فيلم «Bird Box»: فناء الإنسان بيده ﻻ بيدي عمرو
يبدو أن العالم على وشك الانتهاء فعلاً٬ أو أنها أصبحت أمنية ملحة على عقل الإنسان٬ أن يفنى العالم وينتهي البشر٬ أن يضعفوا وينتهي جبروتهم اللانهائي أمام قوة أكبر منهم تأخذ أرواحهم ليفرغ العالم منهم٬ ربما يصبح أهدأ وأقل صخباً٬ يبدو أن هذا أصبح الحل الوحيد أمام كل الشرور التي تحدث في هذا العالم٬ شر أكبر وأقوى ينهي كل شيء.
كثرت أفلام نهاية العالم وفناء البشر٬ الأفلام التي عرفت بالأبوكاليبتك أو نهاية العالم، والتي تكون تيمتها الأساسية كارثة يتبعها انقراض البشر٬ هذه المرة تأتينا النهاية من خلال نتفلكس٬ شبكة الترفيه الأكثر شهرة في العالم٬ وعبر فيلم «Bird Box» من بطولة الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار، ساندرا بولوك.
صندوق الطيور
يدور فيلم «Bird Box» حول كائنات غامضة تجتاح الأرض دونما سبب معروف، هذه الكائنات ما أن ينظر لها الناس في الهواء الطلق حتى يقدموا على الانتحار فوراً٬ يموت الناس بأعداد كبيرة ويساقوا لحتفهم ذاهلين يحدثون أوهاماً لا يراها سواهم. تنجو مالوري/ساندرا بولوك بطفليها وتستطيع الحياة لمدة خمس سنوات٬ ثم تضطرها الظروف للسفر لحوالي 50 ساعة في النهر معصوبة العينين مع الطفلين حتى تصل لمكان مأهول يضم مجموعة من البشر الناجين.
تبدو الفكرة مستهلكة حتى أنها تقترب هنا من فيلم صدر في نفس العام منذ بضعة أشهر فقط٬ وهو فيلم «A Quite Place» والذي كان يحمل نفس التيمة٬ كائنات تقتل البشر ويفنى العالم وتحاول إحدى الأسر النجاة٬ والنجاة تتطلب التخلي عن حاسة السمع٬ أما في فيلم «صندوق الطيور» فهي حاسة البصر.
الفيلم من بطولة ساندرا بولوك في دور الأم، وتريفانت رودس في دور توم، والأطفال جوليان إدواردز في دور الصبي، وفيفيان ليرا بلير في دور الفتاة. الفيلم من إخراج سوزان بيير وقد صدر على نتفلكس في الأسبوع الأخير من 2018 ولاقى رد فعل واسعًا لدى الجمهور حول العالم٬ يشيدون بالفيلم ويستحسنونه٬ فماذا يختلف في هذا الفيلم عن أفلام نهاية العالم؟
عن الأمومة والثقة وأشياء أخرى
يدور الفيلم في خطين متوازيين٬ رحلة النهر التي تقوم بها الأم مع الطفلين في الوقت الحاضر٬ وما حدث قبل خمس سنوات عندما بدأ الجنون يجتاح العالم حينما كانت لا تزال مالوري حاملاً٬ والمنزل الشبيه بسفينة نوح والذي ضم كل أنواع البشر في محاولة للنجاة مما يحدث في الخارج، فيهم الشرير، والرقيقة، والحازم، ومثلي الجنس، والمضطهد، والمتشكك، كل شخص فيهم يمثل نوعاً من البشر، وكلهم يحاولون النجاة بحياتهم.
في الجزء الذي يدور في الماضي نرى مالوري قوية الشخصية مسيطرة على مشاعرها٬ ترى الأمومة من منظور خاص بها٬ تراها عبئاً وتعطيلاً دون أن تصرح بذلك بشكل كامل٬ ونفهم من سياق الأحداث أنها عانت مع والدها الذي لم يكن أباً جيداً٬ ثم في الحاضر نراها قوية متحملة للمسئولية حازمة مع الطفلين٬ دون مشاعر أمومة فياضة فلا ينادونها بماما٬ بل لم تخلع عليهم أسماء فهي تناديهم بصبي وفتاة.
الحياة دون بصر شاقة بالطبع٬ فما بالك عندما يكون هذا البصر هو ما يقودك لحتفك. عاشت مالوري الفاقدة للثقة والأمان من البداية، خمس سنوات فاقدة للثقة في عينيها٬ فهي لو أبصرت سوف ترى أقصى مخاوفها وسوف تذهب لتقتل نفسها٬ الثقة التي يفقدها البشر عادة في الآخرين ويحتمون بأنفسهم يتحصنون بها من الخطر أصبحت خطراً هي الأخرى٬ نظرها الخاص أصبح خطراً٬ فقدان الثقة في حواسها الخاصة أورثها جموداً لم تكن في حاجة إليه أصلاً فهي من البداية تعرف كيف تكون جامدة.
أسئلة بلا إجابات
يناقش موضوع الفيلم ثقة الإنسان في نفسه وفيمن حوله٬ وفي مشاعره الخاصة٬ هل أنت على حق فعلاً؟ هل مشاعرك بوصلة صادقة؟ هل إحساسك يكفي للحكم على الأشياء والناس ويحميك من الخطر؟
كل هذه الأسئلة لا بد أن تدور في ذهنك وأنت تشاهد الفيلم٬ ما السبب الذي دمر حياتهم في المنزل الآمن؟ القدر أم ثقتهم في حدسهم؟ كل الطيبين اللطفاء في المنزل كانوا على خطأ أما الشرير الوحيد الذي كان مكروهاً لعجرفته ماذا فعل وماذا اكتشف؟ لماذا يجب أن نكون أشخاصاً أفضل؟ لماذا نمنح مشاعرنا؟ ما جدوى اللطف ورقة المشاعر وسط هذا الجنون المطبق؟ وهل تغلبنا مشاعرنا رغماً عنا رغم كل التحصينات؟
الفيلم يطرح عليك كل هذه الأسئلة ولا يمنحك سوى إشارات للإجابة٬ إشارة تتمثل في تصرف شرير المنزل في آخر لحظاته٬ أو في نظرة مالوري للطفلين في اللحظة التي تقرر فيها عبور منحدرات النهر معصوبين الأعين جميعاً٬ أو في تنهيدتها عندما تمكنت أن تنظر لنور النهار٬ إشارات لا تمنحك إجابة قاطعة ولكنها ترشدك للطريق.
المختلف في هذا الفيلم هو أنه لا يجعلك تلهث من الإثارة وتتابع الأحداث كونه فيلم تشويقي٬ المختلف هو أن الفيلم يجعلك تتساءل عن معنى الأمان إذا فقدت القدرة على الثقة في حواسك الخاصة٬ ومشاعرك وقدرتك على الحكم على الأمور٬ هل يمكن أن تظل في أمان عندما تفقد الثقة في نفسك؟