بالأرقام: كيف كُسِر حصار «مضايا» السورية؟
من بيان «هناء سنجر» ممثلة يونيسيف في سوريا، بعد إدخال المساعدات الإنسانية لـ«مضايا»، الشهادة التي لم يكن الوصول إليها سهلاً، والحصار الذي لم يكن كسره جهدًا تلقائيًا من الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها.
ماذا حدث في مضايا؟
تتبع بلدة «مضايا» منطقة «الزبداني»، شمال غرب دمشق، في سلسلة جبال لبنان الشرقية. في 2012 سيطرت المعارضة السورية على «الزبداني»، لكن وقوع المنطقة في حيزٍ إستراتيجي بين لبنان وسورية، دفع «حزب الله» مدعومًا بغطاءٍ جوي من النظام السوري، لبدء حملةٍ عسكرية مكثفة للسيطرة على المنطقة، مطلع يوليو/تموز 2015، كجزءٍ من مشروع متكامل لتطهير المنطقة على أساسٍ طائفي. ولما فشل «الحليفان» أطبقا عليها حصارًا شديدًا من جميع الاتجاهات.
أدى القصف المكثف بالبراميل المتفجرة، لنزوح السكان من مدينة «الزبداني» إلى «مضايا» وبلداتٍ مجاورة، ومضاعفة عدد سكان «مضايا» من 17 إلى قرابة 40 ألف نسمة، وزاد الوضع سوءًا، إغلاقُ الحليفيْن حدود البلدة بالألغام والأسلاك الشائكة، ومراقبتها بالقناصة؛ فالتفكير بالخروج يعني القتل أو البتر.
ردّت المعارضة السورية على الحليفيْن بحصارٍ جزئيّ لبلدتي «كفريا» و «الفوعة» المؤيدتين لهما والواقعتين شمال مدينة «إدلب»، غير أن الوضع الإنساني في هاتين القريتين لا يقارن على الإطلاق بمضايا، حيث المساعدات تسقطها طائرات النظام السوري للسكان.
في 24 سبتمبر/أيلول 2015 أُوقف إطلاق النار، بعد أن تكلّلت مفاوضات طويلة في تركيا بإشراف أممي، بتوقيع ما يعرف باتفاق «هدنة الزبادني – كفريا والفوعة» بين وفدٍ إيراني يمثل النظام السوري، والمعارضة السورية ممثلة في حركة «أحرار الشام».
فيما يخص «مضايا»، قضى الاتفاق برفع الحصار وفتح ممراتٍ إنسانية لدخول المساعدات، لكن الأشهر الستة الماضية لم تشهد أيّ مظهرٍ لكسر الحصار عن البلدة سوى مرة واحدة في 18 أكتوبر/تشرين الثاني 2015، أدخلت فيها الأمم المتحدة قافلة مساعداتٍ غذائية لم تكن كافيةً لأكثر من شهر، واشتهرت بفضيحة البسكويت منتهي الصلاحية، واشترط النظام إدخال مساعداتٍ لـ«كفريا» و«الفوعة» على التوازي.
في 28 ديسمبر/كانون الأول 2015، جرى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، بإجلاء الجرحى والمسلحين والراغبين من أهالي الزبداني إلى لبنان ومنها إلى تركيا، بالتوازي مع إجلاء جرحى ومسلحي كفريا والفوعة إلى تركيا ومنها إلى لبنان، وبقيت مضايا محاصرة.
ستة أشهر من الحصار التام، نفد فيها الدواء والغذاء، ولجأ الأهالي لأكل القطط وأوراق الشجر، حتى فارق الحياة جوعًا 35 شخصًا وفق إحصاء منظمة «أطباء بلاحدود»، ورغم امتلاك الأمم المتحدة صلاحية دخول هذه المناطق دون إذن النظام السوري، بقراراتٍ من مجلس الأمن، لم تتحرك ولم تعلّق.
في 11 يناير/كانون الثاني 2016 بدأت الأمم المتحدة بتسيير قوافل الإغاثة للبلدة، وكلمة السر في نقطة التحول التي أفاقت «بانكي مون» من نومه ليعرب عن قلقه، لنفاجأ بسيلٍ من التصريحات والتقارير لعديد المنظمات الحقوقية عن المجاعة، هي «الإعلام».
«الجزيرة» تشكّل رأس الحربة
لم تفلح الانتقادات والأخبار المتفرقة في وسائل الإعلام التقليدية، ولا حتى الصور القليلة على «وسائل التواصل» في تغيير المعادلة. أمّا الجزيرة فتحت عنوان «مضايا .. القتل تجويعًا» فبدأت في 2 يناير/كانون الثاني حملةً منظّمة، وبتنسيقٍ (محتمل) مع أشهر وسائل الإعلام المؤيدة للثورة السورية للتعريف بهذه الكارثة الإنسانية. وفيما يلي إحصاءات للحملة في الفترة بين 2 و 17 يناير/كانون الثاني، ويجدر التنويه إلى قابلية هذه الأرقام للزيادة، فلا تزال الحملة مستمرة:
- الموقع الإلكتروني العربي:
- 120 موضوعًا، بين خبر وتحليل وتقرير وخلافه، وفي 9 يناير/كانون الثاني شغلت قضية مضايا قرابة 70% من محتوى الصفحة الرئيسية المزدحمة.
- الشاشة:
- برامج حوارية: 7 حلقات، أهمها حلقة «لقاء اليوم» مع «أسامة أبو زيد» القيادي في حركة «أحرار الشام» أحد المهجّرين من الزبداني في اتفاق الهدنة، وصاحب أشهر صور للمجاعة في مضايا.
- النشرات الإخبارية: مساحة مخصصة للحملة في جميع النشرات على مدار اليوم، ومساحة أوسع في نشرة الحصاد، واستضافة أكبر قدر من أطراف الأزمة المؤثرين.
- تقارير تلفزيونية: 26 تقريرًا.
- فيديو ترويجي «بروموشن» يُعاد على مدار اليوم.
- الجزيرة AJ+:
- المنصة المخصصة لشبكات التواصل، طرحت – تقريبًا – 3 فيديوهات في النسخة الإنجليزية، و 2 في العربية.
- الجزيرة الإنجليزية:
- بدأت نفس الحملة بمساحة أقل تتناسب مع المشاهد الغربي، و 17 موضوعًا على الموقع الإلكتروني، وجزء من تغطيات الإعلام العالمي بعد بداية الحملة مصدره القناة، أما الجزيرة مباشر فهي نافذة مفتوحة دائمًا على سوريا منذ انطلاق الثورة سيما بالبرامج التفاعلية.
دور الإعلام المؤيد للثورة السورية:
موقع «العربي الجديد» طرح ملفًا خاصًا للحصار يتكون من 45 موضوعًا. أما «أورينت» أو قناة الثورة السورية، فأسهمت بتغطية يومية، لكن عدم شهرتها ودقة صنعتها نسبيًا مقارنة بالقنوات الكبرى أفقدها قوة التأثر. وكالة «الأناضول» أيضًا أسهمت بـ 43 خبرًا، و حوار صحافي مهم مع «محمد خير» وهو طبيب أسنان سوري نجح بالفرار من الحصار.
تأثير «وسائل التواصل الاجتماعي»
لازالت وسائل التواصل الاجتماعي أقل مصداقيةً من الإعلام التقليدي بشكل عام، ففي هذه القضية تحديدًا اختلطت الصور الصحيحة بالمفبركة، لكن إن كان الإعلام التقليدي لا يزال «رأس الحربة»، فوسائل التواصل دائمًا هي «عُنصر الحسم»؛ فعلى وسم #مضايا_تموت_جوعا دوّن آلاف النشطاء ونقلوا الصور والتعليقات لتؤثر في الملايين في كل دول العالم.
أما أنصار حزب الله فشاركوا على وسم#متضامن_مع_حصار_مضايابكتابات وصور تسخر من المجاعة وتتلذذ بمعاناة المحاصرين؛ الموقف الذي استوقف وسائل إعلام عالمية مثل «إندبندت» البريطانية، لتخصص له تقريرًا على موقعها.
ماذا قدم الإعلام العالمي لمضايا؟
على غير العادة، وربما لتعدد بؤر الصراع في المنطقة، تناول الإعلام العالمي قضية مضايا بمنطق «الخبر الذي لا يمكن تجاهله»، وليس بمنطق المبادر المتبني لقضية إنسانية؛ فاكتفى في معظمه بتغطيات باهتة، حتى توارد سيل الشهادات والصور من داخل البلدة بعد دخول قوافل الإغاثة.
تواطأت «الأمم المتحدة» مع النظام السوري، بالسكوت عن حصار مضايا، إلى أن أحرجتها الحملة الإعلامية. مجلة «فورين بوليسي» كشفت في تقريرٍ لها، عن تعمّد المنظّمة هذا الصمت طيلة الأشهر الماضية. أما موقع «ميدل إيست آي» فكشف في تقرير مثير للاهتمام، عن تواطؤ المنظمة مع النظام السوري في أكتوبر/تشرين الثاني 2015 عندما صنّفت مضايا ضمن مناطق «يصعب الوصول إليها» وليس كمنطقة «محاصرة»، وهو نفس الشهر الذي وصلت فيه المنظمة لمضايا، لتقدم البسكويت منتهي الصلاحية لأطفال سوريا، وكشف الموقع في التقرير نفسه عن سماح المنظمة للنظام السوري بتعديل مصطلحاتٍ متعلقة بتوصيف ما يحدث في مضايا بالحصار، في تقرير أخير صدر منذ أيام. وذكّر الموقع أيضًا بخلو تقرير المنظمة لشهر ديسمبر/كانون الأول 2015 من الإشارة لمضايا، رغم وفاة 23 شخصًا جوعًا فيه، وفق إحصاء منظمة «أطباء بلاحدود».
مضايا ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة
لا يزال الطريق طويلاً لرفع الحصار الكامل عن مضايا، ولا زالت الأمم المتحدة ترضخ لطلبات النظام السوري حول القيود على كميات المواد الغذائية ونوعياتها المسموح بدخولها، ولا تزال 13 بلدة سورية أخرى تعاني الحصار من قِبَل النظام وحزب الله، أهمها «معضمية الشام»، التي بدأ الإعلام وفي مقدمته «الجزيرة» في التعريف بأحوالها منذ 14 يناير/كانون الثاني الجاري.
يبدو أن إيران وحلفاءها لن يتوقفوا، قريبًا، عن استخدام سلاحيْ «القتل بالتجويع» و«التطهير على أساسٍ طائفي»؛ فـ«تعز» اليمنية تعيش أجواءً مقاربة للتجويع في مضايا، و«ديالى» العراقية يمارس فيها أسوأ صور التطهير الطائفي، وإزاء التجاهل الدولي لمثل هذه الجرائم، لم يتبق للشعوب المقهورة سوى الضغط الإعلامي المحترف والمنظّم.