تدخلات دموية: تاريخ أمريكا الأسود في أمريكا اللاتينية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
اشتعل العنف على الحدود الفنزويلية الكولومبية جراء إيصال المساعدات الإنسانية إلى فنزويلا، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 24 آخرين، الجمعة، 22 فبراير/ شباط الماضي. وحذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الرئيس الفنزويلي «نيكولاس مادورو» من أن «أيامه صارت معدودة»، وكرر مسئولو ترامب أن الولايات المتحدة تدرس جميع الخيارات، متضمنة العمل العسكري لمعالجة أزمة فنزويلا.يرفض حوالي 80% من الفنزوليين مادورو، الذي أعيد تنصيبه لفترة ولاية ثانية، لست سنوات، اعتبارًا من يناير/ كانون الثاني، بعد انتخابات عرف العالم أنها مزورة، ومنذ توليه السلطة عام 2013، اتجه بفنزويلا نحو أزمة اقتصادية شديدة. ثم بنهاية يناير/ كانون الثاني، أعلن قائد المعارضة خوان جوايدو مادورو «مغتصبًا للسلطة»، وأدى اليمين بصفته الرئيس الشرعي للبلاد، وتريد أكثر من 50 دولة – بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا ومعظم دول أمريكا اللاتينية – استبدال نظام مادورو بحكومة يقودها جوايدو.وعلى الرغم من الإدانة العالمية لمادورو، فإن أي تدخل من الولايات المتحدة في الشأن الفنزويلي سيكون مثيرًا للجدل، حيث يشير التاريخ الطويل لتدخل الولايات المتحدة في سياسات دول أمريكا اللاتينية إلى أن عملياتها العسكرية عامةً ما تؤدي إلى الاستبداد والحرب الأهلية، وليس الديمقراطية.
الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وكوبا
كوبا، وهي محور بحثي في التاريخ، مثال أساسي لهذا الأمر. لم تتعاف العلاقات الأمريكية الكوبية منذ تدخل الرئيس ويليام ماكينلي في حرب كوبا مناديًا بالاستقرار قبل ما يزيد على قرن من الزمان. قبل شنّ ما يعرف في الولايات المتحدة الأمريكية باسم الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، وعد ماكينلي أن يصبح «الشعب الكوبي حرًا ومستقلًا» عن إسبانيا، وأنه ليس لدى حكومته نية في ممارسة السيادة أو النفوذ أو الرقابة على الأراضي المذكورة. لكن في النهاية، وبالرغم من ذلك، عنى الاستقلال الكوبي عن إسبانيا تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية.لستين عامًا بعد الحرب الأمريكية الإسبانية، كرر البيت الأبيض التدخلات العسكرية والدبلوماسية في كوبا، حيث يدعمون السياسيين الذين يحمون المصالح الأمريكية الاقتصادية في مجالات السكر والمرافق والبنوك والسياحة، والسياسة الأمريكية الخارجية في منطقة الكاريبي. وفقًا لأبحاثي، بحلول عام 1952، عندما أطاح فلوغينسيو باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية بالرئيس كارلوس بريو سوكاراس، أصبحت الحكومة الكوبية حامية فعليًا للشركات الأمريكية، كانت لدى باتيستا علاقة حميمية بكل من واشنطن العاصمة وجماعات الجريمة المنظمة الأمريكية التي استُخدمت للسيطرة على صناعة السياحة في هافانا.ثم أطاحت ثورة شيوعية عام 1959 بقيادة فيدل كاسترو بالمجلس العسكري لباتيستا، وندد كاسترو بـ«حكومة الولايات المتحدة الإمبريالية» لتحويلها كوبا «مستعمرة أمريكية». فأدى الحظر التجاري الذي فرضته إدارة كينيدي على كوبا، وغزو خليج الخنازير المشؤوم عام 1961 – عندما درّب الجيش الأمريكي المنشقين الكوبيين في محاولة للإطاحة بكاسترو – إلى دفع كوبا أكثر إلى مدار روسيا السوفيتية. وللستة عقود الماضية، ظلت الولايات المتحدة وكوبا في حرب باردة، مع هدنة قصيرة في ظل حكم الرئيس باراك أوباما.
الانقلابات ضد الشيوعية
خوفًا من انتشار الشيوعية في نصف الكرة الأرضية، تدخلت الحكومة الأمريكية مرارًا في سياسات دول أمريكا اللاتينية أثناء الحرب الباردة. عام 1954، عملت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مع عناصر من الجيش الغواتيمالي للإطاحة بالرئيس المنتخب جاكوبو أربينز، والذي يعتبره صناع السياسة الأمريكيون الجناح اليساري الخطير. أسفرت عقود الديكتاتورية والحرب الباردة عن مقتل ما يقدر بـ200 ألف شخص. أعادت اتفاقية السلام عام 1996 الديموقراطية، لكن لم تتعاف غواتيمالا اقتصاديًا وسياسيًا ونفسيًا من إراقة الدماء.
أيضًا الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة في تشيلي، ففي عام 1973 ساعدت الحكومة الأمريكية سرًا عناصر يمينية من الجيش التشيلي على الإطاحة بالرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي. تولى الجنرال أوغستو بينوشيه السلطة بدعم مالي وسياسي من الولايات المتحدة، وتسببت ديكتاتوريته – التي استمرت حتى 1990 – في مقتل عشرات الآلاف من التشيليين.
جمهوريتا الدومينيكان وبنما
لم تبدأ التدخلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية بالحرب الباردة، كما لم تنتهِ بها.خلال الحرب العالمية الأولى، قلقت الولايات المتحدة من استخدم ألمانيا لجمهورية الدومينيكان كقاعدة للعمليات العسكرية، لذا احتلت القوات الأمريكية الجزيرة الكاريبية من عام 1916 وحتى 1924. على الرغم من تحسين الإدارة الأمريكية للبنية المالية والتحتية لجمهورية الدومينيكان، فإنها أنشأت أيضًا الحرس الوطني الذي ساعدها في الدفع بالجنرال رافائيل تروخيو لتولي السلطة، والذي استمر حكمه الوحشي لـ30 عامًا.كان غزو الرئيس جورج بوش لجمهورية بنما عام 1989 استثناء نادرًا، وهو التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية الذي أدى لخلق الاستقرار فعليًا. ويبدو أن معظم البنميين دعموا العملية العسكرية الأمريكية عام 1989 لإزالة العسكري الفاشي المتوحش مانويل نورييغا. وفي الأعوام التالية، تمتعت بنما نسبيًا بالانتخابات ونقل السلطة السلميين.
معاداة أمريكا في أمريكا اللاتينية
بشكل عام، نادرًا ما تحقق العمليات العسكرية الأمريكية الديمقراطية في دول أمريكا اللاتينية.لكنها خلقت مشاعر قوية معادية للأمريكان في المنطقة، حيث صور القادة اليساريون من فيدل كاسترو إلى هوجو تشافيز خصومهم السياسيين ببراعة مجرد دمى أمريكية. ويعتبر التأييد للحكومة الأمريكية الآن أقل من العقود الماضية. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، ينظر فقط 35% من التشيليين و45% من الفنزوليين إلى الولايات المتحدة باستحسان.والرئيس مادورو هو الآخر استخدم خطابًا معاديًا للإمبريالية، وأدان عقوبات الولايات المتحدة وغيرها من الجهود لعزل نظامه كـ«مؤامرة غرينغو».
طريقة أكثر أمانًا لاستعادة الديمقراطية
يشرح التاريخ سبب الارتياب من التدخلات الأمريكية في فنزويلا، فوفقًا للاستطلاعات الأخيرة، على الرغم من الكره الشعبي لمادورو، فإن 65% من الفنزوليين يعارضون أي عملية عسكرية أجنبية للتخلص من مادورو. وبدلًا من التخطيط لانقلاب آخر، أعتقد أن الجهود الأمريكية يجب أن تدعم عمل مجموعة ليما، وهو تحالف يضم 12 دولة من دول أمريكا اللاتينية، منها المكسيك وغواتيمالا والبرازيل، بالإضافة إلى كندا.تبدو مجموعة ليما وثيقة الصلة بقوة عسكرية من فنزويلا، حيث شملت حملة الضغط التي قامت بها لإجبار مادورو على الخروج سلميًا عزل نظامه دبلوماسيًا، و مطالبة الجنود الفنزويليين بالولاء لجوايدو. هدفهم الأساسي هو التفاوض إلى تسوية تؤدي إلى مغادرة مادورو لمنصبه طواعيةً. الدبلوماسية الإقليمية أبطأ بكثير من التدخل الأجنبي، لكنها تُجنب المزيد من إراقة الدماء وتقلل من الشعور المتزايد بالمعاداة لأمريكا في أزمة فنزويلا. وربما تفتح فصلًا جديدًا في تاريخ العلاقات الأمريكية – الأمريكية اللاتينية، فصلًا تكون الهيمنة فيه لأمريكا، لا لأعدائها.