بروكنجز: المصادر الداخلية للسياسة السعودية (2/ 1)
الملخص: أظهرت الساحة الإسلامية المجزأة في المملكة العربية السعودية مجموعة متنوعة من الاستجابات تجاه الانقلاب العسكري في مصر، والصراع الدائر في سوريا، والحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية على اليمن. وفي حين أن هناك مجموعة من شباب الإسلاميين السعوديين والمثقفين قد تبنوا عناصر من التوجه الديمقراطي، إلا أن الحرب القائمة في سوريا، والنظام السياسي الاستبدادي، والنزعات الطائفية المحلية قد زادت من دعم نموذج التغيير السياسي العنيف الذي يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية.
يجب أن يتم تحليل الإسلام السياسي في المملكة العربية السعودية في سياق السياسات الإقليمية للمملكة. ونظرًا لمكانة السعودية الحاسمة بوصفها بلدًا يحوي اثنين من الأماكن المقدسة في الإسلام، مكة والمدينة، بالإضافة إلى نهج السياسة الخارجية الاستباقية الذي اتبعه السعوديون في الفترة الأخيرة، فإنّ مسألة معطيات السياسة الخارجية أصبحت مصدرا للجدل بين الإسلاميين السعوديين. وبسبب وجود قيود حول النقاش في السياسات الداخلية، أصبحت النقاشات حول السياسة الخارجية ميدانا للصراعات بين القوى الاجتماعية المتعارضة.
وتعتبر المملكة العربية السعودية أحد أهم الدول العربية والإسلامية بسبب الموقع الاستراتيجي والموارد المالية الضخمة الموجودة تحت تصرفها، وبالتالي، فإنّ هذه المناقشات بحق السياسة الخارجية تعد ذات أهمية كبرى لمنطقة الشرق الأوسط وخارجها. وأنا أزعم بعيدًا عن الجغرافيا السياسية للدولة، أن العلاقة الديناميكية بين الدولة السعودية والإسلاميين السعوديين قد أصبحت عنصرا حاسما في تشكيل السياسة الخارجية السعودية منذ العام 2011.
ومنذ العام 2011، كان على الفاعلين الإسلاميين السعوديين أن يتكيفوا مع البيئة الإقليمية المتغيرة على نحو متسارع، وكذلك مع صراعات السلطة داخل الأسرة الحاكمة التي بلغت أوجها بتتويج الملك سلمان وتعيين إدارته الجديدة في العام 2015. وبشكل عام، شعر الفاعلون الإسلاميون بالصدمة جراء الدعم السعودي العلني للانقلاب العسكري في مصر.
وعلى الجانب الآخر، تم استقبال ظهور تنظيم الدولة الإسلامية ببعض التعاطف؛ لإن الدولة الإسلامية يمكنها أن تدعم وجهات النظر المناهضة لإيران وللشيعة، وهي التي تم استثارتها بواسطة الخطاب الحكومي والإعلامي لحكومات المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي على مدار سنوات مضت.
وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت الانتصارات السريعة التي حققتها الجماعة في زيادة شعبيتها في المملكة العربية السعودية، كما ساهمت في الحقيقة القائلة بأن آلاف المواطنين المنتمين إلى السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي قد انضموا إلى الجماعة كمقاتلين وقادة ومنظرين. ولكن تدفق المقاتلين السعوديين والتمويل على سوريا تم إدانته بشكل علني من قبل الحكومة، وخاصة بعد إعلان الخلافة في منتصف العام 2014.
ويمكن لـ«الملك سلمان»، الذي تولى السلطة في شهر يناير/كانون الثاني 2015، أن يبني على اتصالاته المكثفة مع مختلف القوى الإسلامية في المملكة، والتي أنشأها عندما كان أميرا للرياض منذ العام 1963. وفي الواقع، يبدو أنه هو وإدارته الجديدة أقرب إلى الإسلاميين السعوديين، بما فيهم أنصار جماعة الإخوان المسلمين.
ونتيجة لذلك، وربما لأن ذلك يصب مرة أخرى في مصلحة السردية السعودية الوطنية للمملكة باعتبارها المدافعة عن «السنّة» في المنطقة، تم تأييد الحرب على الحوثيين في اليمن والتي بدأت في شهر مارس 2015 من مختلف القوى الإسلامية السعودية من جميع أنحاء الطيف الأيديولوجي. وقد كانت هذه فرصة لرجال الدين الإسلاميين والشخصيات العامة لكي يعلنوا عن دعمهم للملك الجديد والقيادة السعودية، بالإضافة إلى السياسات السعودية الإقليمية، دون أن يفقدوا ماء الوجه أمام أنصارهم.
الساحة الإسلامية المجزأة
مسألة ما الذي يشكل الإسلام السياسي والإسلاميين داخل المملكة العربية السعودية، هي مسألة صعبة الإجابة نوعا ما. فعلى عكس معظم الدول العربية الأخرى، يتمتع العلماء المسلمين بقدر كبير من السلطة في النظام السياسي، ويشغلون مناصب رئيسية مثل القضاة والوزراء والمسؤولين في الشرطة الدينية. بينما في معظم الدول العربية الأخرى، يواجه الإسلاميون إلى حد كبير الأنظمة العلمانية أو القومية العربية على نحو واضح.
وفي حين أن الحالة السعودية هي أكثر دقة، تقوم المملكة العربية السعودية رغم ذلك ببعض الأشياء التي يريد الإسلاميون أن يرونها مطبقة في دولة إسلامية مثالية، مثل فرض الأخلاق العامة، وطريقة اللبس، وإغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة، والفصل بين الجنسين، وجمع الزكاة، والدعوة في الداخل والخارج، ودور الشريعة في القانون.
ولذلك فإن الساحة الإسلامية معقدة للغاية ومختلطة، والعديد من الشخصيات الإسلامية الكبيرة يتم توظيفها بواسطة الدولة. بينما هؤلاء الذين يعملون خارج أجهزة الدولة الرسمية يتداخل عملهم مع عمل المؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة في كثير من المجالات كما يحدث في المساجد والجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام على سبيل المثال.
وبشكل عام، يمكن للمرء أن يصنف الساحة الإسلامية السعودية على النحو التالي:
أولا: التقاليد الوهابية الرسمية. وتضم رجال الدين الموجودين في هيئة كبار العلماء، والعلماء الموجودين في القضاء والشرطة الدينية، بالإضافة إلى بعض قطاعات التعليم. وبشكل عام، أيد رجال الدين هؤلاء استجابة المملكة للتحديات الموجودة في الداخل ولدورها في مناهضة الثورات العربية.
وعلى سبيل المثال، قال «عبد العزيز آل الشيخ» مفتي عام المملكة، الذي ينحدر من عائلة «آل الشيخ» الدينية التي تنحدر من نسل «محمد بن عبد الوهاب» مؤسس المذهب الوهابي، إن التظاهرات كانت ضد الإسلام، مانعا إياها في الدول العربية الأخرى «مثل مصر» بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية.
ثم أيد بعد ذلك الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013 (على الرغم من أن مبررات الانقلاب العسكري في مصر تعتمد بشكل كبير على التظاهرات الكبيرة التي حدثت في 30 يونيو/حزيران). كما أيد المفتي أيضا الحملة ضد المعارضة، وخاصة ضد الشيعة، داخل المملكة العربية السعودية. كما أدان أيضا تنظيم الدولة الإسلامية لكونها غير إسلامية، وقام بدعم التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن.
ثانيا: المجموعة الثانية، وهي مجموعة مهمة، وهي ما يمكن للمرء أن يطلق عليها «الصحوة» أو ما بعد الصحوة، وهؤلاء هم الأشخاص الذين شاركوا في حركة تسمى الصحوة الإسلامية في بداية التسعينيات، والتي تحدت الهيمنة السياسية للأسرة الحاكمة. والصحوة هو مصطلح يطلق على المجموعة التي تأثرت بشدة بشبكات جماعة الإخوان المسلمين الموجودة في المملكة، وقامت بالجمع بين أيديولوجية الإخوان المسلمين والتقاليد الوهابية المحلية.
ومن الجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية محظورة في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، تقوم كل هذه الجماعات بالعمل بشكل سري، وبالتالي لديهم هيكل أقل رسمية من الهياكل الموجودة في الدول الأخرى من بلدان المنطقة.
وقد دعم هؤلاء الأشخاص، الذين يرتبطون على نحو واسع بتوجه الإخوان المسلمين، الثورات التي قامت في تونس ومصر بالإضافة إلى سوريا واليمن، ورحبوا بوصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر. وقد قاموا هم ومؤيدوهم بزيارة مصر ومساعدة «إخوانهم» هناك، وإنشاء منافذ إعلامية، واستثمارات في البلاد. وتلك الجماعة تمتلك اتصالات مع أمراء سعوديين بشكل فردي ويمكن توظيفهم من قبل بيروقراطية الدولة.
ولكن بشكل عام كان لديهم موقف حاسم من الموقف السعودي تجاه الثورات العربية. وقد وقّع بعضهم، مثل رجل الدين الشهير «سلمان العودة»، على بيان يدعو لإصلاحات سياسية في أوائل العام 2011. وفي واقع الأمر، كان هناك بعض التفاعل في عام 2011 وعام 2012 بين إسلاميي الصحوة، والليبراليين والإصلاحيين السياسيين من مختلف الانتماءات. وقد حاولوا معا دون جدوى الضغط من أجل الحصول على اصلاحات ديمقراطية في البلاد. وكانت جمعية الحقوق المدنية والسياسية أحد المجموعات الرئيسية من وراء هذا التحالف، وقد تم سجن معظم روادها بسبب نشاطهم.
كما نشر سلمان العودة أيضا كتابا أثنى فيه على الاحتجاجات الشعبية والثورات العربية بشكل عام. وأكد مجددا على موقفه في رسالة مفتوحة للحكومة في 15 مارس/آذار من العام 2013. وحذر في رسالته من انفجار اجتماعي-سياسي إذا لم يتم إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإذا لم يتم إجراء إصلاحات على الفور.
وفي الفترة من 2011 إلى 2014، كان رجال الدين بحركة الصحوة ومؤيدوهم على خلاف بشكل أو بآخر مع الحكومة السعودية حول كيفية تعاملها مع التحديات الإقليمية (باستثناء جزئي بالنسبة للوضع في سوريا، حيث دعم كلاهما المعارضة، على الرغم من موجود اختلافات بشأن اختيار الفصيل الذي سيتم دعمه، بالإضافة إلى البحرين حيث دعم كلاهما الحملة ضد المعارضة).
ولكن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، واستيلاء الحوثي بعد ذلك على صنعاء عاصمة اليمن في سبتمبر/أيلول 2014 شكل تحديات خطيرة للمملكة العربية السعودية، وتسبب في إعادة التقارب بين الصحوة والنظام السعودي، وخاصة منذ وصول سلمان إلى الحكم في أوائل عام 2015.
ثالثا: الجهاديون وهم فاعل بارز آخر للإسلام السياسي في المملكة العربية السعودية على الرغم من كونهم منبثقون عن التقاليد الإسلامية المذكورة أعلاه. وقد كانوا ناشطين بشكل رئيسي في العراق وسوريا، حيث تداخلت السياسات الخارجية للدولة السعودية ودعمها للمعارضة المسلحة مع الأهداف قصيرة الأجل للجهاديين. ولكن النجاحات التي حققتها الدولة الإسلامية، وإعلانها الخلافة، والخطاب المناهض للمملكة السعودية الذي يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية قد قوض هذا التيار.
ومن الملفت للنظر حدوث عدد من الهجمات الإرهابية في المملكة العربية السعودية منذ العام 2014، في حين أنه خلال الفترة من العام 2011 إلى بدايات العام 2014 لم تكن هناك هجمات جهادية في المملكة، على الرغم من الموقف القوي الذي اتخذته السعودية لدعم الأنظمة القديمة وتقويض الآفاق الديمقراطية للإسلاميين في مصر وغيرها من الأماكن الأخرى، ولكن الهجمات الجهادية قد زادت منذ صيف العام 2014 وخاصة الهجمات التي تشنها خلايا تنظيم الدولة الإسلامية. وقد استهدفت الهجمات المميتة الأقلية الشيعية بشكل رئيسي حتى الآن.
المجموعة الأخيرة هي الإسلاميون الشيعة الذين يتركزون في المنطقة الشرقية. وقد حدثت تغيرات كبيرة بين الشيعة منذ بداية الانتفاضات العربية. وظهرت حركة احتجاجات في العام 2011 واستمرت حتى أواخر العام 2013. وكانت الاحتجاجات يقوم بها الشباب، ولكن رجال الدين والزعماء الإسلاميين شكلوا قيادة الحركة.
الدعم السعودي للانقلاب المصري
منحت المملكة العربية السعودية لفترة طويلة ملاذا آمنا لأنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا يفرون من حملات نظام «جمال عبد الناصر»، أو «حافظ الأسد» عليهم في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد ساعدوا في بناء الكثير من المؤسسات التعليمية والدينية التي تم إنشائها في المملكة العربية السعودية خلال حالة الازدهار النفطي في السبعينيات، عندما احتضنت المملكة العربية السعودية الإسلام السياسي كأيديولوجيا مضادة للقومية العربية والأيديولوجيات اليسارية.
وفي أوائل التسعينيات، بدأ تيار الصحوة في انتقاد الأسرة الحاكمة بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة ونشر قوات أمريكية على أراض سعودية من أجل تنظيم «تحرير» الكويت في العام 1991. وتضمن تيار الصحوة الكثير من القادة والمتعاطفين مع الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين التي برزت في الساحة كنتيجة لهجرة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى المملكة.
وكانت الصحوة مزيجا من الأيديولوجيا والمبادئ التنظيمية للإخوان المسلمين، والتقاليد الدينية الوهابية المحلية. ويُعتقدعلى نطاق واسع أن تلك الفترة كانت نقطة تحول في العلاقة بين آل سعود والإخوان المسلمين، وهذا يفسر إلى حد كبير مخاوف آل سعود وردود أفعالهم تجاه تمكين جماعة الإخوان المسلمين والفروع التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة منذ العام 2011. وكانت هذه المسألة أمرا حاسما في تشكيل السياسة الخارجية السعودية منذ عام 2011، بالإضافة إلى مواقف الإسلاميين السعودييين والإقليميين تجاه آل سعود والنظام السعودي بشكل عام.
وقد لعبت دول الخليج ذات السياسة المناهضة للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، دورا مهما في الانقلاب المصري في العام 2013. وقد اجتمع الأمير «بندر بن سلطان»، رئيس الاستخبارات السعودية في هذا الوقت، مع شخصيات عسكرية مصرية وحث الدول الغربية على دعم الانقلاب العسكري. كما أيد حزب «النور» السلفي المصري، الذي يقال أن لديه علاقات وثيقة مع السعوية، الانقلاب أيضا. وعلى الجانب الآخر، انتقد بعض السلفيين وخاصة من التيار السروري في المملكة العربية السعودية الحكومة.
وعبر أنصار جماعة الإخوان المسلمين عن خيبة أملهم من دعم الانقلاب، وانتقدوا حزب «النور» بسبب شرعنته للنظام الجديد. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، برز شعار «رابعة» كعلامة على المجزرة التي تم ارتكابها بحق أنصار جماعة لإخوان المسلمين في ميدان «رابعة العدوية» في القاهرة في شهر أغسطس/آب من العام 2013.
وكان يتم استخدامه على نطاق واسع بين السعوديين على موقع تويتر. وأصبحت هذه طريقة شائعة لإظهار الاستياء من الحكومة السعودية. وقد أدان معظم رجال الدين بالصحوة وغيرهم من القادة الإسلاميين بالمملكة العربية السعودية الانقلاب في مصر، ودور المملكة العربية السعودية في هذا الانقلاب سواء بشكل ضمني أو بشكل صريح.
ولكن المملكة العربية السعودية بدورها ضيقت الخناق على هذه الأشكال من المعارضة، وخاصة على أي شخص يبدي تعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين التي تم تصنيفها كجماعة إرهابية في شهر مارس/آذار 2014. وأصبح استخدام شعار رابعة على تويتر جريمة. كما فرضت الحكومة قيودا أيضا على ناشر بارز قد أصبح نقطة التقاء الناقدين الإسلاميين لسياسات الحكومة السعودية، كما قام أيضا بنشر دراسات نقدية للمذهب الوهابي.
وقد أصبح وسيلة للصحوة والإصلاحيين الإسلاميين لنشر أفكارهم حول الانتفاضات العربية، وكنتيجة لذلك اتهمت الحكومة الناشرين بوجود صلات بجماعة الإخوان المسلمين ، وداهمت معرض الناشر ومنعته من المشاركة بمعرض كتاب الرياض في المستقبل.
وبعيدا عن الحقيقة القائلة بأن «السيسي» والجيش قد قوض جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تم منع الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية من الاستقواء بهم، فإن التحالف مع السيسي في مصر أيضا له بعد عسكري قوي. فبعد أيام من بدء القوات التي تقودها المملكة العربية السعودية للغارات الجوية على الأهداف الحوثية في اليمن، تم الكشف عن وجود خطة لقوة عسكرية عربية مشتركة في 26 مارس/آذار 2015.
وقد أبرزت الحملة مدى طموح دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تشكيل الشؤون الإقليمية، وأكدت على الدعم العسكري الذي من المفترض أن تقدمه مصر من أجل أمن دول الخليج في مقابل الدعم المالي والسياسي. وكما سيتضح لاحقا، يعتقد كثير من السعوديين أن هذا التحالف أمر مفيد، على الرغم من كون تكاليف دعم الاقتصاد المصري لفترة غير محدودة تعتبر فكرة أقل شعبية. ولكن معظم الإسلاميين السعوديين وخاصة الصحوة والإخوان المسلمين والجهاديين السلفيين ينظرون إلى نظام السيسي في مصر على أنه نظام غير شرعي.
تحدي الدولة الإسلامية
فيما يتعلق بالقضية السورية، كان هناك التقاء مصالح بين الدولة السعودية والإسلاميين، ولكن كلا الطرفين كانا يدركان أنهما يؤيدان الثورة السورية لأسباب مختلفة. وقال سلمان العودة، وهو قيادي سابق بتيار الصحوة، أن الحكومة السعودية قد استخدمت القضية السورية لتصوير نفسها على أنها بطل القوى الثورية بعد أن أصبحت الراعي الرئيسي للثورات العربية المضادة.
وذكر أن المملكة العربية السعودية كانت تسعى نحو مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وهذا هو سبب دعمها للثورة السورية. ولكن عندما بدأت الجماعات الجهادية في التطلع نحو طموحات إقليمية أكثر بدلا من الاقتصار على سوريا والعراق فقط، وهو ما يرمز إليه بظهور الدولة الإسلامية، بدأ هذا التحالف بين النظام السعودي والإسلاميين بشأن الملف السوري في التلاشي.
وبحلول أوائل شهر أبريل/نيسان من العام 2015، كانت منظمة الأمم المتحدة تقدر أن هناك 25000 مقاتلا أجنبيا قد ذهبوا إلى سوريا للانضمام إلى الميليشيات الإسلامية. وقد انتهى الحال بالكثير من هؤلاء المقاتلين بالانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ويُعتقد أن عدة آلاف من هؤلاء المقاتلين هم مواطنون يحملون الجنسية السعودية.
ومن الصعب أن نتعرف على الحجم الحقيقي للروابط بين تنظيم الدولة الإسلامية والمملكة العربية السعودية على كلا المستويين الحكومي والشعبي. ولكن الأمر الواضح هو أن الثورة السورية في بادئ الأمر حظيت بدعم كبير بين أوساط المجتمع السعودي، وكان ينظر إليها على أنها انتفاضة عادلة ضد نظام ديكتاتوري. وقد انطوى أيضا دعم الثورة السورية على بعد طائفي، لإنه قد تم تأطيرها على أنها احتجاجات «سنية» ضد نظام «شيعي»، و«علوي»، و«طائفي».
وفي وقت مبكر نسبيا من بداية الثورة السورية، بدأت الأموال والمقاتلين في التدفق من المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج الأخرى وخاصة قطر والكويت على سوريا. وأصبح الكثير من رجال الدين بالصحوة داعمين أقوياء للثورة السورية، وقاموا بحث السعوديين على إرسال الأموال إلى الثوار، وفي بعض الحالات شجعوا السعوديين على الذهاب للقتال في سوريا.
وكان لإعلان الخلافة في الدولة الإسلامية في العراق والشام في نهاية شهر يونيو/حزيران من العام 2014 تأثير كبير على المملكة العربية السعودية. حيث أجبر ذلك الحكومة السعودية على إعادة تقييم دعمها للمعارضة في سوريا (بالإضافة إلى العراق) لإن تنظيم الدولة الإسلامية سرعان ما ندد بالملكية السعودية وتعهد بالتوسع إلى المملكة. وقد كان هذا أمرا منطقيا بالنطر إلى حجم السعوديين الكبير المشاركين في التنظيم، وبالنظر إلى أنه بمجرد إعلان الخلافة، أصبحت مكة والمدينة أحد الأهداف الرئيسية للتنظيم.
كما أصبح تنظيم الدولة الإسلامية أكثر نشاطا على نحو متزايد داخل المملكة العربية السعودية وقام بتنفيذ العديد من الهجمات داخل المملكة العربية السعودية سواء باستهداف أجانب أو قوات الأمن السعودية أو المسلمين الشيعة أو أماكن على الحدود السعودية. وفي الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، قبل يوم واحد من حلول يوم عاشوراء، وهو أحد أكثر الأيام تقديسا في التقويم الشيعي، فتح مسلحون النار على حشد يغادر أحد الحسينيات في واحة شرقية بمحافظة الأحساء، مما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص.
وقد سارعت جميع الأجهزة الرسمية بالدولة، بما في ذلك الهيئات الدينية الرسمية، بإدانة الهجوم، وفي خلال أيام قليلة، لاحقت قوات الأمن الجناة وقتلت العديد منهم. ولكن الهجوم، الذي تم تنفيذه إلى حد كبير بواسطة سعوديين والذي تبنت الدولة الإسلامية مسؤولية القيام به، أثار تساؤلات كثيرة عن مدى الدعم الذي تحظى به الدولة الإسلامية داخل المملكة، ومدى استعداد الدولة لحماية الأقلية الشيعية فيها.
وأصبحت هذه القضية أكثر إلحاحا عندما استهدفت التفجيرات الانتحارية في شهر مايو/أيار 2015 المساجد الشيعية في القديح بمحافظة القطيف وفي الدمام. وقد تبنت كلتا العمليتين ولاية نجد التابعة للدولة الإسلامية والتي تعهدت بتطهير شبه الجزيرة العربية من «الروافض».
كما زاد النهج الطائفي الذي تستخدمه المملكة العربية السعودية من أجل احتواء السكان الشيعة الموجودين في المملكة بالإضافة إلى شيعة البحرين، وحشد الدعم من أجل طموحاتها الجيوسياسية وخاصة في تنافسها مع إيران، من حدة المشكلة. وغالبا ما يكون المجندين السعوديين بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية مدفوعين بالرغبة في احتواء التشيع والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي أهداف استراتيجية لا نهاية لها أيضا لوسائل الإعلام السعودية.
وقد نفذت المملكة العربية السعودية غارات جوية ضد أهداف تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014 حتى بداية حملة اليمن في شهر مارس/آذار 2015 حيث توقف سلاح الجو السعودي عن تنفيذ الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد شهرين فقط من توليه الحكم، وفي انقلاب حاد على دبلوماسية البترودولار السعودية، أطلق الملك سلمان أحد أكبر مغامرات السياسة الخارجية في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث وهي: التدخل العسكري في اليمن. وفي حين كان هذا التدخل يهدف إلى سحق حركة الحوثي وإعادة تثبيت حكومة الرئيس المؤقت «عبد ربه منصور هادي»، إلا أنه قد أدى أيضا إلى تمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية التي استفادت من الفراغ الموجود في السلطة والمشاعر المعادية للحوثيين في جنوب اليمن.
وقد قام الفرع السعودي لتنظيم القاعدة بتنفيذ سلسلة من الهجمات في المملكة العربية السعودية في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2006. وبعد أن تم تفكيك شبكاتها في المملكة، اندمج بقية المسلحين مع الفرع اليمني لتنظيم القاعدة لتكوين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في العام 2009 واتخذوا اليمن قاعدة رئيسية لهم.
وقد قاموا بتوسيع نطاق عملياتهم بشكل تدريجي. ومن المثير للاهتمام، أنه على عكس معظم مبادرات السياسة الخارجية السعودية الأخرى منذ العام 2011، تم تأييد حملة اليمن بقوة من قبل الإسلاميين في المملكة. وقد يرجع هذا بشكل جزئي إلى الانتماءات والارتباطات بحزب الإصلاح وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن، والذي عانى من التقدم الحوثي ومن ثم تم إعادة تأهيله كحليف تكتيكي للمملكة العربية السعودية منذ بداية التدخل في اليمن.