لابورتا ومارتينيز وآخرون: فراشات في قصة تتويج ميسي بالذهب
يُقال إن كتابات دوستويفسكي تأثرت بحادثة نجاته من الإعدام رميًا بالرصاص. لذا، استنتج البعض: لكي تنتج تُحفة فنّية تظل عالقة بالأذهان، عليك أن تَمُر بعدّة تجارب بائسة.
منطقيًا، لم تكُن حياة «ليونيل ميسي» بائسة بأي شكل؛ الرجُل يمتلك حياة عائلية شبه مثالية، يشغل وظيفة الأحلام، جنى على مدار مسيرته من الأموال ما يقيه شَرّ غدر الزمان.
ومع ذلك، اضطُر ليونيل أن يختبر إحدى أكثر التجارب المعنوية قسوة، وهي تجربة الرفض: أن يركُض أميالًا دون أن تُكلل مساعيه بالنجاح. ولأنه إنسان، لا يستطيع أن يتحكَّم في مصيره وحده، كان على أحدهم أن يمد له يد العون.
هل سمعت عن تأثير الفراشة التي ترفرف بجناحيها في البرازيل لتُحدث إعصارًا بفلوريدا؟ ماذا لو أخبرناك أن خلف مشهد رفع «البولجا» لكأس العالم مجموعة من الفراشات، التي أسهمت أجنحتها في إنتاج مشهد ليلة «لوسيل» الاستثنائية.
بييلسا وبوتشيتينو
كان هذا نَص رسالة الـ«واتساب» الأولى التي أرسلها «ليونيل سكالوني»، المدير الفنّي المؤقت لمنتخب الأرجنتين، أثناء محاولته إثناء قائد المنتخب الأرجنتيني المُحبط عن الاعتزال الدولي، بعد أشهُر معدودة من الإقصاء المُخيب للـ«تانغو» بمونديال روسيا 2018.
عاد «ليونيل» بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من تعليق حذائه الدولي؛ ربما لأنَّه اقتنع برؤية «سكالوني» الفنيّة، وربما لعلاقة الصداقة التي تجمعه به، أو لأنَّه أراد أن يعمَل رفقة مثله الأعلى «بابلو أيمار».
في الواقع، لم يكُن تعيين «سكالوني» مؤقتًا، رفقة مجموعة من كبار لاعبي الأرجنتين مثل: بابلو أيمار ووالتر صامويل سوى محاولة لشراء بعض الوقت، حتى يتم الاستقرار على هوّية المدير الفني الجديد للمنتخب، وسط عديد الترشيحات، لعل أبرزها «مارسيلو بييلسا» و«ماوريسيو بوتشيتينو».
ربما كان فشل تابيا في إقناع أي من بوتشيتينو وبييلسا بالإشراف على المنتخب الأرجنتيني الرفرفة الأولى لأجنحة الفراشة؛ لأن كلا المدربين، أصحاب النظرة التكتيكية الصارمة، ربما كانا ليختلفا مع نظرة ميسي لكرة القدم.
في الواقع، عزا البعض فشل الأرجنتين في السابق لكون المدرِّب تحت دائرة الضوء دائمًا، مثل ضرورة اقتناع اللاعبين بأفكار بييلسا المجنونة أحيانًا، أو التعامل مع إصدار سامباولي لكتاب، قبل انطلاق كأس العالم بأشهر معدودة، يحكي بداخله عدم اكتراثه بالتخطيط في كرة القدم من الأساس.
على العكس تمامًا، يمثِّل «سكالوني» الوجه البدائي للمدير الفنّي، الذي يؤمن بأن نجاحه مرتبط بمدى قدرته على كسب احترام اللاعبين، ومشاركتهم أفكاره بصراحة، والأهم جعل تعليماته بسيطة قدر المستطاع. باختصارٍ كان «سكالوني» النقيض للصورة الذهنية المعروفة عن «المدرب الكبير».
شكرًا «نيل موباي»
دون شكٍ، قدَّم «ليونيل ميسّي» في قطر أحد أفضل بطولاته الدولية منذ بداية مسيرته، حيث أسهم في ثلثي أهداف المنتخب الأرجنتيني سواء بالتسجيل أو الصناعة. ومع ذلك، لم يكُن ليتحقق حُلم الأرجنتيني إلا بوجود العامل «X»، «إيميليانو مارتينيز».
في الـ20 من يونيو/ حزيران 2020، كان «ميكيل أرتيتا» مُضطرًا لاستبدال حارسه الألماني «بيرند لينو» بـ«مارتينيز»، بعد تعرض الأول لإصابة قوية بالركبة، بعد تدخُّل غير مقصود من الفرنسي «نيل موباي»، لاعب برايتون الإنجليزي.
كانت هذه اللحظة بمثابة شهادة ميلاد للحارس الذي عاش نحو 10 سنواتٍ من فقدان الثقة، حيث لم يرَ مسؤولو «أرسنال» الإنجليزي أنّه أهلًا لحماية عرين «الجانرز» منذ انضمامه للنادي عام 2010.
قدّم إيميليانو أداءً جيدًا، وتوقَّع البعض أن مسألة تواجده كحارس أول لأرسنال أصبحت محسومةً، لكن لسبب ما، بدا «أرتيتا» متشككًا في قدراته، الأمر الذي دفعه للرحيل إلى أستون فيلا بسبتمبر/ أيلول 2020.
بعد موسم استثنائي رفقة «الڤيلانز»، حظي «إيميليانو مارتينيز» أو «ديبو» أخيرًا باستدعاء رسمي لتمثيل منتخب «التانغو» في يونيو/حزيران 2021. أي قبل انطلاق كأس العالم بعام ونصف تقريبًا.
«نيل موباي»، الفرنسي للمفارقة، فراشة أخرى أسهمت رفرفتها في لفت أنظار العالم لحارس تسبّب مباشرة في تتويج بكأس العالم. لست مقتنعًا؟ فقط عليك أن تتخيّل عواقب حراسة مواطنه «فرانكو أرماني» لمرمى المنتخب الأرجنتيني.
الصديق العزيز «لابورتا»
بالدموع، ودَّع «ميسي» برشلونة، وكذلك فعلت جماهير «البلاوجرانا» حول العالم، بعدما انتهت رحلة «ليو» الأسطورية في إسبانيا بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلَّت على النادي الكتالوني.
مع مرور الأيام، تكشَّفت بعض الحقائق، كان أهمّها ما نشره «ألفونسو أجيليرا روزيك»، صديق عائلة ليو، على حسابه الشخصي على «إنستجرام»، حيث زعم أن زميل ميسي السابق، «جيرارد بيكيه»، قد نَصح «خوان لابورتا»، رئيس النادي، بأنّ الطريقة المُثلى لبناء فريق جيّد لبرشلونة، يبدأ بالتخلُّص من البرغوث.
طبقًا لصحيفة «El Pais»، شعر «ليونيل» بخيانة «لابورتا» له، بعدما كان قد حصل على وعدٍ من الرئيس بأن تجديد تعاقده متوقّف على تفاصيل هامشية.
في الواقع، ربما كان الانتقال لباريس سان جيرمان أفضل ما حدث لـ«ميسي»، فبعد سنوات عدّة من الضغط والإخفاقات، وجد الأرجنتيني نفسه في نادٍ جديد، يمكنه تقديم أعذار للنجم الذي يحتاج لوقت للتأقلم مع الأجواء الجديدة.
منذ التعاقد مع النادي الباريسي، تحوَّل «ميسي» للاعب آخر، لا يكترث كثيرًا لـ«بي إس جي»، ويُحب الحياة مع الأرجنتين. وبالتأكيد، هذا ما لم يكُن ليحدث إذا ما استمر ميسي فردًا داخل بيئة برشلونة السامّة مؤخرًا.
نهايةً، ربما لم يكُن ميسّي لينجح في تحقيق حُلمه بالتتويج بكأس العالم دون نجاح «سكالوني» في بناء فريق يدور في فلكه، ومساعد مخلص مثل «مارتينيز»، وأفراد يرون فيه قائدًا مثاليًا لهم، وأخيرًا، فترة راحة من أجواء برشلونة المتوترة.
لماذا؟ لأنّه -مع اعترافنا باستثنائيته- يظل إنسانًا، يحتاج لأن تقف الظروف في صفّه حتى تُكلل مجهوداته بالنجاح.