الإخوان والسعودية: هل من عودة لعهد فيصل؟
بعد عام من تصنيف الإخوان جماعة إرهابية من قبل المملكة العربية السعودية خرج علينا وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل بتلك الكلمات شارحا موقف المملكة من الجماعة، الأمر الذي يشير ضمنيا إلى أن الاعتراف بكون الإخوان تنظيم إرهابي أمر سياسي برجماتي أخرجته السعودية لأسباب عدة تتعلق بظروف المنطقة ووضع الجماعة آنذاك.مرت علاقة الجماعة بالمملكة «باعتبارها تنظيما إسلاميا أخذ صورة الدولة» بمراحل عدة ما بين قوة وفُرقة محدودة وشقاق وتصنيفها إرهابية ثم تدور الدائرة مرة أخرى .
عهد عبد العزيز «كلنا إخوان مسلمون»:
الملك عبدالعزيز آل سعود
هكذا صرح مؤسس المملكة السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود عندما طلب منه البنا إنشاء فرع للتنظيم بالمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي كان فيه بعض أفراد التنظيم يرون أنه من الأفضل فعليا ألا يكون هناك عمل تنظيمي للجماعة في السعودية لأن الهدف من وراء ذلك هو تطبيق الشرعية والشرعية مطبقة فطريا في السعودية.لعل السبب الأدق للتقارب السعودي الإخواني آنذاك يعود إلى زيارة البنا الذي أحس أنه من مصلحة التنظيم آنذاك التقارب مع السعودية في الوقت الذي لم تعترف مصر فيه بالدولة السعودية المنشأة حديثا، وما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن يقبل هذا التقارب دافعا الإعلام السعودي إلى الحديث عن البنا وكأنه رئيس دولة أخرى يزور المملكة ولعل خير مثال على ذلك ما جاء في صحيفة أم القرى -أكبر الصحف السعودية آنذاك- بعنوان «حسن البنا، على الرحب والسعة» الأمر الذي وضع البنا منذ ذلك الحين في مكانة مرموقة بالسعودية وحجز لنفسه في كل زيارة إلقاء خطبة ولقاء بالحجاج.
المؤسسون يورثون العلاقة:
من شابه أباه فما ظلم، أكبر إثبات على صحة تلك المقولة تمثل في علاقة سعود بن عبدالعزيز ملك السعودية والمرشد الثاني للجماعة الهضيبي، حيث ظل الملك سعود يتعامل مع الجماعة وقياداته على نفس خطى أبيه، في الوقت الذي ورث الهضيبي عن أبيه الروحي البنا مكانة المملكة وكانت زيارات الهضيبي للمملكة والترحيب السعودي بها خير دليلٍ على ذلك.
فيصل ومشروع الوحدة الإسلامية:
في الوقت الذي اعتلى فيه فيصل بن عبد العزيز العرش كان الإخوان في مصر يعانون من ويلات عبد الناصر ما لم يشاهدوه طيلة حياتهم، ويكفي أن نقول في ذلك كلمة واحدة «الستينات»، وعليه كرّس فيصل نفسه لمساندة الإخوان آنذاك.
تعد فترة الملك فيصل أكثر المراحل تقاربا بين الإخوان والسعودية
ولعل السبب الرئيسي لدفع فيصل لمساندة الإخوان يعود إلى الاختلاف الفكري بينه وبين عبد الناصر وليس حبا في الإخوان، حيث كان الأول يهدف إلى وحدة إسلامية في مقابل شعارات العروبة التي انتشرت في خطابات عبد الناصر.عامل آخر استغل فيه الملك فيصل الإخوان المسلمين لخدمة مشروعه الفكري يتمثل في القضية الفلسطينية، فالتاريخ أثبت أنه لا يخلو مشروع إسلامي من الحديث عن القضية، وتشابهت آنذاك رؤية الملك فيصل مع رؤية الإخوان للقضية بكونها قضية أمة إسلامية.ترجم هذا التقارب بصورة واسعة في اعتماد الملك فيصل على رموز الإخوان في العملية التعليمية التي كان يهدف من ورائها إلى بناء نموذج تعليمي يخدم مشروعه الفكري «الوحدة الإسلامية» وعليه اعتمد على أساتذة في المدارس والجماعات من المنتمين للإخوان المسلمين على رأسهم كان «محمد قطب» شقيق المنظر الإخواني سيد قطب، وعليه أصبحت المدارس والجماعات عهد الملك فيصل منبرا ومركزا لأنشطة الدعوة.
عبد الله «بداية الانقلاب»:
بدايات عهد الملك عبد الله لم تختلف كثيرا عن سابقيه في التقارب مع الإخوان، ولكن كان للربيع العربي والصعود الإخواني دور هام في تحول تلك العلاقة لتبدأ بصورة واضحة مرحلة انقلاب السعودية على الإخوان.هناك نظرية هامة في قيام الثورات تعرف باسم «أثر العدوى والانتشار»، تلك النظرية تفيد أن الثورات ربما تقوم في دول الجوار بناء على ثورات في دول أخرى، هذا الأمر أخاف وأرهق العروش العربية، وفي السعودية حيث خرجت بعض المطالبات فترة الربيع العربي بالإصلاح والذي تبناه المنتمون للإخوان في السعودية، دفع النظام السعودي إلى الانقلاب على الإخوان والوقوف ضد صعودهم لسدة الحكم خاصة الإخوان في مصر، ومن هنا بدأت مرحلة الانقلاب التي شهدتها العلاقة بين البلدين.تُرجمت تلك المرحلة في مواقف الملك عبد الله من نظام الحكم في مصر وقت الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، ومباركة السعودية فيما بعد عزل مرسي وإسقاط مشروع الإخوان، ومساندة النظام الحالي بكل ما يمكن فعله للصمود.
سلمان «للتخبط عنوان»:
بوفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان، نبدأ مرحلة أخرى هي في ذاتها استمرار للانقلاب على الإخوان، وفي نفس الوقت وسيلة للتقارب.وصل الملك سلمان إلى سدة الحكم في السعودية ووجد المملكة مصنفه الإخوان بكونها جماعة إرهابية، ولكن أظهرت التصريحات في بدايتها أن للملك سلمان موقف آخر من الإخوان، ومنها تصريح سعود الفيصل الذي سبق طرحه بداية، الكلمات السابقة لـ أحمد التويجري والتي تحمل ضمنيا أن المملكة لم تخص الإخوان كاملة بالإرهاب وإنما هؤلاء المنتهجين العنف منها. وعليه فإن سياسة الملك سلمان وإن كانت لم تُزل الإخوان من قائمة الجماعات الإرهابية السعودية، إلا أنها تحاول شيئا ما الإبقاء على الإخوان إلى وقت الحاجة.
إخوان مصر وحق الرد:
لا نملك حلا نقدمه لأطراف الأزمة التي جرت وقائعها هذا الأسبوع على ضفتي الخليج والتي كنا نأمل أن يتم احتواؤها من خلال مسارات أخرى غير تلك التي جرى فيها.
على الرغم مما يعاني منه إخوان مصر فترة ما بعد 30 يونيو من انشقاقات وفشل تنظيمي وميداني وتخبط داخلي، إلا أن هذا الأمر لم يجعلهم يتجاهلون موقف حليف الأمس عدو اليوم السعودية منهم، فأصدرت الجماعة أكثر من بيان يوضح موقفها.فقد جاءت الكلمات السابقة في بيان ينسب لجماعة الإخوان المسلمين حول الأزمة السعودية الإيرانية المشتعلة نتيجة إعدام نمر النمر، في بيان يعد حياديا صراحة في الوقت الذي يعد الحياد فيه خروجا عن الصف العربي وموقفا سلبيا، ولعل هذا الموقف يشير في رسالة ضمنية إلى أن الإخوان لم يصبحوا في صف المملكة كما كانوا على ذلك عقودا.وفي بيان آخر خرج منذ أيام أعلنت الجماعة صراحة رفضها للتقارب المصري السعودي واتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، مشيرة إلى رفضها المال السعودي الذي قدم كوسيلة للتنازل المصري عن جزيرتي تيران وصنافير، في بيان من لهجته يضع الإخوان به النظام السعودي والمصري على حد سواء كأعداء للجماعة.
الإمارات وتركيا عدوا وحليف:
دولتان في علاقتهما بالسعودية لا يمكن تنحية ملف الإخوان جانبا، الإمارات عدو الإخوان والمناهضة لها في كافة الأرجاء والمحافل، والثانية تركيا المدافعة والملجأ الأساسي للقيادات.
الأولى تفرض علاقاتها مع السعودية في إطار مجلس التعاون الخليجي وقضايا المنطقة أن يتم تصنيف الإخوان جماعة إرهابية والبعد كل البعد عن مساندة التنظيم من قبل المملكة.
والثانية تركيا، التي تعد الحليف الأكبر في الفترة ما بعد عزل مرسي للإخوان، إن كانت علاقتها بالسعودية لا تسمح بفرض تركيا ملف المصالحة بين السعودية والإخوان على المملكة، فإن هناك أيضا أسبابًا أخرى تفيد تراجع تركياعن موقفها من مساندة الجماعة بداية من غلق قناة مصر الإخوانية بتركيا مرورا بالتقارب شيئا ما بين مصر وتركيا وصولا إلى التصريحات المتبادلة من قبل القيادات المصرية والتركية فيما يتعلق بالعلاقة بين البلدين.
اليمن بداية القطيعة ووسيلة للتقارب:
اليمن مثلت عاملا هاما في علاقة السعودية بالإخوان، ففي الوقت الذي قامت به الثورة اليمنية ومساندة الإخوان لها في الوقت الذي حاربتها فيه السعودية بدأت العلاقة بين القطبين تتوتر كأول حادث اختلفت فيه المصالح السعودية والإخوانية.اليوم اليمن تلعب دورا هاما في التقارب بين السعودية والإخوان، ففي الوقت الذي تحارب فيه السعودية في اليمن حربا أقرب ما يقال عنها أنها غير محسوبة جديا؛ يحتل الإخوان مكانة كبيرة في اليمن وهذا ما يدفع السعودية لاستخدامهم كسلاح مساند داخلي، وتُرجم ذلك في الأيام الماضية في مباركة السعودية -وإن لم يكن أمرا مباشرا من المملكة- لتعيين علي محسن الأحمر المحسوب على الإخوان نائبا للرئيس هادي بدلا من رجل الإمارات خالد بحاح.