دورتموند 2-2 ريال مدريد: في الطريق إلى كارديف
في تحليل نشرته مجلة «442» عقب مباراة «زيدان» الأولى أمام «ديبورتيفو»، عدّد «ثور هوجشتاد» ما ظنه أبرز ملامح الـ«ميرينجي» التكتيكية تحت قيادته؛ الهجوم الضاري، تحرير ظهيري الطرف، عودة «إيسكو» لقيادة اللعب من الوسط، تألق الـ«بي بي سي»، وأخيرًا مشاكل العمق في الدفاع والهجوم على حدٍ سواء؛ أي بإختصار كل ما لم يكن متوافرًا تحت قيادة «بينيتيث».
بالطبع تغير كل ذلك فيما بعد، وربما كان «هوجشتاد» ليغير رأيه كثيرًا إذا تسنى له مشاهدة مباراة «دورتموند» بالأمس.
المباراة الـ35 لـ«زيزو» لم تحمل الكثير من المفاجآت عن المباريات السابقة ولكنها بالتأكيد اختلفت تمامًا عن بدايته؛ التحفظ المعتاد أمام أي خصم خطر أو جديد، مزيد من المهام الدفاعية للجميع وبالأخص ظهيري الطرف، غياب «إيسكو»، استمرار المشاكل في العمق، لكن ظل تألق الـ«بي بي سي» على حاله كما هو، الجديد كان أنه لم يعد هناك مناص من الإقرار أن «زيدان» ليس إلا نسخة تكتيكية أقل خبرة من «بينيتيث».
من قال أن التكتيك هو كل شيء؟ أي مدرب مخضرم سيخبرك أن دوره لا يتخطى 40-50% في أفضل الحالات، من قال إن «اللاعبين هم من يفوزون بالمباريات»؟ لم يكن أحد مدربي الدرجة الثانية المغمورين، بل «بريان كلوف» الثوري أحد أفضل مدربي عصره إن لم يكن أفضلهم.
نفس الـ4231 التي اشتهر بها «رافا» منذ ثنائية «ماتشيرانو» – «ألونسو» في «الأنفيلد»، نفس الرغبة في تحويل «بيل» و«رونالدو» للاعبي وسط بدلًا من أجنحة، لكن «ريال» آخر ونتائج مختلفة تمامًا؛ لأن مشكلة «بينيتث» لم تكن تكتيكية بل أنه لم يحظَ بالاحترام الكافي لإجبار اللاعبين على اتباع تعليماته، ناهيك عما يلزم لإبعاد أصابع «بيريث» عن التشكيلة.
لن تجد مدربًا واحدًا في العالم يضع خطة شبيهة بالـ5-0-5 المميزة لحقبة «بينيتيث»، لكنك ستجد عشرات اللاعبين على استعداد لتنفيذها للإطاحة بمدرب غير مرغوب فيه.
لعبة غير عادلة
الفكرة أن «بينيتيث» بنى فلسفته كاملة على تحويل مجموعة من اللاعبين المتوسطين أو الجيدين لفريق عظيم، في البداية مع «فالنسيا» مطلع الألفية ثم مع «ليفربول»، والإجابة المنطقية التي تطرأ لذهن أي مدرب في تلك الحالة هي تضييق المساحات قدر المستطاع، وهو ما أنجزه الـ«بيج بن» بالفعل مع فرقه السابقة ليعظم إمكانياتها.
ضع الخلطة السابقة مع إمكانيات الـ«ميرينجي» الحالية؛ مجرد استبدال «كاوت» بـ«بيل» يثير الخيال، ثم أضف لما سبق دكة بدلاء تضم «بيبي»، «إيسكو»، «كوفاتيتش»، «موراتا» و«فاثكيث» بغض النظر عن «كازيميرو» و«مارسيلو» المصابين؛ لتدرك أن المواجهة لم تكن عادلة أبدًا لـ«دورتموند».
في الواقع، لن تكون عادلة لأي فريق يواجهه «ريال زيدان»؛ لأن مرتدات يقودها «رونالدو» و«بيل» و«بنزيما» في المساحات يمكنها أن تثمر عن هدف كل مرة تقريبًا.
الخريطة الحرارية لظهيري طرف الميرينجي تظهر تحفظًا كبيرًا لثنائي الريال كارباخال ودانيللو مقابل تمركز متوسط لكل من بيشيك وشميلتزر – نقلًا عن www.whoscored.com
خلفية زيدان
كل ما سبق قد يبدو للوهلة الأولى سببًا لابتعاد الـ«ميرينجي» عن سباق البطولة، مع كل الذكريات السيئة التي يحملها الفريق ومشجعوه عن حقبة «رافا»، لكنه قد يكون سببًا في وصول الملكي للنهائي الثالث في 4 سنوات.
سلاح «زيزو» ذو الحدين هو أنه يأتي بلا تفضيلات من أي نوع؛ لا فلسفة واضحة تقود تكتيكه، لا مدرسة معينة ينتمي لها، حتى خبرته المحدودة مع الـ«كاستيا» شهدت الكثير من المعاناة على أرضه في المباريات التي ينكمش فيها خصومه، بينما يتغير الحال 180 درجة في أي مباراة تشهد وضعًا معكوسًا خارج الـ«بريستين».
النتيجة هي مدرب يسعى فقط لما سيحقق له الفوز، متجاهلًا أعباء تقاليد كرة الـ«ميرينجي» الهجومية الكاسحة عبر العصور، بلا أي ضغوط من أي نوع لأن البديل يعني المزيد من التغييرات، والتغييرات قد تأتي بـ«بينيتيث» آخر.
في القلب من كل ذلك يقع «لوكا» رجل «زيدان» الأول، اللاعب الوحيد تقريبًا الذي يمكنه تهديد مسيرة الفريق في أي بطولة حال غيابه.
حلم توخيل
بدلًا من إشراك «شورلة» من البداية قرر الألماني الشاب الدفع بالظهير الأيسر «جيريرو» في مركز أكثر تقدمًا اتقاءً لشر «بيل» على الجهة اليمنى؛ ما أتى بنتيجة عكسية تمامًا. البرتغالي لم يساند فريقه هجومًا أو دفاعًا، ولولا لقطة الهدف المحظوظة لما تذكره أحد من الأصل، وجود «جيريرو» لم يمنح «توخيل» العمق المطلوب وحرمه من جناح فعال في الاختراقات مثل «ديمبليه»؛ ليحصل البرتغالي ورفيقه «شميلتزر» على أسوأ تقييمين بين لاعبي الفريقين.
خدعة «توخيل» الصغيرة أفسدت طريقة عمل الخط الأمامي؛ لأن «جيريرو» اختار التموقع في العمق ما بين خط دفاع الـ«ريال» وخط وسطه مسهلًا على الجميع مهمة مراقبته، بالإضافة لأنه منح مدربه آخر شيء يحتاجه وهو مزيد من الزحام بجانب «كاسترو» و«جوتزة» في العمق بدلًا من انتشار عرضي يفتح دفاع الـ«ميرينجي» على مصراعيه.
«توخيل» غيّر كثيرًا في طريقة لعب «دورتموند» بعد خلافته لـ«كلوب»، وبات تكتيك الفريق أكثر اعتمادًا على الاستحواذ والسيطرة على مجريات الأمور بدلًا من «جيجن بريسينج كلوب» السريع المرهق؛ لكن بطء ارتداد «فايجل» و«كاسترو» جعل مهمة الـ«ريال» السهلة في المرتدات أكثر سهولة، وفشل «ديمبليه» و«جيريرو» في إتمام أي تحركات قطرية عطل طرفي «دورتموند» تمامًا في منطقة العمليات، بالطبع لم يتأخر «زيدان» ومنح «توخيل» ما أراده؛ الكرة.
الغريب أن لقاءً عامرًا بالتناقضات لم يمنحنا سوى التعادل. بطل أوروبا دافع، والرجل الذي فشل في كل مواجهاته الكبرى داخل وخارج ألمانيا هاجم بضراوة، وعلى الأرجح سيكون هذا هو سبب وصول «زيزو» لمراحل متقدمة في كل بطولات خروج المغلوب على الأقل، فقط تخيل مزيدًا من التطور ومزيدًا من المرتدات بقيادة الـ«بي بي سي» حتى على أعتى الدفاعات. مفتاح المباراة كان حاجة «توخيل» لإثبات جدارته على الساحة الأوروبية، لحسن الحظ فإن لقب الحادي عشر لم يدفع «زيدان» لفعل المثل.