“الرجل الطير” يحلق في سماء الأوسكار
تظل منافسات الأوسكار هذا العام الأكثر تشويقًا وإثارة للجدل منذ أعوام مضت. أكثر من فيلم ظل حتى اللحظات الأخيرة منافسًا بقوة على أكثر من جائزة. أصابت التوقعات فى بعض الجوائز، وأخطأت في بعضها، ولكن تظل الحفلة الأكثر تشويقًا وإثارة منذ سنوات.
حصل الرجل الطائر Birdman على الجوائز الرئيسية: أفضل فيلم، أفضل سيناريو، أفضل إخراج، أفضل تصوير (اقرأ مقالنا السابق عنه) فيما يمكن اعتباره أكبر مفاجأت الحفل. كان من المتوقع تقسيم الجوائز كعادة الأكاديمية منذ سنوات على الفيلمين الكبيرين خصوصا بعد حصول Birdman على جائزة المنتجين منذ أسابيع؛ وهو مؤشر رئيسي على الفيلم الذي سيحصل على جائزة الأفضل. حصد Alejandro González Iñárritu أول أوسكار له كمخرج فى حين حقق Emmanuel Lubezki إنجازا بحصوله على أفضل تصوير للمرة الثانية على التوالي بعد Gravity العام الماضي. يدور الفيلم عن ممثل أفل نجمه يحاول إحياء مسيرته بإنتاج مسرحية وسط هذا يواجه مخاوفه وهلاوسه فى جو مسرحى مفعم بالحيوية. يمكن تفسير حصول الفيلم على كل هذه الجوائز بأن طبيعة القصة قريبة من عقل وروح أعضاء الأكاديمية حيث أن معظمهم من الممثلين الذين سيجتذبهم بالتأكيد فيلم بهذا الموضوع.
كانت المنافسة على أفضل فيلم وإخراج بين Boyhood و Birdman على أشدها، ومالت التوقعات لحصول الأول على أفضل فيلم والثاني على أفضل إخراج؛ ولكن الثانى حصد الاثنتين.
فى حين كان حصول Boyhood على جائزة أفضل ممثلة مساعدة Patricia Arquette قريبا من التوقع؛ ويظل Richard Linklater في انتظار جائزته الاولى كأحسن مخرج بعد 5 ترشيحات. يمكن تبرير ذلك بطبيعة أفلام لانكلاتر الغير تقليدية والبعيدة عن الفئة المحبوبة لدى أعضاء الاكاديمية. رغم هذا يظل الفيلم العلامة المميزة لعام 2014. فيلم تم تصويره على مدار 12 عام حول شاب وفتاة من طور الطفولة حتى المراهقة والشباب بشكل بديع في تجربة من الصعب أن تتكرر.
ثانى المفاجأت حصول Eddie Redmayne على جائزة أفضل ممثل رئيسى عن فيلم The theory of every thing، بعد أن كانت حظوظ Michael Keaton أعلى كأول ترشيح له في الثانية والستين من عمره عن أداء مذهل في Birdman. يمكننا اعتبارها مجاملة للعالم الكبير ستيفن هوكنج الذي يدور عنه الفيلم ولكنه يظل فيلما متوسط المستوى.
ثالث علامات الحفل حصول The Grand Budapest Hotelعلى أربع جوائز. فاعتباره فيلما كوميديا أضعف من فرص حصوله على جوائز وفقا لعادة الأكاديمية؛ لكن الفيلم قدم صورة رائعة لاتصال الشرق والغرب عن فندق يملكه غربي يترك إدارته لمساعده المسلم. صورة مغايرة لعادة الأفلام الأمريكية في الحديث عن شرق أوروبا. مخرج الفيلم Wes Anderson المرشح ل 6 جوائز أوسكار، ذو أصول أوروبية ومتزوج من لبنانية؛ أثر كل هذا على رؤيته، ليس في هذا الفيلم فقط ولكن فيما سبقه من أفلام بشكل عام. حصد الفيلم جوائز: أفضل موسيقى تصويرية، أفضل ماكياج، أفضل أزياء، أفضل إنتاج.
في حين حصدت Jullianne Moore أول أوسكار لها كممثلة رئيسية عن Still Alice. الفيلم يتحدث عن أستاذة لغويات تصاب بفقدان الذاكرة، ويسرد تأثير هذا على أسرتها. المنافسة في هذه الفئة كانت عنيفة مع Rosamund Pike التي أبهرت الجميع في دورها المركب في فيلم Gone girl ، و Reese Witherspoon في فيلم Wild.
في حين ذهبت جائزة أفضل ممثل مساعد لـ J.K. Simmons عن فيلم Whiplash.. الفيلم من كتابة وإخراج Damien Chazelle عن فيلم قصير أخرجه منذ عامين. الفيلم حصد ثلاث جوائز، أفضل ممثل مساعد إضافة إلى جائزتين أخريين: أفضل مونتاج وأفضل sound mixing.
المنافسة هنا أيضا كانت عنيفة مع Edward Norton ودوره المميز في Birdman ، و Ethan Hawke في Boyhood ، وMark Ruffalo صاحب الأداء الصادم في Foxcatcher.
من أسباب السعادة بالنسبة لي حصول Interstellar على جائزة واحدة فقط هي أفضل مؤثرات تصويرية. وإن كان Dawn of planet od apes أكثر استحقاقا منه. الفيلم الذى يمكن وصفه بأنه أكبر إحباطات العام لم يكن يستحق أفضل من هذا، ويثبت مقولة أن ملايين المحبين يمكن أن يكونوا على خطأ.
ثاني السعادات حصول American sniper على جائزة واحدة فقط هي sound edition. الفيلم تم اتهامه عن حق بالسطحية والنمطية في تصوير الاحتلال الأمريكي للعراق متأثرا برؤية مخرجه كلينت ستوود المحافظ، مظهرا المسلحين العراقيين بأنهم الآخر الشرير. هذه الرؤية انتهت مع مخرجي الخمسينات، ومجرد قبولها الآن يعد ارتدادا إلى الخلف. يمكننا وصمه بأنه أسوأ فيلم أمريكى صنع عن الحرب في العراق.
يمكن ملاحظة علو صوت الأفلام الأمريكية التي تتحدث عن حرب الأمركيين في الخارج وتصويرها للبطل الأمريكي الخيِّر في مواجهة الآخر الشرير في Lone survivor عن حرب أفغانستان الذي تحدث بنفس النبرة اليمينية. ويمكن تفسير هذا بعلو صوت اليمين في أمريكا في الألفينيات.
ذهبت جائزة أفضل فيلم وثائقي لـ Citzenfour عن قصة Edward Snowden موظ المخابرات الأمريكية الهارب لروسيا، والمتهم بإفشاء أسرار الحكومة الأمريكية. مخرجة الفيلم Laura Poitras دائمة الاهتمام بهذه النوعية من الموضوعات؛ رأيناها من قبل في The Oath.
موضوعات السياسية دائما كانت ضيفا مثيرا للقلق في الأوسكار؛ وهذا العام لم يكن استثناء. بشكل عام تصورنا مجاملة فيلم Life itself عن قصة حياة الناقد السينمائي الأمريكي Roger Ebert؛ ولكن ذلك لم يحدث.
ثاني الموضوعات السياسية فيلم Selma عن قصة حياة مارتن لوثر كينج ومسيرته الأكبر في تاريخ أمريكا للمطالبة بحقوق الزنوج في أمريكا. حصل الفيلم على جائزة أحسن أغنية في فيلم. اتهم بعض النقاد صناع الفيلم بعدم الدقة التارخية في بعض أحداث الفيلم، واتهم البعض لجنة التحكيم بمعاداة الفيلم خصوصا أن هذه هي المرة الأولى منذ 20 عاما مضوا، لا يوجد ممثل أسود في قائمة الممثلين المرشحين؛ لكن في دولة رئيسها أسود، أظن أن هذا الحديث من زمن مضى! تم تقديم الأغنية في الحفل ولاقت احتفاء وبكاء الحضور. بشكل عام سيظل علامة من علامات العام.
وكعادة الأوسكار، حضر فيلم يتحدث عن يهود الحرب العالمية الثانية هو فيلم Ida البولندي الحاصل على جائزة أفضل فيلم أجنبى لمخرجه Pawel Pawlikowski. يتحدث الفيلم عن الراهبة التي اكتشفت أن أبويها من يهود الجيتو البولندى لكنهما مدفونان في مقابر مسيحية فنقلت رفاتهما لإحدى المقابر اليهودية قبل أن تتوجه للدير لإكمال حياتها كراهبة مسيحية. على مدار أعوام ظلت الأفلام من هذا النوع قريبة من فكر الأكاديمية، لهذا كان من المتوقع حصول الفيلم على الجائزة؛ ولكن ذلك لا يعني ضعف الفيلم، على العكس، يمكن اعتباره من أقوى الأفلام التي نالت الجائزة طوال أعوام مضت.
حضور تاريخي آخر لفيلم The Imitation Game الحاصل على جائزة (أفضل سيناريو مقتبس) عن قصة العالم الإنجليزي صاحب الفضل في فك شفرة إنيجما الألمانية. بشكل عام ظلت الحرب العالمية الثانية تربة خصبة للأفلام طوال الأعوام الماضية؛ فنرى هذا العام أيضا Fury بطولة براد بيت عن قصة المدمرة الأمريكية فيرى.
أفلام الأنيمي Animation هذا العام ليست على مستوى الأعوام السابقة. حصد فيلم Big Hero 6 من إنتاج ديزنى الجائزة كأفضل فيلم أنيمى. ربما يكون أقرب الأفلام بالنسبة لي هو The lego movie عن مجموعة من ألعاب الليجو قررت القيام بثورة ضد صانعها لما يحتويه الفيلم من محتوى ثوري؛ لكنه لم يرشح أساسا للجائزة في إحدى إحباطات العام بالنسبة لي.
مضى 2014 بأفلامه الجيدة والسيئة؛ أفلام سيأفل نجمها مع الزمن وأخرى ستتألق وتخلد.. وتظل آلة الصناعة السينمائية تنتج لنا كل ما هو جديد..