هل تطيح فزاعة الإخوان بالهيئة العامة للاستعلامات؟
لم يكن التصريح المفاجئ الذي ألقاه مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، عن إمكانية نقل تبعية المركز الصحفى بالهيئة العامة للاستعلامات وهيئة المراسلين الأجانب إلى المجلس الأعلى للإعلام، مجرد تصريح يخدم ارتجال اللحظة، التي لم يفق من سكرتها «مراهق السلطة الثمانيني» الذي ورث مقعد صفوت الشريف في وزارة الإعلام، ونفس دوره في توليد إعلام تعبئة يدور في فلك الدولة، ويأتمر بأمرها، ولكنها تحركات كانت تحاك بعناية منذ أشهر لتفكيك الهيئة التي تم ضمها للرئاسة في عهد الإخوان، بعدما كانت تتبع وزارة الإعلام مما خلق منها فزاعة إعلامية وسياسية، لاسيما وأن فروعها منتشرة في كافة القرى والمحافظات.
مما يعني في عقل السلطة الحالية، أنها يمكن أن تكون سلاحًا خلفيًا للجماعة، للتشكيك في النظام الحاكم بدلا من الترويج له.
كيف بدأ سيناريو التفكيك؟
في 8 فبراير/شباط الماضي، وأمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة طالب الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيحية، بإنشاء وحدة إعلام خارجي لتسويق مصر، وكان طلبا مفاجئا خاصة أنه لم يكن مدرجًا علي طاولة النقاش.
وهو الأمر الذي تم تفسيره حينها من جانب مختصين أنه لا يمكن لعبد المنعم سعيد، الحديث في مثل هذا الأمر بشكل ارتجالي، دون أن يسبقه ترتيبات مع جهات سيادية، تعلم جيدا كل كلمة سيتفوه بها الحاضرون والضيوف، وبالأساس لا يمكن لأحد التجرؤ على مفاجأة الأجهزة، بموضوع لم يتم التنسيق حوله.
جاءت مطالبة «عبد المنعم» وكأنها إشارة لبدء مرحلة جديدة، غير التي سبقتها، وكانت تشمل طعنا إعلاميا ممنهجا في الهيئة ورجالها واتهامهم بالتخاذل عن تأدية دورهم سواء كانت هناك أزمات دولية حقيقية أو حتى أي فعالية احتجاجية للإخوان في الخارج، دون أن يُحمل هؤلاء أدنى مسؤولية للأدوار الرئيسية والمحورية، بداية من رئيس الهيئة نفسه، الذي اقتضت الأعراف السياسية تعيينه من خارج أبناء المؤسسة، وخاصة من وزارة الخارجية.
وكأن المقصود إحالة الهيئة نفسها للتقاعد وليس السياسة التي تدار بها، في ظل امتلاك النظام الحالي أدوات إعلامية بالداخل والخارج، تغنيه بشكل كامل عن الأرق السياسي من خبايا الهيئة ورجالها.
هواجس الدولة عن اختراق الهيئة بالمحافظات
بعض الدوائر المعنية في الدولة، ترى أن المدة الزمنية، التي ضمت فيها سلطة الإخوان الهيئة لمؤسسة الرئاسة، قادرة علي تجنيد رجالها في المحافظات والقرى والبلدان النائية.
وبإمكان هؤلاء تشكيل رأي عام قوي وصناعة اتجاهات السلبية ضدها، بما للهيئة من قدرة على دراسة اتجاهات الرأي العام، وعقد الندوات المباشرة في القرى والأحياء، في ظل امتلاكها ترسانة كبيرة تبلغ حوالى 64 مكتبا إعلاما داخليا و30 مركزا من مراكز النيل، تقيم فعاليات باستمرار للتثقيف السياسي والتوعية الاجتماعية للمواطنين، وشرح السياسات الوطنية لهم، وهي القضايا التي يمكن استخدامها للترويج لسياسات الإخوان دون أن تثير الشبهة حول ما كان يسمى بـ«أخونة مصر».
بعض ما يستند إليه أصحاب هذا الرأي، أن الأسباب الحقيقية التي جعلت الإخوان تضم الهيئة دون ضجة إعلامية لرئاسة الجمهورية، خبرتهم في العمل الجماهيري التي جعلتهم ينتبهون بالفطرة إلى أهمية الهيئة، ومدى النجاح الذي يمكن تحقيقه للإخوان في اختراق المجتمع عن طريق الاستفادة من مراكز الإعلام الداخلي لتعبئة الشارع المصري بأفكار الجماعة، مما يعني أنها ستكون ستارًا يحميهم مستقبلاً.
كيف جرى تحجيم «العامة للاستعلامات»؟
كانت العامة للاستعلامات تملك خارج مصر أكثر من 32 مكتبا للتخديم على 164 بعثة دبلوماسية، لم يتبق منها إلا 16 مكتبا وحتى هؤلاء لم يسلموا من سيناريو التفكيك، لدرجة أن 10 مكاتب منها تعمل دون مستشار إعلامي منذ عام ونصف، رغم إرهاق كل مكتب لميزانية الدولة في مرتبات للمحلق الإداري والإيجارات وعمالة على الورق دون إنجاز .
والمثير أن الهيئة لم تعد تملك مستشارا واحدا في المتبقين الـ16، يستطيع التحدث باللغة الصينية، بالرغم من أهمية الصين اقتصاديًا وسياسيًا للعالم أجمع، ولمصر على وجه التحديد، بالإضافة إلى خلو مكتب «واشنطن» من مستشاره الإعلامي منذ شهور، علاوة علي أن الملحق الإداري الذي يدير الإجراءات الإدارية للمكتب مدته منتهية منذ 31 / 12 من العام الماضي، ومصيره معلق هو الآخر، فضلا عن غلق مكاتب نيويورك، وسان فرانسسيكو، وطوكيو، ومدريد، وروما ومعظم المكاتب العربية.
كما لم تعد الدولة تهتم بتوفير أي بدلات إضافية للمستشار الإعلامي لإقامة شبكة من العلاقات مع وسائل الإعلام، واستضافتهم لتوضيح الحقائق، وخاصة الموضوعات الجدلية، بالإضافة إلى توثيق العلاقات الإعلامية مع نظرائهم في السفارات الأخرى، مما يسهم في تعجيز المستشار الذي يقضي مدته، إما متحملا لهذه النفقات من مخصصاته الشخصية أو لن يكون أمامه إلا اعتبارها رحلة عمل مميزة يؤمن من خلالها مستقبله المتداعي، بفعل المرتبات السيئة التي يحصل عليها العاملون بالهيئة.
ويبدو أنه حال صحة هذه الهواجس التي يتم تسريبها للأذرع الإعلامية، أن الذين يفكرون في إحالة الهيئة للصلاحية لا يدركون جيدا أن كافة المستشارين الإعلاميين في مكاتب الهيئة بالخارج لهم رئيسان، أولهما السفير نفسه، الذي يتولى العمل الميداني في الدولة الأجنبية ويخضع المستشار الإعلامي لإشرافه وتوجيهاته باعتباره عضو بعثة دبلوماسية، بالإضافة إلي تبعيته لرئيس قطاع الإعلام الخارجي في الهيئة ورئيسها العام، وبالتالي حال وجود أي ريبة من تصرفات المستشار الإعلامي بالخارج، يمكن تصفيته إداريا على الفور، بتقارير من رؤسائه الذين يتم اختيارهم بعناية للعمل في وظائف حساسة بالخارج.
داخليا، لم يعد هناك تأثير يذكر للوسيلة الإعلامية القومية، المفترض منافستها للاستحواذ على الرأي العام داخل وخارج مصر، ومزاحمة وسائل الإعلام بطرق مبتكرة للتعبير عن السياسات العامة بطرق غير تقليدية، ولم يعد يزور منافذها الإلكترونية إلا بعض العاملون بها.
وربما أكثر ما يعبر عن تخلف الهيئة تكنولوجيا أن الصفحة الرسمية لها علي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لا تحمل أي تفاعل يذكر، ولا يتابعها من الأساس أكثر من 906 أشخاص، مما يعني أن أكثر من ثلثي العاملين بالهيئة أنفسهم الذين يتجاوزون الـ 3 آلاف بقليل لا يتابعون الصفحة الرسمية لعملهم، ولا يعلمون عنها شيئًا منذ تدشينها على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم، وهي مأساة يقف الكلام عاجزا عن وصفها .
الجميع يخطئ إلا الرئيس
قبل سنوات ومنذ عزل الإخوان تحديدا دأبت كافة الوسائل الإعلامية على توجيه اللوم الشديد للهيئة العامة للاستعلامات بمعزل عن رئيسها، الذي بات بحكم أعراف سُنت منذ عام 2005 من أبناء وزارة الخارجية، لضمان سيطرة رجال جمال مبارك على الرأي العام الداخلي والخارجي، بغض النظر عن عدم صلاحية رجال الخارجية للتعامل مع متطلبات الإعلام، الذي هو فى الأصل إفصاح، ولا يمكن للمسئول عن وسيلة إعلامية بحجم الهيئة العامة للاستعلامات ألا يعي أهمية الحديث مع كافة الأطراف، ولكن كان المطلوب من تلك المرحلة، رجالا لديهم تدريب كاف على الكتمان، والإجادة الكاملة لفنون تجميد الأحداث وتجاهلها.
عن الهيئة
والجدير بالذكر أنه جرى إنشاء الهيئة 1954 لتكون صوت مصر الرسمي وتروج السياسات المصرية للداخل وترسم صورة مصر في الخارج، بالإضافة إلى توفير التسهيلات للصحفيين والمراسلين الأجانب في مصر لأداء عملهم على أفضل مستوى ممكن، لنقل صورة حقيقية عما يجري في مصر إلى العالم، ونجحت في ذلك بجدارة منذ تدشينها مرورًا بكافة الكبوات التي تعرضت لها البلاد في مِحن 56، ونكسة 1967.
كانت الهيئة رأس حربة الإعلام المصري عقب انتصار أكتوبر 1973، وتكفلت بطبع الكتب والنشرات والمطبوعات المختلفة وفي القلب منها «الموسوعة العسكرية لمصر» التى نشرت سجل البلاد العسكرى منذ عهد الفراعنة وحتى أكتوبر 1973، لتعريف العالم بخلفيات النصر، كما أصدرت الهيئة موسوعة الشخصيات، التى رصدت أهم شخصيات الوطن والمؤثرين فيه في كافة المجالات، كما أصدرت سلسلة كتب مترجمة، تحكي عن نصر أكتوبر، ومعظمها كانت ترجمة لمعظم الأعمال والكتب العالمية الصادرة بشأن الحرب، وبعضها مترجم عن قادة إسرائيل وخاصة المشاهير منهم .
كما كان يعُهد إلي الهيئة دائما تقديم صورة مصر إلى الرأي العام العالمي ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، عبر مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية في العديد من العواصم والمدن الكبرى، بالإضافة إلي موقع الهيئة على شبكة الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية والمتاح لكل من يحتاج إليه في كل مكان بالعالم، وهو الإرث النادر الذي قد يضيع على مصر من جراء «فزاعة الإخوان» التي باتت في عرف النظام الحالي، حجة يُستند عليها، في القضاء على كل ما له قيمة، بداية من الحريات نهاية بما لا يمكن توقعه في القريب العاجل.