تفجير السفارة المصرية بباكستان كما لم يروه «أبو عمر المصري»

مع اقتراب انتهاء الماراثون الدرامي في رمضان، تتزاحم الأحداث لتقلب الماضي على الحاضر في رؤية ليست بجديدة عن المستقبل القريب، ذلك التزاحم ينتج تاريخًا مشوهًا للماضي لحساب الحاضر المعقد والمستقبل المجهول، إرضاءً للسياسات التوجيهية التي تديرها من خلف الستائر الأجهزة السيادية.

«أبو عمر المصري» أحد أبرز الأعمال الدرامية خلال الموسم الحالي الذي أثار العديد من الجدل حول مضمونه وروايته، وأحد أكثر الأعمال متابعة، أعاد إلى الأذهان تفاصيل ذكرى تفجير السفارة المصرية في إسلام آباد بباكستان في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1995، والذي تبناه تنظيم الجهاد التابع للقاعدة.

ورغم تأكيد العمل الدرامي أن أحداثه وشخصياته هي محض خيال لا تمت للواقع بصلة، فإن الحلقة الثامنة عشرة ركزت بشكل أساسي على أحداث حقيقية فارقة مثل تفجير السفارة المصرية في باكستان. غير أن الحبكة الدرامية الهشة للحادثة أضيف إليها خطأ توثيقي لتاريخ الهجوم، قد يراه البعض خطأً عاديًا أو بسيطًا، لكن الهجوم لم يكن بالأمر الهين لمثل هذا الخطأ، فهو نقطة التحول الأساسية في تاريخ الجهاد المعاصر كما ترويه التفاصيل الآتية.

كيف حدث الهجوم؟ومن نفذه؟

الثواني المعدودة لتلك المشاهد في العمل الدرامي تكاد تقترب من واقع ما حدث في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني من 1995. الهجوم على السفارة المصرية كان الأول من نوعه ضد منشآت دبلوماسية في باكستان، وقد أفضى إلى مقتل 15 شخصًا من بينهم القنصل المصري وإصابة نحو 60 شخصًا بعد أن اقتحمت سيارة مفخخة مدخل السفارة.

بادرت حركة الجهاد التابعة للقاعدة إلى تبني الهجوم، بينما أوضح الظواهري أن منفذي العملية هما عنصران من جماعته قائلًا إنهما يمثلان: «جيلًا من المجاهدين قرر أن يضحي بنفسه وماله في سبيل الله».

بينما يتحدث العميل المزدوج «عمر ناصري» في مذكراته المعنونة بـ «من داخل الجهاد العالمي» عن تفاصيل تفجير السفارة المصرية من داخل معسكرات القاعدة، فيقول إنه قد عمت وتزاحمت معسكرات القاعدة في دراونتا وخلدن بالتكبير والتهليل في أعقاب تنفيذ الهجوم. مشيرًا إلى أن خبير المتفجرات أو ما يعرف بكيميائي القاعدة أبو خباب كان مهندس الهجوم.

أشرف أبو خباب بنفسه على اختيار شخصين انتحاريين لتنفيذ الهجوم، كما أنه وضع خطة التنفيذ التي تقضي بتفجير سيارتين إحداهما لجذب الانتباه عند مدخل السفارة في حين تتسلل الأخرى إلى عمق المجمع لتنفجر بداخله محدثةً أكبر قدر من التدمير، في تلك الأثناء تواردت الاتهامات إلى القيادي أحمد سعيد خضر الذي قُتل في عام 2003 بدعم وتمويل الهجوم على السفارة.

الحبكة الدرامية رغم هشاشتها لم تبتعد عن الرواية الرسمية أو رواية العميل المزدوج ومع ذلك فإن محاولات التركيز على توجيه الرسالة بدلًا من الحقائق التاريخية أسقط العمل الدرامي في مغالطة تاريخية عندما انتهى المشهد بأن تاريخ الحادثة كان في ديسمبر/ كانون الأول 1996 بدلًا من نوفمبر/ تشرين الثاني 1995.

عبد المأمور: لماذا السفارة المصرية تحديدا؟

التركيز على حادثة تفجير السفارة بباكستان في العمل الدرامي، يتوافق مع الأهمية التاريخية للهجوم كنقطة تحول كبرى في مسيرة تنظيم القاعدة والجهاد وتأسيس مرحلة جديدة لتعامل التنظيم مع السلطة الحاكمة في مصر. قضايا عدة أثارها الهجوم كونه الأول الذي يستهدف منشآت دبلوماسية في باكستان، لكن لماذا استهدفت السفارة المصرية دون غيرها بالرغم من احتدام الصراع بين القاعدة والولايات المتحدة آنذاك؟

ما لم يستطع أبو عمر المصري البوح عنه في مبررات تنفيذ الهجوم، أبرزه الظواهري في كتابه «شفاء صدور المؤمنين» الصادر لبيان الأسس الشرعية لتنفيذ الهجوم من قبل القاعدة ، فالعملية الاستشهادية كما يراها منظر القاعدة لم تكن لنسف السفارة فقط ولكنها لنسف قيم وعقائد فاسدة نشرها النظام منها عبد المأمور.

سعى الظواهري إلى إيجاد تبرير أخلاقي وديني لقتل المصريين في الحادث، في حين صب غضبه على رجال الخارجية فهم ينفذون سياسات الحكومة الخارجية في مساندة الحكومات المعادية للإسلام والقيام بالمطاردات الأمنية ضد المجاهدين – على حد زعمه – وإعلانهم توقف الجهاد في أفغانستان وهو ما يعني نزع الشرعية الدينية والسياسية عن أعمال المجاهدين في أفغانستان آنذاك.

منْع حكم الإسلام وفرض الدستور العلماني والقوانين الوضعية وفتح أبواب السجون التي مُلئت بالإسلاميين كانت أبرز المبررات التي ساقها الظواهري لتبرير تكفير النظام المصري ووجوب قتاله واستهداف مؤسساته.

مثّل تفجير السفارة نقطة التحول الرئيسية في توجه القاعدة نحو المزاوجة بين استهداف العدو القريب والعدو البعيد، وشرعنة العمليات الانتحارية من باب إجازة إتلاف النفس للمصلحة العامة، كما أرست لحجج جواز استهداف الكفار إذا اختلط بهم من لا يجوز استهدافه أو قتله من المسلمين وغيرهم، وهي الأسس التي شرعت للتحول الاستراتيجي في فكر ومنهاج القاعدة فيما بعد.