لماذا تزيد نسبة المواليد في الدول المنظمة لكأس العالم؟
كأحد حاملي الجنسية المصرية، لا يمكنني حتى الآن نسيان تلك الخيبة التي ضربت بلادنا فور إعلان فشلنا الذريع في محاولة الحصول على تصويت الدول من أجل السماح لنا بتنظيم كأس العالم عام 2010، تحت شعار «أملنا توحيد الشعوب»، والحقيقة أن الشعوب توحدت -جميعًا- في ذلك الوقت بالفعل، وقررت أن تمنحنا صفرًا عظيمًا سيظل خالدًا إلى مدة لا يُمكن تحديدها.
وبغض النظر عن الخوض في تلك المعضلة الحقيقية التي تسببت في حصولنا على ذلك الصفر المشؤوم، لكننا إذا جلسنا بتفكير مليّ لمرة، وتساءلنا عن السبب الذي دفع مصر لكل هذا الحشد نحو تنظيم هذه البطولة، وكل هذا الغضب والحسرة اللذين تملكانا حين خسرنا هذا السباق الذي لم نخضه في الأصل، فإن الأمر بعيد عن رغبة مصر الدفينة في محاولة سهلة للصعود لكأس العالم بعيدًا عن حسبة اللقاءات الصعبة، والتي كسرناها هذا العام بفضل الله، وإلا لماذا تجد باقي دول العالم تتهافت للحصول على هذا الشرف العظيم كما تهافتنا نحن؟.
الحقيقة أن هذا هو السؤال المعني، لماذا كل هذه الرغبة في نيل شرف دفع تكاليف وتحمل ضغوطات تنظيم أعظم بطولة كروية تقام كل 4 سنوات؟.
استضافة كأس العالم ليست نزهة
التطور الذي يحدث في كل مجالات العالم في الأوقات التي نعيشها حاليًا، يجعل من وراء كل حدث، مهما كانت ضآلته وصغره، فرصة عظيمة للدراسة والتحقق والتمحيص. في حين أن بطولة بعظمة كأس العالم، تقام منذ ثلاثينيات القرن الماضي وكما أوضحنا من قبل تتهافت عليها كل البلدان من أجل استضافتها، بل نسمع عن دفع رشوة وشبه فساد من أجل نيل شرف تنظيمها، يجعل العلماء كافة، وخاصة الاقتصاديين منهم، يبحثون حول الماهية الاقتصادية لذلك الشيء.
وأظن أن المُحرك الذي دفع كل العلماء للبحث حول الجوانب الاقتصادية في الدول التي تستضيف كأس العالم، هو ذات المُحرك الذي دفعنا لمناقشة الأمر نفسه الآن، ألا وهو السؤال المذكور أعلاه. والمتفق عليه في هذه الأمور أن العمليات الاقتصادية تتم في بحثها على شقين: طويل المدى وقصير المدى. لكن الغريب في الأمر أن الأكثرية من الباحثين حول ذلك الشأن الاقتصادي، وجدوا أن الفوائد التي تعود على البلد التي يقام بها كأس العالم، تكاد تكون معدومة في الشقين.
تلك الأكثرية قررت البحث في الشأن من خلال معالجة تعتمد على عوامل محددة: تجارة التجزئة، الإقامة، السياحة وقطاعات الأعمال، وبالرغم من أن العديد من العلماء دائمًا ما يبنون توقعات تقع في نقط مرتفعة -أو مقدرة بشكلٍ زائد- فيما يخص الفوائد الاقتصادية النهائية للبطولة بالنسبة للبلد المستضيف، كالتي تمت في حالة جنوب إفريقيا في عام 2010،والذي تم التوقع بأنه سيجلب ما يعادل 2.5 مليار دولار لصالح الدولة، بجانب توفير 159 ألف فرصة عمل جديدة وحوالي 845.8 مليون لصالح الضرائب الحكومية، وهو الحال ذاته -فيما يخص التوقع- في كل البطولات التي سبقت أو تلت هذه البطولة، لكن الواقع يخالف التوقع على الأغلب وتكون النسب أقل من ذلك بوضوح.
توضح الدراسات بأن تجارة التجزئة وإن زادت على المدى القصير فإن زيادتها تكون مقتصرة على بندين فقط؛ هما المنتجات الرياضية والجعة. في حين أن البقية تظل راسخة كما هي بلا حراك يذكر، بل وأن التجارب تُشير بأن الزيادة في البندين المذكورين تكاد لا تذكر لأنها جاءت بدلًا من منتجات أخرى يقل التعامل الشرائي عليها بالتالي المعدل النهائي يظل ثابتًا أو أقل من المتوقع، في حين أن هذه الزيادة لن تحدث إلا بزيادة سعر الفائدة وهو احتمال غير وارد على الأغلب.
كذلك السياح من الخارج، سواء كانوا رجال أعمال أو أفرادًا عادية، ما دام كأس العالم ليس ببالهم، سيقومون بإلغاء رحلاتهم إلى هذه الدول أو على الأقل تأجيلها؛ لأن خلال ذلك الوقت يكون البلد مزدحمًا جدًا وكذلك يكون هناك زيادة ملحوظة في أسعار الفنادق، مما يعني أن لو هناك فائدة تخص السياحة فإنها فقط تقوم بتغيير نوعية السائح، ولا تؤثر بالمرة من حيث زيادة الأعداد، وذلك يضرب بعاملي السياحة والإقامة عرض الحائط.
الإجابات التي بزغت في سماء تساؤلات الاقتصاديين حول العوامل السابق ذكرها باءت جميعها بالسلبية، لكن نتيجة كهذه لا يجعل البحث فاشلاً أو إنهاءه عند ذلك الحد، بل بالعكس، يظل التساؤل قائمًا وبقوة أكثر، ما الدافع إذن طالما غالبية العوامل سلبية كما يبدو؟.
فوائد قد تتعاظم في روسيا وتضر قطر
حسب قوانين الفيفا -حتى عام 2011-، فإن الاتحاد الدولي يطلب من الدول المنظمة لبطولات كأس العالم أن تُجهز 12 ملعبًا لاستضافة لقاءات البطولة، الملعب الرئيسي تكون سعته 80,000 مقعد والبقية حوالي 40,000 لكلٍ منهم. بناء هذه الملاعب دائمًا ما يكلف الدول التي تسعى لاستضافة كأس العالم قبل عملية الاستضافة، حتى لو كانت الدولة تملك تلك الملاعب بالأصل، فإن تحسينها أمر إلزامي من أجل الحصول على الحق في تنظيم البطولة من بين المنافسين.
لكن الدول الكبيرة، وخاصة الأوروبية منها، لن تُضار بمثل هذه العملية على المدى الطويل؛ فإن كانت عملية التطوير مكلفة، لكن عمليًا، استعادة تلك التكلفة بعد زمن ليس بكثير، شيء شبه مضمون، وذلك بفضل عوائد التذاكر المتوقعة لقوة الحضور الجماهيري في الدوريات المحلية لتلك الدول، كفرنسا وألمانيا على سبيل المثال، وكذلك للقيم السياحية التي تضاف للدول التي تملك ملاعب كبيرة بقيمة «ويمبلي» مثلًا، والذي ربما يتحول هو في حد ذاته إلى وجهة سياحية ترفع من قيمة المدينة وتجلب ربما الاستثمار كذلك للمناطق المجاورة لهذا الملعب.
لكن الدول الصغيرة كجنوب إفريقيا، لم تستفد كليًا من بناء تلك الملاعب الفخمة خلال مونديال 2010، فحسب موقع «ترانسفير ماركت» فإن معدل الحضور الجماهيري في الدوري المحلي لجنوب إفريقيا في الموسم الأخير لم يصل لـ 7000 مشاهد في الإجمالي داخل كل الملاعب. يجب أن يقارن ذلك بقدر ما قد تم دفعه من أجل بناء أو تطوير هذه الملاعب لكأس العالم 2010 وحينها ستدرك كارثية الأمر.
بالتالي وتوقعًا للبطولتين القادمتين، فإن روسيا ربما تستفيد كنظائرها من تنظيم كأس العالم 2018 فيما بعد انتهائه، وربما تتضرر دولة كقطر كثيرًا لضعف الكرة المحلية داخل الدولة، وفي الغالب سيكون الاعتماد الكامل فيما بعد على البطولات الموسمية والودية والتي لا تحدث كثيرًا. ما يمكن تلخيصه في أن بناء الملاعب كجزء من تنظيم كأس العالم مفيد للدول الكبيرة على المدى البعيد، غير مفيد بالمرة للدول الصغيرة والنامية.
قد يكون المونديال الحل الخفي للأزمة الأوروبية
تعاني أوروبا منذ سنواتٍ عدة من ارتفاع معدل الأعمار ومن انخفاض ملحوظ ومؤثر في معدل ونسبة المواليد، النسبة الأوروبية في الإحصائية الأخيرة حسب «جارديان» في 2015، فإن المعدل السائد في الاتحاد الأوروبي هو 1.55 طفل لكل أم أوروبية، ومن خلال إحصائية تمت منذ عام 2006، فإن نسبة الزيادة في المواليد خلال هذه الفترة عبر الاتحاد الأوروبي فقط 0.07%!، في حين أن الزيادة في ألمانيا، والتي تعد أحد أقل الدول الأوروبية في معدل المواليد، كان معدلها 10% وذلك بعد 9 شهور فقط من انتهاء بطولة كأس العالم 2006 والتي أقيمت في ألمانيا.
قبل انطلاق كأس العالم، كان معدل المواليد في ألمانيا هو 1.33 طفل لكل أم، معدل يظل ضعيفًا في ظل المعدلات الأوروبية ومقارنة بالدول الأخرى في بلدان داخل أوروبا أو خارجها. وبعد انقضاء الـ9 أشهر السابق ذكرهم، ظل معدل الارتفاع الألماني في تزايد حتى وصل أقصاه في 30 سنة منقضية ومنذ عام 1990 حيث وصل إلى 1.50 طفل لكل أم.
الأمر يبدو للوهلة الأولى طبيعي، أو على الأقل لا يتصل بكأس العالم، لكن الأدلة تثبت بأن الأحداث التي تتم خلال كأس العالم لها تأثير شديد على نسبة السعادة عند الأفراد وبالتالي زيادة معدل المواليد خلال الدولة المستضيفة يكون نتيجة منطقية. الأفراد العادية التي تحضر هذه المحافل الدولية في المعتاد، تؤكد أن الحرية والأجواء التي يعيشونها خلال وقت البطولة تملك تأثيرًا إيجابيًا للغاية على النفسية لديهم، وفي حالة النساء فإن تحسن النفسية يعني -طبيًا- تحفيزًا للهرمون الذي يساعد على الحمل.
في حالة ألمانيا مثلًا وكما موضح بالرسم أدناه، فإن معدل المواليد يتطور جدًا ويحقق زيادة على عكس المعدل بأمريكا في نفس الفترة، ما بعد كأس العالم، بل وأنه يتفوق على اليابان في أحيانٍا عدة، مع الوضع في الاعتبار الفارق في الزيادة السكانية في البلدان الثلاثة.
كذلك مع مراعاة تزايد معدلات شراء الجعة، كما تم الإشارة إليه مسبقًا، هو طقس ثابت خلال محافل دولية كالمونديال ومرتبط ارتباطًا شديدًا بكرة القدم في الخارج، وعليه فإن زيادة معدلات شرب الجعة والكحوليات له تأثير جنسي ملحوظ تم دراسته ومناقشته في العديد من المؤتمرات الطبية في ظروف مختلفة، مما يعني أن هذا أيضًا يُفيد من حيث زيادة نسبة المواليد المطلوبة.
الإجابات التي نسعة للوصول لها ستختلف في كل مرة نقرر الخوض فيها في مجال مغاير عن سابقه، الأكيد أن السلبية المستمرة أو الإيجابية الدائمة خيار غير متاح بالمرة، كل الدول تملك أسبابها ومعاييرها الخاصة في السباقات التي تسعى لها، ولكل منهم عوامله التي يقيم على أساسها، الأهم أنهم يتسابقون ونحن ندرس والفائدة تعم على الجميع.