بلومبرج: إمبراطورية الإعلام التي تسعى لإسقاط ترامب
بإنفاق ضخم فريد من نوعه، تمكن المرشح الرئاسي الديموقراطي مايكل بلومبرج من لفت أنظار الرأي العام الأمريكي والعالمي، في مواجهة علنية مباشرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فخلال ثمانية أسابيع فقط من بدء حملته الانتخابية، أنفق بلومبرج نحو 248 مليون دولار على الإعلانات والدعاية، بشكل يتجاوز ما أنفقه معظم المرشحين في سنوات.
مايكل بلومبرح وفقًا لتقديرات مجلة فوربس، هو ثامن أغنى شخص في الولايات المتحدة بثروة تبلغ قيمتها الصافية نحو 53.4 مليار دولار، مما يجعله أكثر ثراءً بمقدار 17 مرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا تتجاوز ثروته حوالي 3.1 مليار دولار وفقًا لتقدير فوربس.
تلك الثروة والدعاية الضخمة تجعل بلومبرج أحد أقوى المرشحين للإطاحة بترامب من على كرسي الرئاسة الأمريكية.
كيف بنى مايكل بلومبرج ثروته؟
بعد 15 عامًا من عمل مايكل بلومبرج بشركة «وولومون في سالومون براذرز »، تم التخلي عنه ومُنح في المقابل 10 ملايين دولار. فكر بلومبرج في وسيلة لاستثمار تلك الأموال، واستشعر من خلال خبرته حاجة القطاع المالي إلى معلومات وتحليلات اقتصادية أفضل من الموجودة، وأن المتداولين لديهم الاستعداد لدفع مقابل كبير لتلك الخدمة.
لذا أنشأ شركة بلومبرج إل بي للبيانات المالية في عام 1981، ثم محطة بلومبرج في عام 1982 والتي كانت بمثابة نظام برمجي يستخدمه المتخصصون الماليون في تداول الأسهم إلكترونيًا والوصول إلى بيانات السوق الحية.
وفي عام 1990، أنشأت الشركة خدمة الأخبار الخاصة بها، قبل إطلاق بلومبرج دوت كوم في عام 1993، وسرعان ما امتدت أنشطة بلومبرج وتوسعت وباتت عنصرًا رئيسيًا في وول ستريت، وبفضلها أصبح مايكل بلومبرج واحدًا من أغنى الرجال في العالم.
لكن بلومبرج لم يكتفِ بنجاحه الاقتصادي، ففي عام 2001 ترشح بلومبرج لمنصب عمدة مدينة نيويورك خلفًا لرودولف جولياني في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وطوال مدة عموديته، اعتبر بلومبرج واحدًا من أنجح رؤساء البلديات في تاريخ المدينة.
المثير للاهتمام أيضًا، هو أن عمله السياسي انعكس بصورة إيجابية على شركته. فقد تضاعفت خلال فترة حكمه قاعدة محطة بلومبرج إل بي لأكثر من الضعف، إذ ارتفع عدد المشتركين إلى 325 ألف مشترك من 160 ألف مشترك في عام 2001.
تقدم محطة بلومبرج مجموعة كبيرة من البيانات والأبحاث حول الشركات والأدوات المالية وعمليات التبادل من جميع أنحاء العالم، والتي من الممكن استخدامها لإجراء الصفقات ومقارنة الاستثمارات المحتملة، وتتبع ناقلات النفط خلال تحركها في جميع أنحاء العالم، ومعرفة أين توجد حرائق الغابات.
هل صناعة الإعلام مربحة إلى هذا الحد؟
شهدت صناعة الإعلام والترفيه في السنوات الأخيرة نموًا على نطاق واسع من حيث التكنولوجيا والتطبيقات المستخدمة فيه، إذ عملت الجهات الفاعلة في هذا السوق على تطوير إستراتيجيات مستمرة لتقديم تجربة ثرية من حيث جودة المحتوى وبأسعار معقولة وجذابة للجميع.
استفادت الصناعة بشكل كبير من التقنيات الجديدة والمنصات الرقمية التي سهلت عملية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك للمحتوى الإعلامي، أدى ذلك إلى نمو متسارع في هذا القطاع، إذ من المتوقع أن يقدر قيمة سوق الترفيه والوسائط العالمية بحوالي 6700 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.
ولعل الولايات المتحدة تقع على رأس الدول الرائدة في صناعة الإعلام والترفيه، إذ تمثل أرباحها من هذا القطاع وحده قرابة 717 مليار دولار. تظهر تلك الصناعة في الولايات المتحدة في الرسوم المتحركة، والبرامج التلفزيونية، والإعلانات التجارية، والتسجيلات الموسيقية، والإذاعة، ونشر الكتب، وألعاب الفيديو والخدمات الإعلامية المساعدة.
أما الصين كثاني أكبر سوق للإعلام والترفيه في العالم، فإنه من المتوقع أن تنمو عائداتها منها لتبلغ 485 مليار دولار في عام 2023.
وبحلول عام 2023 أيضًا، من المتوقع أن يخصص المسوّقون أكثر من 50٪ من ميزانياتهم للإعلانات الرقمية. إذ يحتوي الإنترنت فعليًا على أكبر شريحة إعلانية. ففي عام 2018 شكل الإنترنت نحو 40.6٪ من إجمالي إيرادات الإعلانات. وبالتوازي سـترتفع إيرادات الموسيقى الرقمية، التي تمثل حاليًا حوالي 50% من إيرادات الموسيقى المسجلة.
حجم أرباح مؤسسات إعلامية كبرى
منذ بداية استحداث الثورة الرقمية لطرق جديدة للوصول إلى المعلومات، برزت مؤسسات كبلومبرج ورويترز وشبكة فوكس كأهم منصات المعلومات، مما مكنها من حصاد أرباح هائلة من هذه الصناعة، نتيجة للموثوقية والشعبية التي تتمتع بها.
رويترز
تعود أصول علاقة آل رويترز بصناعة الأخبار إلى يوليوس رويترز الذي عاش في القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الحين باتت رويترز مصدر المعلومات المالية والإخبارية متعددة الجنسيات الأشهر حول العالم. تطور أداء رويترز لتدخل في مختلف القطاعات المالية والضرائب والمحاسبة والملكية القانونية والفكرية.
وفي عام 2017، استطاعت رويترز أن ترفع حصتها السوقية في سوق البيانات المالية إلى نحو 22.5٪، نظرًا لتزايد عدد المستخدمين الذي وصل حينها لـ190 ألف مشترك. استطاعت رويترز بذلك تحقيق أرباح تجاوزت توقعاتها، فوفقًا لتقرير الأرباح للربع الثالث من عامة2019، ارتفعت الأرباح التشغيلية للشركة إلى 262 مليون دولار مقارنة بـــ 173 مليون دولار في العام السابق له.
وارتفعت الإيرادات الإجمالية في الربع الثالث بنحو 10٪ بقيمة 1.41مليار دولار، نظرًا لما شهده قطاع رويترز للأنباء من ارتفاع في إيرادات الاشتراكات العضوية بنسبة 3 ٪، وكذلك النمو في المبيعات في قطاعات الخدمات القانونية وخدمات الشركات وخدمات الضرائب والمحاسبة.
وخلال العام المالي المنتهي في 30سبتمبر/أيلول 2019، بلغت إيراداتها ما قيمته 5.850 مليار دولار أمريكي، بزيادة 8.57٪ على أساس سنوي بنحو 349 مليون دولار عن عام 2018 الذي بلغت إيراداتها فيه حوالي 5.501 مليار دولار.
بلومبرج إل بي
تمتلك بلومبرج حصة سوقية في قطاع مزودي البيانات المالية تبلغ 33.2 ٪، وتحقق الشركة أكثر من 8 مليارات دولار من العائدات السنوية. تأتي الأغلبية العظمى منها من قسم الخدمات المهنية، فضلاً عن تزايد أعداد العملاء في محطات بلومبرج بنحو 320 ألف عميل حول العالم.
ووفقًا لتقديرات المحللين، فإن متوسط قيمة الاشتراك السنوي يناهز 24000 دولار لكل مشترك في محطاتها الجانبية، الأمر الذي يجعل من بلومبرج منصة فائقة الربحية.
شبكة فوكس
شبكة فوكس هي شبكة تلفزيونية أمريكية تمتلكها مجموعة فوكس الترفيهية التابعة لشركة فوكس القرن الواحد والعشرين، وتمثل ثالث أكبر شركة في العالم والتي اشتهرت بإنتاج الأخبار عبر محطاتها التلفزيونية وعلى رأسها محطة فوكس نيوز.
وفي أول إصدار عن أرباح الشركة كشركة عامة منذ استكمال بيع أصول الترفية والإعلام في الشركة إلى شركة والت ديزني في مارس/آذار 2019، بلغ صافي أرباح الشركة للربع الثالث حتى 31 مارس لعام 2019، نحو 529 مليون دولار من إجمالي الإيرادات البالغة 2.75مليار دولار، مقارنة بـأرباحها في نفس الفترة من عام 2018 التي بلغت 457 مليون دولار من إجمالي ارباح 2.46مليار دولار، متجاوزة بذلك كل التوقعات عن بلوغ أرباحها 2.61 مليار دولار.
إجمالاً، تعد صناعة الإعلام من أكثر الصناعات ربحية على مستوى العالم، وتبرز الولايات المتحدة على رأس الدول الرائدة في ذلك المجال. ليس غريبًا في هذا السياق أن يظهر مليارديرات كونوا ثروتهم عبر الإعلام، وأن يتطلع رجل طموح وقوي منهم إلى الوصول للمنصب الأهم في العالم.