هجمات بروكسل: لماذا تحتاج أوروبا لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
هل يمكن لإسرائيل أن تقدم المشورة لأوروبا في المراحل القادمة من الحرب على الإرهاب؟ الإجابة هي نعم بالتأكيد، ولكن إن تحقق شرط أساسي.يتعين على إسرائيل أن تكون يقظة قبل تقديم المشورة للآخرين. فقد أقدمنا بالفعل على حصتنا من الأخطاء في هذه الحرب. على سبيل المثال، خلال موجة التفاؤل التي سادت مطلع التسعينيات، كان أفضلنا وألمعنا مقتنعين بأن شخصاً متردداً على نحو معروف كـ «ياسر عرفات» يمكن الاعتماد عليه في الوقوف بوجه حماس.
سادت موجة من التفاؤل خلال مطلع التسعينات أنه يمكن الاعتماد على شخص متردد مثل ياسر عرفات في مواجهة حماس.
لقد تعلمنا الكثير منذ ذلك الحين، لكن ذلك لا يخوّلنا للحديث بتعالي مع الأوروبيين، الذين يجدون الأمر صعبًا لدرجة دفعتهم أن يتخلوا عن آمالهم، وبعض أعرافهم، من أجل التكيف مع الحقائق الأكثر وحشية. وحتى نقدم لهم العون، يجب أن نكون مستشعرين للاحتياجات والقيود الأوروبية.(في هذا السياق، تشير كلمة «أوروبا» إلى المؤسسات المعنية في الدول المنفردة لأعضاء الاتحاد الأوروبي، وإلى حد ما، وقيادات الناتو. حيث ليس لدى مثل تلك الهيئات بالاتحاد الأوروبي أي قدرات مؤسسية تقريبًا عندما يتعلق الأمر بالعمل الاستخباراتي وتطبيقه في عمليات مكافحة العمليات الإرهابية).إن كانت أوروبا تعتزم الفوز بهذه الحرب، فليس أمامها بديل سوى التخلي عن فكر ما بعد الحرب الباردة، وأن تدرك أنه في الواقع، هناك حرباً يجب خوضها. لا تُعد الحملة الإرهابية التي تواجهها من تنفيذ مجرمين، بل عدو، وهو مصطلح كادت القارة السعيدة منذ عام 1990 أن تنساه.العدو ليس الإسلام أو العرب في حد ذاتهم. بل نسخة ثورية حديثة (أو انحراف) للدين الإسلامي، مصبوبة سياسيًا في قالب مستعار بصورة عامة من شمولية القرن العشرين بأوروبا. يتطلب مثل ذلك الفهم تغييرات في المواقف القانونية، والجوانب التعليمية، والمعادلات السياسية، وقبل كل شيء، في تراكم القدرات العملياتية والاستخباراتية المُحسّنة والإنفاق عليها.في إسرائيل، تعلمنا – بالطريقة الصعبة، أي، من المعارك – عدة طرق للتعامل مع مشكلة الإسلاموية العنيفة والمتطرفة. يمكن تعديل الدروس التي تعلمناها لتستخدمها أوروبا، رغم الفروق الواضحة. وهناك بخاصة دروس نظرية هامة يمكن، ويجب، مشاركتها.أولها هو الحاجة إلى جمع الاستخبارات النافذة والبارعة والمتغلغلة. يتطلب ذلك دمج عدة عناصر. وقبل كل شيء، يجب أن تتوافر «استخبارات الإشارات»، التي تعني بشكل رئيسي في عالمنا اليوم مراقبة الاتصالات على الإنترنت، بالإضافة إلى التنصت التقليدي.ثانيها، يجب أن يحدث استخراج بارع، ومكثف مع كونه مميزًا، للبيانات من المواد مفتوحة المصدر، وهي طريقة يمكن أن تكون مفيدة على نحو ملحوظ إن طُرحت الأسئلة الصحيحة، وإن تماشى العمل بشكل وثيق مع المواد الأخرى “من جميع المصادر”.ثالثها، يجب توافر عنصر الاستخبارات البشرية (أي؛ إدارة العملاء واختراق دوائر الإرهاب). وتعد الاستخبارات البشرية عنصرًا صعبًا لكنه حيوي في عمل الاستخبارات؛ وعلى نحو مُرجّح للغاية، للحكم وفق التجارب الأخيرة، حتى داخل تنظيم الدولة الإسلامية الكتوم.رابعًا، يتعين حدوث تعاون وثيق عبر الحدود الوطنية بين الوكالات المعنية التي تحمل قطع مختلفة من الأحجية.خامسًا، توافر كتيبة قوية ومتخصصة من المحللين؛ أشخاص لا يخشون قول الحقيقة للسلطة.
العدو ليس الإسلام أو العرب في حد ذاتهم. بل نسخة ثورية حديثة (أو انحراف) للدين الإسلامي.
صحيح، أن بعض تلك الخطوات قد تتضمن انتهاكًا للحقوق الشخصية. إلا أنه يجب علينا أيضاً، مساعدة بعضنا البعض في إدراك أن حقوق الإنسان الأساسية – بما في ذلك الحق في العودة إلى المنزل سالمين؛ والحق في التجول بالشوارع دون خوف؛ والسفر بأمان إلى وجهاتنا – يجب احترامها. ويمكن تحقيق ذلك فقط إن كانت السلطات واعية بما تفعله.وجود أجهزة استخبارات جيدة هو أمر مُكلِف للغاية، ويتطلب عناصر بشرية ذات كفاءة عالية. ومع ذلك، فإنها قدراتها هي التي تمكّن المجتمعات الحرة من العيش بأمان، دون الإنزلاق إلى التمييز والشك بالجملة تجاه أي مسلم في تلك المجتمعات. تحتوي إسرائيل على نسبة أكبر بكثير من المسلمين، مقارنةً ببلجيكا أو فرنسا، لكن الإجراءات الأمنية في إسرائيل أبقت عدد الحوادث الإرهابية التي ينفذها الإسرائيليون المسلمون منخض بشكل ما. ما يمكّن الإسرائيليين، رغم التحديات العديدة، من عيش حيوات عادية نسبيًا.عادة ما يخلط الليبراليون – الذين يتشككون بعمق في عمل وكالات الاستخبارات السرية والقوية – فكرة المراقبة الوثيقة بخطر التنميط «العنصري». ولكن مثلما تُظهِر الخبرات الإسرائيلية، يعمل الأمر بشكل معاكس. فبمجرد ثقتك في مراقبة أجهزتك الأمنية وإحباطها لخطط الأقلية القاتلة، يصبح الأمر سهلاً، لأنك بذلك تتجنب وصم جميع المجتمعات العربية أو المسلمة بالإرهاب، فهم ليسوا في حاجة إلى الوقوع تلقائيًا تحت منظار الشك، لأن الخوف يولّد الكراهية؛ والمعرفة تبني الثقة والتعاون.علاوة على ذلك، يجب على أجهزة الاستخبارات أن تتشارك المعلومات في الوقت المناسب من أجل اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة الإرهاب. فمهمة ترجمة قصاصات المعلومات إلى «معلومات كافية للتدخل» لم يكن أبدًا أمرًا سهلًا. لقد اضطرت إسرائيل لتجاوز مشكلات خطيرة في هذا الصدد لقلب زمام الأمور خلال حملة مكافحة الإرهاب بين عامي 2002 و2003، واستمرت بعض الإخفاقات في تعميم المعلومات خلال معركة عام 2006 في لبنان. لقد كان منحنى التعلم الإسرائيلي حادًا.ربما يمكن تقديم بعض الرؤى العميقة التي جُمعت خلال تلك السنوات إلى أوروبا، التي تواجه الآن تحديًا مشابهًا على مستوى الهجمات الإرهابية واسعة النطاق، والتي يتطلب تنفيذها، تخطيطًا دقيقًا وأعمالًا تحضيرية، وبالتالي يُرجح أن «تُرسَل» إشارات تحذيرية، وحتى تُحوّل تلك الإشارات إلى استخبارات مفيدة، يجب أن تُشارَك المعلومات في الوقت المناسب. فلم تعد حواجز السرية التقليدية، التي كانت صائبة أثناء حقبة الحرب الباردة، ملائمة في مواجهة التهديد الإرهابي الأنشط من أي وقت مضى، والذي يجب قتاله وهزيمته، وليس فقط ردعه.يتمثل جانب آخر حاسم في الحرب على الإرهاب في فصل إمدادات الأموال عن الشبكات الإرهابية. فرغم الصعوبات التنظيمية في السنوات الأخيرة، اكتسبت إسرائيل معرفة واسعة في هذا المجال، ويعكس الإعلان الرسمي خلال فبراير الماضي عن انضمام إسرائيل إلى مجموعة العمل المالي، إدراكًا متأخرًا لكنه لا يزال مرحبًا به لمساهمتنا الفريدة.ومع ذلك، حتى تكون تلك الأداة الاستراتيجية فعالة بالنسبة للقوى الأوروبية – مدعومة من الولايات المتحدة وحلف الناتو – يجب أن تحصل على الدعم المُركَّز والمنهجي من تركيا، التي لا تزال تؤوي خلية خطيرة تابعة لحماس، وقد بدأت للتو إدراك الحجم الكامل لخطر الدولة الإسلامية.
تحتاج أوربا في حربها ضد الإرهاب إلى دعم تركيا، التي مازالت تؤوي خلية خطيرة تابعة لحماس.
يتوافق تحدي تحقيق التعاون التركي، الذي يجب التعامل معه كجزء من المشاركة الأوروبية التركية الأوسع (مع جميع مكافآتها الاقتصادية المقدمة لنظام أردوغان)، مع المسألة الحساسة المتعلقة بكيفية مراقبة تدفق المهاجرين إلى أوروبا لتصفية عملاء العدو الذين يسيئون استخدام الترحيب الأوروبي. ومجددًا، لا يعني تنفيذ مثل هذه المراقبة بفاعلية وبشكل منهجي تبني «التنميط العرقي». إنها الطريقة الوحيدة الذكية التي تسمح بإبقاء أبواب أوروبا مفتوحة للمهاجرين الحقيقيين، الذين يهرب العديد منهم من الإسلاميين ويمقتون حكمهم.على جبهة أخرى من المعركة، يجب على الدول المتشابهة فكرياً أن تتعاون فيما بينها للمضي قدمًا في الحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على استخدام الإنترنت. لقد كانت إسرائيل صريحة في إثبات أهمية ذلك. وحاليًا، يجب أن يكون واضحًا أن الأمر سخيف للغاية أن يُنتج داعش والقاعدة مجلتين رقميتين («دابق» و«إنسباير»، على التوالي) وأن تتوافر لهم الخدمات على الإنترنت. إن الجهود التي بُذلت للقضاء على استغلال الأطفال في إنتاج المواد الإباحية، يمكن الاستفادة منها في تجريد قتلة الأطفال ومغتصبي اليزيديات من الاحتفاء الذي يلقونه على الإنترنت لإباحيتهم في ممارسة الموت العنيف، الذي يستخدمونه كأداة سياسية.يمكن لإسرائيل تقديم الكثير من العون بالنسبة لجميع تلك القضايا عبر تقديم مشاركة جادة، مستمرة ومحترمة. لن يُحقق الذم الساخط أي نتائج (حتى وإن كان مدفوعًا بحالات عديدة واجهت فيها إسرائيل أعداءها بأسلوب غير ملائم، واعترض عليه الأوروبيون). يمكن للموقف التعاوني أن يُحدث فارقًا حقيقيًا. فالمعادلات الداخلية لصناعة القرار بأوروبا في طور التغيير. وفي الواقع، بدأ المجتمع المعرفي الخاص بضباط وخبراء الجيش والأمن والاستخبارات، الذي هُمش طويلًا في النقاشات الداخلية، في اجتذاب الآذان من جديد.إن علاقات إسرائيل مع أوروبا استفادت من التكنولوجيا المتقدمة والتفوق الرقمي لدى إسرائيل؛ ,وكذلك من إسهام إسرائيل في تعزيز استقرار شرق البحر المتوسط؛ إضافة إلى عناصر التراث المشترك (الواضحة بشكل خاص في «أوروبا الجديدة»)؛ وتواجدها الذاكرة التاريخية، التي تظل قوية في ألمانيا وأماكن أخرى. والأن، يمكن للمعركة المشتركة ضد الإرهاب أن تصبح عنصرًا آخر نحو إعادة بناء وتعزيز العلاقات الأوروبية الإسرائيلية.