ذات البيت الأزرق: فريدا كاهلو
إذا لم تسمع اسمها من قبل، فبالتأكيد رأيت وجهها العديد من المرات، المميز بضفائرها السوداء، وحاجبيها الملتصقين، وملابسها المكسيكية الزاهية، فصورها مطبوعة على الملصقات بل حتى الأكواب والقمصان. وثقت الفنانة المكسيكية فريدا كاهلوا أحداث حياتها عبر اللوحات؛ لتجسد الألم والمعاناة، وتكون مثالًا حيًا على ولادة الموهبة من رحم المآسي.
فريدا كاهلو، ولدت في المكسيك، تحديدًا في إحدى ضواحي كويكان في 1907، والدها مهاجر يهودي ألماني، أما والدتها من أصل مكسيكي. قامت فريدا بتغيير تاريخ ميلادها إلى 1910 حتى يتزامن مع تاريخ الثورة المكسيكية، التي اندلعت بعد ولادتها بثلاثة أعوام. عندما كان لديها 6 سنوات أصيبت بشلل الأطفال، فتأذت رجلها اليمنى، مخلفة عوقًا فيها، مما ترك أثرًا نفسيًا كبيرًا عليها، جعلها تحاول إخفاءها بإطالة ملابسها، وارتداء الجوارب الصوفية.
في 1925، تعرضت فريدا لحادث، وهي على متن حافلة أثناء طريقها للبيت، اصطدمت الحافلة بترام، ودخل درابزين من الصلب جسدها ليخترق جسمها من الطرف الآخر، مما جعلها ممددة على ظهرها في الفراش لمدة عام كامل، حاولت والدتها جعلها مستريحة فوضعت لها فراشًا متحركًا، وعلقت مرآة فوقها لتستطيع فريدا رؤية وجهها دائمًا. لم تستسلم فريدا للمرض، فطلبت ريشة وألوانًا لترسم، استمرت في نقل صورتها اليومية، لتبدأ في توثيق مشاعرها وأحداث حياتها عبر الرسم.
كانت فريدا في سن الثامنة عشر، عندما تعرضت لحادث الحافلة، والذي نتج عنه كسر في عظام الحوض والعمود الفقري، وإصابات خطيرة أخرى، مما دفع الأطباء إلى الشك فيما إذا كانت ستبقى على قيد الحياة. وجدت فريدا لوحة ناخبة (أي دينية) موجهة عن حادثة ما، تشبه إلى حد كبير حادثة الحافلة الخاصة بها. كانت بحاجة فقط إلى بعض اللمسات من قبل فريدا لتحولها إلى لوحة تمثل حادثتها الخاصة. أعطت الضحية حاجبيها المتماسكين والمميزين لها، وفي الجزء السفلي أضافت نقشًا يقول:
خلال مسيرة فريدا كفنانة، رسمت 143 لوحة فنية من بينها 55 لوحة ذاتية، سنتعرض إلى أبرزها فيما يلي:
أبرز أعمالها
لوحة «1943 ,Roots»
في هذه اللوحة، ذكرت فريدا إيمانها بأن كل هذه الحياة يمكن أن تنضم في تدفق واحد. تم تصوير فريدا وهي تنبت منها الجذور كأنها نافذة تلد كرمة، ودماؤها تعم الكرمة، وتصل إلى العروق، تغذية للأرض الجافة، حينما كانت تحلم بأن تكون شجرة الحياة.
لوحة «Self-portrait in a Velvet Dress, 1926»
قابلت فريدا الفنان المكسيكي الشهير دييجو ريفيرا في 1927، وأعجبت بفنه، وعقب سنتين تزوجا، بسبب فارق السن والحجم بين فريدا ودييجو، لقبا بالفيل والحمامة. لكن نتيجة لطباعها الصعبة، ولخيانات دييجو تطلقا في عام 1939، ولكنهما تزوجا مرة أخرى في عام 1940، ليستمر الزواج حتى موتهما.
استخدمت اللوحة كرمز للحب لاستعادة المودة من عشيقها، عندما بدأت علاقتهما تتغير. وكتبت رسالة له وعدت فيها بأنها ستكون شخصًا أفضل.
لوحة «The two fridas, 1939»
من أشهر وأهم لوحات فريدا، انتهت منها بعد وقت قصير من طلاقها مع دييجو. نرى شخصيتين مختلفتين لفريدا؛ واحدة ترتدي زيًا مكسيكيًا تقليديًا مع قلبها المكسور، بينما الأخرى تجلس في فستان عصري؛ إعرابًا عن اليأس والوحدة التي تعرضت لها بعد انفصالها عن دييجو. رسمت قلوب الشخصيتين مرئيتين، يقطر دم فريدا اليسرى على ثوبها الأبيض، وكأنه سيظل ينزف حتى الموت، بينما السماء عاصفة بالغيوم كدلالة على الاضطراب الداخلي لفريدا.
لوحة «Self portrait dedicated to leon trotsky, 1937»
اللوحة الشهيرة باسم «بين الستائر»، رسمتها فريدا لليون تروتسكي في عيد ميلاده، تمسك ورقة كعقد لحبهما، تقدم نفسها بطريقة أنيقة مرتدية تنورة طويلة مطرزة وشالاً مهدبًا، ومجوهرات ذهبية دقيقة. زهور ولفائف من غزل أحمر تزين شعرها ومكياج بشكل بارع يسلط الضوء على ملامحها.
كان تروتكسي زعيمًا ثوريًا روسيًا، هرب من ستالين، وطلب اللجوء من دييجو وفريدا، وبعد عامين من اختبائه في بيت فريدا الأزرق، بدأت علاقة حب سرية بينهما، لكن في نهاية المطاف انتهت عند علم زوجته فانتقلا من بيتها الأزرق، آخدًا معه اللوحة كتذكار.
معاناة المرض
عانت فريدا كثيرًا بسبب مرضها، وعبرت عن ذلك في لوحاتها، نستعرض أبرزهم فيما يلي:
لوحة «The wounded deer, 1946»
في هذه اللوحة، رسمت رأسها على جسد غزال، رسمته مصابًا بجروح قاتلة بالسهام، وجعلت خلفية اللوحة غابة من الأشجار الميتة والمكسورة، تشبيهًا بخوف ويأس فريدا، ويوجد وراءها السماء الضبابية، التي تضيء بالبرق الذي يبدو كالأمل، لكنها لا تستطيع لمس السماء البعيدة كبعد الأمل عنها.
قامت فريدا بعملية جراحية في نيويورك في سنة 1946، كانت ترجو أن تحررها هذه العملية من آلام الظهر التي تعذبها، لكنها فشلت. جعلها فشل هذه العملية تشعر باليأس الشديد والاكتئاب الحاد إضافة إلى ألم جسدها المستمر، فرسمت رأسها على جسد حيوانها المفضل، وهو الغزال، مليئًا بالجروح، لتعبر عن إحباطها، وعدم قدرتها على تغيير مصيرها المؤلم.
لوحة «The brokencolumn, 1944»
دائمًا ما يكون الألم والمعاناة موضوع فريدا في لوحاتها. في لوحة «العمود المكسور»، رسمت جسدها وهو منبوش بالدبابيس، واستبدلت عمودها الفقري بقضيب مكسور، وعلى وشك الانهيار. على الرغم من دموعها المنهمرة من عينيها، إلا أن نظرة عينيها يبدو فيها التحدي وقوة مواجهة المرض.
لوحة «Self-Portrait with Thorn Necklace and Hummingbird, 1940»
كان من المعروف أنها لا تقدر على إكمال الحمل بسلام بسبب حادث الحافلة، فكانت تحب الحيوانات وأطفال أختها كأطفالها التي لم تنجبهم.
الرحيل
فريدا كاهلو
توفيت فريدا في 14 يوليو/تموز 1954 بجلطة الشريان الرئوي، تاركة مجموعة من أعظم الأعمال الفنية بعد ملحمة شرسة مع المرض، ليتحول بيتها الأزرق الذي عاشت فيه معظم حياتها وذكرياتها، بكل ما فيها من آلام وسعادة، إلى متحف يزوره السياح بغرض المتعة والترفيه.