فيلم «Call Me By Your Name»: قصة رومانسية صادفت أن تكون مثلية
السينما، الحيز الوحيد الذي يمكنك أن تعيش فيه قصة حب رومانسية دون أن تنجرح، أو تفترق، أو تضطر لاختيارات صعبة. تعيش قصة الحب كاملة دون أن تكون طرفًا فيها، تصبح الأشياء أوضح والألوان أكثر بهجة، والكلمات أكثر تعبيرًا، يصبح الشخوص أكثر طيبة والأحداث أقل حدة، الفراق على الشاشة لا يؤلمك، والوخز في قلبك تتخلص منه ما أن تلقي بتذكرة الفيلم وأنت خارج من القاعة.
ما رأيك إذن أن تجلس لتشاهد فيلمًا يعج بمفردات الرومانسية والرقة؟ قصة رومانسية تذكرك أجواؤها بالحب الأول عندما كنت فتيًا، صيف وشمس ساطعة وفراغ تملؤه المزيكا وصفحات الكتب، تفاصيل أجمل مما عشتها أنت من قبل، بلدة إيطالية في أوائل الثمانينات، وبيت ذو حديقة صغيرة، أسرة مثقفة، وقصة رومانسية، حلم رائق ولطيف مشكلته الوحيدة أن طرفي قصة الحب مراهق في السابعة عشرة، وشاب في الرابعة والعشرين، قصة حب تصادف أن يكون طرفاها مثليي الجنس.
الحب الأول والاحتفاء بالحياة
يدور فيلم «Call Me By Your Name» في عام 1983 في بلدة إيطالية صغيرة، عندما تستضيف أسرة المراهق «إيليو» (قام بدوره «تيموثي شالامايت»)، شابًا أمريكيًا يدعى «أوليفر» (قام بدوره «أرمي هامر») المهتم بالآثار، ليساعد والد إيليو البروفيسير في أبحاثه الأثرية أثناء الصيف، الأمر الذي يتكرر كل عام مع اختلاف الضيف وتجد فيه الأسرة مغامرة لطيفة، أسرة إيليو أسرة بسيطة مثقفة، تتلو الأم عليهم أشعارًا بالألمانية، بينما يعرض عليهم الأب لقطات مصورة لأبحاثه الأثرية، البلدة في الصيف هادئة تمامًا والشوارع خالية تقريبًا، الشمس تسطع ببهاء لتلون مفرش المنضدة الزاهي الذي يتناولون عليه وجباتهم في الحديقة، لا شيء يحدث بالخارج بينما كل شيء يحدث بداخل إيليو والضيف الأمريكي أوليفر.
الفيلم يحتفي بكل مظاهر الحياة ويوسع لها مكانًا لتظهر على الساحة ببهاء نسته أعيننا في خضم جرينا المحموم، الشمس التي يمكنك أن تستشعر دفئها عبر الشاشة، الألوان الزاهية، الضحكات التي تتردد على مائدة الطعام، حتى الطعام نفسه احتفى به الفيلم كثيرًا كونه أحد مفردات الحياة، فتجدهم يتحدثون عن عصير المشمش بشغف يجعلك تشتهيه حتى لو لم تكن من محبي المشمش في الأساس، السباحة في نبع الماء الظليل، الكتب الملقاة في كل ركن في المنزل، الموسيقى التي يؤلفها إيليو ويستمع لها ويلعبها على البيانو، تفاصيل بالغة البساطة والتعقيد صقلها الفيلم وأظهرها في صورته الرائقة دون أن يشعرك بافتعال الرقة والرهافة.
جاء الفيلم رقيقًا جدًا ورومانسيًا بالدرجة الأولى، وقد تمكن مخرجه لوكا جواداجينيو من استخدام كل تفاصيل الحياة الصغيرة ليكمل الصورة الرومانسية لقصة الحب بغض النظر عن طرفيها، فجاءت صورة الفيلم بالغة الرقة وحركات الممثلين العفوية أسهمت في الحفاظ على الصورة دون افتعال، فمثلًا كانت مشاهد إيليو وأوليفر التي تدور جوار النبع تنضح بالبساطة، حتى شريط الصوت عند قفز أحدهم في الماء كان حميمًا يشعرك بالقرب من الأحداث وبأنك عشت مثل هذا الروقان من قبل.
عشر دقائق من التصفيق المتواصل
قلب الفيلم هو قصة الحب بين إيليو المراهق وأوليفر الشاب، شغف اكتشاف الحب الأول وحيرة البوح واللقاءات المختلسة، كل التفاصيل التي تحدث بين طرفي العلاقات الرومانسية وكيف يتحسس كل طرف طريقه نحو الآخر، نفس الإيماءات والإشارات والإقدام والإحجام في أي قصة حب أخرى، الفرق الوحيد أن طرفي القصة مثليا الجنس، وهو ما لم يشعرك به الفيلم على الإطلاق، لا غرابة فيما يحدث على الشاشة، ولا صراعات، ولا رفض مجتمعيًا واضحًا في الأحداث، الفيلم وضع كل شيء جانبًا وأخلى مسرح الأحداث للقصة الرومانسية.
حظى الفيلم بعشر دقائق كاملة من التصفيق عندما تم عرضه في مهرجان نيويورك السينمائي، أما في مهرجان صندانس فإن رئيس المهرجان «جون كوبر» بكى ما إن بدأ في محاولة وصف الفيلم، هذا الاحتفاء الذي قوبل به الفيلم في المجتمعات الفنية لا يعود فقط إلى تقديمه قصة حب رومانسية بحرفية، بل أيضًا لأنه يكسر التابوهات دون حتى أن يهتم بعرضها كتابوهات.
الفيلم لم يعرض أي صراعات أو عقبات واجهت قصة الحب رغم أنها لم تكتمل، بل ظهرت الأم داعمة ومتقبلة لابنها تمامًا دون الإشارة حتى لاختلافه، ففي مشهد تسأل ابنها ما إذا كان معجبًا بأوليفر الضيف، ويجيبها ابنها ببساطة لترد عليه أنه هو الآخر أخبرها أنه معجب به، وحتى عندما يرحل أوليفر وتنتهي القصة يجمع مشهد بين إيليو وأبيه الذي يخبره أنه يجب أن يمتن للحياة التي منحته حبًا كهذا حتى لو لم يكتمل.
بعيدًا عن الأحكام الأخلاقية
بغض النظر عن أن الفيلم يصور قصة حب بين شابين، وبغض النظر عن حكم المشاهد الأخلاقي على هذا إلا أن الأفلام لا تقيم من هذا المنظور، الفيلم يجب تقييمه من حيث جودة صناعته، وفيلم «Call Me By Your Name» جيد الصنع، رغم إيقاعه البطيء نوعًا ومشاهده الصامتة الطويلة، لكن الفيلم كان أكثر من جيد على كل المستويات.
الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم لكاتبها «أندريه كيمان» تم نشرها في 2007، وقد ترشح الفيلم لجائزتي جولدن جلوب في فئات أفضل ممثل رئيسي وأفضل ممثل مساعد لكنه لم يفز بأي منهما رغم الاحتفاء الذي حظي به الفيلم.
في النهاية فإن فيلم «Call Me By Your Name» يستحق المشاهدة خاصة إذا كنت ممن يهوون كسر التابوهات ولديك سعة من خيال تجعلك تجنب أحكامك الأخلاقية وتمكنك من الاستمتاع بالفن مجردًا.