التنمر: الأسباب والعواقب
كنت أقرأ رواية «شيفرة بلال» الفترة الماضية، بدأت الرواية بطفل اسمه بلال في الثالثة عشرة من عمره يعاني من سرطان الدماغ المتقدم، لكن ليس هذا الغريب في الأمر بطبيعة الحال، بل إنه قال إن السرطان أفضل شيء حدث له في حياته ! بالرغم من إدراكه أنه سينهي حياته عما قريب، لكنه يبقى أفضل ما حدث، رغم كل شيء.
بلال كان يتمنى الموت! وكان يرى أن عذاب وألم العلاج الكيماوي أخف بكثير مما هو فيه، كان بلال يتعرض للمضايقات المستمرة في مدرسته الجديدة من عدة طلاب، كانوا يلقبونه بـ«كرة القرنبيط» لأنه سمين نسبيًا، وبرغم الضحك الساخر والاستهزاء به، قرر بلال إخفاء مشاعر الغضب والألم والعجز عن والدته، كان كل يوم له أسوأ مما قبله، ولسبب أو لآخر قرر أن يكتم كل هذه المشاعر السيئة بداخله وأن يعيشها وحيدًا.
كان الأمر عظيمًا لدرجة أن بلال قال: «كل ما أعانيه من علاج السرطان، كل ذلك الغثيان والتقيؤ والصداع والخمول … كل التقرحات في فمي، وجفاف الحلق الذي لا أعرف كيف أصفه، كل شيء، لا يعد شيئًا مقابل يوم كنت أعانيه في المدرسة».
بعد معرفة من في المدرسة بمرضه، رأى بلال أن نظرات العطف وأوقات الصمت أفضل من الأذى والسخرية التي كان يتعرض لها، منحه السرطان فرصة لتنفس الصعداء على حد قوله، وأبعد عنه أذاهم.
فى الواقع ليس بلال الطفل الوحيد في المدارس الذي يتعرض للتنمر – تسمى أيضًا بالعنف ضد الأقران – والاستقواء، البلطجة. ويعرف التنمر بأنه شكل من أشكال العنف والإساءة والإيذاء الذي يكون موجهًا من شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص حيث يكون الشخص المهاجم أقوى من الشخص الآخر في الغالب جسديًا.
إحصائيات
يحدث التنمر في العديد من الأماكن وبشكل يومي، في المدارس، الجامعة، المنزل، مكان العمل، الشارع، أو النادي، لا يحدث فقط للأطفال، بل للكبار أيضًا من رئيس العمل أو الزميل، وأحيانًا من قبل الزوج لزوجته، وحتى تنمر الدول على شعوبها بفرض القيود والممارسات القمعية بما يسمى بالتنمر السياسي.
إحصاءات التنمر في أمريكا في المدارس تشير إلى أن واحدًا من بين كل أربعة أطفال يتعرضون للتنمر، وفي دراسة أجريت أكدت أن ٤٩% ممن سئلوا تعرضوا للتنمر مرة واحدة على الأقل الشهر السابق.
أما في الوطن العربي فتوجد دراسة أجريت في السعودية تحت مسمى «التنمر بين طلاب وطالبات المرحلة المتوسطة في مدينة الرياض» بينت أن نسبة التعرض للتنمر مرة أو مرتين خلال شهور الدراسة هي 31.5%، النسب لا تختلف كثيرًا في باقي دول الوطن العربي.
تمتد عواقب التنمر إلى سن الرشد والكهولة، فقد أجرى الباحثون في جامعة دراسة على ٣٥٠٠ طفل دون سن السابعة عشرة، أوضحت أن الأطفال الأصغر سنًا أكثر عرضة للمشاكل الصحية والنفسية بل والعقلية نتيجة التعرض للتنمر ولو بشكل بسيط، وفي دراسة أخرى من المركز الطبي في جامعة دوك أوضحت أن الأطفال الذين يكونون ضحايا التنمر أكثر عرضة بست مرات للإصابة بأمراض خطيرة في وقت لاحق من حياتهم.
التنمُّر
ينقسم التنمر إلى فئتين: التنمر المباشر الذي يتضمن الضرب والدفع والطعن والصفع والعض والخدش وغيرها من الأفعال التي تدل على الاعتداء الجسدي، والتنمر غير المباشر الذى يتضمن التهديد بالعزل الاجتماعي والنقد سواء من ناحية اللون، العرق، الدين أو غيرهما.
هناك العديد من أنواع التنمر ولكن الأنواع الرئيسية ثلاثة:
- التنمر الجسدى كالاعتداء الجسدي بأشكاله وهو النوع المباشر.
- التنمر اللفظي ويتضمن التنابز بالألقاب والتعليقات الساخرة، وإبداء تعليقات جنسية غير لائقة.
- التنمر النفسي أو الاجتماعي. يتضمن هذا النوع من التنمر نشر الشائعات بشأن الطفل أو إحراجه علنًا أو استثناءه من المجموعة وتحريض باقي الأفراد على ذلك.
قد يُشتبه في تعرض الطفل لأعمال التنمر في الحالات التالية، من بين حالات أخرى:
- تعرض الطفل لآلام المعدة غير المبررة والصداع وغيرها، وهي ما تسمى بالأعراض النفس جسدية التي لا يمكن تفسيرها.
- انخفاض مستوى تقدير الذات، وعدم الثقة بالنفس.
- إصابة الطفل بكدمات غير مبررة أو تمزق ملابسه أو تحطم أدواته المدرسية.
- انخفاض مستوى الطفل الدراسي وعدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة.
- ظهور علامات الحزن والاكتئاب.
- اضطراب النوم.
كيف تتعامل إذا تعرض طفلك للتنمر؟
- حث طفلك على مشاركتك مخاوفه، واستمع بهدوء لما سيقصه.
- أشعره أنك قريب منه، وأنه ليس سببًا فيما يحدث له.
- اطلب من طفلك أن يصف لك كيف ومتى يحدث التنمر، وأن يكشف عن الأشخاص المسؤولين عن التنمر. وتعرف على ما فعله طفلك في محاولته لإيقاف التنمر وكذلك الخطوات التي كانت ذات فعالية في إيقاف التنمر والخطوات التي لم تجدِ نفعًا. واسأله عما يمكن فعله لمساعدته على الشعور بأمان.
- عرفه معنى التنمر وأنه تصرف غير مقبول من أي شخص. تحدث معه عن كيفية التصدي للشخص المتنمر بكل حزم.
وفي النهاية يجب إيقاف تلك الممارسات من قبل أصحاب السلطة في المدرسة أو في البيت أو أي مكان آخر يمارس فيه التنمر، لكي لا تؤدي إلى نتائج وخيمة، وتوجيه الشخص المتنمر إلى العلاج السلوكي الصحيح أو تقويم سلوكياته بشتى الطرق.