أسبوع اللجوء الأسود: مهاجرون من سوريا للأنصار في ألمانيا؟
فرّ قرابة 400 ألف لاجئ إلى العراق ومصر وشمال أفريقيا، وتستضيف السودان على ما بها من فقر وحاجة أكثر من 100 ألف لاجئ، بينما تستضيف الأردن أكثر من 600 ألف لاجئ سوري جلّهم في مخيم «الزعتري» أكبر مخيم في العالم، وتضم لبنان أكثر من 1.1 مليوناً بما يمثل 20% من الكثافة السكانية، أما تركيا فبها أكبر عدد من اللاجئين في العالم والذي يقارب المليونين. (إنفوجراف)
— شكل التنظيم في أحد المخيمات التركية
في العام الأخير، أغلقت جميع الدول العربية –باستثناء السودان– حدودها أمام السوريين، ووضعت شروطا مستحيلة، في الغالب، لمنح السوريين حق «الإقامة» على أراضيها. أما تركيا فظلت تتبع سياسة الباب المفتوح حتى نهاية مارس/آذار من العام الجاري، واستقبلت أكثر من 150 ألف لاجئ من مدينة «عين العرب/كوباني» في يوم واحد فقط بسبب معارك تنظيم «داعش» مع مقاتلي «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لكنها لن تستطيع بالطبع استيعاب هذه الأعداد إلى ما لا نهاية.
نقل«داعش» حربه إلى داخل تركيا بتفجير مدينة «سوروج» في يوليو/تموز الماضي، وتفاقم التوتر على الحدود التركية-السورية، فأغلقت تركيا ما تبقى من منافذها مع سورية.
بعد أن ضاقت الأرض بالسوريين صار البحر خيارهم الأوحد بحثا عن حياة في أوروبا. ويبدأ الطريق من السواحل الليبية أو التركية بالتكدس في قوارب مهرّبِين جشعين (إنفوجرافيك) مقابل مبالغ مالية ضخمة، وإذا لم ينته المطاف – كما في أحايين كثيرة – بغرق القوارب، يدخل اللاجئون إيطاليا أو اليونان ويحاولون في الغالب الانتقال لدول أخرى؛ ففي حالة اليونان (الطريق المفضل للسوريين حاليا) يخوض اللاجئون مغامرة أصعب في دول البلقان عبر مهرّبين وسماسرة جشعين أيضا للوصول إلى المجر ومنها إلى «النمسا» و «ألمانيا» وغرب أوروبا، والتفاصيل يوضحها الفيديو أدناه.
بلغت الأزمة ذروتها الأسبوع الماضي، وشهدت محطات عدة في الطريق إلى أوربا وداخلها سلسلة من الأحداث الكارثية عندما بلغ تدفق اللاجئين أعدادا غير مسبوقة؛ ففي 27 أغسطس/آب المنصرم عثرت السلطات النمساوية على 71 جثة للاجئين ماتوا اختناقا داخل شاحنة حفظ دجاج في طريق بين النمسا والمجر، وفي اليوم التالي عُثر على 200 جثة للاجئين غرقوا قرابة السواحل الليبية.
يُفضل اللاجئون إلى أوروبا الإقامة في «ألمانيا»، وتُظهر الإحصاءات التي نشرتها «الجارديان» البريطانية تفوق ألمانيا في نسبة طلبات اللجوء السياسي بفوارق شاسعة عن باقي دول الاتحاد الأوربي.
على «تويتر»، ناشط ألماني يذكّر وزارة الخارجية بموقف مواطن سوري تبرع براتبه الشهري للسفارة إبان أزمة اللاجئين من ألمانيا الشرقية عام 1989م قبل سقوط جدار برلين، فترد الخارجية عبر حسابها الرسمي بالتأكيد ونشر نسخة من الوثيقة الأصلية.
تناقض مواقف الحكومة الألمانية
علقت الحكومة الألمانية في 21 أغسطس/آب المنصرم العمل مؤقتا بـ اتفاقية «دبلن»، وبموجب ذلك أصبحت غير ملزَمة بإعادة ترحيل اللاجئين إلى أول دولة دخلوها في الاتحاد الأوروبي، وخففت عبئا عن «اليونان» و«إيطاليا» و«مقدونيا».
هذه الخطوة رغم إسهاممها بحل جزء يسير من أزمة اللاجئين المتدفقين لأراضيها والعالقين في النمسا، إلا أنها لم تأت بالطبع بدافع إنساني خالص، وإنما نتاج ضغط شعبي من الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني داخل ألمانيا والذين تحركهم دوافع إنسانية، ويحتاج السياسيون وصناع القرار إلى مجاراتهم بقدر حاجتهم لأصواتهم في الانتخابات.
الحكومة الألمانية، وفق تقرير لمجلة «در شبيجل» الألمانية، ارتفعت صادراتها من السلاح للدول العربية في النصف الأول من العام الجاري لأكثر من الضعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفي السياسة الخارجية تسير في ركاب الولايات المتحدة ولا تحيد؛ فقد تصدت لمطلب تركيا بإنشاء منطقة آمنة للاجئين، وتدعم الميليشيات الكردية سياسيا وعسكريا، و ترفض تسليم المطلوبين منهم للقضاء التركي، في حين أنها -مثلا- أوقفت الإعلامي المصري «أحمد منصور» في يونيو/حزيران الماضي بناءا على دعوى هزلية من النظام المصري قبل أن تخلي سبيله بعد ضغط منظمات المجتمع المدني والفضيحة الدولية.
وقررت في أغسطس/آب الماضي سحب بطاريات «الباتريوت» من تركيا في وقت هي في أمس الحاجة للحماية، لإجبارها على الانصياع لضغوط الولايات المتحدة بالانخراط في الحرب على «داعش» دون شروط، والتخلي عن شرطي المنطقة الآمنة ودعم المعارضة السورية، ولتقوية الكيان الكردي على الحدود التركية.
صحوة إنسانية في شعوب أوروبا
تسبق الشعوب الأوروبية حكوماتها؛ فقد أفرزت -مثلا- نواب ثمانية برلمانات أوروبية ليصوتوا بأغلبية مطلقة لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة العام الماضي. في المقابل تعاني أوروبا من علو صوت اليمين المتطرف في بعض الدول، لكن نسبة هذه الأصوات، في أوروبا ككل، أقل بكثير من نسبة المصوتين لمرشح الثورة المضادة في الانتخابات المصرية عام 2012، ونظيره في تونس عام 2014، وأقل من نسبة رجال الدين المسوغين لبعض الديكتاتوريات طغاينهم باسم الدين، وأقل من نسبة منظّري ذبح المخالفين من أبناء الدين الواحد بالسكاكين.
هذا الرسم يوضح مجمل اعتداءات اليمين المتطرف على اللاجئين العام الماضي، ورغم بشاعة الحوادث، إلا أنها على سبيل القياس تبقى كنقطة في بحر انتهاكات الجيش اللبناني بمعاونة ميليشيات «حزب الله» ضد اللاجئين السوريين في يوم واحد فقط من أيام سبتمبر/أيلول العام الماضي في «عرسال» مثلا.
المستشارة الألمانية «ميركل» في أشهر قاموس ألماني
تدرج دار النشر الألمانية «لانجنشايت» المصطلحات الشبابية الجديدة في قاموسها، والمصطلح الأكثر استخداماً هذا العام هو فعل «Merkeln» المشتق من «ميركل»، ويعني: “أن تفعل لا شيء” .. “أن تكون سلبيا”. «الإندبندت» البريطانية أعدت تقريرا عن الحدث. وتجدر الإشارة إلى أن دار النشر رحبت باللاجئين بإعلانها عن النسخة (الألمانية- العربية) من قاموسها الإلكتروني بالمجان لتسهيل التواصل مع اللاجئين، الأسبوع الماضي.
في 21 أغسطس/آب المنصرم تظاهر حوالي 1000 متطرف في قرية «هايدناو» القريبة من مدينة «درسدن» بولاية «ساكسونيا»، وتجمع عدد منهم أمام مركز إيواء لللاجئين وحاولوا اقتحامه، واشتبكوا مع الشرطة وتكررت الاشتباكات عدة أيام. لم تعلق ميركل على الحدث وأرسلت نائبها «زيغمار غاوك» في 24 أغسطس لزيارة المركز.القناة الأولى الألمانية أحرجت ميركل بنشر تعليقات السياسيين على الحدث ووضعت بينها صفحة فارغة باسمها بهذا الشكل:
وتحت عنوان «عار هايدناو» علقت صحيفة «المساء» بذات الطريقة وتركت مساحة بيضاء تحت عنوان «وهكذا علقت المستشارة».في 30 أغسطس/آب خرجت تظاهرة ضخمة في مدينة «دريسدن» وتظاهرة أكبر في 31 أغسطس في مدينة«لايبسيغ» للترحيب بقدوم اللاجئين.
في 24 أغسطس/آب أحرق يمينيون متطرفون مركز إيواء كان معداً لاستقبال لاجئين في مدينة «فايساخ» في ولاية «بادن-فورتنبيرغ».
ردت مجلة « دير شبيجل » الألمانية بإصدار عدد 29 أغسطس/آب بغلافين وكتبت على الأول “ألمانيا المظلمة” مع صورة المركز المحترق، وعلى الثاني “ألمانيا المشرقة” .. “علينا أن نختار”.
الإعلام الألماني: «مرحباً باللاجئين»
جميع النوافذ الإعلامية في ألمانيا أطلقت حملة للترحيب باللاجئين، فهذه صحيفة «بيلد» الأوسع انتشاراً تطلق حملتها في عددها بتاريخ 29 أغسطس/آب.الترجمة: «إن الناس الذين يأتون إلينا يتحتاجون إلى دعمنا، نحن نساعد، كيف تساعد؟»
في العدد الأسبوعي 30 أغسطس/آب نشرت آراء 100 شخصية عامة في ألمانيا داعمة لللاجئين، وشملت الشخصيات وزراء وسياسيين وإعلاميين وفنانين ورياضيين.. الخ.
شعوب أوروبية: «مرحبا باللاجئين»
في حين اكتفت «سلوفاكيا» باستقبال لاجئين من الديانة المسيحية، وقررت الحكومة اليمينية في «المجر» قمع اللاجئين ومنع دخولهم إليها أو خروجهم منها، أسفر الضغط الشعبي في «ألمانيا» و«النمسا» عن تغييرات مهمة في سياسة استقبال اللاجئين في البلدين. في 31 أغسطس/آب تظاهر أكثر من 20.000 مواطن نمساوي في «فيينا» للترحيب بقدوم اللاجئين، وكانت اللافتة الأبرز «مرحبا باللاجئين والمسلمين».
20.000 متظاهر للترحيب باللاجئين في «فيينا»
– أدى الضغط إلى السماح بمرور قطارات كاملة تقل لاجئين من «المجر» إلى «النمسا» ومن «النمسا» إلى «ألمانيا»، وقدّم النواب في البرلمان النمساوي مشروع قرار يلزم الحكومة الفدرالية بإلزام الحكومات المحلية باستيعاباللاجئين.
– في مدينة «سالزبورج» كان مئات النمساويين بانتظار قطارات اللاجئين ليزودوهم بالماء والأطعمة، والأمر نفسه في «فيينا»، أما في ألمانيا فخرج أهل قرية «أور-إركنشفيك» التابعة لمدينة «دورتموند» عن بكرة أبيهم لاستقبال قطارات اللاجئين بالورود ولافتات ترحيب بالعربية.
– في مبارة «فنرباهتشة» التركي مع «أتروميتوس» اليوناني في الدوري الأوروبي لكرة القدم، رفع جماهير الأخير لافتات كُتب عليها “لا حدود، لا قوميات”، وفي ألمانيا أبدت جميع الأندية ترحيبها باللاجئين عبر لافتات كُتب عليها “مرحبا باللاجئين”، أما لاعبو نادي «بروسيا دورتموند» فقدموا دعوة إلى 220 لاجئ لحضور إحدى المباريات، فيما أعلن فريق «بايرن ميونخ»عبر موقعه الرسمي تبرعه بمليون يورو للاجئين، وفتح معسكرات تدريب، وتقديم الدعم للأطفال.
ولم يقتصر الترحيب على التضامن الرمزي، فقد أطلقت فتاة ألمانية وصديقها موقعا إلكترونيا يستهدف استضافة اللاجئين في شقق سكنية مشتركة في ألمانيا والنمسا، بدلاً من تكدسهم في الملاجئ، وخلال الساعات الأولى نجح الموقع في توفير 82 شقة لـ 138 لاجئ. أما صحيفة «بيلد» الألمانية فأطلقت موقعا لجمع تبرعات مالية للأطفال، أما كتب الأطفال والألعاب والملابس فتكفل بها موقع «ريباي»، وهذه مجرد أمثلة، وفي مجلة «دير شبيجل» أمثلة أخرى لدور الأفراد ومنظمات المجتمع المدني.
إيسلندا: «مرحبا باللاجئين»
تسبق الشعوب الأوروبية حكامها في «إيسلندا» أيضاً، ففي هذه الجزيرة الصغيرة التي يبلغ تعداد سكانها 330.000 نسمة، أبدى أكثر من 12.000 من مواطنيها استعدادهم لاستضافة لاجئين وطالبوا حكومتهم بتغيير قوانين البلاد التي لا تسمح إلا بقبول 50 طلب لجوء سنوياً، وكل هذا التأييد بعد ساعات فقط من إطلاق مبادرة شعبية على فيسبوك.
في «إيسلندا» أيضاً، لا يمكن أن ننسى الناشط «غيسور سيمون-آرسون» الذي تأثر بصورة اللاجئ السوري «بائع الأقلام» في شوارع بيروت، وترجم تأثره إلى فعل؛ فأطلق موقعا إلكترونيا وحملة على تويتر لجمع 5.000$ للرجل، وخلال 3 أيام تجاوزت التبرعات 150.000$ وأتت أميركا وبريطانيا واستراليا في صدارة المتبرعين، وتمكن الناشط من الوصول لبائع الأقلام.
رغم جهود اليمين المتطرف في تشويه صورة العرب والمسلمين، ورغم الصورة السلبية التي يصدّرها «داعش» وأخواته للشعوب الغربية، لا يزال القطاع الأكبر من الشعب الأوروبي منحازاً للإنسان. وإن مثّل هذا الموقف الإنساني نقطة في بحر ما قدمته دولة مثل تركيا حكومة وشعباً للاجئين، يبقى موقفهم الإنساني جديراً بالاحترام. وإن اختلفت مواقف الحكومات، فلا يمكن اعتبار الشعوب متآمرة على العرب والمسلمين، بل يحتاج العرب لمراجعة سياساتهم تجاه بعضهم البعض وتجاه الآخر.