دليل مختصر لفهم الصراع في إثيوبيا
لم يكد يمر عام على حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على جائزة نوبل للسلام، حتى قرر الدخول في حرب مع فصيل من أبناء وطنه، لتعزيز سلطته في البلاد، وتدشين حقبة جديدة يحقق فيها رؤيته السياسية والاقتصادية للدولة.
تفاصيل كثيرة تعج بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن الحرب المشتعلة في إقليم تيجراي، شمالي إثيوبيا، بين الجيش الاتحادي و«جبهة تحرير شعب تيجراي». نقدم لك هنا دليلًا مختصرًا لفهم أسباب الصراع وأبعاده.
أصول الأزمة
أُطيح بالإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي عبر انقلاب عسكري عام 1974. واستولت على السلطة طغمة عسكرية ماركسية عرفت باسم «Derg»، وهو مختصر لاسم لجنة التنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش في الأقاليم.
حكمت الطغمة العسكرية إثيوبيا بالحديد والنار، في حقبة عُرفت باسم «الإرهاب الأحمر»، حيث قُتل عشرات الآلاف من الشباب على يد النظام العسكري، ووقعت حرب أهلية طويلة ضد المتمردين في جميع أنحاء البلاد.
شكَّلت مجموعة من العرقيات الإثيوبية، عام 1988، تحالفًا أسموه «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية»، لقيادة الثورة ضد النظام العسكري بقيادة «منجستو هيلا مريام». ونجح التحالف عام 1991 في هزيمة الطغمة العسكرية والسيطرة على الحكم.
تكوَّن تحالف «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية»، من عددٍ من الحركات والأحزاب والجبهات الممثلة للجماعات الإثنية الرئيسية في إثيوبيا، وأبرزها «جبهة تحرير شعب تيجراي»، و«الحزب الديمقراطي الأمهري»، و«حزب الأورومو الديمقراطي»، و«الحركة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا».
قادت «جبهة تحرير شعب تيجراي»، التي تمثل نحو 6% من السكان، التحالف الحاكم منذ تأسيسه، وسيطرت على أغلب المناصب القيادية في الجيش ومؤسسات الدولة الرسمية، وأدارت الاقتصاد عبر شبكة واسعة من المصالح في مختلف أنحاء البلاد. فيما هُمِّش «حزب الأورومو الديمقراطي» الذي يمثل نحو 40% من سكان إثيوبيا، و«الحزب الديمقراطي الأمهري» الذي يمثل نحو 25% من السكان.
أدت هذه التقسيمة المختلة إلى وجود العديد من المظالم الناتجة عن سعي قومية التيجراي إلى تعزيز قوتها داخل الائتلاف الحاكم وإقصاء القوميات الأخرى، بل التمعن في إذلالها وتفتيت قوتها وتقليص فرصها وحظوظها في الخطط الإنمائية. ويُعد أبرز مظاهر هذا الإقصاء، والذي تسبب في اندلاع احتجاجات كبيرة عام 2015، هو مشروع حكومة «ديسالين» لسلب الأورومو 120 كيلومترًا مربعًا من أراضيهم التي تحيط بالعاصمة أديس أبابا، لأسباب تقول عنها الحكومة إنها استثمارية تتعلق بالخطة العامة لتطوير العاصمة الإِثيوبية، ويراها الأورومو محاولة لتقليص أدواتهم الاقتصادية، عبر تقليص الأراضي الزراعية التي هي مصدر ثروتهم.
قادت موجة احتجاجات واسعة عام 2018، إلى وصول آبي أحمد، ابن قومية الأورومو، إلى السلطة، بعد أن اختارته الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية زعيمًا للحزب، وبالتالي رئيسًا للوزراء.
آبي أحمد والتيجراي
أدرك آبي أحمد، الرجل العسكري ربيب نظام «الجبهة الثورية الإثيوبية»، أن حكمه لن يستقيم إلا بالتخلص من نفوذ التيجراي، فعمل منذ وصوله إلى السلطة في أبريل/نيسان 2018 على ذلك، حيث أقال عشرات المسئولين المنتمين إلى قومية التيجراي، أبرزهم رئيس أركان الجيش ورئيس جهاز المخابرات، اللذان قضيا ما يقرب من عقدين في منصبيهما، وأسند منصب مدير المخابرات إلى أورومي مسلم.
منتشيًا بحصوله على جائزة نوبل للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لدوره في إحلال السلام مع إريتريا، عمل أحمد على خلق واقع سياسي داخلي جديد، حيث قام في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بتشكيل ائتلاف حاكم جديد باسم «حزب الرخاء»، يضم «الحزب الديمقراطي الأمهري» و«حزب الأورومو الديمقراطي» و«الحركة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا»، بينما رفضت «جبهة تحرير شعب تيجراي» الانضمام إلى الائتلاف الجديد، متذمرة مما اعتبرته تهميشًا واستهدافًا غير عادل.
تصاعدت الحرب الكلامية بين أحمد وقادة «جبهة تحرير شعب تيجراي»، ما دفع قادة الجبهة إلى العودة إلى إقليمهم، وسط اتهامات من آبي لهم بمحاولة زعزعة استقرار البلاد.
قررت الحكومة المركزية تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا إجراؤها في أغسطس/آب 2020، متعللة بالخوف من تفشي فيروس كورونا، وهو ما اعتبرته قوى المعارضة الإثيوبية -وعلى رأسهم جبهة التيجراي- محاولة من آبي للهروب من الانتخابات بعدما تراجعت شعبيته، خاصة بين أبناء قوميته الأورومو، إثر قيامه بحملة قمع في الإقليم.
قرر إقليم تيجراي تحدي سلطات أحمد من خلال المضي في إجراء الانتخابات الخاصة به في 9 سبتمبر/ أيلول 2020. وصنَّفت أديس أبابا حكومة تيجراي بأنها غير قانونية، بينما لم يعد قادة تيجراي بدورهم يعترفون بإدارة آبي أحمد. وقررت الحكومة تقليص الأموال الفيدرالية المخصصة للإقليم، وهو ما اعتبرته «جبهة تحرير شعب تيجراي» بمثابة «عمل حربي».
تفاقمت الحرب الكلامية بين الطرفين حتى تحولت إلى حرب حقيقية، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعدما اتهم آبي أحمد «جبهة تحرير شعب تيجراي» بالهجوم على معسكرات الجيش الفيدرالي في تيجراي، وأمر الجيش بالتحرك لتأديب الجبهة التي «كسرت الخطوط الحمراء».
منذ ذلك الحين، تدور رحى معارك شرسة خلَّفت مئات القتلى والمصابين وآلاف النازحين، وسط تقارير دولية عن مقتل عشرات المدنيين في مذابح بإقليم تيجراي، ودعوات للتحقيق في جرائم حرب محتملة.
انتهز آبي أحمد فرصة الحرب للقيام بحملة تطهيرية جديدة، حيث قام بإقالة 3 من أكبر مسئولي الدولة دون الإعلان عن الأسباب، هم: رئيس أركان الجيش، ورئيس جهاز الاستخبارات، ووزير الخارجية. وسط أحاديث عن معارضتهم للحرب على تيجراي.
وأصدرت السلطات الاتحادية في أديس أبابا، مذكرات اعتقال بحق 76 من كبار ضباط الجيش، بتهم الخيانة لصلاتهم بزعماء منطقة تيجراي، فيما قررت أيضًا نزع سلاح قوات حفظ سلام ينتمون إلى إقليم تيجراي ويعملون ضمن البعثة الأممية في الصومال.
واتهم قائد الجيش الإثيوبي، الجنرال «برهانو جولا»، مدير منظمة الصحة العالمية، الإثيوبي «تيدروس أدهانوم غيبريسوس»، بدعم جبهة تحرير تيجراي. وقال «جولا» إن غيبريسوس التيجراني «لم يدَّخر جهدًا» لدعم الجبهة ومساعدتها في الحصول على أسلحة.
مخاوف من حرب إقليمية
تضع الحرب في إقليم تيجراي منطقة القرن الإفريقي على المحك، وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بقوله إن استقرار إثيوبيا مهم لمنطقة القرن الإفريقي بالكامل.
يمتلك إقليم تيجراي حدودًا طويلة مع إريتريا، وتاريخًا طويلًا من العداء المُخضَّب بالدماء، وفي نفس الوقت تعد سلطات أسمرة حليفًا وثيقًا لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بعدما وقَّعا اتفاق سلام أفضى إلى حصول أحمد على جائزة نوبل للسلام عام 2019.
واتهمت «جبهة تحرير شعب تيجراي»، إريتريا، بمهاجمة أراضيها دعمًا لآبي أحمد، وأعلنت قصف مطار العاصمة أسمرة ردًّا على ذلك، وهو ما قد يجر إريتريا بين عشية وضحاها إلى الحرب.
وتهدد الحرب في إثيوبيا جهود الاستقرار في الصومال بشكل مباشر. حيث تمتلك أديس أبابا 4 آلاف من أصل 17 ألف جندي تحت إمرة الاتحاد الإفريقي في الصومال، لمواجهة «حركة الشباب المجاهدين»، كما أن لها حوالي 15 ألف جندي إضافي في الصومال بترتيبات ثنائية، وهذا العدد يفوق نظيره من أي دولة أخرى.
لكن اندلاع أعمال العنف في منطقة تيجراي أجبر أديس أبابا على تقليص التزاماتها الخارجية. ففي الأسبوع الماضي، سُحب حوالي 3 آلاف جندي إثيوبي منتشرين في الصومال، لدعم حملة الحكومة ضد جبهة تحرير تيجراي، فضلًا عن نزع إثيوبيا سلاح نحو 300 جندي من إقليم تيجراي، ضمن قوات حفظ السلام بالصومال.