«كالشيوبولي»: القصة الكاملة لأشهر تلاعب في تاريخ كرة القدم
بهذه الكلمات أنهى «لوسيانو موجي»، مدير الكرة في نادي يوفنتوس الإيطالي، مسيرته الطويلة ضمن المجال الرياضي عشية اليوم الذي حقق فيه فريقه لقب الدوري الإيطالي عام 2006.
موجي كان يستعد في الليلة التالية لخوض سلسلة من التحقيقات في العاصمة روما. سيل من الاتهامات الموجهة إليه بممارساته غير القانونية، كالتلاعب بالنتائج، والتآمر مع بعض مسئولي لجنة الحكام، والتأثير في الوسائل الإعلامية لخدمة مصالح فريقه من كل الأطراف.
أمر شبهه الكثيرون بصورة شبكة سرية وغامضة لا يمكن تعقبها، تشبه المافيا في تصرفاتها، وزعيمها هو ذلك الرجل الأصلع ذو الأنف الكبير، والذي خرج في نهاية المطاف بريئًا من التهم الموجهة إليه تحت اسم الفضيحة «كالشيوبولي» أو «موجي غيت» نسبة إلى الفضيحة السياسية الأمريكية الشهيرة «ووتر غيت».
12 عامًا مرت على تلك الفضيحة التي غصت بها القنوات والصحف الإيطالية والعالمية. من الصعب تلخيصها بالمجمل أو الكشف عن الكثير من خفاياها، لكن سنحاول الحديث عن هذه القصة المليئة بالتناقضات، والتي كانت أحد الأسباب المؤدية لتراجع مستوى الدوري الإيطالي ومنتخب الآزوري.
فضيحة بالصدفة
الفضيحة أشبه بقصة إيطالية من أحد كلاسيكيات الأفلام السينمائية. حيث اكتشفت فضيحة الكالشيوبولي والتي أدت إلى سلسلة من الاستقالات في الاتحاد الإيطالي لكرة القدم عن طريق الصدفة دون أي تخطيط مسبق لذلك. في عام 2005، كانت الشرطة الإيطالية تدير تحقيقين منفصلين يخصان ادعاءات بضلوع الجريمة المنظمة في ملف إمداد اللاعبين بالمنشطات، وآخر يتعلق بالرهان غير القانوني على نتائج مباريات الدوري.
عند تتبع الشرطة وتنصتها على بعض المكالمات الهاتفية تم بشكل فجائي اعتراض مكالمة لمدير يوفنتوس لوسيانو موجي مع أحد المسئولين في لجنة الحكام. التواصل لم يكن موضع تهمة، بل الحديث الذي دار بينهما جعل الأنظار تتجه إلى مكان آخر يبدو أنه مشروع تحقيق ثالث للشرطة في الشأن الإيطالي الرياضي.
ناقش لوسيانو خلال المحادثة موضوع تعيينات الحكام لفريقه أو الفرق الأخرى المنافسة. وعند تعقب مكالمات أخرى، تبين أن هناك مكالمات عديدة تجمع المدير الأشهر في الكرة الإيطالية بأعضاء آخرين في لجنة الحكام، ومسئولين في اتحاد الكرة، تخص تأجيل المباريات أو تغيير مواعيدها، والحكام المسئولين عنها، بما يخدم مصالح السيدة العجوز.
بالنسبة للشرطة، بدا الأمر وكأن موجي يستخدم قوته من خلال علاقاته المتشعبة مع كل أقطاب الكرة الإيطالية، من أجل رسم ملامح البطولة وتسهيل طريق ناديه، لِتُظهرَ اللوحة عند اكتمالها يوفنتوس وهو يحمل لقب الدوري.
على نار هادئة
يتساءل البعض، كيف لشخص أن يكون له هذا التأثير الكبير على المنظومة العامة للكرة الإيطالية، كيف تمكن من شراء ذمم أو إقناع أولئك المتعاونين معه بآرائه واقتراحاته؟ أمر لم يكن يسيرًا بالطبع، وكان من الصعب على المحققين اكتشاف الخيوط المتلاحقة للقضية.
لندخل في لب القضية. لا يوجد دليل واحد على ضلوع موجي في التلاعب بنتائج مباريات الدوري، وليس هناك أثر للفساد الرياضي أو دفع الرشاوى للحكام أو اللاعبين أو ما شابه. لا أحد يشك في أن موجي كان قادرًا على التأثير بشكل كبير وشنيع على كرة القدم في بلد تعتبر اللعبة فيه نوعًا من القداسة والعبادة إلى حد كبير. لكن كيف حصل ذلك؟
في ربيع عام 2006، تم تسريب أجزاء من ملف التحقيق إلى الصحافة بشكل ممنهج وغير قانوني، وجميع أصابع الاتهام موجهة نحو رجل واحد أو أمير العصابة لوسيانو موجي، رغم وجود الكثير من الشخصيات الرياضية الأخرى.
أحد التسجيلات الصوتية يعود لعام 2005، وكان يجمع موجي بالحكم السابق «فابيو بالداس» الذي كان يقدم برنامجًا تلفزيونيًا أسبوعيًا يناقش فيه الحالات التحكيمية خلال مباريات الدوري.
بالداس: كيف حالك؟ بخير؟
موجي: جيد.
بالداس: استمع لوسيانو، اليوم ليس لدينا الكثير، هناك حالة تخص «رودومونتي» حكم مباراة ميلان وكالياري. هل من الجيد أن نظهره بشكل سيئ؟ إذا كنت توافق بالطبع.
موجي: أجل، لا يوجد مشكلة.
بالداس: وهناك حكم سيينا وفيورنتينا.
موجي: لقد كانت ركلة جزاء؟
بالداس: نعم، لقد كانت واضحة! أنت تعرف الحكم بالطبع، ماذا سنفعل؟
موجي: لا، لا، دعه وشأنه. أسقط لعبة سيينا.
بالداس: حسنًا، إذا كنت بحاجة إلى معروف سوف تفعل لي معروفًا؟
موجي: لا مشكلة.
بالداس: سوف تتصل بي قريبًا؟
موجي: نعم، قريبًا.
بالداس: إلى اللقاء.
موجي: إلى اللقاء.
من خلال منطق موجي وفهمه لتأثير وسائل الإعلام، فقد كان استغلال النفوذ الإعلامي هو أفضل طريقة لإخفاء التحيز المقصود أو الأخطاء العفوية من قبل الحكام. وكانت نظريته تعتمد على تأثير البرامج التي سيراها الملايين، وليس على مباراة صغيرة قد لا يتجاوز عدد متابعيها عبر التلفاز 50 ألف شخص.
زلزال مدمر
ومع تتبع تسجيلات أخرى تبين أن مدير السيدة العجوز كان يتواصل مع مسئولين من لجنة الحكام، وكان الهدف وراء ذلك هو تعيين حكام يفضلون فريقه أو يتخذون قرارات تحكيمية تساعده. كانت العملية أشبه بنظام مكافأة أو عقاب للحكام على أساس تصرفهم نحو يوفنتوس.
أولئك الذين فضلوا فريقه سيجدون أنفسهم يتقدمون ببراعة في حياتهم المهنية، في حين أن أولئك الذين كانوا حجر عثرة أمامه، سيكونون عرضة للتركيز الإعلامي من قبل بالداس وآخرين، وسيعانون كثيرًا من أجل التحكيم في مباريات كبيرة.
بعد تسريب مكالمات موجي بأيام، حدثت الكارثة.استقال رئيس الاتحاد الإيطالي «فرانكو كارورا» من منصبه بصحبة أعضاء آخرين في التاسع من مايو/آيار 2006، قبل انطلاق بطولة كأس العالم في ألمانيا بشهر واحد فقط. التعفن الذي يملأ زوايا وأركان الكرة الإيطالية لم يكن ليتم التخلص منه بسبب الانتشار الكبير للفساد في أروقة اللجان الكروية. استقالة «كارورا» كانت محاولة بائسة للحد من التبعات السلبية للفضيحة، لكن الأزمة كانت في بدايتها فقط، والسيل الجارف سيلقي بآثاره على الجميع.
لاحقًا تسارعت القضية بشكل جنوني، وقدم مجلس إدارة يوفنتوس استقالته بعد أيام من استقالة رئيس الاتحاد. وتم نقل القضية من محكمة نابولي إلى محكمة العدالة الرياضية من أجل البت فيها، لأن القضية ترتبط بمسارين مختلفين.
المسار الأول هو سباق ضد الزمن من أجل إغلاق الإجراءات في الوقت المناسب قبل انطلاق كأس العالم وتجنب العقوبات من الاتحاد الدولي لكرة القدم بحق المنتخب. والثاني من أجل ترتيبات الفرق المتأهلة إلى المسابقات الأوروبية، لأنه يجب رفعها للاتحاد الأوروبي قبل انقضاء الوقت، ولأن جميع المعنيين يعلمون أن هناك قرارات كبيرة ستتخذ بحق أندية القمة.
مرحبًا بكم في الجحيم
في واقع الأمر، لم يكن هناك متسع من الوقت لفريق المحامين الخاصين بنادي يوفنتوس لتجهيز خطة للدفاع عن الفريق. وفقًا لتسريبات المحكمة كان موجي يطلب ويستقبل مكالمات على الهاتف بمعدل يومي يصل إلى 416 مكالمة. أي ما يقرب من 150 ألف مكالمة في العام، وكان صعبًا على فريق الدفاع تغطية هذا العدد من المكالمات خلال هذه المدة القصيرة.
وفي السادس عشر من مايو/آيار، تم تعليق التداول على أسهم يوفنتوس في بورصة ميلان بسبب الخسائر المالية الكبيرة، حيث انخفضت القيمة السوقية للنادي بنسبة 20% بعد خسارة 57 مليون دولار بسبب هبوط حاد في سعر أسهم النادي. وفي خضم الاستعدادات لكأس العالم تم تفتيش منزل قائد الفريق «فابيو كانافارو» من قبل الشرطة، وتم استدعاؤه من معسكر المنتخب للإجابة على أسئلة القضاة.
منذ استقالة موجي من يوفنتوس في الرابع عشر من مايو/آيار وحتى بعد شهر من فتح التحقيق كان يردد الأقاويل نفسها، بأن ما فعله خلال وظيفته كمدير رياضي للنادي لم يكن خاطئًا، وقد فعل ذلك لحماية يوفنتوس من السلطة الحقيقية التي تسيطر على التلفاز والمؤسسات الإعلامية في إشارة واضحة لـ «سيلفيو بيرلسكوني». لكن موجي كان البطل الوحيد للقصة، كان كاتب السيناريو والمخرج والبطل، وكان الضحية في نهاية العرض.
انتهت الفضيحة في وقت قياسي، فلم تدم القصة في المحاكم رغم أهميتها لمدة طويلة. لقد انتقلت من شبكة ضخمة ومعقدة وغامضة، وانتهت برجل واحد. تم إيقاف موجي عن العمل الرياضي مدى الحياة، والحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات و4 أشهر، تم تخفيضها لاحقًا لـ 28 شهرًا، بتهمة التحايل والتآمر الرياضي دون وجود دليل واحد على التلاعب بالنتائج أو التواصل مع الحكام بشكل مباشر.
وفي نهاية القضية وجد يوفنتوس مذنبًا بسلوك غير رياضي، حيث تم إعلان هبوط يوفنتوس إلى دوري الدرجة الثانية مع خصم 30 نقطة من رصيده تم تخفيضها إلى 9 نقاط بعد الاستئناف، وتم سحب لقبي الدوري الإيطالي مواسم 2004-2005 و2005-2006 من خزائنه. ونتيجة ذلك تركه عدة لاعبين بارزين، أمثال فابيو كانافارو وزلاتان إبراهيموفيتش وباتريك فييرا.
النهاية المنتظرة
في الـ23 من مارس/أذار 2011 أصدرت المحكمة العليا الإيطالية بعد مداولات ومناقشات طويلة حكمها النهائي في قضية كالشيوبولي. تمت تبرئة لوتسيانو موجي من تهمة التآمر الإجرامي بموجب قانون التقادم. ولكن ما هو أهم أنه تم تبرئته من تهمتي الاحتيال الرياضي بسبب نقص الأدلة. واعترفت المحكمة بأن الكثير من الحقائق المقدمة لا تدعم هذه الاتهامات. بعد هذا الخطأ الفادح، طالب يوفنتوس في 2015 بفتح قضية جديدة تهدف إلى الحصول على تعويض مالي قدره 444 مليون يورو عن عائداتهم المفقودة بسبب الهبوط.
على الأرجح لوتسيانو موجي ليس قديسًا، وبالفعل أثبتت التسريبات ذلك. لكنه كان يجب أن تثبت هذه المحاكمة أن يوفنتوس يتمتع بالعديد من المزايا غير القانونية للفوز بالألقاب، رغم أنه لا يوجد مخالفات حقيقية للقانون، لكن لم يكن هناك التزام كامل به، وهذه كانت طريقة إيطالية للغاية في فن الفساد.