هل يستطيع «محمد صلاح» تكرار إنجازات موسمه الماضي؟
لا أحد يملك تفسيرًا، هل تعلم أنها المرة الأولى التي يُستبدل فيها صلاح مع ليفربول والريدز متأخرًا في النتيجة؟ كان ذلك في مباراة تشيلسي الأخيرة. فيرمينو لا يساعد وماني لا يمرر، صلاح يهدر الفرصة تلو الأخرى.
لقد كان محظوظًا ليس إلا. لا لا.. هو لاعب كبير لكن عليه أن يبتعد عن وكيل أعماله فقط! هل شاهدت صورته يداعب قطته؟ لقد فقد تركيزه تمامًا وابتعد عن المسار! دائرة من الاتهامات والاستنتاجات يتعرض لها صلاح كل موسم كأنه كُتب عليه أن يظل الشك رفيقًا له طوال مسيرته.
مثل هذه القصص الناجحة في مصر لا تبدأ من الأساس، وإذا بدأت لا تستمر، وإذا استمرت فإنها ستتعرض لكل أنواع المعوقات لتنتهي نهاية مأساوية. يمتلك صلاح أكثر من وجه. وجه اجتماعي يقربه من مكانة أبو تريكة، وآخر سياسي لا داعي لذكره، وثالث رياضي تخطى به جميع لاعبي مصر عبر تاريخها. كل هذا يؤخذ في عين الاعتبار، ويؤثر على حكمك على محمد صلاح اللاعب.
وبالتالي فإنك لن تستطيع أن تجيب عن سؤال الموسم وكل موسم: هل يستطيع صلاح أن يكرر ما فعله الموسم الماضي؟
دائرة الشك
يبدو أن صلاح قد كُتب عليه أن يظل حبيسًا في تلك الدائرة دون سبب واضح. فالدورة الطبيعية للاعب تبدأ من تقديمه كلاعب موهوب. بعد ذلك يصبح اللاعب أمام طريقين: إما التطور وإما إهدار موهبته. وعلى قدر التطور يتم تصنيفه، والتصنيف هنا يُقصد به التقييم العادل إجمالًا عن مواسمه دون مبالغة، وليس التقييم اللحظي الذي يتجاهل كل ما سبق.
ذلك التقييم اللحظي يرافق صلاح أينما ارتحل. ففي كل مرة يُعاد تقييمه كلاعب من جديد. لا أحد يفرِّق بين فترات الهبوط في مستوى اللاعب، وبين كونه لاعبًا جيدًا أو غير جيد من الأساس. لعل صلاح نفسه يتساءل: كم موسمًا جيدًا عليَّ أن أقدم حتى أقنع هؤلاء؟
كانت تجربة تشيلسي قبل الأوان، الانتقال من الدوري السويسري إلى البريميرليج ليس سهلًا. الفشل كان متوقعًا لكن الأمر اختُزِل في كونه لاعبًا سريعًا فقط. ذلك الوصف الذي ظل مرافقًا له حتى عودته من جديد إلى البريميرليج رفقة ليفربول.
وإذا بصلاح يفاجئ الجميع ويصبح أفضل لاعب في الدوري. هل هذا يكفي؟ بالطبع لا، سنعيد مؤشر العداد إلى الصفر بمجرد هبوط مستواه.
نصف الكوب الفارغ
على الرغم من تصدر صلاح قائمة هدافي الموسم الماضي بالبريميرليج وتحقيقه رقمًا قياسيًا جديدًا بإحرازه 32 هدفًا، فإنه امتلك رقمًا سلبيًّا تاه وسط إنجازات الموسم. فقد كان أكثر لاعبي الدوري الإنجليزي إهدارًا للفرص المحققة للتسجيل، وهي التي حسب تعريف الموقع الإحصائي الشهير «Opta» يكون فيها اللاعب قريبًا من المرمى أو في موقف واحد ضد واحد، بحيث يكون اللاعب المسدِّد معرضًا لضغط قليل ويوجد مسار مفتوح للكرة من قدم اللاعب للمرمى. كذلك تشمل الفرص المحققة للتسجيل ضربات الجزاء.
أهدر صلاح 23 فرصة محققة، وهذا رقم كبير. تخيل أن صلاح في أكثر مواسمه تركيزًا ونجاحًا أهدر هذا الكم من الفرص. يبدو أنه لم يكن فريق «صلاح-بول» كما يقولون. طريقة لعب ليفربول بالاعتماد على الضغط العالي مع توظيف صلاح الجديد جعلاه أمام فرص كثيرة للتسجيل، وهو غير معتاد على ذلك.
بدأ صلاح الموسم الجديد بإضاعة مزيد من الفرص وأحرز أهدافًا أقل من المتوقع. ثلاثة أهداف فقط حتى الآن بينما معدل أهدافه المتوقع بلغ 5.14. لكن على الرغم من هذه البداية البطيئة، مايزال البعض يثق في قدراته.
لا يمكن إيقافه
حتى هذه اللحظة لم يُبدِ صلاح أي علامة تعبر عن توقف تطوره. على مدى موسمين ونصف الموسم في الدوري الإيطالي، حقق صلاح معدلًا تهديفيًّا وصل إلى هدف كل مباراتين، وأسيست كل ثلاث مباريات ليحرز 35 هدفًا ويصنع عشرين.
لعب المدرب الإيطالي لوسيانو سباليتي دورًا كبيرًا في تطوير صلاح من ناحية التمركز، إضافةً إلى الجانب الدفاعي، فتحول صلاح من الجناح التقليدي إلى نصف جناح ونصف مهاجم. ثم منحه يورجن كلوب حرية أكبر في الدخول إلى العمق ليصبح المهاجم الحقيقي للفريق أو ما يسمى بالـ «Inside Forward»؛ ليقدم صلاح موسمًا خارقًا.
يتوقع كاراجر أن يستمر صلاح على نفس نسق الموسم الماضي، فيورجن كلوب مازال يبني الفريق حوله. فضلًا عن أنه مازال يوجد في المكان المناسب؛ ليصبح ثالث أكثر لاعبي الدوري لمسًا للكرات داخل منطقة جزاء الخصم.
الأمر الآخر الذي دعم به كاراجر توقعه هو أرقام صلاح في النصف الثاني من الموسم الماضي. فعلى الرغم من إدراك الخصوم لخطورة صلاح فإنهم لم ينجحوا في إيقافه، بل تحسنت أرقامه على مستوى التهديف والصناعة. ومع هذه الإحصائية يصبح الأمر أكثر حيرة، لذلك علينا أن ننظر إلى صلاح وفق قواعد جديدة.
تطور أرقام صلاح الموسم الماضي
لنضع القواعد ونترك لصلاح التنفيذ
الضغط الذي كان يشعر به محمد صلاح القادم من روما بعد إحرازه 15 هدفًا في الدوري الإيطالي يختلف بالطبع عن الضغط الذي يشعر به صلاح ثالث أفضل لاعب في العالم. حقيقة الأمر أن صلاح لا يقدم حلولاً عبقرية داخل الميدان، لذلك تم حصره في عدد أهدافه. هو ليس كهازارد ولا حتى ماني. فإذا لم يسجل، سيتحول إلى لاعب عادي. إضاعته الفرص لم تتغير، لكن كم الفرص المتاحة ازداد بكثافة.
تطرقت الـ «ESPN» في تقرير لها إلى ميل صلاح الدائم لاستخدام قدمه المفضلة فقط. فأتت 89% من تسديداته بالقدم اليسرى. أما منافسه على لقب الهداف هاري كين كان يعتمد على قدمه اليمنى بنسبة 73%.
بينما هازارد 58%، وماني وستيرلينج 63%. صلاح لا يمتلك رفاهية التنويع في أدائه، التكنيك واحد، لكن وجوده في المكان المناسب أسرع من غيره كان ينقذه دائمًا. لذلك مجرد فقدان صلاح لجزء من تركيزه جعله في مأزق؛ لأنه ببساطة لا يملك ما يعوضه عن ذلك.
ولكي نخرج من هذا المأزق يجب أن تتغير القواعد. علينا أن نغير نظرتنا إلى صلاح. يجب ألا نعتبره رونالدو أو ميسي بمجرد اقترابه منهم رقميًّا. علينا أن نقدر حجم موهبته بالشكل الصحيح، ونقدر اجتهاده من أجل التطور في أكثر من جانب.
صلاح مازال بحاجة لمزيد من العمل. لكن الأهم من ذلك هو اختيار الأجواء المناسبة. أجواء يزيد بها التركيز، وتقل بها الضغوط. عليه أن يعلم جيدًا قيمة ما وصل إليه. فالتاريخ لا يُمحى، ولن يعكره موسم سيئ ولا حتى موسمان.
وإن كنت أملك أن أقدم لصلاح ما يساعده على التخلص من هذه الضغوط، فلا أملك سوى إخباره بأن كريستيانو رونالدو عندما أحرز 31 هدفًا في البريميرليج (موسم 2007 / 2008) أحرز في الموسم التالي 18 هدفًا فقط، وبكل بساطة لم تتوقف مسيرته.