه وفي عام 2010 أصدر وزير التعليم العالي حينها الدكتور «هاني هلال» قرارًا بإلغاء نظام الانتساب، ليكون نظام التعليم المفتوح أحد البدائل أمام الطلاب بدلًا من نظام الانتساب، بعدما تم تطوير مناهج التعليم المفتوح وأصبحت شهاداته معادلة للشهادات الأكاديمية للجامعات بقرار من المجلس الأعلى للجامعات عام 2008.
وفي عام 2012 قرر مجلس الشعب عودة العمل بنظام الانتساب مع الإبقاء على نظام التعليم المفتوح، ومن ثَم تم إلغاء نظام التعليم المفتوح منذ ما يقرب من شهر بقرار من المجلس الأعلى للجامعات، ليعبرِّ المشهد عن حالة التخبُّط المصابة بها منظومة التعليم في مصر.
التعليم المفتوح: ماله وما عليه
لا يمكن إغفال ميزات نظام التعليم المفتوح التي تمتع بها طوال 25 عامًا، حيث إتاحة التعليم العالي لعدد أكبر من المستفيدين. فأصبح هناك العديد من الفرص لغير المتفرغين لتحسين مستواهم التعليمي، حيث أن الأمر يتطلب حضور المحاضرات في يوم واحد في الأسبوع، وهو الأمر الذي أتاح أيضًا للعديد من الطلاب القاطنين بعيدًا عن الجامعات وليس لديهم إمكانية السفر يوميًا أن يلتحقوا به. هذا إلي جانب إتاحته لمن تخلف عن الالتحاق بالتعليم الجامعي بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية.
إلا أن تلك الإتاحة قابلتها العديد من السلبيات والإشكاليات الأخري، تعد أول تلك السلبيات هي تقليدية الوسائل التعليمية وضعفها، فمازالت المحاضرات هي الوسيلة الرسمية الوحيدة للتواصل بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إلي جانب غياب الأنشطة والتواصل الإلكتروني للطلاب.
فوفق استطلاع الرأي الذي أجراه مركز «عدالة للحقوق والحريات» فإن 61.2% من الطلاب لا يتلقون أي خدمات إلكترونية بينما يتلقي 38.8% خدمات إلكترونية. وعلى الرغم من سعي بعض الجامعات إلي تقديم خدمات إلكترونية لطلابها مثل جامعة القاهرة وعين شمس، فإن تلك الخدمات افتقرت إلي التفاعل من جانب الطلاب.
هذا إلى جانب غياب الجودة، فمن بين 23 جامعة مصرية تقدم نظام التعليم المفتوح لا يوجد سوي جامعتين فقط لديهم إدارات ووحدات ضمان الجودة؛ وهما جامعتي «حلوان» و«عين شمس»، على الرغم من إصدار الهيئة القومية لضمان واعتماد جودة التعليم دليل اعتماد الجودة لنظام التعليم المفتوح في عام 2009، وهو الأمر الذي يعكس إهمال الجامعات المصرية لجودة التعليم بنظام التعليم المفتوح على العكس من التعليم النظامي.
وتبرز قضية الجودة في ظاهرة رفض بعض النقابات المهنية تقييد خريجي نظام التعليم المفتوح بها، مثلما حدث بنقابة المحامين حيث اشترطت أن يكون المتقدم لطلب الالتحاق بالنقابة من حاملي شهادة الثانوية العامة قبل حصولهم على ليسانس الحقوق، وهو الأمر الذي لا يتوافر لكثير من طلاب التعليم المفتوح حيث يسمح لطلاب الدبلومات الفنية بالالتحاق بذلك النظام.
ففرص الإتاحة التي قدمتها برامج التعليم المفتوح للطلاب لم تقدم شيئًا سوي شهادات ورقية للطلاب الحاصلين عليها، حيث لا يوجد اهتمام بإكساب طلاب تلك البرامج بعض المهارات الأخري التي يحتاجون إليها في سوق العمل أو في حياتهم التعليمية، مثل ضرورة التعامل الإلكتروني مع بعض المحتويات الدراسية أو التواصل الفعَّال مع أعضاء هيئة التدريس ومع زملائهم، هذا بالإضافة إلى إهمال مستوي جودة التعليم مقارنة بزملائهم التابعين للنظام الانتظامي.
التضارب سيد الموقف
أكثر من عام تقريبًا وأزمة نظام التعليم المفتوح ومحاولة تطويره قائمة، ففي العام الماضي تشكلت لجنة فنية من قبل المجلس الأعلى للجامعات برئاسة الدكتور «أمين لطفي» رئيس جامعة بني سويف من أجل بحث كيفية تطوير نظام التعليم المفتوح، بعدما انتقد رئيس الوزراء حينها «إبراهيم محلب» ذلك النظام وتدنيِّ مستوي الخريجين به.
واستمر عمل تلك اللجنة حتي عام 2016 وخرجت بتقرير فني كان أهم نقاطه هو قسمة ذلك النظام إلي نظامين أحدهما يمنح شهادات أكاديمية بعد فترة دراسة تمتد إلي أربعة سنوات، ويتم دمج آليات التعليم الإلكتروني وبعض البرامج الأخري. والنظام الآخر يمنح شهادات مهنيَّة غير معادلة للشهادات الأكاديمية وتمتد الدراسة به ما بين 9 إلي 12 شهرًا.
وجاء قرار المجلس الأعلى للجامعات ليلغي برامج التعليم المفتوح بنظامها الحالي وتحويلها لبرامج مهنية، لتفقد برامج التعليم المفتوح ميزتها في أنها تحسن من المستوي التعليمي للبعض وتمنحهم شهادات أكاديمية، دون سعي من الوزارة إلي تحسين جودة التعليم وتحسين شروط الالتحاق لتحافظ على تلك الميزة وتتيح التعليم العالي لعدد أكبر من مستحقيه، وهو ما يؤكد أنه لا مجال للعودة إلي برامج التعليم المفتوح بصورتها القديمة لمنح شهادات أكاديمية للطلاب، لتظل سياسات التعليم العالي بلا رؤية واضحة حول كيفية تحسين التعليم العالي وإتحاته، ويبقى الطالب ضحية تضارب السياسة التعليمية بمصر.
- الإلغاء بديلًا للتطوير: قراءة في منظومة التعليم المفتوح والإجراءات المعلنة من المجلس الأعلى للجامعات لتطويرها
- التعليم العالى: درسنا تطوير التعليم المفتوح عام كامل وانتهينا لآليات متناسبة لذلك
- "الأعلى للجامعات"يقر بشكل نهائى إلغاء التعليم المفتوح واستبداله ببرامج مهنية
- ملامح نظام التعليم المفتوح الجديد: «الإبقاء عليه وتطويره»