لغة الجسد: إيماءات تكشف هوية بطل الدوري الإنجليزي
قبل نحو شهرٍ من خوضه غمار نهائي سباق 100 متر بأولمبياد «ريو دي جانيرو»، وأثناء استعداداته للبطولة في جامايكا، تعرَّض العدَّاء الجامايكي «يوسين بولت» لإصابة بأوتار الركبة، جعلت مسألة حصده للذهب الأولمبي محل شك.
في نصف النهائي، بدأت ملامح ثقة بولت المعتادة في الظهور؛ حين قرر أن يتراخى في آخر أمتار السباق، وكأنه يخبر منافسيه: سأفوز بالسباق وكأنه حصة تدريبية.
قبل انطلاق النهائي بدقائق، كانت رسالة بولت قد وصلت بالفعل؛ يدخل المضمار واثقًا، يوزِّع الابتسامات على الجماهير، يُداعب عدسات الكاميرات، في مشهد يوحي بأنه قد فاز بالميدالية الذهبية بالفعل، حتى قبل أن يبدأ السباق.
بغض النظر عن تفرُّد بولت، كان هذا هو حجم الضغط الذي أزاحه أسرع رجل بالعالم من على أوتار ركبتيه ووجهه نحو كاهل منافسه الأمريكي «جاستن جاتلين»، الذي وجد نفسه خاسرًا قبل أن يخسر.
ومن العدو لرياضة أكثر تعقيدًا مثل كرة القدم، هل يمكن أن تخبرنا بعض الإيماءات بهوية الفائز؟
اللغة التي يتقنها الجميع
لطالما شدد اللاعبون والمدربون والنقاد على كون كرة القدم لغة عالمية، يمكن للجميع فهمها. فمن السهل جدًّا أن يلتقط لاعب لاتيني المغزى من إشارة زميله العربي داخل الملعب، حتى وإن حال بينهما حاجز اللغة. لكن الإشارات على اختلافها قد لا تستطيع إيصال المشاعر للطرف الآخر، سواء كان منافسًا أو زميلًا. وهنا يأتي دور لغة الجسد.
في كتابه، «رسائل صامتة»، يخبرنا «ألبرت مهرابيان»، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، أن لغة الجسد مسئولة عن إيصال نحو 55% من معنى المعلومات التي نريد إرسالها للمتلقي، في حين أن نبرة الصوت ومحتوى الحديث مجتمعين يمثلان نسبة الـ 45% المتبقية.
تبدو الفكرة منطقية. عادة يحاول الإنسان أثناء أدائه لأي مهمة كبت مشاعره وانفعالاته، من أجل توفير طاقته للتركيز على إنهائها بشكل مثالي. لكن المثير أن جسد الإنسان لا يرضخ لهذه المحاولات في معظم الحالات، ليقوم بفضح مشاعره بشكلٍ غير واعٍ.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، نشر الباحثان «فيليب فيرلي» و«جيوفري شفايزر» دراسة بعنوان «التعبير عن الفوز والخسارة: توقُّع هوية المتقدِّم والمتأخر في الرياضة عن طريق الإشارات غير اللفظية». خلال هذه الدراسة نجح الباحثان في تقديم أدلة على إمكانية تحديد الفريق الفائز أو الخاسر عن طريق لغة الجسد فقط.
لضبط التجربة، قام الباحثان بعرض مقاطع تلفزيونية على مجموعة من المشاركين، مع حجب لأوجه اللاعبين حتى يُحرم المشاركون في التجربة من رؤية تعابير وجوه اللاعبين. ومع ذلك، نجح 90% من المشاركين في تحديد هوية الفائز أو الخاسر، عن طريق مراقبة وضعية أكتاف وصدور اللاعبين فقط لا غير.
البيضة أم الدجاجة؟
كان التصريح أعلاه آخر ما قاله المدرب الإسباني في المؤتمر الصحفي بعد التعادل مع إيفرتون بالجولة الـ 18 من موسم 2022/2023، والذي أثار عدة تساؤلات حول تأثير لغة جسد اللاعبين على اختيارات المدير الفني.
يعتقد دان أبراهامز، عالم النفس الرياضي، أن لغة جسد اللاعبين يمكن أن تعمل كمجموعة من البيانات الإضافية التي تساعد المدرب على فهم سلوكيات لاعبيه داخل أرض الملعب بشكل أعمق، أو بمعنى أوضح الكشف عن مستويات ثقة اللاعبين في أنفسهم.
وفقًا للإسباني بيب كلوتيت، مدرب بريمنجهام سيتي الإنجليزي السابق، يهتم جوارديولا منذ أن كان مدربًا لبرشلونة بالجزء الاجتماعي العاطفي في التدريبات، والذي يتمثَّل في تحليل تأثير الحمل البدني للتدريبات على مزاج اللاعبين، وكيفية تأثير مزاج اللاعب على العمل الذي يقوم به على أرض الملعب، وعلاقته بمستوى الفريق ككل.
هذه الملاحظات قد تفسر حقيقة استبعاد جوارديولا أو غيره من المدربين لبعض الأسماء من تشكيلاتهم الأساسية بشرط امتلاكهم للاعبين آخرين بنفس الجودة.
يرى بودين أن أحد أبرز علامات لغة الجسد السليمة – الثقة بالنفس – هي محاولة تضخيم «نقاط القتل»: وهي نقاط ضعف الإنسان مثل منطقة الرقبة، الصدر، البطن والفخذين. ومع ذلك، قد تتعارض هذه النظرية مع سمات بعض اللاعبين المتفردين، الذين يمتلكون لغة جسد سيئة في العموم، ولعل أبرزهم الأرجنتيني «ليونيل ميسي».
بطل البريميير ليج
السؤال الآن هو هل يمكننا توقُّع هوية بطل الدوري الإنجليزي الممتاز باستخدام لغة الجسد؟
بالعودة مرة أخيرة لخبراء لغة الجسد، يُعتقد أن ارتفاع معدلات الثقة بالنفس مرتبطة بشكل وثيق باستمرار الفريق في الزحف نحو الهجوم وصناعة الفرص، والأهم القيام بتدخلات دفاعية ناجحة. وكلما راكم الفريق أرقامًا إيجابية بهذه المساحات، كانت احتمالية فوزه بالمباريات أكبر.
كما توقعت، حسب موقع «Fbref»، يبدو أرسنال جيدًا جدًّا مقارنةً بمنافسيه في موسم 2022/2023؛ حيث يصنع فرصًا أقل بقليل من ملاحقه مانشستر سيتي، لكنه يتفوّق بشكل واضح من حيث التدخلات الدفاعية الناجحة.
في تحليله لمشاكل لغة الجسد الخاصة بفريق ليفربول أثناء مباراة الريدز ضد برايتون بكأس إنجلترا، أشار النرويجي«جير جورديت»، عالم النفس الرياضي، إلى بعض اللقطات التي أظهرت عدم ثقة بعض اللاعبين في تحقيق الفوز، والتي انتشرت – حسب وصفه – كالعدوى بين عناصر الفريق مع مرور الوقت.
امتدت هذه العدوى حتى وصلت ليورجن كلوب، المدير الفني للفريق نفسه، الذي أظهر ردات فعله سلبية عكس المعتاد عليه من الألماني، الذي لطالما امتلك ردات فعل غاضبة على أخطاء لاعبيه.
يقودنا ذلك للقطة توبيخ «أوديجارد»، قائد أرسنال، لزميله «لوكونجا» بمباراة مانشستر سيتي بالدور الرابع من كأس إنجلترا موسم 2022/2023، حين تراخى عن تغطية المساحة الشاغرة بمنتصف الملعب، وتكمن أهمية هذه اللقطة في كونها تعبيرًا غاضبًا عن ملاحظة خلل ما أثناء سير المباراة. وهو ما يعني أن اللاعبين نشيطون ذهنيًّا، حتى ولو انتهت المباراة بالخسارة في نهاية المطاف.
حقيقة، حتى الآن لم تتم دراسة الأثر الناتج عن لغة الجسد الإيجابية على الخصم في لعبة كرة القدم إلا في مساحة محدودة مثل ركلات الجزاء أو الترجيح، والتي ثبت أنها تلعب دورًا في رفع احتمالية نجاح صاحب لغة الجسد الإيجابية في القيام بمهمته، سواء بالتسجيل أو التصدي.
ربما تبدو مطالبة المدربين للاعبيهم بتحسين لغة أجسادهم فلسفة فارغة بالنسبة للجماهير؛ لأن كرة القدم لعبة محافظة في الأساس، تتجنب التطرُّق لمثل هذه المساحات العلمية المعقدة، على عكس رياضة مثل الكريكيت تولي جماهيرها اهتمامًا بإيماءات اللاعبين، بل تعتبرها مؤشرًا على تقديم اللاعبين لمباريات جيدة أو سيئة قبل أن تبدأ.
حين نصل إلى هذه الدرجة من الاهتمام بهذا الجانب النفسي، يمكننا أن نخبرك وقتئذٍ بهوية بطل الدوري الإنجليزي الممتاز قبل نهايته بشكل فعلي، تمامًا مثلما تعاملت الجماهير مع يوسين بولت كأنه متوج بالذهب الأولمبي قبل أن يخوض سباق النهائي بالفعل.