نقطة الانهيار: ما وراء مقتل جو كوكس
جاء مقتل النائبة البريطانية جو كوكس في أجواء ملتهبة قبل أيام من الاستفتاء البريطاني على البقاء في الاتحاد الأوربي من عدمه، وفي ظل اشتداد الحملات المؤيدة والمعارضة في حشد مؤيديها بكافة الطرق، ليعيد إلى الاذهان الاغتيالات السياسية لأعضاء البرلمان والتي كان آخرها في بريطانيا عام 1990 مقتل النائب أيان جو. يربط البعض هذا الحدث مع الصعود المتزايد لليمين المتطرف وانتشار أفكاره في المجتمعات الأوربية بينما يرى آخرون أنه حادثة قتل بواسطة شخص غير متزن عقليا – طبقًا لبعض التقارير – ومن ثم فلا حاجة لتحميله ما لا صلة له به.
من هي جو كوكس؟
جو كوكس ولدت عام 1974، إحدى نائبات مجلس العموم البريطاني، حملت هذه الصفة بعد انتخابها عن حزب العمال بدائرة باتلي وسبن في انتخابات مايو 2015. درست كوكس العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة كامبردج لتتخرج منها عام 1995، وقبل التحاقها بالعمل السياسي عملت بمنظمة أوكسفام الخيرية وتولت بها مناصب قيادية والتقت خلال ذلك باللاجئين والمهمّشين في كلٍّ من أفغانستان ودارفور، عملت كمستشارة سياسية لعضو البرلمان جون والي، ثم كمستشارة أيضا لعضو البرلمان الأوربي جلينس كينوك، ثم ترشحت عن دائرة باتلي وسين ونالت مقعدها بنسبة بلغت 43.3 % من الأصوات.تعد كوكس من أكبر المهتمين بالأزمة السورية ومن أشد الداعمين للاجئين السوريين،حيث كانت تؤمن بأنه يمكن أن يكون للأداة العسكرية البريطانية دور أخلاقي في سوريا عن طريق إنشاء مناطق آمنة للمدنيين، كما كانت من بين 5 أعضاء من حزب العمال امتنعوا عن التصويت عند طرح تدخل عسكري بريطاني بسوريا، معلنة امتعاضها من عدم شمول القرار على ما يدين بشار الأسد وبراميله المتفجرة. ساهمت في تشكيل لجنة من البرلمانيين الإنجليز تحت اسم «أصدقاء سوريا» وترأستها، كما وصفتها جريدة الإندبندنت يوم مقتلها بأنها تقاتل بلا كلل في سبيل اللاجئين. هي أيضا من داعمي مجموعة أصدقاء فلسطين والشرق الأوسط البرلمانية، إضافة إلى دعوتها مرارًا وتكرارًا إلى رفع الحصار عن غزة.
كيف قتلت جو كوكس ؟
عند خروجها من سيارتها إلى مكتبة عامة لحضور إحدى الفعاليات بدائرتها الانتخابية تمكن رجل خمسيني مسلح بسلاح ناري وسكين من إطلاق النار عليها وطعنها عدة طعنات أودت بحياتها بعد ساعات من الهجوم.نقلت بعض التقارير الإعلامية أن المهاجم صاح «بريطانيا أولًا» وهو يهاجم كوكس، الأمر الذي استدعى الحزب اليميني المتطرف الذي يحمل نفس الاسم «بريطانيا أولًا» أن يصدر بيانًا ينفي فيه تمامًا أي صلة له بالحادث. يُذكر أن المتهم الأول في حادثة القتل هو توماس مير يبلغ من العمر 52 عامًا، يميني متطرف له علاقات بإحدى جماعات النازية الجديدة تدعى التحالف الوطني وتتواجد بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأمريكية.
تأثيرات الحدث: للاستفتاء على الاتحاد الأوربي نصيب الأسد
كان للحادث صدى كبير في المعركة السياسية الدائرة بين مؤيدي البقاء وداعمي الخروج، فبينما صرح بعض مؤيدي البقاء بأن الحادث نتيجة مباشرة لخطاب «الكراهية» و«الانقسام» جاءت تصريحات داعمي الخروج تنتقد بشدة ما اعتبرته التوظيف السياسي من قبل مؤيدي البقاء للحادث من أجل حشد مزيد من الأصوات لصالحهم، لعل أبرز هذه التصريحات هي توتيتة أحد أعضاء البرلمان من داعمي الخروج أندرو موريسون والتي وصف فيها موقف مؤيدي البقاء بالمخجل والمهين حيث يستغلون الحادث للحصول على مكاسب حزبية.على الصعيد الرسمي أوقفت كلتا الحملتين المؤيدة للخروج والداعمة للبقاء فعالياتهم لمدة 24 ساعة حدادًا على روح كوكس، كما علقت بعض القنوات التفزيونية بعض برامجها التي كانت تناقش الاستفتاء نشاطها. أما رئيس حزب العمال فقد وصف الحادث بأنه هجوم على الديمقراطية مؤكدًا على مسئولية السياسية في عدم الانجرار وراء خطابات الانقسام والكراهية.
يُذكر أن الحادث يأتي في وقت يتقدم فيه داعمي الخروج من الاتحاد الاوربي وفقًا ل 6 استطلاعات رأي من أصل 7 بفارق طفيف عن مؤيدي البقاء، يعول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن يجذب لصالح معسكر البقاء نسبة ال 15 % التي لم تحدد موقفها بعد وهو أمر زادت احتماليته بعد الحادث.على الصعيد الأوربي يفتح الحادث الباب حول التخوفات من سيادة اليمين المتطرف وتغوله إلى جانب احتمالية لجوء بعض عناصره إلى العنف السياسي وهو الأمر الذي أشارت إليه بعض التقارير والتحليلات، بل ذهب البعض بعيدًا ليشبه الحالة التي تعيشها أوربا الآن بالأوضاع السابقة لظهور النازية والفاشية.كما أن الحادث بالتأكيد سيلقي بظلاله على قضية الهجرة الخلافية للغاية بين الأوربيين، إذ جاء الحادث بعد انتشار بوسترات لمجموعات كبيرة من المهاجرين في شكل صفوف وعليها شعار « نقطة الانهيار» Breaking point في هجوم واضح على استقبال المهاجرين واعتبارهم سببًا من أسباب انهيار وشيك، وهو ما استنكرته غالبية أطياف العمل السياسي البريطاني. كما أن مسألة الهجرة تعتبر هي الركيزة الرئيسية التي يعتمد عليها اليمين في الحشد سواء في معركة الاستفتاء البريطانية أو في غيرها من المعارك الانتخابية، على الرغم من تواتر التقارير التي تشير إلى المزايا الاقتصادية الضخمة التي منحها المهاجرون للاقتصاديات الأوربية خصوصا مع غلبة كبار السن على الطابع السكاني.