الرجال من المريخ والنساء من الزهرة: هل يمكننا اللقاء على الأرض؟
أشعر أن الفجوات بيني وبين زوجي تتسع، فجوة فكرية وأخرى عاطفية، هل حقًا كما يقولون إن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة؟ هل هذا مجرد كتاب أم هو واقعٌ علينا الإقرار به؟ وإن كان واقعًا، كيف لنا أن نتعايش معه؟ أليس للقاء من سبيل؟
أرى أن أكثر المشاكل شيوعًا بين الزوجين هو اعتقاد كل منهما أن الآخر لا يفهمه، أو لا يسمعه، أو لا يشعر به. يحاول كل طرف أن يثبت صحة كلامه أو أفعاله أو مواقفه، ومن هنا تبدأ المشكلات وتُخلق الفجوات..
هل سألت نفسك قبلًا: ترى ما الذي يفكر فيه الطرف الآخر؟ ترى ماذا دفعه ليرد بهكذا طريقة؟ هل علينا أن نضع أنفسنا في مقعد الطرف الآخر لنتفاعل مع الأمور بطريقة تشبهه؟ أم علينا أن نتقبل الاختلاف؟
الرجال من المريخ والنساء من الزهرة تعبير مجازي، لكنه يعكس الواقع؛ فهو حقيقي لأنه يصف مدى اتساع الفجوة والمسافة بين الجنسين، ولكن الأمر لا يحمل في طياته أية مسالب، لأنها طبيعة بشرية. كل جنس أتى بصفات وسمات مختلفة، كل جنس يفضل أشياء في الجنس الآخر، لكي يتآلفا ويستطيعا التواصل والتعايش معًا، ولكن عندما ينكر طرف هذه الحقيقة، ويصر على إنكار صفات نفسه وصفات الطرف الآخر، تأتي المشكلة.
أجريت دراسة[1] على مجموعة من الذكور والإناث في سن التاسعة عشر. قامت التجربة على عرض 30 صورة لإناث أمام مجموعة من الذكور و30 صورة أخرى لذكور أمام مجموعة من الإناث، وطُلب من المشاركين تقييم كل صورة من حيث الجاذبية. صور الإناث التي عُرضت في أسفل الشاشة حازت على تقييم أعلى من قِبل الذكور بعد أن قيموها تقييمًا أقل عندما عرضت أعلى الشاشة، نفس الصور، كرروا عرضها ولكن في مواضع مختلفة. حدث العكس مع الإناث، فعندما عرضوا عليهن صور الذكور نفسها ولكن في أعلى الشاشة حازت الصور على تقييم أعلى.
خلُص الباحثون هنا إلى أن الرجل يربط جاذبية الأنثى بكونها أقل قوة، وأن المرأة في المقابل تربط جاذبية الرجل بتفوق قوته على قوتها. لذلك يفضل الكثير من النساء الارتباط برجال أطول منهن قامة، وكذلك يميل الكثير من الرجال لاختيار المرأة الأقصر قامة.
يعنينا بالأساس في العلاقة بين هذه الدراسة وموضوعنا التأكيد على حقيقة اختلاف الطباع والميول بين الجنسين، وهذا لا يعني الإساءة لأي طرف، أو إلزامه بقالب معين يتشكل داخله ليجذب الطرف الآخر، لكن علينا فهم هذه الاختلافات والتصالح معها عند بناء التصورات والتوقعات من الطرف الآخر.
تتردد كلمة «الفجوة» كثيرًا على ألسنة أحد الأطراف في العلاقات المختلفة وخصوصًا العلاقة بين الرجل والمرأة، لتشعر المرأة بفجوة بينها وبين زوجها، والعكس، ولكن هل هي فجوة بالفعل؟ أم هو الاختلاف الطبيعي والمنطقي لاختلاف الجنسين؟
الاختلافات البيولوجية بين الجنسين يدركها كل عاقل، لكن هل الاختلافات النفسية مرتبطة بنوع الجنس البشري؟ بمعنى هل يدرك كل ذكر كيف تفكر الأنثى وكيف تشعر وكيف تتصرف بما يتوافق مع طبيعتها؟ (والعكس بالعكس؟)، هل تدرك الإناث كيف يشعر الذكور ويتصرفون؟ هل يدرك كل جنس دوافع الجنس الآخر للقيام بأي فعل أو الشعور بأي شعور؟ بالتأكيد لا، وإلا لما برزت الكثير من الصراعات المبنية على سوء الفهم.
الاختلافات النفسية بين الرجل والمرأة طبقًا لاختبار أبعاد الشخصية الخمسة[2] (Big 5)
قدرة الجنسين على التواصل الفردي البناء يمتد تأثيرها للمجتمع بأسره، من الشائع قياس الاختلاف بين الرجل والمرأة من خلال اختبار Big 5 الشهير، وهو مكون من خمسة أبعاد محددة للشخصية يُقاس الاختلاف والسمات الشخصية من خلالها، وهي:
1. الانفعال الشديد (العصبية)
طبقًا لاختبار Big 5، اتضح أن النساء في العموم أكثر عصبية من الرجال، ويشمل ذلك استجابتهم السلبية للأحداث والانفعال والقلق والتوتر، هذا لا يعني أن الرجال لا يتسمون بالعصبية أو شدة الانفعال، لا بل إن نسبة النساء أكثر. من الطبيعي أن يكون هذا أحد أهم الأسباب للخلافات، فمعروف أن أغلب الإناث يبالغن في انفعالاتهن ويعطين الأمر أكبر من حجمه.
2. العطف والود
العطف سمة تتسم بها الإناث، فهي تبادر بالتعاون والود والتعاطف مع الآخرين، وذلك بسبب طبيعتها العاطفية ولكون مشاعر الأنثى أكثر فيضًا. الكثير من الرجال أيضًا يتسمون بهذه السمة، ولكن النساء يسجلن مستويات أعلى. ترتبط هذه الصفة بالصفة السابقة، فكونها عاطفية يجعلها تبالغ أحيانًا في انفعالاتها وردود أفعالها.
3. الضمير اليقظ
ترتبط هذه الصفة بالتنظيم والانضباط والالتزام والتحكم في الذات واتباع القواعد. لا يعتبر هناك اختلاف كبير بين النساء والرجال في هذه السمة بالنسبة للاختبار، ولكن النساء يسجلن مستويات أعلى.
4. الانبساط
تعتبر المرأة أكثر انبساطًا ومرونة وإيجابية ودفئًا، أما الرجل فيكون حازمًا أكثر ويحب المغامرة والإثارة ومواجهة الصعوبات.
5. الانفتاح
ترتبط هذه السمة بالخيال والإبداع والذكاء. لم يسجل الاختبار فروقًا واضحة بين الجنسين في هذه السمة، ولكن الاختلاف مرتبط بمحتوى السمة، على سبيل المثال: فإن النساء تغلبن في الجانب المرتبط بالمشاعر والجماليات، أما الرجال فيغلبون في الجانب المرتبط بالأفكار.
دراسة هذه الاختلافات تمكن كل طرف من معرفة طبيعة الطرف الآخر، بالإضافة إلى معرفة نفسه، وهذا يمنح الشعور بالتقبل والتفهم والإدراك، وبالتالي تجنب الكثير من الصدامات.
الاختلاف بين الرجل والمرأة في محتوى الحوار
من أهم أسباب عدم التلاقي أثناء الخلافات الحوارية بين الزوجين، هو ميول كل طرف لنوع معين من محتوى الحوار، فالرجال يميلون لسرد الحقائق والبيانات ويرغبون أكثر في حل المشكلات ويتجنبون سرد التفاصيل الشخصية ويميلون إلى السيطرة على الحوار، أما النساء فيتجهن إلى محتوى الحوار الذي يبني العلاقة ويتأثرن بالعاطفة أكثر من الحقائق ويسترسلن في شخصنة التفاصيل.
لكن، هل الاختلافات والتشابهات فقط بسبب اختلاف النوع؟ أم أن للمجتمع بصمة؟
مؤكد أن الدراسات التي تجرى على مواطنين في الغرب ستختلف نتائجها إذا أجريت على آخرين من الشرق، وذلك لأن ثقافة البلاد تؤثر على أهلها، كأن تفرض بعض العادات والتقاليد التي يتأثر بها الجميع، وحينها ستتأثر ميولهم.[3]
كيف نحل مشكلة التواصل بين الرجل والمرأة؟
يزعم كثيون أنهم يتقبلون الآخر وأن صدورهم رحبة للاختلافات، ولكن التقبل الحقيقي يكون بعدم الإصرار على تغيير الطرف الآخر لكي يوافق طباعك وشخصيتك، لا سيما إن كان هذا الشخص هو الذي اخترته بنفسك ليصبح شريكًا للحياة. إذا أردت تجنب الصراعات والصدامات، عليك التفاعل بالطريقة المناسبة والمتفهمة لطبيعة الطرف الآخر، فأغلب خلافاتنا وتبايناتنا تتمحور في أن أحد الأطراف يتفاعل بطريقة تفترض أن الآخر مرآة تعكس نفسه ودواخلها وطبيعتها البشرية. دعني أوضح لك طرقًا مساعدة في التواصل تخص كلا الجنسين[4]:
أولاً: تعبيرات الوجه
تتفوق النساء على الرجال في استخدام هذه الوسيلة، وهي تعبيرات الوجه، حتى إن الرجال يبتسمون أقل. فلا تتوقعي أن يفهم الطرف الآخر وسائل لا يجيد استخدامها، وتعاملي معه على هذا الأساس.
ثنايا: اللغة
تشمل هذه الوسيلة كلا من نبرة الصوت وطبقة الصوت وسرعة الكلام، وتستخدم النساء هذه العوامل لإيصال معاني مختلفة من الكلام لا يعيها الرجل ولا يستخدمها مثلها. يمكن أن ترى رجالًا يتواصلون بهذه الطريقة، ولكنهم قلة.
ثالثًا: المساحة الجسدية
يفضل الرجال التواصل الجسدي وجهًا لوجه، ويشعرون براحة أكثر عندما يكونوا أقرب إلى النساء، فهو قادر على الحوار وهو أمام الشخص وينظر إليه. أما المرأة فتفضل التواصل جنبًا إلى جنب، مثل وضع التحدث وهي جالسة بجواره في السيارة، وتجد راحة أكبر عندما تكون أقرب إلى النساء.
رابعًا: التلامس
تستخدم المرأة التلامس عادة لكي تشعر الطرف الآخر بالاطمئنان والدعم، كأن تمسك بذراعه. أما الرجل فيستخدم التلامس بدافع السيطرة، كأن يربت على يد الشخص أو يمسك بكتفيه أو رقبته من الخلف.
خامسًا: الاتصال بالعين
تستخدم النساء التواصل بالعين (تنظر في عين المتكلم) لكي تؤكد له أنها تسمعه وتنتبه إليه، أما الرجل فيتحاشى النظر في عين المتكلم ويمكن أن يغمض عينيه أثناء الاستماع. يجب الانتباه إلى أن الرجال لا يجيدون إظهار الانتباه، كما أنهم أقل قدرة على إرسال واستقبال الإشارات اللفظية.
هل للقاء من سبيل؟
من المهم التقبل والتصالح مع فكرة الاختلاف، وعدم أخذ كل الأفعال على محمل شخصي، وهذه بعض النصائح لنلتقي على الأرض:
أولاً: استمع
لا تتحدث في نفس اللحظة مع المتكلم. قد تبدو هذه النصيحة واضحة ومفهومة ومقبولة من الجميع، ولكن وقت الحوار وأثناء غلبة العاطفة يتغير الفعل، فيبادر كل شخص بمقاطعة الشخص الآخر لكي يدافع عن نفسه أو عن فكرة يتبناها وبحدث الشجار. تعلم فن الاستماع، اعطِ الطرف الآخر فرصته كاملة لتوضيح وجهة نظره، استمع وأنت ترغب في الاستماع، لا وأنت تنتظر دورك.
ثانيًا: فكر قبل أن تتحدث
الكلمة التي ستخرج لن تعود ولا يمكننا التراجع عنها، لذا فكر قبل أن تقول أي شيء، وتذكر أنك تتحدث مع شخص تحبه ولا تود خسارته أو إهانته.
ثالثًا: انتبه
لا تنس أن التواصل هدفه بناء وتقوية العلاقات، لا هدمها. ضع نفسك مكان الطرف الآخر، وفكر، هل لديه كل الحقائق ويعرف حق معرفة ما تشعر به أو ما تمر به، هل هو يقصد ما يقول أم خانه التعبير، هل هو منفعل حقًا أم يرغب في بعض الاهتمام؟ اهدأ وفكر ولا تتحامل عليه وتأخذك رغبتك في إثبات أنك دائمًا محق. ليست حربًا، إنها علاقة مودة وطيدة، ونرغب في التلاقي لا الفراق.
رابعًا: اقصد الحقائق
قد تعاني طوال حياتك من محاولة إثبات شيء ما للطرف الآخر ولا تجد دليلاً، أو سبيل، هل تساءلت عن احتمالية أن يكون هذا الأمر غير صحيح؟ ربما، ربما يكون في خيالك فقط ولا وجود له في الواقع، ولذلك أنت تفشل في إثباته، ولكن هذا مجرد احتمال، الاحتمال الآخر أن الطرف الآخر يرفض الاعتراف بالحقيقة.
خامسًا: احترم
سواء اتفقت أم اختلفت مع شريكك، احترم وجهة نظره وقدر موقفه، حتى ولو لم تمر به، تقدير شعور الآخر يمنحه شعورًا بالأمان والحب، يزيل الكثير من الغضب ويعيد الأمور إلى نصابها، لا تحكم عليه من زاوية نظرك، واعلم أن أمورًا كثيرة تخفى عنك، واحسب لها ألف حساب.[5]
في الختام.. مهما تصارع الرجل والمرأة، لن يستطيعا التفرق، فالاحتياج بينهما قائم لا محالة؛ التلاقي في مصلحة الجميع، ولن يقوم مجتمع على عداوة الجنسين، يجب أن نتقبل اختلافنا وألا ننفر منه أو نتنكر للآخر وطبيعته، بدلًا من ذلك يجب أن نبذل بعض الجهد في الاستماع والبحث عن حقيقة احتياج الطرف الآخر، ونقدم له ما يحتاجه، لا ما نحتاجه نحن، حينها سنتلقي.