بوكايو ساكا: قصة الطفل الذي حمل أرسنال فوق كتفيه
من بين كل الأطفال الذين يلتحقون بأكاديميات كرة القدم في سن التاسعة، فإن أقل من واحد في المائة فقط يصبحون لاعبين محترفين. في إنجلترا على سبيل المثال، 180 طفلًا فقط من بين 1.5 مليون يلعبون في أكاديميات كرة القدم يحظون بالتطور اللازم للمشاركة كلاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز.
تخبرك تلك الأرقام عن المنافسة الشرسة التي يجب أن يتمتع بها أي لاعب ناشئ لاختراق صفوف الفريق الأول في البريميرليج. تتضاعف صعوبة الموقف إذا ما كان على هذا الناشيء إثبات نفسه في فريق مثل أرسنال يحمل تاريخًا ضخمًا، لكن حاضره مليء بالشكوك والأسماء غير الجديرة بالثقة.
هكذا تبدأ قصة المراهق الأسمر صاحب الوجه الطفولي «بوكايو ساكا». بين حديث يؤكد أن وضع أرسنال السيئ هو من مهد لساكا الظهور وإلا كانت الإعارة لتصبح نصيبه، وحديث آخر أكثر عقلانية وحكمة يؤكد أن ساكا ولد كبير قادر على فرض نفسه على الجميع.
يعيش ساكا أفضل لحظات مسيرته وهو في عامه الواحد والعشرين فقط. تتناثر الأخبار عن توقيعه عقدًا سيجعله الأعلى راتبًا في صفوف أرسنال. بينما في قميص الأسود الثلاثة يحظى بإشادة ساوثجيت الدائمة كونه الرجل الأكثر فاعلية خلف التاريخي هاري كين.
إلا أن كل هذا لم يكن بفعل المصادفة أو الحظ، بل إن ساكا يملك قصة ملهمة إلى حد كبير، قصة تتعلق بالتواضع والتطور والحب.
لأن التواضع أول خطوات التطور
تبدأ القصة عند والدي بوكايو المهاجرين النيجيريين اللذين استقرا في لندن بحثًا عن حياة أفضل ومزيد من الفرص. إحدى تلك الفرص كانت انضمام نجلهما إلى أكاديمية أرسنال في عمر الثامنة تزامنًا مع الالتحاق بمدرسة جرينفورد الثانوية غرب لندن، حيث كان طالبًا من سن 11 إلى 16 عامًا.
هنا نتلمس أول خيوط قصة ساكا. هذا الولد الصغير تم تربيته أن يكون مجتهدًا متواضعًا، وأن يعي جيدًا أن المتواضع فقط هو من يتعلم من كل فرصة. لقد حظي ساكا بمزايا بدنية طبيعية حيث كان سريعًا بشكل واضح، لكن الأهم أنه أحيط بمزايا ذهنية منذ الصغر تتعلق بحرصه على التعلم.
برز دومًا كتلميذ مجتهد وصاحب درجات مرتفعة في معظم المواد، خاصة الإنجليزية والرياضيات، كما حافظ دومًا على التوازن بين مستواه التعليمي وكرة القدم. فهو على الجانب الآخر لفت الأنظار في أكاديمية أرسنال، حتى إنه كان عضوًا ثابتًا في منتخبات إنجلترا للشباب في مختلف المراحل العمرية.
يؤكد ساكا دومًا أنه مدين بكل شيء لوالده الذي حرص دومًا على جعله فتى متواضعًا يبحث دومًا عن الظهور بشكل أفضل.
لقد عدت مرة أخرى يا أبي
أحب والد ساكا آلان شيرر، فأصبح مشجعًا وفيٌّا لفريق لنيوكاسل، وعندما أتم ساكا السابعة رافقه إلى ملعب «أولد ترافورد» لمشاهدة مباراة تجمع اليونايتد ونيوكاسل. ظلت تلك الذكرى داخل قلب ساكا ولم تفارقه، بل عمل كل يوم بجهد من أجل العودة لهذا الملعب بقميص اللاعب لا المشجع.
فعلها ساكا بالفعل وعاد مرة أخرى لنفس الملعب في عمر 18 عامًا و25 يومًا فقط ليصبح أصغر لاعب يبدأ مباراة بين أرسنال ومانشستر في الدوري الإنجليزي الممتاز.
صنع ساكا هدف التعادل لأرسنال بتمريرة ذكية لبيير إيمريك أوباميانج، لكن الأهم أنه كشف للجميع مدى جودته، خاصة أن جماهير الأرسنال كانت تعاني بسبب نيكولاس بيبي في مركز الجناح، بدا ساكا شجاعًا ومتحررًا، بل كان أفضل لاعبي أرسنال رغم صغر سنه الشديد وقلة خبرته، وهكذا حظي ساكا بفرصة حقيقية للتقييم.
أصبح أكثر تأثيرًا مع الوقت، وأصبحت الأمور أكثر وضوحًا أمام الجميع. أراد ساكا الكرة بينما لم يرغب الآخرون في أرسنال في ذلك. ظهر مليئًا بالحيوية وركض كثيرًا كذلك كان مستعدًّا لخدمة الفريق من أي موقع.
قدم ساكا المساهمات المؤثرة رفقة أرسنال وصولًا للعام 2020. بدأ ساكا عام 2020 من مقاعد البدلاء رفقة أرتيتا حاملًا رقم 77 فوق قميصه، مثل طفل يشق طريقه إلى المنافسة متسلحًا بسرعته وعقله الحاد داخل وخارج الملعب.
ثم أنهى العام باعتباره واحدًا من أهم لاعبي الفريق وكوفئ بالقميص رقم 7، كما لعب أكبر عدد من الدقائق لأي شاب في أي فريق من الدوري الإنجليزي الممتاز خلال عام 2020، كما شارك وفاز بأربع مباريات دولية مع إنجلترا أيضًا.
ركلة ضائعة ومسيرة تتجدد بفضل الحب
كان منحنى ساكا الفني آخذًا في الصعود إلا أنه في لحظة ما كاد أن يخسر كل شيء، حيث كان لدى بوكايو كل الأسباب للوقوع في فخ الإحباط. كان هذا بعد أن قدم بطولة يورو مميزة وهو ما يعني الكثير لدى جماهير الأسود الثلاثة المتعطشة للبطولات، إلا أنه كان واحدًا من ثلاثة لاعبين إنجليز أهدروا ركلات جزاء في المباراة النهائية التي انتهت بتتويج إيطاليا بطلاً لأوروبا، ما أطلق العنان لعاصفة من الإساءات العنصرية عبر الإنترنت، خاصة أن اللاعبين الثلاثة من أصحاب البشرة السمراء.
كان رد فعل ساكا هو نشر رسالة مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، داعيًا شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسئولية أكبر. قد تبدو مثل هذه الحكمة مفاجئة من مراهق يتعرض لانتقادات شديدة، لكن أقرب الناس إلى ساكا لم يصدموا. ما زال ساكا يقرأ كتابه المقدس كل ليلة قبل النوم بحثًا عن السلام والسعادة.
كانت النتيجة أن هذا الحب الذي تحدث به ساكا غمره به المشجعون في المقابل. تلقى ساكا العديد من رسائل الدعم في أعقاب نهائي يورو 2020، وهو الشيء الذي أراد أصدقاء بوكايو ساكا وزملاؤه في أرسنال أن يبقى دومًا أمام عينيه، فقاموا بطبع تلك الرسائل على حائط داخل النادي سمي بحائط ساكا.
خرج ساكا من يورو 2022 أفضل كثيرًا على الجانب الفني، حيث أثبت أنه أفضل جناح أيمن في إنجلترا دون شك، وعلى الجانب الذهني أدرك الجميع أن هذا الشاب يتمتع بالصفات المناسبة للاعب كرة قدم ناضج لن يتأثر بما يهوي ببعض اللاعبين إلى المجهول، بل إنه عازم على تقديم الأفضل، وقد كان.
موسم التفاصيل الصغيرة
توج ساكا بلقب أفضل لاعب في صفوف أرسنال خلال الموسمين الماضيين، إلا أن هذا الموسم كل شيء مختلف. هذا الموسم، يقود ساكا الأرسنال نحو لقب الدوري بشكل حقيقي.
ربما السؤال المنطقي هنا، كيف تطور ساكا بهذا الشكل خلال هذا الموسم، لقد احتاج ساكا تفاصيل صغيرة ليطور من فاعليته، وتلك التفاصيل قدمها له السيد مايكل أرتيتا، دعنا نتناول مثالًا على ذلك.
تبرز أهمية ساكا المتزايدة في قدرته على التهديف رغم الرقابة والمضايقات التي يتعرض لها في كل مباراة، كونه أهم لاعبي الفريق. ساكا هو ثامن أكثر اللاعبين تعرضًا للخطأ في الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2022-2023. حصل ساكا على 45 ركلة حرة لصالحه، فعهد بيب جوارديولا إلى برناردو سيلفا بمراقبة ساكا خلال مباراة أرسنال والسيتي، ما نتج عنه سلسلة من التدخلات العنيفة التي أدت إلى منح سيلفا بطاقة صفراء.
هنا يبرز دور أرتيتا الرجل الغارق في التكتيك والمهتم بأدق التفاصيل، حيث عدل من وضعيات ساكا لاستلام الكرة حتى لا يتعرض للكثير من التدخلات، فطبيعي أن يتعرض الجناح الذي يستلم الكرة ويجعل ظهره للمدافع لتدخل عنيف.
إذا كنت تعتقد أن طريقة استلام الكرة أمر بسيط، فدعني أخبرك كيف أثر هذا على موسم ساكا الحالي. يميل أرتيتا دومًا لعدم وجود خطوط مستقيمة بين اللاعبين، فهو يميل دائمًا لتغيير زاوية الاستقبال التقليدية بين الظهير والجناح بجانب خط التماس.
يحاول أرتيتا خلق حالة يندفع خلالها ساكا بعيدًا عن الخط ثم يتلقى تمريرة قطرية للداخل أثناء الجري، وهنا يستطيع ساكا أن يتوغل ليصنع خطورة مباشرة على المرمى.
يحرص أرتيتا ببساطة على ألا يكون ساكا محاصرًا في اللمسة الأولى. ولتحقيق ذلك يتطلب من الظهير بين وايت تأخير التمرير لساكا بمحاذاة الخط، هذا التأخير يغري ظهير الخصم للضغط على ساكا؛ لأنه يخشى أن يستلم ثم يستدير ويركض.
عندما يبدأ الظهير في الاقتراب، يغير ساكا من اتجاه ركضه إلى الداخل، ثم يلعبها وايت بشكل قطري حتى يركض ويستلم ساكا بقدمه اليسرى القوية. هنا يفتح الملعب بالكامل ويمنحه فجوة للدخول إليها، وهو سيناريو لن يتمكن سوى القليل من المدافعين من التعامل معه.
لقد تكرر الأمر كثيرًا خلال هذا الموسم، احتاج ساكا تلك التفاصيل البسيطة ليتحول من لاعب جيد إلى لاعب استثنائي يقود فريقه نحو اللقب. تطور ساكا الشخصي كان أساسه قدرته على التعلم وشجاعته في استغلال قدراته، وهو ما قابل تكتيكات أرتيتا الممتازة، والتي استغلت قدرات ساكا وفهمه لتفاصيل اللعبة ليصنعا معًا مسارًا مهمًّا للتغلب على الخصوم، بالإضافة لمسارات أخرى صنعها أرتيتا داخل فريق أرسنال.