«النفط الدامي»: نصف النفط المتداول عالميًا «مسروق»
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
غرّد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» تغريدة صادقة مؤخرًا، إذ صرّح في تعليقه على المظاهرات الإيرانية أن الشعب استوعب أخيرًا كيف تُسرق أمواله وتُبدد ثرواته، وهي وجهة نظر صحيحة تمامًا. كما صرّح نائب الرئيس الأمريكي، «مايك بينس» أن ديكتاتوريي إيران غير المنتخبين يسرقون النفط المملوك للشعب، وينفقون هذه الثروات على أغراضهم الخاصة، بما في ذلك، وفق تعليق آخر لترامب، تمويل الإرهاب خارج البلاد.
وعلى الرغم من صحة ما قاله ترامب حول الشأن الإيراني، فإن تغريداته كانت انتقائية للغاية، ففي المملكة العربية السعودية المجاورة، المتحالفة مع الولايات المتحدة، تنفق النخبة الحاكمة الأموال العامة الناتجة عن بيع النفط -وكما هو الحال في إيران وبقية دول العالم- في سبيل إثراء نفسها.
هذا هو الخبر الأكبر الذي لا ينشره أحد، ففي العديد من الدول حول العالم، تبيع الأنظمة السلطوية والجماعات المسلحة النفط الذي تملكه الشعوب، وتستخدم هذه الأموال لتمويل القهر والفساد والصراعات والإرهاب.
يمثل النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم، ولذلك يحصل هؤلاء المستبدون وتلك الميليشيات على أموال ضخمة تبلغ مئات المليارات من الدولارات كل عام، والعديد من الأزمات التي تصدرت عناوين الأخبار خلال الأعوام الماضية من سوريا والعراق واليمن وليبيا وروسيا تغذيها الأموال الناتجة عن بيع النفط المسروق من المواطنين.
النفط يملكه الشعب
الغريب في الأمر هو اتفاق الجميع أن نفط أي دولة في العالم ملك لمواطنيها في نهاية الأمر، وفي أمريكا، يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري على هذا المبدأ، إذ أعلن ذلك كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين «جورج بوش الإبن، وبيل كلينتون».
ومن الشائع أن تجد قادة آخرين لدول أخرى حول العالم ينادون بأن النفط يملكه الشعب، وقد أعلن ذلك قادة بريطانيا وأستراليا والمكسيكوغانا وحتى إيران، كما تنص العديد من الدساتير والقوانين الوطنية في مختلف الدول على هذا المبدأ. يعيش الآن 98% من سكان العالم في دول وقّعت على إحدى المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، والتيتنص على أن لجميع الشعوب الحق في التحكم في الموارد الطبيعية لبلادها.
وإذا كان الشعب هو مالك النفط، فليس من حق أحد بيعه دون موافقتهم، ولكن هذا هو عين هو ما فعله المستبدون والجماعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، وعندما بحثت تلك المسألة في كتابي «نفط الدم»، وجدت أن النفط الذي بيع دون أدنى موافقة محتملة من الشعوب يمثل أكثر من 50% من النفط المتداول عالميًا؛ أي ما يزيد عن نصف تجارة النفط العالمية تمثل تجارة في سلع مسروقة.
لا يُسرق النفط من الدول غزيرة الإنتاج فحسب، بل يُسرق أيضًا من بلدان مثل غينيا الاستوائية، التي يقال إن رئيسها يُعذب معارضيه السياسيين في أسوأ سجون العالم، وأنجولا، التي تعيش فيها النخب في أبهة وفخامة، بينما يموت فيها الأطفال من الفقر، في ظل واحد من أعلى معدلات الفقر في العالم.
القوانين العتيقة
تنبع هذه المشكلة من القوانين العتيقة المتبقية منذ عهد تجارة الرقيق العابرة للأطلنطي، وهذه القوانين موجودة في جميع الدول، وتتيح شراء الموارد الطبيعية المملوكة للدول الأخرى من الأطراف التي تستطيع السيطرة على الموارد بالقوة.
ولذلك، على سبيل المثال، عندما استولت الطغمة التابعة لصدام حسين على حكم العراق من خلال انقلاب عسكري، أتاح القانون الأمريكي شراء النفط العراقي منهم. وفي عام 2014، عندما سيطر تنظيم داعش على بعض آبار النفط، أتاحت قوانين جميع الدول شراء النفط منهم، ولذلك كان لزامًا فرض عقوبات اقتصادية لمنع شراء النفط من التنظيم بشكلٍ قانوني.
إن هذا القانون قديم لدرجة أننا نعتبره قضية محسومة، إلا أنه يخالف المنطق تمامًا. فإذا افترضنا استيلاء عصابة مسلحة على محطة وقود، فلن يفكر أحد في الترخيص لهذه العصابة لبيع وشراء الوقود، ولكن قوانيننا تتيح لنا الدخول في أعمال تجارية قانونية مع الأجانب الذين يسيطرون على النفط بالقوة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، أرسلت الأسر الأمريكية 250 دولار أمريكي في المتوسط سنويًا إلى الأنظمة السلطوية والجماعات المسلحة خارج البلاد، فقط من خلال تعبئة سياراتهم بالوقود. والحل الواضح هو حظر شراء النفط من أي طرف غير خاضع للحد الأدنى من الرقابة الشعبية في دولهم.
ورغم أن هذا الحل يبدو صعبًا، إلا أنه بدأ يتحقق فعليًا على أرض الواقع، إذ تقدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ البرازيلي بتشريع يجرم استيراد النفط من الدول السلطوية أو الدول الفاشلة، ويحظر على شركات النفط الوطنية توقيع عقود جديدة مع أنظمة ديكتاتورية.
تمثل البرازيل خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وهي أكثر فقرًا من الدول الغربية، وقد تركتها الأزمة المالية العالمية وفضيحة الفساد الكبرى فيها في حال أسوأ بكثير، فإذا استطاعت البرازيل حظر النفط المسروق في ظل هذه الظروف، فلماذا لا يمكن لأوروبا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة القيام بذلك؟