الإخوان والسلطة … تاريخ من المفاوضات والصراع (2)
في الجزء الأول، تناولنا بإيجاز علاقة جمال عبدالناصر بجماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمه، ومحاولات التقارب والتفاوض؛ من أجل إنهاء حالة الصراع وإجراء مصالحات بين الطرفين، يمكن الرجوع إليه من هنا ..
الإخوان والسادات
معًا للقضاء على الإلحاد والشيوعية.. ومعًا في السجون أيضًا
في العام 1970 وبعد وفاة جمال عبد الناصر وتولي أنور السادات السلطة في مصر، واجه السادات معارضة ممن كان يسميهم «مراكز القوى»؛ فقرر أن يستعين بجماعة الإخوان المسلمين وأن يتصالح معها؛ ليضرب بذلك التيارات اليسارية والقومية التي يستند عليها خصومه داخل مصر، حيث كان هناك صراعًا محمومًا على السلطة بينه وبين حسب ما اصطُلِح عليهم حينها «مراكز القوى»؛ لأنهم أرادوا من السادات أن يحكم ولا يملك، وأرسلوا للسادات رسالة يطالبونه فيها ببعض التغييرات السياسية، تمثلت في طلبهم حينها، تعيين شعراوي جمعة رئيسًا الوزراء بدلًا من محمود فوزي، فأيقن أنه ولا بد وأن يتخلص منهم، فقرر ذلك بالتقارب مع الإخوان لضرب الناصريين واليساريين، واستعان بالإخوان حينها مُكلفًا عثمان أحمد عثمان، والدكتور محمود جامع للتواصل معهم.
فسافر كل من عثمان وجامع للسعودية وهناك عقدوا عدة اجتماعات، حضرها من قيادات الإخوان الدكتور نجم سالم، وعبد المنعم مشهور، ويوسف القرضاوي، وأحمد العسال بالتنسيق مع الملك فيصل.. وباركت السعودية الاتفاق، وقام الملك فيصل بن عبدالعزيز، بالتبرع بـ100 مليون دولار للأزهر، دفع منها 40 مليون دولارًا؛ لقيادة حملة ضد الشيوعية والإلحاد.
هذه قصة ذكرها الإخواني محمود جامع في كتابه «عرفت السادات»، وكُتب عنها في جريدة الوفد:
جولات التفاوض والمصالحات
وفي صيف عام 1971، نجح الملك فيصل بن عبدالعزيز، [ملك السعودية الأسبق من عام 1975:1964]، في أن يُرتب اجتماعًا بين السادات رئيس الجمهورية حينها، وبين مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين، وبالفعل عُقد اجتماع في استراحة الرئيس في «جاناكليس»، في إطار من السرية المطلقة، حضره زعماء الإخوان في الخارج بعد أن حصلوا على ضمان بتأمين دخولهم إلى مصر وخروجهم منها، والتقوا هناك بالرئيس السادات، كان من بين هؤلاء الدكتور “سعيد رمضان”، الذي عاش بعض الوقت في السعودية ثم قصد جنيف، حيث رأس منظمة إسلامية ترعاها المملكة العربية السعودية، وهو أحد الرعيل الأول من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وزوج ابنة الإمام حسن البنا والسكرتير الشخصي له، ومن قادة الإخوان في أوروبا في ذلك الحين، كما حضر من قيادات الداخل، أ/عمر التلمساني [المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين من عام 1973 إلى 1986].
وخلال المناقشات التي جرت في ذلك الاجتماع قال الرئيس السادات للإخوان، إنه يواجه مشاكل من نفس العناصر التي قاسوا هم منها، -يقصد مراكز القوى- ثم أنه يشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وكذلك فإن عبد الناصر قد خلف له تركة ثقيلة، وقد عرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر، بل وكان على استعداد لعقد تحالف معهم.
رواية محمد حسنين هيكل
رواية محمد حسنين هيكل حول عدد من الاتصالات ومحاولات التصالح بين الطرفين في تلك الفترة، يقول هيكل:
وساطة الملك فيصل بن عبدالعزيز
«وفي صيف سنة 1971 نجح الملك فيصل في أن يرتب اجتماعًا بين السادات وبين مجموعة الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلى الخارج، وبالفعل فقد عُقد اجتماع في استراحة الرئيس في «جاناكليس»، حضره زعماء الإخوان في الخارج، والتقوا هناك بالرئيس السادات، وخلال المناقشات التي جرت في ذلك الاجتماع، عرض عليهم السادات استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر، بل وكان على استعداد لعقد تحالف معهم، لكن الإخوان الذين قابلهم السادات في ذلك الوقت لم يكونوا قادرين على اتخاذ قرار؛ ويبدو أنهم لم يكونوا واثقين من احتمالات التعاون معه، وكانت لهم شكوكهم حول نواياه، وفي كل الأحوال فإنهم حتى ذلك الوقت كانوا يعتبرونه جزءًا من ثورة 23 يوليو/تموز التي اصطدموا معها».
ومضت سنوات، والآن أصبح الإخوان المسلمون -شأنهم شأن غيرهم من القوي في مصر-، يدركون رغبة نظام السادات في التعاون مع العناصر الدينية.
وساطة عثمان أحمد عثمان
يقول هيكل:
كلام هيكل هنا، أبرز دور الملك فيصل، وعثمان أحمد عثمان، في التفاوضات ومحاولات التقارب بين الإخوان والسادات في تلك الفترة، وهو كلام جدير بالتأمل؛ لأن روايته تتفق معظمها مع أقوال التلمساني، كما أن سير الأحداث لا يتناقض معها.
رواية عمر التلمساني
يقول التلمساني:
وقد أوجز التلمساني فحوى هذه المقابلات، ولخص علاقتهم بالسادات بقوله:
وعن شكره للسادات بعد الإفراج عنهم، قال: «وحين خرجنا من السجون في عام 1971 كان أول شيء فعلته هو ذهابي إلى قصر عابدين لتسجيل شكري للرئيس السادات بإفراجه عنا». ويقول أيضا: «أما نظام السادات فقد بدأ بداية طيبة، فأفرج عن المعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم سياسيًا، وإن كان الإفراج لم يتم فورًا بل طال وقته حتى بلغ قرابة العامين».
وساطة الشيخ سيد سابق
وعن جولات محاولات الاتفاق بين الحكومة والإخوان يقول التلمساني:
علاقة التلمساني بالسادات
ويضيف التلمساني عن لقائه بفؤاد محي الدين رئيس الوزراء في عهد السادات: «وكم كنت أود لو تكررت هذه اللقاءات وبهذا الأسلوب الرقيق، ولكن المنية عاجلته فرحمة الله عليه وعلينا أجمعين، ولو قدر المسئولون أن هذا التصرف له أثره في جمع صفوف الشعب لحرصوا عليه وأكثروا منه».
ويقول أيضًا: «المهم أن الإخوان – وعلى رأسهم فضيلة المرشد – كانوا في قمة المسؤولية والتقدير عند أية بادرة من البوادر تهدف إلى إصلاح هذا الوطن العزيز».
وكالعادة، لم يستفد الإخوان من خبرتهم التاريخية مع الملكية ثم مع الجمهورية، ولم تكن البدايات كالنهايات، إذ سرعان ما انقلب عليهم الرئيس «المؤمن» -كما لقبوه- في أواخر عهده، بعد أن قضى منهم غايته وحقق باستخدامهم أهدافه، واستند في شرعيته على إنجاز حرب أكتوبر، فقد وضعهم مع الناصرين والشيوعيين «الملحدين»، وكافة القوى السياسية الأخرى رهن الاعتقال في قرارات سبتمبر الشهيرة، وهي الفترة التي شهدت هجرة الكثير من أعضاء الجماعة للخارج في استمرار لموجات الخروج الحذرة في فترة عبدالناصر، الأمر الذي تسبب في تكوين مجموعات للإخوان المسلمين في العديد من الدول حول العالم.
الإخوان ومبارك .. ضيوفًا دائمين على المعتقلات
وكما كانت عليه بدايات حقبة السادات، فقد بدأت علاقة الإخوان بمبارك بقيام الأخير بالإفراج عنهم من السجون في سياق الإفراج عن المتحفظ عليهم في قرارات سبتمبر الشهيرة التي اتخذها السادات قبيل اغتياله. وقد شكره مرشد الجماعة الشيخ عمر التلمساني، ومدحه لأنه أطلق لصحف المعارضة حقها في النقد، ووصفه بأنه «حريص في كل مناسبة علي التصريح بالتزامه جانب الحرية، وأنه لن يعدل عنها، كل هذه مبشرات، ومن حقه علينا أن نذكرها له».
وخلال حقبة مبارك كان الإخوان ضيوفًا دائمين على السجون والمعتقلات، لا يخرجون منها إلى سرعان ما يعودون إليها، وكما كانت حقبة السادات، فقد بدأت حقبة مبارك بالإفراج عن الإخوان لتنتهي باعتقال الكثير من قياداتهم قبيل وأثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهي الثورة التي أطاحت بنظام مبارك ورموز نظامه الوطنية وفقما وصفهم محمد مرسي قبل الثورة.
والآن وبعد أحداث الثالث من يوليو/تموز لعام 2013، تمر مصر بمرحلة هي الأصعب في تاريخها على كل الأصعدة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا، ويأتي الحديث عن إرهاصات تفاوضات بين السلطة والإخوان؛ للبحث عن حل للخروج من الأزمة الحالية، ورغم أنه لم نر لها حتى الآن ناتجًا على أرض الواقع، إلا أن ذلك لا ينفي احتمالية حدوثه في المستقبل القريب.
- عمر التلمساني: مجلة المصور، عدد: 2989، 27ربيع الأول 1402 هـ، 22/1/1982
- عمر التلمساني: ذكريات لا مذكرات، دار الطباعة والنشر الإسلامية 1985 القاهرة، ص: 113، 114، 115، 179، 180، 222
- عمر التلمساني: مجلة المجتمع، عدد 776، في 15/4/1980
- محمد حسنين هيكل: خريف الغضب، قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات، الطبعة الأولى في مصر، 1408 هـ، 1988 م، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ص: 227 إلى ص: 229
- كتاب "وعرفت الإخوان"، للشيخ محمود جامع.
- مذكرات المستشار/ الدمرداش العقالي.