هل يمكن للطعام المعدل جينيًّا أن يجعلنا أكثر استرخاءً؟
من المسئول عن المزاج في جسدنا؟
في نوفمبر/تشرين الثاني 1950، اكتشف عالم الأعصاب «ايوجين روبرتس» ناقلًا عصبيًّا مثيرًا للاهتمام في الدماغ، وأسماه باسم حمض جاما الأمينوبيوتيرك (المعروف بـ GABA)، تلك المادة موجودة في الإنسان والحيوان والنباتات كذلك. كانت الوظيفة الفسيولوجية لهذا الحمض الأميني مثيرة، فهو:
- عبارة عن ناقل عصبي مُثبِّط يتحكم في سرعة انتقال الإشارات والمعلومات العصبية، ويحجب الإشارات غير المرغوب فيها.
- إذا ما تخيَّلنا أن الدماغ عبارة عن سيارة، فهذا الحمض بالنسبة للدماغ مثل الفرامل، فيقوم بتهدئة الدماغ ومساعدته على معالجة المدخلات الحسية بطريقة منظمة، وبالتالي يساعدنا على الحد من القلق والإرهاق والتوتر.
- أثناء النوم يساعد على جعل الجسد مسترخيًا استعدادًا له، بل يدخل في تنظيم مراحل النوم والحفاظ على إيقاع الساعة البيولوجية، وجعل دورة النوم والاستيقاظ متوازنة.
- يُساعد في الحصول على الطاقة الكافية، حيث يتحكم في الوقت الذي تشعر فيه بالجوع والشبع، فعندما تكون معدتك مملوءة بالطعام يبعث إلى الدماغ بإشارة الحجب عن أكل المزيد من الطعام، وكذلك العكس.
- يشارك بشكل مباشر في عملية انقباض وانبساط العضلات.
إذن فأي اعتلال يحدث في هذا الناقل العصبي، يمكن أن يساعد في الإصابة بأمراض نفسية وعصبية، بل يؤثر في الصحة البدنية. فإذا قلَّت مستوياته، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات القلق والفصام والتوحد والاكتئاب الشديد وداء باركنسون والصرع. وإذا زادت مستوياته تسبَّب في فرط النوم وزيادة التوتر.
إذن ففي حالات النقص أو الزيادة علينا أن نجد حلًّا. وكان من ضمن الحلول هي عقاقير المكملات الغذائية التي تحتوي على مادة GABA، ولكن ماذا لو حاولنا توفير تلك المادة في الطعام الغذائي الخاص بنا، كانت تلك الفكرة من ضمن الحلول.
لماذا الطماطم؟
في سبتمبر/أيلول 2021، طرحت الشركة اليابانية Sanatech Seed نوعًا جديدًا من الطماطم، وأسمته Sicilian Rouge، وتم إصداره رسميًّا في الأسواق، وكان أول نبات يتم تعديله عن طريق تقنية كريسبر، ذلك النوع كان قد تم تعديله وراثيًّا بحيث يحتوي على كميات أكبر من مادة GABA. ولكن السؤال لماذا فعلوا ذلك؟ وكيف فعلوه؟
في اليابان تحظى المكملات الغذائية بشعبية جارفة. وعلى حد تعبير «هيروشي إيزورا»، كبير مسئولي التكنولوجيا في شركة Sanatech، كانت مادة GABA موجودة في أكثر من 400 نوع من الطعام والشراب المُعدَّل، ولهذا السبب استخدمت تلك الشركة الناشئة هذه المادة كهدف أولي لها، واختاروا نموذج الطماطم للبدء، لأنه يحتوي على كمية عالية من حمض GABA مقارنةً بباقي المحاصيل، بجانب أن الطماطم شائعة ولا تخلو تقريبًا أي وجبة منها.
كيف فعلوا ذلك؟
افترض الباحثون في الشركة أن إعطاء حمض GABA لمرضى ارتفاع ضغط الدم قد يساعد في خفض ضغط الدم عندهم. تحتوي الطماطم في مرحلتها الخضراء على نسبة عالية من حمض GABA، حيث تكون نسبتها 50% من جملة الأحماض الأمينية الموجودة مقارنةً بمرحلة النضج، فحين تصبح الطماطم حمراء فإن النسبة تنخفض إلى 20%. يتم تخليق حمض GABA من مادة الجلوتومات، وذلك عن طريق تحفيز إنزيم ديكربوكسلاز بحمض الجلوتوميك (GAD).
تحتوي الطماطم على 5 جينات لتشفير هذا الإنزيم، وعن طريق التعديل الجيني في الجينات GAD2 وGAD3 تم تثبيطهم، وحينها لاحظ الباحثون زيادة كمية حمض GABA إلى سبعة أضعاف في المرحلة الحمراء، حيث نتيجة التثبيط يكون هناك نشاط إنزيمي عالٍ يزيد من كمية الحمض.
كانت تقنية كريسبر هي التي قامت بعملية التثبيط، حيث تم إنشاء طفرات في مواقع الجينات GAD2 وGAD3، مما أدى إلى إيقاف عملها. بتلك الطريقة يتم خفض مستوى ضغط الدم، ومن ثَمَّ الحصول على الاسترخاء والهدوء.
إطلاق الطماطم الجديدة في السوق
في يناير/كانون الثاني 2021، وافق الاتحاد الدولي للبذور على نوع الطماطم الجديدة عالية GABA، وأبدى سعادته بهذاء الابتكار الجديد الذي سيفتح أبوابًا قادمة لقبول الأطعمة المُعدَّلة وراثيًّا.
ومما ساعد على قبول الطماطم الجديدة هو أن البيروقراطية اليابانية متسامحة ومنفتحة لتقنيات التعديل الجيني لكي تساعد على رفع الصحة العامة للمواطنين. حيث إن هناك فرقًا بين الأطعمة المُعدَّلة وراثيًّا (GMO)، فهذه تأخذ فترة أطول لإنتاجها، وتحتاج لتصاريح طرحها في السوق، وبين الأطعمة المُعدَّلة جينيًّا، والتي تحتاج لوقت أقل، وتحصل معها على نتائج سريعة، وبالتالي يكون من السهل طرحها في السوق، وذلك مع ما يتوافق مع السياسة اليابانية.
بعد ذلك قامت شركة Sanatech بعمل الحملات التسويقية اللازمة، حتى إنهم شجعوا على زراعة المنتج الجديد منزليًّا ووزعوا خمس شتلات مجانية على 5000 شخص لزراعتها منزليًّا والأخذ برأيهم حول المنتج الجديد، وعلى حد تعبير رئيس الشركة تاكيشيتا: «لسنا في عجلة من أمرنا لتقديم الطماطم الجديدة تجاريًّا، الشيء المهم هو كسب المستهلك».
نقد الطماطم
منذ اكتشاف تقنية كريسبر في عالم 2010، أصبحت أداة مُفضَّلة لعلماء التكنولوجيا الحيوية في مجال النباتات، لكن هذا النوع الجديد من الطماطم كان أول مُنتج يتم تسويقه عن طريق تقنية كريسبر. وقامت شركة Sanatech بصفتها شركة مُكمَّلات غذائية، بتسويق المنتج الجديد على أنه يزيد من الاسترخاء ويقوم بخفض ضغط الدم، ولكن هنا تقوم بخدعة تسويقية مثل معظم شركات المكملات الغذائية، ألا وهي التسويق بمعلومات منقوصة.
لدعم نظريتهم حول خفض ضغط الدم، استندوا إلى دراستين، واحدة تم نشرها عام 2003 حول تأثير استهلاك اللبن المخمر الذي يحتوي على كمية عالية من GABA، والثانية تم نشرها عام 2009 حول تأثير حمض GABA والخل وسمك البونيتو، وأُجريت كلتا الدراستين على مرضى مصابين بارتفاع ضغط الدم الخفيف، وهذا ليس كافيًا للقول بأنه يمكن استخدام الطماطم الجديدة.
والسبب الثاني أن هاتين الدراستين لم تكونا تحتكمان إلى مجموعات يمكن إجراء التجارب عليها. ويضيف عالم التغذية بجامعة فاخينينجن الهولندية، رينجر ويتكامب، بأنه لا يوجد إجماع حول وجود فوائد حول استهلاك أطعمة ومكملات غذائية تحتوي على نسبة عالية من حمض GABA، ولا دليل على أنه يمكن أن يعبر الحاجز الدموي الدماغي ويصل إلى الجهاز العصبي المركزي.
أما بالنسبة إلى أن كمية حمض GABA العالية تزيد من الاسترخاء، فقد استندت الشركة إلى ست دراسات أجريت على البشر، حيث فحصت تأثير تناول GABA عن طريق الفم على الإجهاد والحالة المزاجية والنوم، لكن مراجعة منهجية حول تلك الدراسات الست، نُشرت في عام 2020، توصَّلت إلى نتيجة مختلفة، وهي أن تأثير حمض GABA محدود والأدلة محدودة وغير كافية لتعميمها.
من الخدع التسويقية أيضًا التي قامت بها الشركة هي التلاعب اللفظي، حيث إنها عندما طرحت المنتج قالت بأنه معدل جينيًّا وليس معدلًا وراثيًّا. فكلمة «معدل وراثيًّا» تُوحي بالخطر والسمعة السئية كما سمعة الذكاء الاصطناعي بالسيطرة على البشر وما شابه ذلك. فتغيير لفظي بسيط حوَّله من مُنتج سيكون ذا سمعة سيئة، إلى منتج يتحدث عنه العالم ويكون نصرًا علميًّا.
يقول إيزورا للدفاع حول الطماطم الجديدة، بأن الشركة لم تقم بهذا النوع من الدراسات العلمية التي تقوم فيها بتجريب المنتج على الإنسان. لكن ميزة الحملة التسويقية التي قامت بها الشركة أنها استهدفت المستهلكين بشكل مباشر وطرحت المنتج في السوق، وهذا ما أعجب العالمة كاثي مارتن، ففي عام 2008 أنتجت نوعًا جديدًا من الطماطم الأورجوانية مُعدَّل وراثيًّا وليس جينيًّا، وتحتوي على نسبة عالية من الانثوسيانين وهو مضاد التهاب شائع وله تأثير حقيقي ومفيد للإنسان، لكنها قابلت صعوبات بالغة في طرحه في السوق، حتى وافقت خدمة البحوث الزراعية في وزارة الزراعة الأمريكية عام 2022 على طرح المنتج في السوق، وكانت الصعوبة كلها بيروقراطية، ولم تكن كاثي الوحيدة، بل إن التكنولوجيا الحيوية النباتية ما زالت تعاني بيروقراطيًّا لتنفيذ تجاربها.