«عروس يافا»: كيف أعلنت دلال المغربي تل أبيب دولة فلسطينية؟
هكذا كانت وصية دلال المغربي أو «عروس يافا» كما يُلقّبها الفلسطينيون، التي تشبعت بحب الوطن، وكرَّست حياتها من أجل أن تراه حرًا أبيًا، ففي مثل هذا اليوم من 38 عامًا، قامت دلال بعملية ضد الاحتلال أرادت أن تلقنه من خلالها درسًا موجعًا بضربه في عقر داره المزعوم، لتكتب بدمها صفحة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
إعداد مبكر
وُلدت دلال المغربي عام 1958، في مخيم اللاجئين «صبرا» القريب من بيروت، والدتها لبنانية ووالدها فلسطيني، قد لجأ إلى لبنان في أعقاب نكبة 1948، وقد تلقت دلال دراستها الابتدائية في مدرسة «يعبد»، ودرست الإعدادية في مدرسة «حيفا»، وكلتا المدرستين تابعتين لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.
والتحقت دلال بالحركة الفدائية في وقت مبكر من عمرها، فكانت لاتزال على مقاعد الدراسة، حتى دخلت عدة دورات عسكرية وتدربت على مختلف أنواع الأسلحة وحرب العصابات وعُرفت بجرأتها وحماسها الثوري والوطني، كما تؤكد شقيقتها أنه في العام 1975، كان عُمر دلال أربعة عشر عامًا، وتمت خطبتها لأحد المناضلين الفلسطينيين، ولكنه تركها لأنه عارض عملها القتالي، وبعد انفصالها تابعت دلال مسيرتها القتالية وبقيت لمدة عشرة شهور في معسكرات التدريب على عمليات القوات الخاصة.وقد كانت دلال تعود إلى منزلها بعد التدريب في المعسكرات، باللباس المدني، حيث لم يكن أحد في المنزل يعرف عن تطوعها في هذا الميدان العسكري، ولما كان والدها متطوعًا في الهلال الأحمر، أرادت دلال أن تتطوع هي الأخرى كممرضة هناك، لتفانيها الشديد في حب الوطن وسلك كل السبل لخدمته، وقد وافقوا في الهلال الأحمر على انضمام دلال إليه، برغم صغر سنها. وعندما انتهت فترة التدريب أصبحت ممرضة، وكان ذلك في عام 1973 أي قبل الحرب، وكان أهلها يعتقدون أنها في الهلال، ولكنها كانت تذهب إلى المعسكرات للتدريب هناك، إلى جانب عملها في الهلال، ولم تظهر دلال بلباس عسكري إطلاقًا، لذلك صُدم الجميع عندما قامت بعمليتها الشهيرة، فهي لم تكشف عن جانبها العسكري إلا لشقيقتها.وقد كان عام 1978، عامًا سيئًا على الثورة الفلسطينية، فقد أصيبت بعدة ضربات وفشلت لها عدة عمليات عسكرية، وعُرِّضت المخيمات الفلسطينية في لبنان لمذابح، وهو ما جعل دلال تتمسك أكثر بالمقاومة، نظرًا لما يقوم به العدو من أعمال وحشية تجاه بني جلدتها، وأصبح هناك ضرورة ملحة للقيام بعملية نوعية وجريئة لضرب إسرائيل في قلب عاصمتها فكانت عملية «كمال العدوان»، التي قادتها الفدائية دلال المغربي.
العملية بين «عدوان» و«الوزير»
سُميت العملية الفدائية، التي قامت بها دلال المغربي، وبعض الفدائيين، باسم عملية الشهيد «كمال عدوان»، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد أبرز قادتها، ومسئول ما يُعرف بالقطاع الغربي، وهو الجهاز الذي يُشرف على المقاومة في الأراضي المحتلة في بيروت، وقد اغتالت القوات الصهيونية كمال عدوان، في عملية عُرفت بـ «الفردان»، هو ومجموعة أخرى من المقاومين، حيث كان وزير دفاع الاحتلال السابق «إيهود باراك» حينها رئيسًا للفرقة التي تسللت آنذاك إلى بيروت مُتخفيًا في زي امرأة وقتلهم جميعًا في بيوتهم في حي الفرداني بشارع السادات بالعاصمة اللبنانية، فسُميت العملية التي قامت بها دلال باسمه تكريمًا له.
وقد وضع خطة العملية «خليل الوزير» المعروف بـ «أبو جهاد»، وهو الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وقد كانت العملية تقوم على أساس القيام بإنزال الفدائيين على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست الإسرائيلي، للضغط على الاحتلال لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين.
دلال قائد مجموعة «دير ياسين»
وأد العملية والتمثيل بجثة دلال
وقد حاولت دلال أن تهدىء من روع الرهائن فخاطبتهم دلال قائلة «نحن لا نريد قتلكم نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر»، ثم أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين وقبلته بكل خشوع ثم علقته داخل الأتوبيس وهي تردد «بلادي… بلادي لك حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود إليك لابد أن نعود». وبعد ساعتين من النزول على الشاطئ وبسبب كثرة الإصابات في صفوف الجنود وبعد أن أصبحت دلال على مشارف تل أبيب، كلّفت الحكومة الإسرائيلية فرقة خاصة من الجيش يقودها ايهود باراك بإيقاف الحافلة وقتل واعتقال ركابها من الفدائيين، وبالفعل قامت وحدات كبيرة من الدبابات وطائرات الهليوكوبتر برئاسة باراك بملاحقة الأتوبيس إلى أن تم إيقافه، وتعطيله قرب مستعمرة «هرتسليا» وهناك اندلعت معركة شرسة بين دلال والقوات الإسرائيلية.
وقد كانت قوات الاحتلال أثناء هذا المشهد تُطلق قذائفها بكثافة، وظهر للمجموعة أن الوضع أخذ يزداد سوءًا خاصة وأن دلال أصيبت إصابة بالغة، واستغل باراك انتهاء ذخيرة دلال وفرقتها، وأمر بقتل الجميع بالرشاشات فاستشهدت المجموعة باستثناء واحد وقع قي الأسر متأثرًا بجراحه. فأقبلت قوات الاحتلال على الأسير الجريح تسأله عن قائد المجموعة فأشار بيده إلى دلال، فلم يصدق ايهود باراك أن كل هذه العملية تقوم بها هذه الفتاة الصغيرة، بنت العشرين ربيعًا، فأعاد سؤاله على الأسير الجريح يهدده ويتوعده، فكرر الأسير قوله إنها دلال المغربي، فاقبل عليها باراك يشدها من شعرها ويركلها بقدمه، مما يدل على بطولتها وبسالتها التي جعلته لا يتمالك أعصابه ويمثل بجثة إمرأة لا تستطيع أن تحرك ساكنًا.وقد استُشهدت عروس يافا، ومعها فرقتها، بعد أن كبدت جيش الاحتلال حوالي 30 قتيل، وأكثر من 80 جريحًا، حسب ما أعلنته قوات الاحتلال. ومازال جسد الشهيدة دلال المغربي محتجز لدى الاحتلال رغم اتفاقهم مع حزب الله اللبناني في إطار صفقة لتبادل الأسرى تمت في 17 يوليو 2008، تقضي بتسليم كافة أجساد شهداء «مقابر الأرقام»، واشترط حزب الله أن يكون جثمان الشهيدة دلال ضمنها، ولكن فحوص الحمض النووي DNA، أظهرت عدم إعادة الجثمان، وأن الجثث المعادة هي لأربعة شهداء مجهولي الهوية، وليس من بينهم جثة دلال.وبعد، فالتاريخ الفلسطيني زاخر بما قدمته الفدائيات الفلسطينيات من تضحيات من أجل تحرير وطنهن المسلوب، ولا شك أن دلال المغربي بما قدمته، كانت من أبرز اللاتي حفرن بتضحياتهن طريقًا يهتدي به كل من أراد أن يسلك طريق المقاومة.
- هشام ساق الله، "تفاصيل عملية الشهيد كمال عدوان واستشهاد دلال المغربي ورفاقها"، موقع الأيام، 21 نوفمبر 2015.
- "العميدة رشيدة المغربي أخت دلال المغربي"، موقع لها، 16 فبراير 2011.
- أشرف عزوز ورأفت إبراهيم، "نساء واجهن الاحتلال: دلال المغربي قائدة الفدائيين خطفت باص إسرائيلياً … وسناء محيدلى فجرت سيارتها بجنود العدو وغنى لها منير ياضي عيون الشهداء … وليلى خالد الراديكالية السمراء المتخصصة باختطاف الطائرات"، موقع اليوم السابع، 23 يوليه 2014.
- هدير محمود، "دلال المغربي.. عروس يافا"، موقع البديل، 12 مارس 2015.
- لمياء الخلوفي، "تلك حكايتها … دلال المغربي … قصة لن تموت"، موقع وكالة أخبار المرأة، 13 مارس 2013.