مسرعة أعمال أم حاضنة: أيهما أنسب لشركتك الناشئة؟
يتجه كثير من رواد الأعمال إلى تلقي المساعدة من أجل تحسين أعمالهم والنهوض بأفكارهم وشركاتهم الناشئة، تظهر العديد من الخيارات عندما تتعلق رغبة هؤلاء بالحصول على الدعم والتوجيه وكذلك الأموال التي تساهم في أعمال التوسع للشركات وكذلك استدامتها، يعتادون على مصطلحات كـ «المستثمر الملائكي – Angel Investor» و«رؤوس الأموال المخاطرة – Venture Capitals» وكذلك «حاضنات الأعمال – Incubators» و«مسرعات الأعمال – Accelerators» التي تعتبر بمثابة الوجهات الأولية لهم من أجل تلقي المساعدة.
يبدو من واقع السوق أن هناك التباسًا بين مصطلحي حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال عند الأشخاص حديثي الانتماء لمجتمع ريادة الأعمال. يستخدمون هذ المصطلحات بشكل تبادلي كمرادفات نتيجة لتداخل بعض الخدمات المقدمة من قبلهما مما يفسر الالتباس الحاصل في حين أن هناك فروقات جوهرية بين الاثنتين، فماذا حقًا يعني مصطلحا مسرعة أعمال وحاضنة أعمال؟
مسرعات الأعمال، نافذتك لتمويلك الأولي
تبدأ رحلة ظهور مسرعات الأعمال من «وادي السيليكون – Silicon Valley» بالولايات المتحدة الأمريكية عندما ظهرت أول مسرعة أعمال Y Combinator عام 2005 وتبعها سريعًا تأسيس مسرعة الأعمال Techstars. تعتبر هاتان المسرعتان البرنامجين الرئيسيين لبرامج تسريع الأعمال على مستوى العالم.
تسارع ظهور مسرعات الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية من بعد عام 2008 ليصل عددها تقريبًا إلى 172 برنامجًا في الفترة ما بين 2005 و2015. استطاعت خلال هذه المدة الاستثمار في أكثر من 5000 شركة ناشئة، كما أن هذه الشركات استطاعت أن تحصل على تمويل يصل مجموعه إلى حوالي 19.5 مليار دولار، هذه الأرقام بالتأكيد قابلة للزيادة مع استمرار هذه المسرعات في إخراج الشركات وإيصالها إلى مرحلة النضج اللازمة للنجاح.
تبدأ مسرعات الأعمال باستمارة تقديم يجب على رواد الأعمال أن يملؤوها لكن بحذر، لأن عادة ما تكون هذه البرامج انتقائية للغاية، إذ تقبل Y Combinator حوالي 2% فقط من عدد الاستمارات المتقدمة، وعادة ما تختار TechStars عشر استمارات فقط من حوالي ألف استمارة مقدمة لبرنامجها.
تدعم هذه البرامج الشركات الناشئة التي تمتلك فريق عمل ومنتجًا بالفعل والتي ربما لديها بعض الأموال من خلال التعليم والإرشاد والتمويل في إطار زمني محدد قصير. تعتبر هذه التجربة بمثابة عملية تثقيفية مكثفة وسريعة تهدف إلى تسريع دورة حياة الشركات الناشئة ذات الطابع الابتكاري عن طريق ضغط ما يمكن تعلمه واكتسابه في إطار طبيعي من سنوات إلى بضعة أشهر فقط. وفي المقابل تستثمر المسرعات مبلغًا محددًا من رأس المال لديها في مقابل نسبة مئوية محددة من أصول الشركة، مما يجعلها أيضًا تتحمل مسؤولية أكبر تجاه إنجاح هذه الشركات الشابة.
تبرز سوزان كوهين من جامعة ريتشموند أربعة عناصر مميزة للمسرعات تجعل منها فريدة عن البرامج الأخرى: أولها أنها محددة المدة التي تتراوح ما بين ثلاثة أشهر حتى ستة أشهر وذلك في إطار تسريع عملية تعليم الشركات وعدم الإطالة بها. بجانب ذلك، تعتمد المسرعات على مبدأ العمل في جماعات في إطار منهجية محددة حتى تصل في النهاية من خلال التعلم الجماعي وتبادل الخبرات إلى تحفيز بيئة العمل وتعزيز الإنتاجية خلال مدة البرنامج.
تضيف سوزان أيضًا إلى هذين العاملين عامل التوجيه الذي يعتبر سمة أساسية، إذ تتألف عادة شبكة الموجهين من مديرين تنفيذيين لشركات ناشئة ناجحة، وخبراء في الصناعة وإدارة الأعمال، وكذلك مستثمرين الذين يهدفون جميعًا إلى الإدلاء بخبراتهم من أجل دفع أصحاب الشركات الشابة في الاتجاه الصحيح وبشكل سليم من خلال تطوير أفكارهم وطرق عملهم والتدقيق في كافة عمليات الشركة وتحسين الأداء بها، تختتم سوزان العوامل بما يسمى «اليوم التجريبي – Demo Day» الذي يحضره العديد من المستثمرين وبتغطية من جهات إعلامية مختلفة من أجل الاستماع إلى الشركات الناشئة ومعرفة أفكارهم وخططهم بعد أن تم التدقيق بها وتطويرها مما يساعدهم في الحصول على تمويل أولي يساهم في تحقيق مبدأ الاستدامة.
وبسؤال براد فيلد أحد مؤسسي مسرعة TechStars عن سبب اختلاف مسرعات الأعمال عن باقي البرامج وجهات الدعم وعن أسباب التنافسية الشديدة بين الشركات لتنضم إلى صفوف المسرعات والاستفادة من خدماتها، فكانت إجابته تدعم توفير هذه البرامج التعليم والتوجيه المكثف في إطار زمني محدد وإلى طريقة التعلم بالممارسة التي تعتبر أمرًا حيويًا في عملية تطوير وتوسيع نطاق الأفكار.
تكمن القيمة الحقيقية للمسرعات في بيئة التعلم المكثفة التي توفرها، فطبقًا لأحد الأبحاث التي درست مدى فاعليتها واقعيًا، أن تطوير الشركات يأتي من خلال التوجيه والخبرات وكذلك بيئة التعلم التفاعلية التي تتاح من خلال هذه البرامج. ليس هناك عامل أقوى من هذا العامل، فلا خبرات مؤسس الشركة الناشئة السابقة في أكبر وأفضل الشركات ولا التحيز في الاختيار لصالح أناس معينين ولا غيرها يساعد في الدفع إلى تطوير واستدامة هذه الشركات، كما أنها تمتلك تأثيرًا إيجابيًا على النظم الإقليمية لريادة الأعمال، خاصة فيما يتعلق ببيئة التمويل. تتمتع المناطق التي يتم إنشاء فيها مسرعات لاحقًا بمزيد من أنشطة تمويل المشاريع في المرحلة المبكرة والتي لا يبدو أنها تقتصر على الشركات المتسارعة فقط، لكن يمتد أثرها أيضًا إلى الشركات غير المتسارعة والتي تحدث بشكل أساسي من زيادة عدد المستثمرين.
حضور برامج التسريع ليس شرطًا إلزاميًا لضمان النجاح كشركة ناشئة، وقد تكون مسرعات الأعمال مناسبة لك إذا كنت:
• متاحًا لمدة تصل إلى ستة أشهر والتنقل بين الأماكن المختلفة من أجل شركتك.
• قادرًا على أن توفر 100% من وقتك خلال هذه المدة من أجل العمل على تطوير شركتك.
• متوافقًا مع جولة تمويل صغيرة نسبيًا مقابل نسبة بشركتك.
• تملك أكثر من مؤسس لشركتك في فريقك.
• متقبلاً فكرة العمل في ضغط شديد والتعلم من الآخرين بشكل ممنهج.
إذا كانت هذه هي مسرعات الأعمال، فماذا عن حاضنات الأعمال؟
حاضنات الأعمال، بوابتك من الفكرة إلى المنتج الأول
إن كنت تمتلك فكرة إبداعية وترى أنها قوية بالقدر الكافي لتتحول من مجرد فكرة إلى واقع، بالتأكيد تعتبر حاضنات الأعمال البداية المناسبة لك. إذا كانت مسرعات الأعمال بمثابة البيئة التي تحتضن النباتات الصغيرة للحصول على أفضل ظروف للنمو والإثمار، تعتبر حاضنات الأعمال البيئة التي توفر التربة المناسبة للبذور الجيدة (الأفكار الإبداعية) لتساعدها على الإنبات والنمو.
عادة ما تكون حاضنات الأعمال مؤسسات غير هادفة للربح، يتم إدارة هذه الحاضنات من خلال جهات حكومية أو خاصة، فغالبًا ما ترتبط هذه الحاضنات بوزارات حكومية، أو جامعات، أو منظمات مجتمعية أو ربما بعض رواد الأعمال الناجحين.
تعمل حاضنات الأعمال ضمن إطار زمني مفتوح بعض الشيء على عكس مسرعات الأعمال، إذ يغلب تركيز هذه الحاضنات على طول فترة بدء التشغيل من خلال إكساب الشركات وأصحاب الأفكار المعرفة الأساسية لكيفية تقييم الفكرة وتطويرها وتحويلها إلى منتج أو خدمة حقيقية. تدوم فترة توجيه الشركات من قبل الحاضنات لسنة أو سنة ونصف وربما أكثر من ذلك على حسب نوع الحاضنة والمجال التي تعمل به. هنا يظهر أحد الأسئلة المهمة: ما الذي تقدمه إذن هذه الحاضنات خلال هذه المدة؟
توفر حاضنات الأعمال مساحة عمل مشتركة ذات طابع إبداعي مع خدمات إنترنت سريعة تسهل عمل الأفراد بداخلها. تقدم من خلال هذه المساحات خدمات توجيه وتعليم من خلال تعليم أصحاب الأفكار المبادئ الأساسية في عالم ريادة الأعمال، وأهم المعرفة التي يحتاجونها في مجالات التسويق والموارد المالية، وأكثر المهارات المطلوب اكتسابها من قبل أصحاب الأفكار، الأمر الذي يعد بالغ الأهمية في مثل هذه البيئات شديدة التنافسية. لا تكتفي الحاضنات بذلك، بل تسهل تواجد رواد الأعمال المستقبليين في قلب مجتمع ريادة الأعمال الذي يمكنك من الوصول لخبراء وموجهين على مستوى عالٍ في مجال عملك، واكتساب شبكة علاقات قد تساهم في تعزيز فرص حصول شركتك على دعم أفضل مع الوقت.
على عكس مسرعات الأعمال، لا تقدم الحاضنات تمويلات مالية مقابل حصة من الشركة، لكن تظهر كل مساعدتها للشركات في شكل خدمات، الأمر الذي يجعلها مناسبة لمرحلة محددة فقط وهي مرحلة التكوين والتأسيس الأولي، وتمهد من خلالها لمراحل أخرى مستقبلية للحصول على استثمار مالي بأشكاله المختلفة المتاحة.
احترس، ليست كل الحاضنات جيدة بالقدر الكافي
هناك عامل رئيسي يمكنك على أساسه أن تحدد جودة حاضنة الأعمال التي تود الانضمام لها من عدمها. يوضح تشارلز دي أغوستينو، المدير التنفيذي لمركز لويزيانا للأعمال والتكنولوجيا، أن بعض حاضنات الأعمال تفشل في تحقيق أهدافها وتقديم خدمة حقيقية لأصحاب الأفكار. يرى أغوستينو أن حاضنات الأعمال يجب أن تظهر بصورة أفضل من كونها مجرد شركات عقارات تقدم خدمة مكان للعمل وإنترنت فائق السرعة، ويجب أن تقوم بدورها في تقديم استشارات لرواد الأعمال المستقبليين والمساعدة الإدارية للشركات الناشئة، فهذه هي القيمة الحقيقية التي يجب عليهم تقديمها.
تحتاج أي شركة عامة أن تحقق عاملين مهمين: الأول، أن تجد الشركة فرصة جيدة بداخل سوق ما مع قابلية شراء عملاء هذا السوق للمنتج أو الخدمة المقدمة من خلال هذه الفرصة؛ أما عن العامل الثاني فلا بد أن يتوفر المنتج أو الخدمة التي تتوافق مع هذه الفرصة، هنا يبرز دور حاضنات الأعمال الحقيقي من خلال دفع رواد الأعمال الحقيقيين لتحقيق هذين الهدفين. إن لم يكن ذلك متاحًا، فابتعد عن هذه الحاضنة إن كنت تقدّر وقتك الثمين.