تعمى عنهم الدولة والمجتمع: ماذا تعرف عن حياة المكفوفين في مصر؟
أن يولد الشخص كفيفا فهذا ليس عيبا فيه أو ينتقص من قدره وحقوقه وواجباته شيء، وأن يعيش الشخص كفيف البصر في مجتمع لا يعترف بحقه أنه إنسانا فيه له ما للآخرين وعليه ما عليهم، فهذا الأمر ليس واقعي بالمرة إنما هو درب من دروب الخيال.
تتحطم أحلام المكفوفين في مصر على صخور الواقع، سواء من الرفض المجتمعي أو النظرة القانونية والحقوقية التي تضمن للمكفوفين حياة كريمة كأقرانهم من المبصرين، وإذا وضعنا في الاعتبار المعاناة الحقيقية للشخص الكفيف في كافة نواحي الحياة ستكون الحقيقة الواقعية أكثر مأساوية مما قد يعتقده الكثيرين على كافة الأصعدة؛ بداية من حياته اليومية والتعليم والصحة وغيره من الأمور الحياتية التي من المفترض أن يتساوى فيها الكفيف مع المبصر وأن الشخص الكفيف شخص عادي وطبيعي كامل لا ينقصه شيء.
تعداد المكفوفين بمصر
يقارب تعداد المكفوفين في مصر ثلاثة ونصف مليون كفيف
إن بعض التقديرات العالمية تشير إلى أن عدد المكفوفين في مصر يقارب 3 ونصف مليون كفيف مصري، لا يجدون أبسط حقوقهم وحظوظهم في الحياة لإعتبارات كثيرة؛ أهمها التجاهل المتعمد من قبل الدولة لفئة المكفوفين ونظرة القوانين المصرية للشخص الكفيف على أنه شخص فاقدا للأهلية القانونية وأنه شخص غير مسؤول عن تصرفاته.
وتعداد المكفوفين الملتحقين بمراحل التعليم المختلفة لا يتعدى 37 ألف كفيف بما يقارب نسبة 2% من من لهم الحق في التعليم بما يعني أن 92% من المكفوفين أميين ويرجع هذا لأمرين رئيسيين الأول قدرة مدارس التربية الخاصة على استيعاب الأعداد المهولة من المكفوفين، الأمر الثاني الثقافة المجتمعية التي ترى أن الشخص الكفيف عبء على الأسرة وليس من حقه أي شيء.
المكفوفين والمدارس
الكفيف شخص قادر على التعلم كأي شخص آخر، ولكن عن طريق أدوات مساعدة تجعله قادرا على التحصيل، وأبرزها طريقة برايل للقراءة والكتابة التي تمكن الشخص الكفيف من الدراسة بشكل عادي بدون صعوبة.
مؤخرا ظهرت الأدوات التقنية؛ مثل برمجيات قراءة الشاشة والتي تجعل الشخص قادرا على استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة أمرا سهل جدا، مما يعني أن من الممكن الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية، يتعلم الشخص الكفيف بنظامين تعليميين الأول نظام التعليم الأزهري، وهو المستوعب للعدد الأكبر من المكفوفين ودامج لهم مع أقرانهم من المبصرين، لكن يعتمد التعليم الأزهري في تعليم الكفيف على الاستماع والحفظ ليس إلا، وبالتالي يفقد الكفيف ميزة القراءة والكتابة بطريقة برايل.
بينما النظام الثاني هو التعليم العام بمدارس النور للمكفوفين، وفيها يدرس الكفيف نفس المواد الدراسية التي يدرسها المبصرين مع حذف بعض من المواد التي يعتقد أن الكفيف لا يستطيع دراستها، وعند وصول الكفيف للمرحلة الثانوية ليس له إلا الشعبة الأدبية فقط، أما الشعبة العلمية فهي ممنوعة منعا باتا على الكفيف.
الجامعات ليست للمكفوفين
ولا يختلف وضع المكفوف جامعيًا كثيرًا فكل عام يصدر قرارا من المجلس الأعلى للجامعات بعدد محدود من الكليات الأدبية، التي يحق للشخص الكفيف أن يلتحق بها دون عن الكليات الأخرى، مع تجاهل حق الكفيف في التعليم أسوة بغيره من المبصرين، بالمخالفة للإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقعت عليها مصر وصدقت عليها أيضا، كما أن هنالك في لوائح المجلس الأعلى للجامعات بند «سلامة الحواس» الذي يمنع الكفيف من دخول الكليات أو الدراسات العليا فيما بعد التعليم الجامعي.
لكل كلية الحق في منع المكفوفين من الالتحاق بأقسامها في مخالفة للقانون المصري
وما يحدث هو استثناء للمكفوفين بالكليات التي يعلن أنها هي المتاحة فقط لإلتحاق الشخص الكفيف بها، ولكل كلية الحق في أن تطبق هذا الاستثناء أو لا، ويحق لها أيضا أن تمنع أقساما على الشخص الكفيف بمعنى أنه لا يحق له أن يدرس بها، وإذا كنا نتحدث عن التعليم الجامعي للشخص الكفيف‘ فيجدر الإشارة إلى عدم توافر المحتوى الدراسي للكفيف بالكليات التي يسمح له بدخولها مطبوعا بطريقة برايل، وأيضا يتم إجراء الامتحانات للشخص الكفيف بالاستعانة بمرافق، هو الذي يقوم بقراءة الأسئلة له وكتابة ما يمليه عليه ويكون المرافق موظفا في الجامعة.
وقد يكون حاصلا على شهادة تعليمية أقل من المتوسط، مما يجعل الشخص الكفيف في مشكلة حقيقية وهي جودة الخط وتنسيقها وأخطاء الكتابة لدى الموظف، مما يعني عدم حصول الكفيف على تقديره الحقيقي في المواد التي أمتحن فيها، بل وقد يصل الأمر لرسوبه وضياع مستقبله على الرغم من كونه شخص مجتهد أو قادر على التحصيل.
حياة المصرى الكفيف
تتجاهل الدولة تماما حق المكفوفين في الصحة والمتابعة لحالة إعاقته الصحية والطبية، بل والكشف المبكر عليها مما يعرقل من إعادة إبصاره أو تحسين وضعه. وليس الكفيف أوفر حظا من الأشخاص ذوي الإعاقات الأخرى، فإن القوانين المصرية نصت على نسبة 5% في العمل للأشخاص ذوي الإعاقة عموما، ولا تلتزم مؤسسات الدولة ولا القطاع الخاص بهذه النسبة، وتكون عقوبة عدم الالتزام بهذا القانون غرامة 100 جنيه، وفقا للقانون المنظم لعمل الأشخاص ذوي الإعاقة.
لا يكون للكفيف معاملات بنكية إلا بعد تعيين وصى قضائي في مخالفة لاتفاقات مصر الدولية
بشكل واقعي فإن عمل الكفيف ما هو إلا أنه مجرد موظف فقط يأخذ صدقة من الدولة كل شهر، بدون عمل حقيقي يجعل الشخص الكفيف يشعر بأنه شخص له قيمة ومؤثر وله فاعليته.
وبموجب القانون المصري أغلب فئات ذوي الإعاقة لا يجوز لها أن تكون لها معاملات بنكية، إلا بعد تعيين وصي قضائي عليهم لأن الكفيف بموجب القانون شخص فاقد للأهلية القانونية، وهذا يُعد مخالف للإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي بها نص صريح «احترام استقلالية وخصوصية الأشخاص ذوي الإعاقة».
وفي سياق متصل لا يحق للكفيف زيارة الأماكن الأثرية والسياحية المصرية بدون مرافق يرافقه، لا يستطيع الكفيف تقديم بلاغ بالشرطة بدون مرافق،وإذا تم القبض على شخص كفيف تحال قضية ضد ولي أمره بالإهمال فيه. وبعد كل هذا فمن الصعب أن يكون الشخص الكفيف مندمجا في مجتمع يحترمه ويراعي اختلافه ويتعامل معه بكرامة واحترام لخصوصيته واستقلاليته.