انشطار الإخوان: كواليس الصراعات القيادية داخل الجماعة
في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أصدر إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان والقائم بعمله، قرارًا بإيقاف 6 من قيادات الحركة البارزين -في مقدمتهم الأمين العام السابق محمود حسين- وإحالتهم إلى التحقيق، بدعوى ارتكابهم مخالفات تنظيمية وإدارية تتعارض مع اللائحة العامة للجماعة التي تمثل القانون الأساسي لها.
وعبر جمل محددة ومقتضبة، أكد إبراهيم منير أن قرار تجميد عضوية القيادات الستة وإحالتهم للتحقيق، يأتي بموجب 4 مواد لائحية هي: (مادة 2، 4، 5، 17)، من اللائحة العامة، مردفًا أن لجنة التحقيق سترفع توصياتها إليه باعتباره قائمًا بعمل مرشد الجماعة.
وحملت الإشارة إلى المواد الأربعة المذكورة، تأكيدًا من نائب مرشد الإخوان على أحقيته بتولي منصب القائم بعمل المرشد العام، ورئاسته لجميع تشكيلات وأقسام وتنظيمات الجماعة -(نص اللائحة التي صِيغت في عام 1982، وعُدلت في أعوام 1994، 2009، و2010، ونصت على أن الهيئات الإدارية الرئيسية للإخوان هي: المرشد العام، مكتب الإرشاد، مجلس الشورى العام، مجالس شورى المحافظات، المكاتب الإدارية للمحافظات)-، وذلك بسبب القبض على المرشد محمد بديع (أغسطس/ آب 2013)، ونوابه خيرت الشاطر (يوليو/ تموز 2013)، ومحمود عزت (أغسطس/ آب 2020)، إضافةً للتلميح بانتهاء عضوية أعضاء مجلس الشورى العام، بسبب انقضاء المدة القانونية المقررة لائحيًا لاستمرار المجلس (4 سنوات تبدأ من عام 2012 الذي شهد آخر انتخابات لاختيار أعضاء المجلس).
التفاف ناعم فانقلاب خشن
بيد أن انقلاب منير الخشن، على رفاق الجماعة الموقوفين، لم يكن سوى أحدث حلقات الصراع القيادي داخل الإخوان، والذي نشب كحرب صامتة بين مجموعة نائب المرشد الشهيرة بـ«مكتب لندن»، ومجموعة محمود حسين والمعروفة بـ«مكتب تركيا/ رابطة الإخوان المصريين بالخارج» (أسسها حسين من تركيا عام 2013)، عقب إلقاء أجهزة الأمن المصرية القبض على محمود عزت، الذي ظل يشغل منصب القائم بعمل المرشد لسبع سنوات (أغسطس 2013-أغسطس 2020).
ومنذ ذلك الحين، سعت كل مجموعة، على حدة، لتعظيم مكاسبها الذاتية وتعزيز مواقعها القيادية داخل الجماعة، وحاول إبراهيم منير ومحمود حسين الفوز بمنصب القائم بعمل المرشد، مقدمين تفسيرات لائحية ذاتية لدعم مواقفهما. لكن الأخير فشل في حشد الدعم الكافي لتولي المنصب، لا سيما بعد رفض عدد من أعضاء مجلس الشورى العام (بلغ عدد أعضائه في 2013، 117 عضوًا، أُلقي القبض، خلال السنوات الماضية، على 53 منهم، وتوفي 37 آخرون، وبقي 27 منهم خارج مصر؛ اعتذر 3 منهم عن الاستمرار في أعمالهم، وجرى إيقاف عضو آخر، وبقي 23 عضوًا فقط فاعلين في المجلس؛ منهم 10 معينون من قِبل رابطة الإخوان بالخارج) التصويت له، خلال اجتماع عقدوه بإسطنبول التركية.
ومن جهته، أعلن إبراهيم منير، منتصف سبتمبر/ أيلول 2020، تنصيبه قائمًا بعمل مرشد الإخوان، كما أصدر، لاحقًا، قرارًا بإلغاء «الأمانة العامة» التي كان يشغلها محمود حسين، وتشكيل لجنة إدارية معاونة تحت رئاسته، ضمت في عضويتها الأمين العام السابق و6 قيادات آخرين: (محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، وأحمد شوشة، ومحمد عبد المعطي الجزار، ومدحت الحداد، ومصطفى المغير).
وبدا واضحًا من اختيار أعضاء اللجنة الإدارية المعاونة، أن إبراهيم منير يحاول إزاحة حسين ومجموعته من المناصب القيادية، وتصعيد مجموعة أخرى أكثر ولاءً له، وهو ما تأكد لاحقًا بحلول يوليو/تموز الماضي، إذ أصدر الأول قرارًا بـحل المكتب الإداري للإخوان في تركيا وحل مجلس شورى القُطر، وتأجيل الانتخابات الداخلية التي كانت مقررة في نفس الشهر، لمدة 6 أشهر، إضافةً لإحالة الأمين العام السابق وعدد من أعضاء مجلس الشورى العام للتحقيق، بدعوى قصور أداء «مجموعة تركيا» وعرقلتها التقدم في العديد من الملفات الداخلية أهمها ملف «لم شمل الإخوان» أو المصالحة الداخلية مع المجموعة الشبابية المعروفة بـ«جبهة المكتب العام» أو «تيار التغيير» والتي انشقت عن الإخوان، فعليًا منذ 2016، وكونت جماعة موازية لها مكتب تنفيذي ومجلس شورى عام موازٍ.
وفي المقابل، رفض الأمين العام السابق قرارات القائم بعمل المرشد، قائلًا إنها تخالف اللائحة الداخلية للإخوان، ورفض تسليم الملفات الإدارية التي بحوزته، وفي مقدمتها الملف المالي/التمويل، لصالح أعضاء اللجنة الإدارية الجديدة، كما عمد لـتوظيف المنصات الدعائية للجماعة (شبكة «وطن» التلفزيونية التي يرأس مجلس إدارتها، وموقع إخوان أون لاين، وموقع نافذة مصر، وحسابات الجماعة الرسمية، على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلًا عن اللجان الإلكترونية التي يديرها أحمد ريدي، القيادي الإخواني المقرب منه) لترويج وجهة نظره الخاصة.
ومن اللافت للأنظار، أن الأمين العام السابق للإخوان استشهد بـاللائحة الداخلية لها، ودعا للالتزام بها في مقاله المنشور عبر موقع الجماعة الرسمي بتاريخ 20 أغسطس/آب الماضي، معتبرًا أن الحديث عن تعديلها أو انقضاء عضوية أعضاء مجلس الشورى العام بموجبها «خطأ واضح»، رغم أن «إخوان أون لاين» وغيره من مواقع الجماعة حذفوا نص تلك اللائحة، قبيل فترة وجيزة، وذلك بعد سنوات من نشره، فيما يظهر وكأنه اتجاه لاستمرار العمل بنظام التنظيم السري/ القطبي المنغلق والجامد تنظيميًا.
وشكّل نشر مقال محمود حسين خطوة تصعيدية علنية ضد القائم بعمل المرشد، خاصةً بعد الحديث عن عقده اجتماعًا مع أنصاره لـ«الانقلاب على إبراهيم منير» وإلغاء قراراته، وعزله من منصبه بدعوى أنه غير ذي صفة، لأنه لم ينتخب من قبل مجلس الشورى العام (إبان تشكيله الأول)، وتم تعيينه في منصبه الحالي بناءً على قرار من محمود عزت، القائم السابق بعمل المرشد، عقب الإطاحة بحكم الجماعة من مصر في صيف عام 2013.
أسلحة التنظيم في مواجهة قياداته
وفي خضم التصارع غير المحموم بين مجموعات الإخوان، عمد أنصار إبراهيم منير، ومحمود حسين لاستخدام أسلحة ومقاربات الجماعة/التنظيم، كأسلوب الاغتيال المعنوي للمخالفين، وقطع الدعم المالي عنهم، ضد بعضهم البعض، علاوة على استدعاء مفاهيم وجوب الانقياد والطاعة للقيادة الربانية، وتزيينها بسرديات الطهرانية وعدم الرغبة في المكاسب الذاتية لتبرير البقاء في المناصب القيادية العليا.
فعلى سبيل المثال، ألغى فريق الأمين العام السابق مميزات مالية استثنائية كانت تُقدم لعدد من قادة وشباب الإخوان المصريين بالخارج، بسبب موقفهم الداعم لإبراهيم منير، ومطالبتهم بتنحي حسين عن قيادة الجماعة، بينما سعى القائم بعمل المرشد لاستقطاب تلك المجموعة والتقى بممثلين عنهم وأمر بإعادة المميزات الممنوحة لهم، حتى إشعار آخر.
وبدورهم، روّج أنصار منير أن مجموعة محمود حسين، احتكرت السيطرة على الملفات الإدارية والمالية الخاصة بالجماعة، واستفادت منها لتحقيق منافع شخصية، وتقديم رواتب شخصية للمتحالفين معهم تتجاوز 3500 دولار/ شهريًا، للفرد الواحد، ساعين بذلك لاختراق هالة التقديس ونفي سردية الطهرانية التي رسمها أفراد تلك المجموعة لأنفسهم عبر سنوات طويلة.
كما حاولت كل مجموعة تصوير خصومها على أنهم «أعداء الجماعة» الذين يرفضون الالتزام بلوائحها الداخلية، ويحولون دون إتمام المصالحة الداخلية مع المجموعات الشبابية المعروفة بـ«جبهة المكتب العام»، الذين أبدوا استعدادًا للانضمام لمنير، مقابل إبعاد محمود حسين ورفاقه عن القيادة العليا للجماعة.
وفي هذه الأثناء، ألمح قادة بارزون بالإخوان منهم أحمد رامي الحوفي، البرلماني السابق عن الجماعة، إلى أن محمود حسين أعاق إنهاء «الانشقاق الهيكلي» بين جبهتي الإخوان، وحجب رسالة تنظيمية أرسلها المرشد العام محمد بديع من داخل محبسه تنص على إنشاء لجنة مصالحة داخلية برئاسة القيادي حلمي الجزار، في غضون عام 2017، وبعد عدة أشهر من وصول الرسالة للأمين العام السابق، اضطر ناقلها إلى التواصل مع إبراهيم منير وإبلاغه بمضمونها، وهو ما أشعل جمر الخلاف بين الأخيرين.
ومن جهته، دافع محمود حسين، الأمين العام السابق لجماعة الإخوان، في مقاله على موقع إخوان أون لاين، عن نهجه في إدارة شؤون الجماعة، واصفًا خصومه بأنهم يسعون لـ«احتكار الحقيقة باستخدام بعض الكلمات العاطفية لإقناع الآخرين بما يعتقدونه صوابًا»، على حد تعبيره.
الشرعية التنظيمية المتخيلة
وأمام تعقد الخلافات التنظيمية واستمرار حالة «الاشتباكات القيادية» –بتعبير القيادي البارز بالإخوان محمد عماد صابر– اتفق فريقا إبراهيم منير ومحمود حسين على إجراء انتخابات داخلية تكون بمثابة استفتاء داخلي على الأحق بقيادة الجماعة في هذه المرحلة.
وبالفعل، نظمت لجنة الانتخابات (إحدى اللجان التنظيمية للجماعة)، اقتراعًا بمنطقة الفاتح في إسطنبول التركية، في سبتمبر/أيلول الماضي، لاختيار أعضاء المكتب الإداري للإخوان بتركيا، وأسفرت تلك الانتخابات عن خسارة محمود حسين ومجموعته القيادية.
لكن القادة الخاسرين في الانتخابات الداخلية رفضوا الإقرار بنتائجها التي وصفوها بأنها مشوبة بالمخالفات والطعون، مؤكدين أنهم لن يسلموا مواقعهم التنظيمية لخصومهم الفائزين في الانتخابات.
على أن هذا الرفض فتح بابًا واسعًا من الانتقادات الموجهة لمحمود حسين ورفاقه. فعلى سبيل المثال وصفهم عصام تليمة، مدير مكتب يوسف القرضاوي سابقًا، والمحسوب على الجماعة، بأنهم «فسدة ومفسدون، وباقون في مناصبهم للمصلحة والتربح الشخصي فقط، وليس لأجل دعوة أو غيره». بينما طالب قيادات آخرون بإحالة محمود حسين وهمام علي يوسف وآخرين للتحقيق، وإعلان ذلك علانية لقواعد الجماعة، وهو ما استجاب له القائم بعمل المرشد، مؤخرًا، قبل أن يلتف عليه أنصار حسين من جديد ويعلنون عزله من موقعه كقائم بعمل المرشد لأول مرة في تاريخ الجماعة (البالغ نحو 93 عامًا)، لافتين إلى أن قرارهم اتخذه أغلب أعضاء مجلس الشورى العام (زعم البيان أن 75% من أعضاء المجلس اجتمعوا، وقرر 84% منهم إقالة منير).
وفي حين قال طلعت فهمي، المتحدث الرسمي باسم الجماعة (محسوب على مكتب تركيا)، إن قرار عزل القائم بعمل المرشد جاء التزامًا بنص اللائحة العامة للإخوان، وأنه سيبقى في عمله الخارجي المكلف به من داخل لندن، أعلن منير أن إجراءات خصومه باطلة، وأنهم بذلك «أخرجوا نفسهم من الجماعة»، ليؤكد بذلك أن الصراع القيادي الذي بدأه سلفه محمود عزت، منذ مايو/ آيار 2015، ما زال مستمرًا داخل «ما تبقى من جماعة الإخوان».
.