فيلم «Birds of Prey»: كيف أصبحت هارلي كوين بطلة نسوية؟
في آخر إصدارات عالم دي سي السينمائي، تتردد تلك العبارة على لسان طفلة في أوائل سني مراهقتها، ذات أصل آسيوي، تتميز بخفة يدها، تسرق قوت يومها لكنها تسرق بعض الأشياء لمتعتها الخاصة أيضًا.
بعد صدور فيلم عصبة الانتحار suicide squad والذي لاقى انتقادات واسعة بسبب تشظي قصته وأسلوبه البصري بالإضافة لسطحية كتاباته وشخصياته، أقنعت إحدى نجماته (مارجو روبي) شركة ويرنر بروذرز بصناعة فيلم يتفرع بشخصيتها هارلي كوين ويحكي قصتها بشكل مستقل، ظهر الفيلم للنور في 2020 بعنوان طيور جارحة Birds of Prey، بفريق عمل أغلبه من النساء، يسخر بشكل واضح من سطوة الرجال على مجالات العمل وعلى حيوات النساء ذاتها، وتولت إخراجه كاثي يان، مخرجة صاعدة صينية أمريكية، أفرغت أفكارها على لسان شخصيات فيلمها ومنها تلك المراهقة الآسيوية، وعدة شخصيات أخرى من عالم كوميكس دي سي على رأسها بالطبع هارلي كوين، بنزعة نسوية واضحة وأسلوب بصري كارتوني أقرب لصفحات الكوميكس الملونة، في محاولة لتنفيذ ما فشل فيه عصبة الانتحار، فهل نجحت بشكل كامل؟
التحرر من العلاقات المسممة
يبدأ فيلم (طيور جارحة) Birds of Prey بشخصية هارلي كوين تحكي للجمهور قصة نشأتها بشكل مباشر على غرار فيلم مارفيل (ديدبول)، تحكي ماضيها مع حبيبها الشهير الذي عاشت لسنوات تحت حمايته – الجوكر – لكنها قررت أخيرًا أن تتحرر منه، من سطوته الذكورية ومن استغلاله لها في جرائمه وتلاعبه بها.
تعطيها المخرجة كاثي يان حرية مزدوجة، لا تزال هارلي كوين شخصية جميلة ومثيرة مفعمة بالأنوثة والتمرد وربما الوقاحة، لكنها متحررة من نظرات الكاميرا الرجولية التي تتابع أجزاء معينة من جسدها عن كثب، لا تزال ترتدي الملابس اللامعة لكنها اكتسبت نزعة طفولية أكثر، عشوائية في اختيار طلاء أظافرها وظل عيونها، لافتة للأنظار لكن حسب شروطها، تدور افتتاحية الفيلم عن تحررها من شخصية الجوكر حبيبها الذي دخلت معه في علاقة (مسممة) يتبعه تحرر شخصيتها ذاتها من نظرة السينما الرجولية.
تيمة العلاقات المؤذية تتكرر داخل الفيلم في شخصية أخرى وشرير جديد، نتعرف على رومان سايونيس الملقب بالقناع الأسود الذي يقوم بدوره إيان مكريجور، وهو ما يمكن اعتباره بديلاً للجوكر في الفيلم، فالفيلم على كل محاولاته لكسر الأعراف المرتبطة بالنوع والمرتبطة بسابقه لا يزال يتبعها بشكل يكاد يكون غير واعٍ وكأن تلك هي الطريقة الوحيدة لرسم الشخصيات ولبناء القصص، ترتبط إحدى بطلات الفيلم بهذا الشرير المهووس بسلخ أوجه ضحاياه، وهي الشخصية الوحيدة التي تملك قدرات خارقة، دينا الملقبة بالكاناري الأسود بسبب صوتها العذب والذي سوف يظهر في النهاية أنه مصدر قوتها، لا تستطيع الكاناري أن تتملص من علاقتها المسممة مع سايونيس، تنفذ له طلباته ونزواته وترتكب أعمال الشر على الرغم من عدم إيمانها بما تفعله وعلى الرغم أيضًا من وعيها أنها تتعرض للإيذاء، لذلك حين يصل الفيلم إلى ذروته ويتجمع فريق من النساء للقضاء على الشر المتمثل في ذلك الرجل الأبيض فاحش الثراء يصبح انتقامًا مزدوجًا من سطوته الذكورية وخطره على الأبرياء.
ما الجديد؟
لا يقدم الفيلم الكثير من الأفكار الجديدة عن بناء أفلام الكوميكس المعتادة، يوجد شرير مجنون سيكوباتي وعصبة من الأبطال تجمعهم ظروف غير متوقعة ومشاهد أكشن مطولة ينتصر فيها من يحابيهم الفيلم حتى وإن لم يكونوا أبطالاً بالمعنى المعتاد، وبناء ثلاثي الفصول يتصاعد حتى يصل إلى ذروة متوقعة، حاول الفيلم السابق الذي قدم شخصية هارلي كوين – عصبة الانتحار – صنع ذلك بالضبط، عصبة من الأبطال غير الكاملين، أشرار بطبيعتهم ومجرمون لكنهم يحاولون التخلص من شر أكبر لخدمة مصالحهم الخاصة، لكن بسبب عشوائية الكتابة وكثرة الشخصيات لم ينجح في تقديم ذلك أو في صنع شخصيات جذابة يمكن الارتباط بها والتعاطف معها.
يمكن في الطيور الجارحة فهم دوافع الشخصيات حتى وإن لم تكن كلها شرًا مطلقًا، يمكن اعتبار هارلي كوين كذلك أما بقية الشخصيات فلكل منهن صدمتها الخاصة والتي يتسبب فيها بشكل أو بآخر رجل ما أو نظام بطرياركي بشكل أعم، يسهل ذلك التعاطف معهن وفهم دوافعهن مثل هانتريس التي شهدت مقتل عائلتها وهارلي كوين التي أصابها حبيبها بالجنون بشكل حرفي، حتى المحققة مونتويا التي لا نعرف عنها سوى دأبها في العمل يمكن التعاطف معها من منطلق نسوي وهو سطوة الرجال على وظائف معينة مثل الشرطة وكيف يستحوذون على إنجازات غيرهم خاصة النساء، وفي منتصف كل ذلك الطفلة، لا نعلم الكثير عن ماضيها لكنها شخص يحاول ألا يكون مستضعفًا في عالم الرجال، تسرق لأنها ماهرة في ذلك ولكنها ليست ماهرة في الاختباء من الشرطة، تبدو وحيدة في العالم بالإضافة لكونها ذات عرق آسيوي يجعلها أقلية، ربما يحاول الفيلم وضع عدة أعراق وأقليات بشكل ممنهج، لكنه لا يتناول ذلك بشكل مزعج أو خطابي.
الأسلوب البصري
يملك الفيلم أسلوبًا بصريًا طاغيًا، تتفجر الشاشة بالألوان والأصوات وتطغى أسلوبية كاملة تبتعد عن الواقعية تمامًا في بصريات الفيلم وتجعله أقرب لفيديو أغاني مصور بالإضافة لمحاولات تقريبه لشكل قصص الكوميكس، يمكن الإشارة إلى أن هذا ما كان يحاوله عصبة الانتحار ولم ينجح فيه، جماليات المهرجين والسيرك تعطي للفيلم شكلاً مميزًا، فيقع القتال الأخير في غرفة مرايا على سبيل المثال، بالإضافة لأسلوب شخصية هارلي كوين نفسها، فهي تقاتل بسلاح يطلق الغبار اللامع وتفجر قنابل لونية، هي فتاة مجنونة تحب اللعب ببساطة وهذا هو عنصر جاذبيتها، تنطلق جماليات الفيلم من الجماليات التي اختارتها لنفسها والألوان التي تفضلها، لكن تلك الخيارات البصرية لسبب ما ليست دائمًا ثابتة، على سبيل المثال في بعض المشاهد في بداية الفيلم تظهر أفكار هارلي على الشاشة في هيئة مصابيح صغيرة ملونة، تلك الخيارات الكارتونية لم تستمر وأخذ الفيلم منحى أكثر اعتيادية، لكنه لم يأخذ نفسه بجدية أكثر من اللازم.
القضايا النسوية
يمكن لمرة عدم شجب الموجات الجديدة التي تحرك السينما سواء نسوية أو مهتمة بالأقليات، فلا فرق كثيرًا بين فيلم يحكي عن مجموعة من النساء يجدن عزاءهن مع بعضهن، ويؤمنّ بضرورة التعاضد، عن مجموعة رجال يعتبرون بعضهم إخوة ويتناسون خلافتهم عند الحاجة، حاولت دي سي فرض بطلة نسوية من إخراج امرأة بإصدار المرأة الخارقة Wonder Woman، لكن كان يمكن إحساس ثقل التناول، بل وادعاؤه في حين أن فيلم هارلي كوين الجديد ليس مثاليًا إلا أنه لا يخجل من كونه فيلمًا ممتعًا بل هزليًا في بعض الأحيان.
يمكن الشعور بالنزعة النسوية في التعاطف الذي تخلقه المخرجة يان تجاه أبطالها، هي لا تسلبهن أنوثتهن، هن قادرات على الابتسام والسخرية من أنفسهن على عكس وندر وومن مثلاً، كما أنهن يرتدين الملابس البراقة ويضعن مساحيق التجميل، فلا يقعن تحت تنميط البطلة التي تحاول أن تشابه الرجال أو التنميط الذي تتعرض له شخصية هارلي كوين نفسها في أفلام سابقة من حيث كونها أنثى تستعرض أنوثتها وتنجو بأفعالها لأنها فتاة لعوب مغرية، في أحد مشاهد الفيلم تنقذ شخصية الكاناري الأسود هارلي كوين من أيدي شابين يحاولان استدراجها وهي تحت تأثير الكحول، وهي قضية لا منتهية من افتراض بعض الرجال أحقيتهم في عرض الجنس على النساء في حالات غير واعية، تنهال عليهم الكاناري بالضرب في تتابع شديد العنف يملك نزعة انتقامية حقيقية من الفكرة ذاتها، بينما تتمتم هارلي بأنها قادرة على مواجهة الموقف، وفي حين أن هارلي تخلصت أخيرًا من علاقتها المسممة ورضوخها تحت إمرة أحد الرجال وهو الجوكر إلا أن العصفورة لا تزال حبيسة، لكنها تعتبر نفسها مدينة لذلك القناع الأسود لإنقاذها من حياة التشرد، وتحاول على الدوام أن تفعل ما تراه صائبًا لكن بحرص لا يودي بحياتها، تلك شخصيات نسائية بعيدة كل البعد عن المثالية، ترتكب الجرائم المروعة لكنها تحاول الخلاص، حتى أن الشخصية الرئيسية لا تتخلص من شرها بالكامل وتحتفظ بسمات شخصيتها ونزعتها الخداعية.
هارلي كوين على غرار ديدبول فيلم يحاول كسر الأعراف وإنعاش نوع سينمائي بدأ في تكرار ذاته، يملك الكثير من الإحالات لفكرة الحكي ذاتها وصناعة الأفلام وهي تقنية تجعل الفيلم أخف وتسنح لصناعه فرصة السخرية من أنفسهم ومن الكليشيهات القصصية التي تتميز بها الأنواع السينمائية، لكنه ومثل ديدبول أيضًا يخشى الابتعاد عن تلك القواعد غير المكتوبة، ولا يغامر حتى النهاية، يصنع وصفة معتادة من الحركة والفكاهة وثنائيات الخير والشر لكن في قالب واعٍ بذاته أكثر ويمكن الاستمتاع به على الرغم من عيوبه أو اعتقاد صانعيه أنه أميز من سابقيه.