هل تستطيع السعودية تنفيذ تهديداتها الاقتصادية تجاه ترامب؟
حرب كلامية سياسية تظهر على الساحة العالمية بين كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وتركيا، على إثر اختفاء الصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، خلال زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول.
وهو حدث يُنظر إليه على أنه بمثابة حجر عثرة للعلاقة الأمريكية–السعودية، وذلك بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمعاقبة السعودية بشدة إذا ما تبين قيامها فعليًا بقتل خاشقجي، دون أن يقدم أي تفاصيل حول ما قد تنطوي عليه تلك العقوبات، وذلك على الرغم من إشارته مرارًا وتكرارًا إلى استمرار الولايات المتحدة في بيع الأسلحة للسعوديين تحت أي ظرف.
واختفى خاشقجي، البالغ من العمر 59 عامًا، وهو مستشار سابق لأفراد العائلة المالكة بالسعودية، منذ دخوله القنصلية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري للحصول على وثائق تسمح تمهيدًا لزواجه، مما دفع المجتمع الدولي للمطالبة بإجراء تحقيق موثوق به في اختفاء خاشقجي، وتحديد أولئك الذين يتحملون المسئولية.
وبصورة مُباشرة أثرت تهديدات ترامب على البورصة السعودية، التي شهدت أكبر انخفاض منذ عام 2014، خلال تداولات، الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 20018، وذلك بعد قلق المستثمرين من أن تؤدي أزمة خاشقجي إلى فرض عقوبات اقتصادية على السعودية، ويزيد ذلك من احتمالات عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ مزيد من النقود بالبورصة والاقتصاد السعودي.
ورغم تضرر الاقتصاد السعودي بتهديدات ترامب، لن يكون الاقتصاد الأمريكي بمنأى عن أي خطر مُرتقب في حال خوض الطرفين نزاعًا سياسيًا، لذا الأهم في هذا الشأن الإجابة على عدة تساؤلات مُهمة؛ هل أمريكا قادرة بالفعل على مقاطعة السعودية اقتصاديًا؟ وهل بمقدرة السعودية الرد على تهديدات ترامب بإجراءات فاعلة؟ وإن حدثت المقاطعة فكيف ستتأثر أمريكا بخسارة شريك تجاري مُهم كالمملكة؟ وكذلك أي السيناريوهات يُمكن أن تنتهجها السعودية لمعاقبة أمريكا؟
سلاح النفط وقدرته على ردع ترامب
لم تقف السعودية ساكنة أمام تهديدات ترامب، بل أسرعت بالتعهد بالرد على أي إجراءات عقابية من واشنطن، مع التذكير بأنها أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، وبالتالي من شأنها أن تلعب دورًا مؤثرًا ونشطًا في الاقتصاد العالمي.
ومن الناحية النظرية، يمكن أن يؤدي تصاعد التوترات إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد، بما يزيد من أعباء الخزانة الأمريكية، باعتبارها مستهلكًا شرهًا للنفط، وهو أمر قد يدفع إدارة ترامب للتخلي عن قرارها بفرض مزيد من العقوبات على إيران، نظرًا لحاجتها إلى مزيد من الإمدادات النفطية للسيطرة على الأسعار في الأسواق.
ولأن أمريكا تعتمد على أوبك -بقيادة السعودية- في تحقيق هدفها بمعاقبة الاقتصاد الإيراني، عن طريق ضخ المزيد من النفط لامتصاص النقص المُرتقب من النفط الإيراني، للحفاظ على السوق متوازنة دون مزيد من الارتفاع في أسعار الخام. فمن غير المنطقي أن تدخل أمريكا في صراع سياسي أو تجاري مع السعودية التي بإمكانها ضخ المزيد أو تقليص المزيد من إمداداتها النفطية ومن ثَمَّ التأثير على الأسواق.
وبالفعل تمتلك المملكة العربية السعودية احتياطات نفطية ضخمة، حوالي 260 مليار برميل، لا يزال يمكن استخراجها من باطن الأرض. والمملكة هي أكبر مصدّر للنفط في العالم، حيث تُصدر نحو 7 مليون برميل يوميًا، ومن ثَمَّ أي خفض لتلك الصادرات من شأنه أن يدفع الأسعار إلى ما فوق الـ 100 دولار للبرميل، وهو مستوى مُقلِق بالنسبة للنمو الاقتصادي العالمي.
مدى فاعلية خيارات ترامب لمعاقبة السعودية
لمعاقبة السعودية، قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين علاقاتها مع شركاء آخرين، ومن المقترح هنا أن تتحسن العلاقات بين أمريكا وتركيا، وهي منافس إقليمي للسعودية، وذلك بعد إعلان ترامب عن سير العلاقة على الطريق الصحيح «لعلاقة رائعة مع تركيا».
ولكن ذلك الخيار، وإن كان كلا البلدين يسعيان إليه، فإنه غير قابل للتحقق في ظل وجود عدد من القضايا العالقة بين الطرفين وأهمها الخلافات حول الحرب في سوريا وشراء تركيا للأسلحة الروسية. واقتصاديًا، تواجه تركيا تحديات عديدة أهمها تراجع قيمة عملتها المحلية لمستويات تاريخية، وقد تنبأ صندوق النقد الدولي بنمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 3.5٪ خلال 2018؛ أي أقل من نصف معدل النمو عام 2017، والذي بلغ 7.4%.
والسبب الأهم في عدم إقدام أمريكا على تنفيذ تهديداتها تجاه السعودية، هو أن مصالح الولايات المتحدة في السعودية تظل أكثر قوة وأهمية من مصالحها مع تركيا. وباعتراف ترامب نفسه، فإن فرض عقوبات على السعودية قد يضر بالوظائف في الولايات المتحدة المرتبطة بصفقة أسلحة بقيمة 110 مليار دولار مع المملكة، ومن ثَمَّ هناك ضغوط على إدارة ترامب لإعادة التفكير في شراكتها الوثيقة بالمملكة، حيث تخشى الشركات العاملة في قطاع الدفاع الأمريكي من حدوث انهيارات بالصفقات الموقعة مع الحكومة السعودية، باعتبارها من أهم عملائها.
صفقات السلاح: حائل دون تنفيذ التهديدات
حقيقة الأمر، أن كلاً من واشنطن والرياض بحاجة إلى بعضهما البعض. ففي العام 2017، أبرم الطرفان صفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار على مدى 10 سنوات، مع تنفيذ عملية بيع ما قيمته 110 مليار دولار على الفور، مما عزز التحالف بين البلدين.
حينها قالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي، وهي جزء من الجيش الأمريكي، إن الصفقة «ستسهم في دعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة» من خلال تعزيز قدرات شريك أمريكي رئيسي يسهم في «الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط».
مبيعات السلاح الأمريكي (2013 – 2017).
وبنهاية العام المالي الأمريكي المنتهي في 30 سبتمبر/أيلول 2018، باعت الولايات المتحدة ما مجموعه 55.6 مليار دولار من الأسلحة في جميع أنحاء العالم -بزيادة 33% عن السنة المالية السابقة. وفي عام 2017، استطاعت الولايات المتحدة بيع ما قيمته 18 مليار دولار من صفقات الأسلحة الجديدة للسعودية.
وعلى مدار السنوات الخمس المنتهية في عام 2017، ذهب ما يقرب من خُمس صادرات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، حسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
كذلك فإن أي تعارض في المصالح الاقتصادية الأمريكية السعودية من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على أصحاب الأعمال الأمريكيين أمثال «لوكهيد مارتن»، و«بوينغ»، و«جنرال إلكتريك»، و«إكسون موبيل»، لكون الملكة العربية السعودية من أكبر المتعاملين مع هؤلاء.
الخسائر المحتملة للمملكة في ضوء قطع العلاقات مع أمريكا
من الخطأ الزعم بأن السعودية ليس لديها ما تخسره في إطار تلك التوترات،فالاستثمارات الأجنبية هي أحد البنود الأساسية في خططها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط ومعالجة معدل البطالة المرتفع البالغ نحو 13%.
وبالتالي المخاوف من تداعيات تهديد السعودية بالانتقام من الولايات المتحدة يؤثر بصورة رئيسية على حجم الاستثمارات الأجنبية بالسعودية. وبنهاية الأسبوع المنتهي في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مع تركيز انعكاسات القضية، كان المستثمرون الأجانب بائعين صافين بقيمة 160 مليون دولار من الأسهم في سوق الأسهم السعودية، وفقًا لبيانات البورصة.
كذلك بدأ المستثمرون الدوليون بالفعل في إبداء انسحابهم من المملكة، وانسحب عدد من الأسماء البارزة من مؤتمر استثماري، سيُعقد في وقت لاحق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أطلق عليه اسم «دافوس في الصحراء»، ومن بينهم الرئيس التنفيذي لشركةUber، ورئيس شركة فياكوم الإعلامية العملاقة.
كذلك أوقف السير ريتشارد برانسون مناقشاته مع الحكومة السعودية التي ربما أدت إلى الاستثمار في مشروعه السياحي الفضائي. وألغى كل من جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة «جيه بي مورغان تشايس»، وبيل فورد، رئيس فورد موتور خطط حضور المؤتمر، في أحدث قرارات إلغاء حضور المؤتمر بعد اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
سيناريو اللجوء السعودي للتصالح مع إيران
في مقال حديث نُشر للكاتب والإعلامي «تركي الدخيل»، مدير قناة العربية السعودية، تناول الحديث عن إمكانية التصالح مع إيران بحيث تصبح أقرب إلى السعودية، وهذا السيناريو وإن كان ممكنًا من الناحية النظرية، فإنه غير قابل للتطبيق من الناحية الفعلية.
فبعيدًا عن الخلافات السياسية بين الطرفين، يقف النفوذ الاقتصادي حائلاً دون تقارب البلدين الشرق أوسطيين. فالتوترات بين إيران والمملكة قائمة على مدى سنوات، خاصةً في القطاع النفطي، فعادةً ما كانت ترغب السعودية في إجبار إيران بالالتزام بحصة معينة من الإنتاج، لكن إيران من ناحية أخرى تُصر على أنها لن تلتزم بخفض الإنتاج أو تجميده. وعملت طهران على ضخ مزيد من نفطها إلى الأسواق خلال عامي 2016 و2017 في ضوء تخفيف العقوبات الأمريكية، قبل أن يُقرر ترامب فرض مزيد من العقوبات على إيران.
وعادةً ما كان التخوف من إيران، الحائل الأهم دون نجاح العديد من اتفاقات أوبك على مدى السنوات الماضية. فإيران تسعى لتعميق نفوذها في الشرق الأوسط من خلال الحصول على حصص إضافية في أسواق النفط العالمية، في الوقت الذي تُحاول السعودية جاهدة للحفاظ على مكانتها القيادية في منطقة الشرق الأوسط، بما يحول دون تنامي الدور الإيراني.