محتوى مترجم
المصدر
jacobin
التاريخ
2017/06/20
الكاتب
رونان برتنشاو – نوفار فليب
حتى مع كل الميراث الإشكالي لحزب العمال، نجده يقدّم الآن آذانًا مفتوحة عن آخرها لسماع هؤلاء الذين يناضلون على خطوط الجبهة الأمامية، احتجاجًا من أجل العدالة الاجتماعية. ولهذا السبب أدعم جيرمي كوربين من صميم قلبي

جمعت موجة من التأييدات بين المشهد الموسيقى الأكثر حيوية في بريطانيا وأكبر زعيم سياسي يساريّ بها. في الصيف الماضي، خلال محاولة الانقلاب الحزبية ضد قيادته، كتب فنان الغرايم Grime البارز نوفيلست تغريدة يدعم فيها جيرمي كوربين. قال: «لا تستقل، الرجال بحاجة إليك». وبعد أيام انضم لحزب العمال.

كان نوفيلست هو الأول فيما سيصبح موجة تأييدات من المشهد الموسيقي الأكثر حيوية في بريطانيا لأكبر زعيم سياسي يساري بها. بعدها بشهر، ستورمزي، وهو حاليًا واحد من أعلى الفنانين مبيعًا، أعلن دعمه لكوربين في محاورة، كان عنوانها «رجلي جيرمي، تعجبني كلماته».بعد الدعوة للانتخابات العامة، صارت الظاهرة Grime4Corbyn، حملة غائمة الملامح لكن مؤثرة لتحريك الشباب من أجل دعم الاشتراكيّ المخضرم. كتب فنان الغرايم إيه جاي تراسي تغريدة في واحدة من أولى الصيحات البارزة للحملة: «ليس هذا وقت (لا يهمني لمن تصوّت، فقط رجاءً صوّت)، لكنه وقت (إذا كنت رجلاً حقيقيًا فلتصوت لحزب العمال)».وتاليًا، انضم لهؤلاء الفنانين بروفسور جرين، وقد دعم موقف كوربين المناهض للحرب، بالإضافة إلى مغني الراب أكالا، الذي لم يصوّت أبدًا من قبل في انتخابات عامة، رغم سنوات من النشاط السياسي، لكنه أصبح الآن يدعم كوربين كـمرشح مختلف حقًا عما رأيناه سابقًا.تبعًا لـ بي موني العضو المؤسس لجماعة لويشام للغرايم، «هناك أشخاص في الشارع يتحدثون عنه باستمرار – أشخاص لم أعرف عنهم أبدًا اهتمامًا بالسياسة. في الأسبوع الماضي، كنت أتلقى يوميًا رسائل واتس آب تقول: (صوّتوا لكوربين! صوتوا لكوربين!) لم أرَ شيئًا كهذا أبدًا».بلغت الظاهرة ذروتها في الأيام الأخيرة بمحاورة مدهشة بين نجم الغرايم جيمي أدينوغا JME وكوربين، غطت مجموعة من القضايا السياسية بدءًا بالرعاية الصحية والإسكان والتعليم إلى خيبة الأمل السياسية لدى كثير من شباب الطبقة العاملة. أصبح انجذاب فناني الغرايم إلى كوربين حبكة ثانوية مثيرة ضمن حملة حزب العمال المحرزة لتقدمٍ جيد بعد بداية متأخرة. لفهم جذوره وأهميته المحتملة، علينا النظر في أصول هذه الموسيقى المنغرسة في كيان الطبقة العاملة بلندن.


الغرايم

بدأت موسيقى وثقافة الهيب هوب في كسب أرضية لها داخل بريطانيا في الثمانينيات. تلاقت أصوات الحياة الحضرية المتداعية مع الخراب الثاتشري المترسب في كثير من مجتمعات الطبقة العاملة والمهاجرين.في البداية، حاكى مشهد الهيب هوب البريطاني أصولَه الأمريكية. لم يكن حتى منتصف الثمانينيات وظهور مجموعة London Posse أن بدأ فنانون مميزون في صنع أغانٍ بلهجاتهم وبأسلوب بريطاني واضح. تكونت المجموعة خلال جولة عروض موسيقية بأمريكا، لكن كما استنتج مقدم حفلاتهم الرئيسي رودني بي، جعلهم هذا أشد وعيًا باختلافهم كفانين بريطانيين.سيقول بعدها: «في نيويورك، صرت قوميًا للغاية. أنا إنجليزي، لا أمريكي. كنت أتحدث بلهجة لندنية». في 1988 أصدروا أغنية Money Mad، مزيج من الريغي والراب وتأملات في الحياة بلندن، أعطت صوتًا لشباب مجتمعات المهاجرين التي خرج من رحمها الراب البريطاني. في أوائل التسعينيات، تطورت أنواع موسيقية جديدة أخرى في المملكة المتحدة. جانغل، ودرم آند بيز، ثم يو كيه غاراج، كانت كلها أسرع وأقرب إلى موسيقى الرقص، لكن في النوادي الليلية وعلى قنوات الراديو غير المرخصة استخدموا مقدمي الحفلات وعناصر من ثقافة نظام الصوت التي أثرت على الهيب هوب. كانت موسيقى الجانغل بالأخص سوداوية، تعكس حياةَ طبقةٍ دنيا بعد حكم ثاتشر، وصُنعت من أجل الشباب الحضري من البيض والسود.بين منتصف إلى نهاية التسعينيات، كانت موسيقى اليو كيه غاراج صوتَ بريطانيا الشابة. شكلٌ من موسيقى الرقص يحرك الروح، غالبًا ما كان المؤدون في تسجيلاتها مغنين، كجريج ديفيد وكيلي لا روك وشولا أما. كان مقدمو الحفلات لايزالون جزءًا من الثقافة لكن دورهم كان تهيئة مشاعر الجمهور. وكان راديو القنوات غير المرخصة لا يزال فاعلًا، تتسيده فرق كـ Heartless Crew وPay As You Go. بحلول الألفية، ويلي، الذي يُعد على نطاق واسع الأب الروحي للغرايم، بدأ في إنتاج موسيقى سوداوية مجددًا. في البداية قوبل بآراء متضاربة، سيقول فيما بعد إن مناصري موسيقى الهاوس والغاراج «في الحقيقة، لم يعجبهم ما كنت أفعله». في أغنيته الفردية «Wot Do U Call It» سخر من اعتبار الناس موسيقاه تابعة للغاراج وأطق عليها إسكي بيت Eski Beat. في ذلك الوقت برز ديزي راسكال من فرقة ويلي المسماة Roll Deep وأصبح قصة نجاح كبيرة. بدأ استخدام اسم الغرايم لوصف هذا النوع الموسيقي. قال ويلي في البداية: «أنا لا أدعوها الغرايم لكن الآخرين يفعلون. في الحقيقة لا أريد تسميتها … في الحقيقة لا نملك سلطة تسميتها. الناس الذين يتقبلونها، وقنوات الراديو، وقناة إم تي في، وكل هؤلاء، هم من سيقولون (حقًا، هذا هو اسمها)». بمضي الوقت، هذا ما حدث بالضبط والتصق بها اسم الغرايم. كما دمجت موسيقى الـ g-funk صوتيّ بوستي كولينز وجورج كلينتون بالهيب هوب من أجل خلق نوع محليّ من الهيب هوب يعبِّر عن لوس أنجلوس، دمج مقدمو الحفلات والمنتجون الذين خلقوا الغرايم موسيقى اليو كيه غاراج بثقافة نظام الصوت الجامايكي بالهيب هوب لخلق صوت خاص بلندن.عكست الغرايم الطاقة الخام والغضب ومشاعر الحياة في شوارع العاصمة، ومع الوقت، شوارع مدن بريطانيا الكبيرة الأخرى أيضًا. النغمات الشرسة والإيقاعات السريعة سجلت قصص الحياة الحضرية. بالنسبة للشباب الناشئ في مجمّعات المساكن الحكومية، المكافيء البريطاني للـ«مشروعات»، أصبحت الغرايم موسيقاهم التصويرية. وتمامًا كمريديها من الشباب الحضري، تحيا الغرايم في توتر مستمر مع الشرطة. شهدت الفرقة الموسيقية الرائدة So Solid Crew إلغاء جولةٍ موسيقية لها في 2001 وظهورٍ في مهرجان 2002 بعد رفض الشرطة تأمين حفلاتها. بعدها بثماني سنوات عانى مغني الراب القادم من جنوب لندن، جيجز، من المصير نفسه. والحادث الذي تسبب في ضجة هذا الصيف هو إجبار جاي هوس على الإعلان عن برنامج جولة موسيقية دون تاريخ في موطنه لندن، وهو غياب يعتقد الكثيرون أنه نتيجة تأثير الشرطة.أضفى الصفةَ الرسميةَ على هذا القمع وثيقةُ 696 الشائنة التي تستخدمها شرطة لندن. أُصدرت في 2005 كردٍ على سلسلة من حوادث العنف في العروض الحية بالمدينة، تطلب الوثيقة أسماء وعناوين وأرقام هواتف المؤدين تحت ستار «تقييم المخاطر». في البدء، تجاوزت الحدّ إلى السؤال عما إذا كانت «جماعات عرقية معينة» يُحتمل حضورها. استُبدل هذا السؤال من وقتها بآخر أشد التواء عن «الجمهور المستهدَف»، لكن ما زالت المخاوف من التنميط العنصري قائمة. وينحو ارتيابٌ واسعُ الانتشار في مجتمع الغرايم إلى أن هدف الوثيقة هو نقل المسؤولية عن العنف بداخل مجمّعات المساكن الحكومية بلندن من ظروف الحرمان الاجتماعية إلى الموسيقى المصورة لها. قال فنان الغرايم بي موني، الذي فقد مكانه في عروض الحفلات بسبب معلومات تم تمريرها في الوثيقة، في محاورة أجريت مؤخرًا: «إنهم (الشرطة) يستهدفون الغرايم كثيرًا، يلقون باللوم كثيرًا على الغرايم فقط. نعرف أنهم يحاولون إسكاتها». لكن رغم مجهودات الشرطة، واصلت الغرايم نموها. في 2016 صُنفت كنوع موسيقى مستقل على iTunes. تلا هذا فوز سكيبتا بجائزة ميركوري؛ جائزة أفضل ألبوم بالمملكة المتحدة خلال عام. كذلك ظهر اسمه في تصنيف بيلبورد متقدمًا على ألبوم دراكي More Life album، ودراكي واحد من أفضل مغني الراب المعروفين بالعالم. الألبوم، حامل التأثير البريطاني القوي، يصور أيضًا الحفلات الحية. بينما، ألبوم سترومزي Gang Signs & Prayer صار أول ألبوم غرايم يحقق المركز الأول في بريطانيا، ببيع 70.000 نسخة في أسبوعه الأول. أخيرًا نالت الغرايم تقديرها – لكن فنانيها الرواد لم ينسوا نضالها.


السياسة

بالنسبة للجيل الذي صنع الغرايم، بدت السياسة الانتخابية مشهدًا بعيدًا. أنتج الهجوم الضاري لسياسة مارجريت ثاتشر مقاومة في البداية، حيث تصدت مجتمعات لندنية كـ لامبث للدفاع. لكن هزائم تلك السنوات أدت إلى الاستسلام وبحلول العقد التالي تقبّل حزب العمال بقيادة توني بلير أساسيات اقتصاد ثاتشر. كان هذا يعني للطبقة العاملة ببريطانيا المزيد من تخفيضات الإنفاق العام، وفرصًا أقل، وفي النهاية، هوة تنفتح أمام السياسة العامة. بحلول الألفية الجديدة، كان الشباب قد شهدوا حكومة برئاسة كلٍ من المحافظين وحزب العمال الجديد. ثلاثون عامًا من هجمات السوق الحر على دولة الرفاه تعني أن قلة فقط شهدوا أمجاد حزب العمال في السنوات التالية للحرب. عوضًا عن ذلك، الأكثرية شاهدوا حزب العمال تحت قيادة توني بلير، وبالأخص مسيرته نحو الحرب على العراق. حرب العراق، وحركة الاحتجاجات الجماهيرية ضدها، حقنت شيئًا من الطاقة السياسية في شباب بريطانيا الحضري. انعكس هذا في مشهد الهيب هوب أيضًا، بظهور مغني راب كـلوكي، لندنيٌّ شابٌ من أصل عراقي. احتجت كلماته المشحونة سياسيًا ضد السياسية بالداخل والحرب بالخارج، معبّرة عن تجربة المسلمين الشباب في بريطانيا بالإضافة إلى التضامن مع نضال هؤلاء الحاملين لعبء حروب الغرب في الشرق الأوسط. أيضًا برز من هذا المشهد السياسي الصريح مغني الراب أكالا. حاصلٌ على جائزة الموسيقى من أصل أسود (MOBO) عن فئة أفضل مغني راب في العام 2006، ركزت كلماته على الظلم العنصري والطبقي، مقتبسًا من شخصيات هامة كـمالكوم إكس ومتحديًا السردية الاستعمارية البريطانية. أول أغنية له في برنامج Fire in the Booth أشارت إلى لندن التي ترعرع فيها:

في هذه الدولة أول المستعبَدين كان الطبقة العاملة، ماذا تغير؟ وظائف أسوأ، ظروف أسوأ، أعلى الضرائب، انظر أين تعيش لكنك تذهب إلى الحانة، ليلة الجمعة ستتعارك مع رجل، لن تعرف لماذا لكنك لن تتعارك مع رجل، ببذلة وربطة عنق يرسل أولادك ليموتوا في حرب

لكن في النهاية، لم تقدم السياسة الانتخابية سوى قنوات قليلة للتعبير عن هذه المقاومة. وكان في الوقت نفسه تقريبًا، سنوات حرب العراق، أن برزت الغرايم على قنوات الراديو غير المرخصة لشرق لندن. يعتبر الكثيرون أن مقدم الحفلات والمنتج المحبوب ويلي هو صاحب التأثير الأول والأكبر عليها، وقد أصبح محميَّه ديزي راسكال نجمها الأشهر، بفوزه بجائزة ميركوري في 2003، السنة التي بدأت فيها حرب العراق.لم تكن الغرايم موسيقى سياسية لكن السردية التي رسمتها موضوعاتها ارتبطت بالأوضاع السياسية والاجتماعية. كان مقدمو الحفلات شبابًا يخرجون سخطهم على النظام في موسيقى حقنت الثقافة الشعبية بالثورة.كان المحتوى الصريح سياسيًا يظهر أحيانًا. جملة ديزي راسكال الشهيرة – «أنا مشكلة لتوني بلير» – في ظهوره الأول عام 2003 بيّنت انفصال المشهد الموسيقي عن السياسة الانتخابية مع اتخاذ موقف سياسي خاص في الوقت نفسه. العداء تجاه بلير وأوامره المتعلقة بالسلوك غير الاجتماعي (ASBOs) كان موضوعًا متواصلًا. أغنية فرقة رول ديب ‘Badman’ كُتبت لدعم حملة «أوقفوا الأسلحة» عام 2006. في العالم التالي أصدر باشي ‘Black Boys’، أغنيةً ملهمةً تحدّت القوالب النمطية واحتفت بالقدوات السوداء. كان نجاح الغرايم الأوليّ عابرًا «صرخةً متمردةً للمستثنين من تفاؤل حزب العمال الجديد بالألفية»، كما عبّر عن الأمر الصحفي الموسيقي دان هانكوكس في مقالة حديثة. وإن كانت الانطلاقة الابتدائية لهذا النوع الموسيقي جعلته يبدو كموضة عابرة لا كظاهرة، فإن أسلوبه الوقح كان ليجد صدى أكبر في بريطانيا الأزمات والتقشف. لم تتمكن لحظةٌ زمنيةٌ واحدة من تعريف التحرر من وهم النظام السياسي والغضب تجاه الظروف الاجتماعية داخل مجتمعات الطبقة العاملة، بخاصة السود، أكثر من أعمال شغب 2011. أردت الشرطة مارك دوجان قتيلًا في أغسطس/آب ذاك العام، مما أشعل فتيل الاحتجاجات في شمال شرقي لندن أولًا ومن بعدها في أنحاء المدينة والبلاد. كان دوجان صديقًا لعدد من مقدمي حفلات الغرايم في المنطقة، حتى إنه ظهر في أحد فيديوهات سكيبتا. لكن موته كان أكبر من مأساة شخصية، حيث أخبر عن قِدم مشكلة عنف الشرطة في المناطق الحضرية الأشد فقرًا في لندن. بالنسبة لعائلة فنان الغرايم المحلي سكورتشر كان هذا تكرارًا مؤلمًا: قبل 25 عامًا ماتت جدته من ضربة أثناء غارة للشرطة، مما أجج أعمال شغب مزرعة برودووتر. قال الفنان ليثال بيزل بعد أعمال شغب 2011 بوقت قصير: «لندن ليست مكانًا سعيدًا، والآن بإمكان العالم أن يرى ذلك. هذا يحدث منذ سنوات، لكن الحكومة تتجاهله. أرى في أعمال الشغب والنهب تفكيرَ الشباب بأنه (لدينا الآن فرصة كي نرد على الحكومة) حتى ولو كانت الطريقة خاطئة»؟رغم السخط، التحقيق في مقتل دوجان، كقصص أخرى مشابهة كثيرة في الولايات المتحدة، قضى بأنه قُتل بشكل قانوني. لم تنته القضية – في السنوات التالية أسست بريطانيا حركة (حياة السود مهمة) الخاصة بها مع بروز فناني الغرايم خلال احتجاجاتها. ساهم نوفيلست بواحد من أهم شعاراتها، «توقفوا عن قتل الرجال».قال جيمي أدينوغا أثناء تصويرٍ بتوتنهام في 2014: «إن موضوع (القتل والشغب) سيظل غصّة عالقة للأبد، لأنه لم ينته».


كوربين

أوضح رد فعل حزب العمال على أعمال شغب لندن نأيَ الحزب عن مشاعر الشباب والطبقة العاملة. خلال أعمال شغب برودووتر في الثمانينيات، تعرّض النائب البرلماني بيرني جرانت لانتقادات واسعة المدى لقوله إن الشرطة: «حصلت على تمويه جيد للغاية». لكن في 2011 وصف ديفيد لامي، النائب البرلماني للحزب عن توتنهام، أعمال الشغب بأنها «وصمة»، قائلاً إنها «مزعت قلب المجتمع»، وقال عن المشاركين فيها إنهم «حمقى، ومحرضون خونة». لاحقًا سيقول لامي إن قانونًا بمنع ضرب الأطفال أسهم في اندلاع أعمال الشغب، وكتابُه عن الموضوع ركّز بثباتٍ على التفسيرات الثقافية كقصور التوجيه الأبوي، والقدوة السيئة، وعدم كفاية التعليم. وحين اتجه لذكر الحجج الاقتصادية عن تأثير إصلاحات السوق الحرة لفّها في حكايات عن الفردانية المتفشية وهو ما يعني أن الشباب لا يشاركون في المجتمع. كما كانت الحال عادةً، حاول إد ميليباند أن يرضي كل الأطراف. قال في خطاب تميز بأنه انعكاس بعيد أكثر منه مشاركة اجتماعية: «بالضبط كما أن أغلب اليساريين الذين يرفضون الحجج الثقافية مخطئون، كذلك اليمينيون الذين يرفضون أهمية الفرصة والأمل».بينما كان قائد حزب العمال، جيرمي كوربين أقل خجلاً في تسليطه الضوء على الحجج والحلول الاقتصادية لمشاكل لندن. كان الإسكان محوريًا في عرضه، مع مقترح لإنشاء 60.000 مسكن حكومي سنويًا في المدينة، ومن الجدير بالذكر أن هذا كان أول موضوع يطرحه في محاورته مع جيمي أدينوغا. قال لوكي مؤخرًا في مقطع فيديو: «حين يتقدم أحدهم قائلًا إنه سيرفع الحد الأدنى للأجور، ويلغي رسوم التعليم في المدارس ويبني مليون بيت، نصفهم مساكن اجتماعية، فلهذا وقعٌ بالغٌ على الجميع». مقترح كوربين بدفع ثمن برنامجه من خلال فرض الضرائب على من يجنون أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني سنويًا كسب دعمًا أيضًا، بكتابة نوفيلست تغريدة مؤخرًا يقول فيها: «يريد جيرمي أن يعاقب الفتيان الأغنياء المتهربين من الضرائب، لنحصل على تمويلات أكبر لبناء مرافق أكثر».إنما لم تكن سياساته المناهضة للتقشف والحرب هي وحدها ما كسبت له الدعم. منهجه السياسي، بتأكيدٍ أشد على دور الأنشطة الشعبية والحركات الاجتماعية، يتناغم جيدًا مع منطق «افعله بنفسك» الذي يصفه جيمي أدينوغا بأنه ثقافة الغرايم. بدأ فيديو محاورتهما باقتباس معتاد عن كوربين: «لا يأتي التغيير السياسي دومًا من السياسيين، أليس كذلك؟».بالنسبة لأهل المشهد الموسيقي الذين عرفوا كوربين قبل أن يصير قائدًا لحزب العمال، تعود هذه المشاعر إلى تاريخ أقدم. انتقل فنان الهيب هوب سكيني مان إلى فينسبري بارك، بمنطقة إسلنغتون حيث يعيش كوربين، في سن صغيرة. برؤيته عضو البرلمان المحلي ينطلق متحدثًا عن قضايا الحرب والفقر، انجذب إلى رسالته. في أوائل الألفية، سيخبر الشبابَ الساخطين على الوضع السياسي في ظل حكومة بلير: «كلهم سواء، لا جدوى من التصويت لأيّ منهم، ما عدا جيرمي كوربين».


الغرايم والخروج للتصويت

إذن، فما الذي يعنيه كل هذا لحزب عمال كوربين وهو يواجه انتخابات عامة في الثامن من يونيو/حزيران؟ رغم تعافيه مؤخرًا في استطلاعات الرأي – باكتساب ثماني نقاط في شهر واحد – ما زالت تفصله عن التقدم مسافة، والأيام الأخيرة تقترب. حتى وإن لم يكسب حزب العمال الانتخابات، مازال كوربين يملك فرصة جيدة للتفوق على نتائج أسلافه: ميليباند في 2015، وبراون في 2010، وربما حتى بلير في 2005. تلك النتيجة ربما تستطيع الإبقاء على السياسة الراديكالية التي يمثلها، ويشعر كثير من فناني الغرايم الشباب أنها تمثلهم، حيّةً بداخل حزب العمال وبداخل السياسة البريطانية بشكل أعم. كي يحدث هذا، سيحتاج حزب العمال معدّل مشاركة انتخابية كبير من الشباب والطبقة العاملة ومجتمعات المهاجرين، خصوصًا في المدن البريطانية. في الانتخابات العامة الأخيرة صوّت 43% فقط من الشباب تحت سن 25، مقارنة بـ 78% ممن تزيد أعمارهم على 65 عامًا. كان معدل المشاركة البالغ 56% بين السود والناخبين من أقليات عرقية أقل أيضًا من المتوسط السابق البالغ 66%. كانت الأعداد قليلة أيضًا في كلٍ من طبقة العمال المهرة والطبقة العاملة والطبقة غير العاملة، بينما ذهب إلى صناديق الاقتراع ثلاثة أرباع أغنى المصوتين. بذلت حملة Grime4Corbyn جهودًا ضخمة في الأسابيع الأخيرة لتشجيع الناس على التسجيل من أجل التصويت. الحملات غير الحزبية مثل Rize Up أُطلقت أيضًا بدعم من بروفسور جرين ومافريك سيبر ودوك براون وغيرهم من الفنانين، وهي تستهدف تسجيل الشباب للتصويت. وهناك أيضًا تخطيطات من أجل حفلة تروّج للخروج إلى التصويت قبل الانتخابات. في النهاية، من المحتمل الوصول إلى درجة تحقق فيها سياسات كوربين شعبية. إلغاء الرسوم الدراسية وعقود العمل المؤقتة، ورفع الحد الأدنى للأجور ومعالجة مشكلة الإيجارات المرتفعة، والرعاية المجانية للأطفال ونقل عام جيد – عرضٌ قادرٌ على تبديل شكل الحياة بالنسبة للشباب، وسيستغرق داعموه في منظمة Momentum أسابيع محاولين إيصاله. مكسب أو خسارة، لن ينتهي الالتزام السياسي بعد الانتخابات العامة بالنسبة للهيب هوب البريطاني، ولن يظل مرتبطًا بحزب العمال الذي حاول كثيرًا جدًا تشويه سمعة البرنامج الذي يمثله كوربين. لكن هذه الانتخابات تقدم فرصة فريدة. كما عبّر لوكي عن الأمر: «حتى مع كل الميراث الإشكالي لحزب العمال، نجده يقدّم الآن آذانًا مفتوحة عن آخرها لسماع هؤلاء الذين يناضلون على خطوط الجبهة الأمامية، احتجاجًا من أجل العدالة الاجتماعية. ولهذا السبب أدعم جيرمي كوربين من صميم قلبي».