إخوان موريتانيا وهندسة الديمقراطية الداخلية
تشهد الساحة الإسلامية الموريتانية العديد من التحولات والتغييرات، في ظل أجواء ومتغيرات سياسية ضاغطة، فقدبات مشهد الصراع السياسي بين الأنظمة العربية الحاكمة وتيار الإسلام السياسي أحد أهم مكونات الحياة السياسية العربية، فما بين مواجهة عسكرية مباشرة مع تيار الجهاد، وإقصاء كامل أو جزئي لتيار الإسلام السياسي المعتدل ومحاولة توظيف مشاركته لكسب الشرعية السياسية لأنظمة أخرى.في هذه الأجواء يسير إخوان موريتانيا نحو مرحلة غير مسبوقة من تاريخهم، فبحكم قيادتهم للمعارضة السياسية سيكون على إخوان موريتانيا قيادة حوار المعارضة مع النظام نحو تحقيق تداول سلمي للسلطة، كما أن اقتراب الانتخابات الداخلية والتي ستأتي بزعامة جديدة تمثل روح الديمقراطية الحزبية، فهل ينجح إخوان موريتانيا في قيادة الحوار الوطني؟، وما هي حقيقة الصدام مع النظام السياسي؟، وهل يقوم النظام بحل حزب الإخوان؟.
دعاة لا قضاة
تمتد الجذور التاريخية والفكرية والأيديولوجية لحزب تواصل إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين. وبالرغم من النشأة المبكرة تاريخيًا لجماعة الإخوان في مصر وشعبها في كثير من الأوطان العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن نشأتها في موريتانيا تعتبر حديثة العهد، فقد بدأ الانتشار الفكري للجماعة في موريتانيا في منتصف السبعينات مع تأسيس حركة الإصلاحيين الوسطيين.فقد كانت الجماعة الإسلامية هي أول تنظيم للتيار الإسلامي في موريتانيا ، وقد ظهرت في عام 1978، وبعد أن خرجت من رحم جماعة المساجد التي أصدرت أولى بياناتها في 1975 لتأييد التطورات السياسية على الساحة الموريتانية، وشجعت الجماعة الإسلامية إلى ظهور العديد من التنظيمات المذهبية والفكرية الإسلامية في موريتانيا، انصهر بعضها ببعض وظل بعضها منفصلاً حتى تم تأسيس تنظيم «حاسم» في 1990.
أيديولوجيًا يذهب «ولد الددو» أحد أبرز القيادات الإسلامية في موريتانيا إلى تبيان أيديولوجية إخوان موريتانيا بأنها تميل إلى الوسطية والمسالمة، فالمنتمون لهذا التيار دعاة لا قضاة لا يحملون ضغينة لأحد حتى النظام السياسي، وهو تيار وسطي في المنهج والتفكير والممارسة والسلوك والمعاملة هادف إلى الإصلاح ومحاربة الرذيلة.
وعن موقف الحزب من الدعوي والسياسي والخيري يشير محمد جميل ولد منصور رئيس الحزب إلى أن تواصل منذ تأسيسها قد اتخذت خطًا متمايزًا بين ما هو دعوي وما هو سياسي، فهو حزب سياسي منذ النشأة فمهمته سياسية، كما أن المشاغل الدعوية والمشاغل التربوية التقليدية للتيار الإسلامي يمارسها غيره، فالأرضية القائمة على التخصص السياسي والطبيعة السياسية للحزب موجودة، وعن التخصص الخيري يقول ولد منصور أن العمل الخيري بمعنى التخصص ليس موجودًا عند حزب تواصل ولا يمارسه، ولكن ما يقوم به أفراد من الحزب في المجال الخيري هو عمل مستقل عن الحزب، كما أن دور الحزب الخيري يأتي في سياقات ظرفية معينة كالكوارث.
صدام سلمي
في ظل تميعات الأنظمة السياسية العربية في تعاطيها مع مسألة المشاركة السياسية للتيار الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا بدءًا من الثمانينات، يلاحظ أن سياسة تلك الأنظمة تراوحت بين المد أحيانًا والجزر أحيانًا أخرى، فكان وضع الدساتير العربية منفسًا لهذا التيار لشرعنة وجوده السياسي والاجتماعي، ولكن كانت جعبة الأنظمة دائمًا ما حملت المنع والكره لتأسيس أحزاب سياسية إسلامية.في هذا الإطار سعى التيار الإسلامي في موريتانيا إلى شرعنة وجوده السياسي من خلال التحرر من صندوق الجمعيات الدعوية والخيرية إلى طلب تأسيس حزب سياسي تحت مسمى حزب الأمة في عام 1991 ولكنه قوبل بالرفض، كما رفض النظام الاعتراف بحزب الملتقى الديمقراطي الإسلامي في عام 2004. اتجه النظام إلى اتباع سياسة الدولة البوليسية في إغلاق الباب أمام التنظيمات الدعوية للتيار الإسلامي والممثلة في الجمعيات والنوادي الخيرية المرخص لها رسميًا، كما عمد إلى اعتقال قادة الحركة الإسلامية، مع توظيف وسائل الإعلام الرسمية في حملة دعائية مضادة للتيار الإسلامي. في ظل هذا النموذج البوليسي في التعامل مع التيار الإسلامي، ومع حدوث انفراجة سياسية في النصف الثاني من العقد الأول للألفية الثانية، وتأثرًا بحالة الانفتاح على التيار الإسلامي في أكثر من دولة عربية تم تأسيس أول حزب سياسي إسلامي في موريتانيا وهو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تواصل في 2007، ومنذ تولي ولد عبد العزيز حكم البلاد حتى عاد الصراع من جديد بين الحزب الوليد والنظام السياسي.
ماراثون جديد
في أعقاب ثورات الربيع العربي شارك إخوان موريتانيا في الانتخابات البرلمانية والبلدية وحققوا نجاحًا باهرًا، فقد حصدوا المركز الثاني في البرلمان بعد الحزب الحاكم، فتمكنوا بذلك من قيادة مؤسسة المعارضة الديمقراطية وهي هيئة دستورية في موريتانيا تنظم علاقة المعارضة بالسلطة، ولكن مع تراجع صعود الإسلام السياسي في المنطقة دفعت الحكومة الموريتانية إلى شيطنة وعقاب التيار الإسلامي.
فقد احتدم ماراثون الصراع السياسي بين النظام الموريتاني والمعارضة السياسية بعد خطاب الرئيس ولد عبد العزيز في مدينة النعمة 2016 الذي دعا فيه إلى تعديل الدستور وإجراء استفتاء شعبي لإلغاء مجلس الشيوخ وتشكيل مجالس جهوية، ودعا فيه إلى حوار وطني وانتقد فيه شريحة الحراطين باعتبار أن تكاثرها يعيق جهود انتشالها من الأمية والفقر.خطاب الرئيس كما أثار حنق المعارضة وشنت انتقادًا واسعًا للرئيس، تبعته دعوات متلاحقة ومطالبات من مؤيدي الرئيس لحل حزب تواصل بدعوى تجاوزه لكافة الخطوط الحمراء وأنه يهدد الديمقراطية ويعصف بها وذلك على لسان عبد الله ولد أحمد دامو مستشار الرئاسة الموريتانية، بالإضافة إلى اعتباره حزبًا انتهازيًا وعدوًا للدولة.صدام تواصل مع النظام السياسي ليس وليدًا لخطاب الرئيس ولكنه منذ نهاية عام 2015 والصراع بدأ يطفو على الساحة السياسية في أعقاب حرب مستعرة بينهما حول قرار الحكومة إغلاق المعاهد القرآنية، كما أثيرت آنذاك تحليلات حول توجه الحكومة الموريتانية إلى اتخاذ خطوات في طريق حل الحزب وذلك من خلال محاولات تجفيف منابع تمويل الحزب بعد استصدار قرار يقضي بحظر تحويل أموال الزكاة من الدول الإسلامية وخاصة الخليج إلى أطراف غير حكومية، كما حظرت موريتانيا اكتتاب القضاة والأمة الموريتانيين بطرق غير رسمية، كما منعت الحكومة الموريتانية 45 عالمًا محسوبين على الحزب من الظهور إعلاميًا.
وفي هذا السياق يرى ولد منصور أن الأداء العام للحكومة الموريتانية سالب على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى حجم الفساد والملف الحقوقي والسياسي، ولهذا يطرح ولد منصور حزبه كبديل للنظام السياسي القائم.
حوار وطني، ولكن
بهذا التعقيب يذهب ولد منصور إلى بيان موقف تواصل من الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس الموريتاني، مؤكدًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب قدرًا كبيرًا من المسئولية والحذر، مشيرًا إلى أن البلد فعلًا مقدم على تحول مهم سنة 2019؛ لأنه لأول مرة ستكون هناك انتخابات رئاسية بدون الرئيس القائم.
يبدو أن مناخ الحوار الوطني المزعوم يفرض على أحد أطرافه وهو المعارضة الحذر، حيث تشير التجربة التاريخية إلى أن النظام السياسي الموريتاني الحاكم عادة ما يرتب أوضاعه المستقبلية على أحد مكونات المعارضة، ومن ثم التخوف من أن يكون الحوار الوطني آلية توظيفية لحماية مستقبل النظام، كما أن سياسات النظام الأمنية تتزايد قمعًا واعتقالًا وانتهاكًا للحقوق، كما أن دعوات حل حزب تواصل في أعقاب خطاب الرئيس تعطي مؤشرات لاحتقان ما بين النظام والمعارضة الإسلامية، فيما يضيف البعض متغيرًا آخر وهو الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في التحريض ضد الإسلاميين في الخارج، خاصة في ظل العلاقات الوطيدة بين النظام والإمارات.
هندسة الديمقراطية الداخلية
في ظل هذا التصارع المحتدم بين النظام السياسي وحزب تواصل الإخواني، تبقى جميع الاحتمالات مقبولة بالنسبة لمستقبل الحياة السياسية للحزب، خاصة وأن الحقبة التاريخية الحديثة في موريتانيا تشير إلى أن هناك خبرة زمنية لمنع الوجود الشرعي لتنظيمات الإسلام السياسي، واستخدام حملات إعلامية وأمنية ممنهجة كأداة لمواجهة الصعود الإسلامي في البلاد خاصة بعد صعودهم في انتخابات النيابات والبرلمان الموريتاني في 2013، ويبقى مستقبل الحزب رهن التطورات الداخلية والضغوط الخارجية.
تمثل الانتخابات الداخلية في نهاية العام القادم أهم المتغيرات على مستقبل تواصل، خاصة وفي ظل عدم ترشح الرجل الأكثر تأثيرًا في تواصل ولد منصور لولاية أخرى، فيقول محمد جميل منصور بأنه سيكون بحكم القانون وبحكم الأخلاق وبحكم السياسة مفروضًا على تواصل أن يغير مسؤوله الأول، وتشير الأسماء الأولية للمرشحين لتولي رئاسة الحزب إلى سير الحزب على نهج ولد منصور.