التعدين الحيوي: البكتيريا تستخلص عناصر الأرض النادرة
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
خزان ضخم ممتلئ بالكائنات الدقيقة تستخلص المعادن من المواد الخام، والعديد من الهواتف القديمة والأقراص الصلبة؛ إنها تلك التقنية التي بشر بها الخيال العلمي: التعدين الحيوي.
يبدو الأمر كحلم مستقبلي، ولكنه في الواقع يوظف حاليًا لإنتاج حوالي 5% من الذهب العالمي، وحوالي 20% من النحاس، كما يستخدم على نطاق أضيق في استخراج الزنك والكوبالت وعناصر الأرض النادرة. والأمر الأكثر إثارة للحماس هو القدرة على استخراج المعادن النادرة، والتي هي مكون أساسي في كل شيء ابتداءً من الهواتف المحمولة، ووصولًا إلى تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
اقرأ أيضًا: هل ستمد العناصر النادرة مستقبلنا بالطاقة النظيفة؟
يحتوى منجم ماري كاثلين – أحد المناجم الناضبة بالشمال الغربي لكوينز لاند – على ما قيمتة 4 مليار دولار من المعادن النادرة. يقدم التعدين الحيوي حلًا أقل تكلفة اقتصاديًا وبيئيًا أثناء استخراجه، كما أن التعدين الحيوي متنوع الاستخدام حيث يمكن توظيفه على سطح الأجرام الكوكبية، وقد أظهرت دراسات المعالجة الحيوية على محطة الفضاء الدولية كائنات دقيقة من البيئات القاسية على الأرض يمكنها تقطير المواد غير العضوية والمعادن من الصخور عند تعرضها للعوامل الفضائية من برودة وحرارة وإشعاع وتخلخل، بل وأكثر من ذلك أن بعض العلماء يؤمنون بأننا لن نتمكن من استعمار الكواكب الأخرى دون تكنولوجيا التعدين الحيوي.
كيف تحدث هذه العملية؟
كائنات دقيقة داخل خزانات لتقطير المعادن من أي مادة خام، من المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ
تجري عملية التعدين الحيوي عبر مفاعلات ضخمة ومغلقة (مفاعلات حيوية)، تحتوي هذه الأجهزة بصورة عامة على الماء، والكائنات الدقيقة (بكتيريا، ديدان أو فطريات)، والمواد الخام، ومصدر طاقة للميكروبات.
يعتمد مصدر الطاقة اللازم على الميكروب المخصص لكل مهمة. على سبيل المثال:
يتم تقطير الذهب والنحاس حيويًا من كبريتيدات المواد الخام باستخدام الكائنات الدقيقة التي يمكنها اكتساب الطاقة من المصادر غير العضوية عبر أكسدة الكبريت والحديد. وكذلك يتم تقطير العناصر النادرة من مواد خام غير كبريتيدية باستخدام الكائنات الدقيقة التي تستلزم وجود مصدر للكربون العضوي، حيث لا تحتوي هذه المواد الخام على مصدر طاقة يمكن استخدامه؛ وفي هذه الحالة يتم إضافة السكريات لتتمكن البكتيريا من النمو.
جميع الكائنات الدقيقة تحتاج للمعادن لتقوم بالتفاعلات الحيوية الأساسية. ويحصل البشر على المعادن من خلال التركيزات الضئيلة في الطعام، وتحصل الميكروبات على المعادن عبر إذابتها من المواد غير العضوية في بيئتها، وتقوم بذلك عبر إنتاج الأحماض العضوية والمركبات المصاحبة للمعادن. يستغل العلماء هذه السمات عبر خلط الميكروبات في محلولات مع المواد الخام، ثم يقومون بجمع المعادن عندما تطفو على السطح.
يجب أن تتم مراقبة معدلات الحرارة والسكريات ومعدل دوران الخزان والحامضية وثاني أكسيد الكربون ومستويات الأكسجين، وضبطها لتوفير ظروف التفاعل المثلى.
فوائد التعدين الحيوي
تتطلب طرق التعدين التقليدية عمليات كيميائية قاسية وكميات ضخمة من الطاقة، كما تنتج العديد من الملوِثات، في المقابل يستهلك التعدين الحيوي القليل من الطاقة وينتج القليل من المواد الثانوية الميكروبية كالأحماض والغازات العضوية.
ونظرًا لانخفاض تكلفته وبساطته، يمكن استغلال مصادر الفلزات الرديئة (مثل مخلفات المناجم) عبر التعدين الحيوي وإلا سيتم توظيفها بصورة غير اقتصادية عبر الطرق المعتادة. وتتجه البلدان مثل فنلندا والتشيلي وأوغندا نحو التعدين الحيوي بصورة متزايدة، فقد استهلكت التشيلي الكثير من مصادر النحاس الغنية ولكنها توظف التعدين الحيوي الآن، بينما تستخرج أوغندا الكوبالت من مخلفات مناجم النحاس منذ أكثر من عقد.
اقرأ أيضًا: عبودية الكوبالت: بطارية هاتفك قد تكون مخضبة بالدماء
لماذا نحتاج لعناصر الأرض النادرة؟
عناصر الأرض النادرة هي مجموعة من 15 عنصرًا تُعرف باللنثانيدات وتقع في أسفل الجدول الدوري، ويضاف إليها السكانديوم والإتريوم، ويتم استخدامها على نطاق واسع في جميع أنواع الإلكترونيات، كما أن هنالك سعيًا حثيثًا نحو استخدامها في السيارات الكهربية وكذلك في صناعات الطاقة المتجددة.
تجعل السمات الذرية تلك العناصر نافعة كمواد مغناطيسية وفوسفوريات، حيث يتم استخدامها كمغناطيسات خفيفة الوزن: في السيارات الكهربية ومحركات الرياح والأقراص الصلبة والأجهزة الطبية، وكفسفورات: في الإضاءة موفرة الطاقة، وفي مصابيح الدايود (الليد) الخاصة بالهواتف النقالة، والتلفزيونات والحواسب المحمولة.
بغض النظر عن التسمية فإن العناصر النادرة ليست نادرة، وبعضها في الواقع أكثر وفرة من النحاس والنيكل والرصاص في القشرة الأرضية، مع ذلك وعلى خلاف هذه المعادن الأولية والتي تأتي من المواد الخام (معادن ناتجة بشكل طبيعي أو صخور يمكن استخراج مواد نافعة منها)، فعناصر الأرض النادرة مشتتة على نطاق واسع، وبالتالي وليكون الأمر مجديًا اقتصاديًا يتم التنقيب عنها عامة كمنتجات ثانوية بجانب المعادن الأولية مثل الحديد والنحاس.
أكثر من 90% من عناصر الأرض النادرة تأتي من الصين حيث احتكار الإنتاج والقيود التجارية، وحيث يسبب التنقيب غير القانوني تقلب الأسعار بصورة دراماتيكية كل فترة.
صنفت تقارير من وزارة الطاقة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي، و هيئة الاستخبارات الأمريكية العديد من العناصر النادرة كمواد حساسة؛ نظرًا لمحوريتها بالنسبة للطاقة النظيفة، وكذلك لارتفاع مخاطر التوريد وعدم وجود بدائل.
تشجع هذه التقارير التطوير، والبحث عن طرق تنقيب بديلة مثل التعدين الحيوي كإستراتيجية تعويض ممكنة، واستجابة لهذه الدعوات استخدمت المعامل في جامعتي كيرتن و بيركلي الكائنات الدقيقة لتقطير المعادن النادرة، وأظهرت هذه الدراسات التجريبية نتائج واعدة، مع معدلات استخراج متنامية تقترب من معدلات التعدين التقليدية.
نظرًا لأن المعروف عن أغلب الإلكترونيات أن دورة حياتها قصيرة، وإمكانية إعادة تدويرها ضعيفة، تجري المعامل تجارب عن التعدين الحيوي (الحضري). على سبيل المثال: شهدت دراسات المعالجة الحيوية نجاحًا في استخراج العناصر النادرة من مسحوق الفوسفور الذي يبطن كرات الفلورسنت، كما استخدمت الكائنات الدقيقة لإعادة تدوير العناصر النادرة من المخلفات الإلكترونية مثل مغناطيسات الأقراص الصلبة.
إن العناصر النادرة عالية القيمة بالنسبة لمستقبلنا، والتعدين الحيوي هو طريقة للحصول على هذه الموارد القيمة بطريقة مستدامة بيئيًا، ومجدية اقتصاديًا.