تكلفة نقل صندوق فيه جثة مصري مات في الغربة هيوضع في مخزن العفش في الطيارة بقى كتير على مصر للطيران… بس مش كتير المئات من التذاكر للفنانين والإعلاميين لروسيا لتشجيع المنتخب وطيارة خاصة للمنتخب… ومش كتير تذاكر مجانية ومخفضة لأعضاء الهيئات العليا… ملايين لرعاية الحفلات الغنائية ومهرجانات السينما ومستخسرين في المغترب تنقلوا صندوقه ببلاش بعد ما دفع دم قلبه تذاكر طول غربته على الطيران الوطني.

هكذا قالت مجموعة من المغتربين المصريين بالخارج خلال بيان تم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتدشين حملة مقاطعة لشركة الطيران الوطنية «مصر للطيران».

وعبر هاشتاجات ‫#‏اركبوها_انتوا و#تكلفة_نقل_صندوق، قال العاملون بالخارج في بيانهم:

نعلن نحن المصريين العاملين بدول الخليج العربي مقاطعة شركة مصر للطيران احتجاجاً على قرار رئيس البرلمان لعدم موافقته على نقل جثامين المغتربين مجانًا وسوء الخدمة. وندعو كل مغتربي مصر حول العالم للمشاركة.

وطالب بعضهم أيضاً بوقف التحويلات بالعملة الصعبة إلى مصر. جاء ذلك عقب تصريح لرئيس البرلمان المصري «علي عبد العال»، قال فيه:

ميزانية نقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج مرهقة ولا يمكن أن تتحملها الدولة… إكرام الميت دفنه… لكن المصريين يتمسكون بالتقاليد ونحرص على الدفن في الوطن وهذا يكلف كثيراً.

تصريح عبد العال كان له أبشع الأثر في نفوس ملايين المصريين المغتربين (12 مليون مصري مغترب على حد تصريحاته) يطالبون منذ سنوات بمجانية إعادة جثامين من يتوفى في الخارج، وكانوا يعولون على مشروع قانون مطروح أمام البرلمان الحالي بهذا الشأن، لكن تصريح رئيس البرلمان جعلهم يفيقون من أحلامهم، لاسيما وأن تصريح عبد العال جاء عقب أيام قليلة من وفاة مصريين في حادث سير بالكويت، وإعلان مصر للطيران «تخفيضاً» بمقدار 50%، بدلاً عن 25% لنقل الجثامين، مما اعتبره المغتربون «عدم تقدير من البلد لأبنائه» مستنكرين عدم إلغاء التكلفة كاملةً على اعتبار أنه «يكفي الأهل مصابهم بفقدان أبنائهم».


قانون حالي لا إنساني

يُنظم قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2615 لسنة 1996 ضوابط وإجراءات نقل جثامين المصريين الذين يُتوفون بالخارج،وينص على أن الدولة تتحمل تكاليف تجهيز ودفن المصري المتوفى بالخارج أو نقل جثمانه لمصر بناء على طلب من أسرته، وأن ذلك يقتصر على الفئات التي يثبت عدم قدرتها المادية، أو عدم كفاية تركة المتوفى لتغطية هذه التكاليف، أو تقديم شهادة من وزارة التضامن الاجتماعي (شهادة إعسار) تفيد فقر ذويه، أو تحيل الأمر لتقدير رئيس البعثة الدبلوماسية أو القنصلية المصرية بالبلد الذي توفي بها المصري.

يقول «أبو عزيز» أحد المصريين العاملين بالمملكة العربية السعودية:

الإجراءات داخل السعودية سهلة وميسرة سواء بالدفن أو الشحن إلى مصر… المشكلة كلها في التعامل مع السفارة المصرية… هي مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى… يتطلب الأمر تحركات عديدة وبال طويل وصبر وأيام من المشاوير وروتين لا يعرف الإنسانية في ظرف صعب كوفاة عزيز في غربة.

كلمات أبو عزيز تلخص معاناته في إنهاء إجراءات شحن أقرب أصدقائه الذي توفي في الرياض قبل أسابيع، وعانى الأمرين حتى تمكن من جمع تكاليف إجراءات الشحن، بمساعدة زملاء ومعارف مصريين. وتُلخص أيضًا مأساة متكررة مع جميع المصريين الذين يُتوفون بالخارج تقريباً؛ التي تجسد مقولة «موت وخراب ديار».

يؤكد كلام أبو عزيز أيضاً ما حدث للشاب عماد فكري أبو زيد الذي توفي أثناء عمله في السعودية يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتقدم والده باستغاثة لرئاسة الجمهورية بسبب «تقاعس المسئولين» عن إنهاء الإجراءات بعد مرور أكثر من 15 يومًا على وفاته، رغم دفع التكاليف كاملةً، حتى وصل جثمانه إلى أرض الوطن يوم 17 يناير/كانون الثاني.

وقد أقرت نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بأن المصريين يعانون في نقل جثامين ذويهم المتوفين في الخارج، خاصة أن الأمر يستلزم تقديم «شهادة إعسار» من وزارة التضامن الاجتماعي من أهل المتوفى تفيد بفقرهم، والتي تحتاج إلى إجراءات معقدة وطويلة لا تتناسب مع فجاعة الحدث، وضرورة التعامل السريع معه.

ومع القليل من البحث، وجدنا أن الدولة قد وقعت بروتوكولًا ثلاثيًا، في مارس/آذار 2017، مع الجمعية الخيرية «مصر الخير» التي يترأسها علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، ووزارة الصحة والسكان ووزارة الخارجية، تتحمل بموجبه الجمعية (مصر الخير) تكاليف استقدام جثامين المصريين المتوفين بالغربة في حال عدم استطاعة ذويهم تحمل التكاليف.

المثير في الأمر أن الوزيرة تباهت بالتعاون مع الجمعية الخيرية، ولفتت إلى أنه جاء بتكليف مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي، نتيجة لشعور القيادة السياسية بهذه المعاناة، وأنه – أي البروتوكول- سيخفف عبئاً ثقيلاً عن ميزانية الدولة في الوقت نفسه. غير أنه في الواقع لم يأت بجديد، إذ تقتصر الجمعية أيضاً على حالات محددة ولا تشمل جميع المصريين المتوفين بالخارج، مما يعني أنها لا تحل المشكلة جذرياً ولم تأت بجديد.

الغريب كذلك أن وزيرة الهجرة أشادت بمبادرة مصر الخير، التي لم تنكر استثناءها نفس الفئات المستثناة من القانون الحالي.


وضع أكثر صعوبة على أرض الواقع

كل ما سبق دفعنا للبحث أكثر عن مصادر حية (مسئولين ومغتربين وناشطين مهتمين بأمر المصريين بالخارج) لاستيضاح حقيقة الوضع على أرض الواقع، وسبب الأزمة، والقصور وراء معاناة المصريين حال وفاة ذويهم بالخارج، وجدوى القانون المعمول به حاليًا خاصةً في ظل عدم كفاية التفاصيل المتاحة عبر الإنترنت، وحيوية القضية وتكرار طرحها في الوقت نفسه.

تواصلنا مع أحد مسئولي القنصلية العامة المصرية بالرياض، وكذا أحد المصريين العاملين بقطاع الشحن في السعودية وعدد من المصريين المقيمين بالمملكة والكويت، فضلوا عدم الإفصاح عن هويتهم.

وحسبما أكدت لنا المصادر، فإن الجاليات المصرية بالخليج تتكفل فيما بينها بجمع تكاليف إنهاء الإجراءات الداخلية والشحن إلى مصر في حال رغب الأهل استعادة جثمان متوفاهم، لكن بشكل سري للغاية إذ تمنع العديد من البلدان وخاصة في الخليج جمع التبرعات دون ترخيص. وفي حالات الوفاة لا يكون الوقت متسعًا للحصول على مثل هذه التراخيص.

وفور وفاة أحد المصريين بالخارج، يتم النشر عبر تجمعات الجالية التي ينتمي لها على واتس آب أو فيسبوك ويتم جمع المال اللازم لدفنه في البلد الذي يعمل به أو إعادة جثمانه حسبما يرغب أهله. وعقب الانتهاء من جمع المال تبدأ معاناة إنهاء الإجراءات بين المستشفى والسفارة المصرية.

https://www.facebook.com/Egyptians.in.erbil/posts/2218794505027218

وأكد منسق عام حملة «إعفاء جمركي لكل مصري مغترب» بالرياض «أحمد الغريب» أن أغلب المتوفين المصريين يتم دفنهم بالخارج لصعوبة الإجراءات وارتفاع تكاليف شحن الجثمان، والتي تتراوح في المملكة مثلاً بين 12 و15 ألف ريال سعودي وربما أكثر.

وأكد لنا مصدر من داخل القنصلية المصرية بالمملكة أن تكاليف شحن الجثمان وحدها تتكلف 8 آلاف ريال، وأن إنهاء الأوراق داخل المشفى السعودي يتطلب 10 أيام في المتوسط وقرابة 5 آلاف ريال، وأن القنصلية تتحمل تكاليف نقل ودفن العمالة البسيطة والمهن المتواضعة بمجرد تقديم طلب للسفارة المصرية هناك دون حاجة لشهادة إعسار، وهو ما نفاه مغتربون، لافتين إلى أن بطء إجراءات السفارة يدفع الكثيرين لجمع التبرعات لإنهاء الأمر بشكل أسرع.

بالنظر إلى ارتفاع تكلفة اليوم الواحد في ثلاجة المستشفى، ومع تأخر وتقاعس مسئولي السفارة ترتفع التكلفة، وقد يصل نظير حفظ الجثة وحده إلى 5 آلاف ريال بخلاف الإجراءات وتكلفة المستشفى نفسها وسعر تذكرة الشحن والضرائب التي قد تكون على المتوفى وغيرها.

ويوضح «محمود شكل» مؤسس حملة «إعفاء جمركي لكل مصري مغترب» أن الخارجية المصرية لا تتدخل لإنهاء إجراءات أو دفع تكاليف المتوفين بالخارج إلا في الحالات التي تثير ضجة عبر السوشيال ميديا، بينما «هناك من 3 إلى 6 مصريين يتوفون يومياً في الغربة، تتولى جالياتهم أو ذووهم إجراءات دفنهم أو شحنهم إلى مصر دون أي دور فعلي للسلطات المصرية ممثلة في الوزارة»، على حد قوله.

ومن الملاحظ أن وزارة الخارجية المصرية تخرج مسرعةً عقب أي وفاة «مثيرة» لمصري بالخارج لتعد بتحمل النفقات وسرعة استقدام الجثمان تهدئةً لغضب المصريين، مثل ضحية الاعتداء العنيف في الكويت، ومؤخراً حارس الأمن المصري المقتول بالسعودية، و الصيدلي المصري الشاب أيضاً الذي قتله سعودي أثناء عمله، لكن شكل يؤكد أن الكفيل أو الشركات التابع لها هؤلاء الضحايا غالباً ما تتحمل جميع التكاليف وتنهي الإجراءات.

https://www.facebook.com/wafdoon.in.kuwait/posts/2131617953591471

ويقول أحد المصريين العاملين بالسعودية:

طالما دعوت إذا كانت وفاتي مقدرة في الغربة أن أموت قتيلاً حتى تنتهي الإجراءات بسرعة.
ويقول آخر من الكويت:

ويلفت شكل إلى أن تكاليف إجراءات وشحن المصريين من أوروبا العالم قد تتخطى 200 ألف جنيه، لذا فغالبية حالات الدفن في مصر تكون من الخليج. أما حالات الاشتباه الجنائي (قتل أو هجرة غير شرعية) فتتدخل السلطات لإعادة الجثامين.


حلول مقترحة تصطدم بمماطلة الدولة

الحكومة تظن أننا نقبض ملايين بسبب سعر الدينار (يعادل 59 جنيهاً مصرياً)، وحتى إذا قتل مصرياً هنا تتركه الدولة ليتحمل التكاليف، بعكس المغتربين المقتولين في بلدان أخرى… فنحن ندفع الكثير للبلد غرامات ورسوم وطيران وتبرعات طول حياتنا وعندما نموت، تستخسر فينا ثمن الرحلة الأخير.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017،تقدمت النائبة غادة عجمي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري، بمشروع قانون، يتكون من 12 مادة، لتنظيم علاج العاملين والمواطنين بالخارج وتجهيز ونقل جثمان المتوفى منهم على نفقة الدولة، وتقضي بنوده بإلغاء القرار المعمول به حالياً، وإنشاء صندوق خاص لإيداع ما يتم تحصيله من رسوم عند السفر، لتُخصص لنقل ودفن جثمان أي مصري يتوفى بالخارج. على أن يكون هذا الرسم 30 جنيهاً، تُدفع لصالح وزارة الخارجية مرة واحدة عند استخراج أو تجديد جواز السفر وليست رسوماً نسبية.

كما اقترح مشروع القانون تحمل تكاليف استقدام ودفن جميع المصريين المتوفين بالخارج «دون تفرقة». ورغم أهمية القضية لم تبدأ مناقشة مشروع القانون إلا يوم الأحد 13 يناير/كانون الثاني 2019، وبعد تصريح رئيس البرلمان يبدو مصير القانون المقترح شبه محسوم.

ويؤكد شكل:

جلسنا مع مسئولي وزارة الخارجية والوزيرة ثلاث مرات وقدمنا حلولًا عديدة تنهي الأزمة من جذورها وكان الرد الدائم (سنفكر… سندرس… سنحاول). ولم يتغير أي شيء… يشعر المصريون في الغربة بأنهم مهمشون وأن بلادهم لا تهتم لأمرهم… الموت قدر لا ننكره لكنه رعب دائم يعيشه المغتربون خشية ما سيلحق بجثمانهم وبذويهم من (بهدلة) حال حدوثه، ورغم ذلك لا يستطيعون العودة لوطنهم في ظل الظروف التي تزداد سوءاً مع ارتفاع الأسعار وعدم وجود وظائف كافية أو رواتب مناسبة.
وأضاف شكل:
نعلم أن ميزانية الدولة لا تحتمل أعباءً إضافية، لكن المغتربين مستعدون للمساعدة ودفع مبلغ مخصص بشكل سنوي أو بآلية مناسبة، بشرط تخصيصه لصندوق يتكفل بدفع كافة تكاليف إنهاء إجراءات دفن أو شحن المصريين حال وفاتهم بالخارج، دون شروط أو استثناء، وبمجرد التقدم بطلب بذلك.
واختتم قائلاً:
إن المقتدر لن ينتظر تحرك الدولة في مثل هذا الموقف الصعب، ويجب أن يعي المسئولون ذلك جيداً… من يلجأ للدولة هو محتاج بالتأكيد، فلا داعي لزيادة معاناتهم.