Biohacking: عندما تتزاوج التقنيّة والبيولوجيا
يزداد استخدام هذا المصطلح يومًا بعد يوم، لكن ما هو فعلًا؟
مصطلح Biohacking، الذي سنناقشه في هذا المقال، لم أجد له فعلًا مقابلًا عربيًا ملائمًا، ولا أريد استخدام كلمة «قرصنة/اختراق البيولوجيا العضويّة»لذلك سأستمر باستخدام المصطلح باللغة الإنجليزيّة.
يمكننا تعريف هذا المصطلح بأنّه التجارب البيولوجيّة التي يقوم بها الشخص العاديّ في منزله أو في مساحات مشتركة مع أشخاص يشاركونه الاهتمامات نفسها (والتي تُدعى Biohacker Spaces).
يدرس هؤلاء الأشخاص البيولوجيا ويحاولون التعديل عليها، سواء كان ذلك من خلال التعديل على النباتات والتلاعب بالحمض النووي الخاص بها لجعلها تنمو بشكلٍ أسرع أو جعلها مضيئةً في الظلام، أو حتى التعديل على الجسم البشريّ نفسه وإضافة بعض التحسينات عليه عليه، وذلك بمختلف الطرق، ابتداءً من تناول عقاقير محسّنة لنشاط الدماغ nootropics وانتهاء بإدخال أجسام غريبة تحت الجلد وفي الأدمة.
وإن اعتبرت العقل هو الراكب والجسم هو السيارة مثلًا، فإن الـ biohacking هو تحديث قطع السيارة بشكل مستمر لزيادة أدائها ولتلبية حاجات الراكب الأساسي!
بدأ ظهور هذه «المساحات» الخاصة بالـ biohackers بشكل مضّطرد، موفرةً الأدوات للأشخاص لاستكشاف قدراتهم على تعديل البيولوجيا بشتّى الطرق.
ربما تحمل كلمة «الاختراق hacking» مخاوف بحد ذاتها، فهي مرتبطة بالأشياء السيئة وغير القانونيّة. رغم حداثة هذه الكلمة والحركة المرتبطة بها، فإن بداياتها التي كانت ناتجة عن الفضول والبحث عن الجديد وصلت إلى نتائج غريبة ومدهشة، ليست نهايتها تحسين الحواس البشريّة فحسب، بل إضافة حواس جديدة لم تكن موجودة.
إن كنت من محبيّ مسلسلات الخيال العلميّ، فعليك أن تشاهد المسلسل الذي عُرض هذا العام باسم Humans، ويناقش فيه الكاتب أكثر من مشكلةٍ في آن واحد، مشكلة الذكاء الاصطناعي AI والتي لن تكون موضوعنا هنا، والمشكلة الأخرى هي السايبورج Cyborg.
فعند غرق طفل لبروفسور في علوم الذكاء الاصطناعي، يقوم البروفسور والمخترع بإعادة ابنه إلى الحياة عن طريق تعويض الجزء التالف من دماغه بجزء إلكترونيّ، ثم قام بتحميل كلّ الذكريات الممكنة من الدماغ العضويّ ورفعها إلى الدماغ الإلكترونيّ الجديد، ليصبح بذلك الطفل Cyborg، أيّ كائنٌ بأجهزة عضويّة وأخرى إلكترونيّة، وبذاكرة إلكترونيّة تمنعه من النسيان. كلّ ذلك يبدو خيالًا علميًا بعيد المنال، لكن على أرض الواقع، هل تعرف أنّ السايبورج موجودٌ بيننا فعلًا؟
جواز سفرٍ رسمي لسايبورج
ولد نيل هاربيسون Neil Harbisson مصابًا بعمى الألوان، فهو يرى العالم بتدرجات الأبيض والأسود والرمادي. اهتمّ نيل بفكرة الـ Biohacking، وفي عام 2003 قام بالعمل مع بيتر كيسيه وماتياس ليزانا، كلاهما مختصان في علوم الحاسب، وحصل في النهاية على «عين إلكترونيّة».
فعليًّا هذه العين هي عبارة عن كاميرا تعمل كحساسٍ للون، تحدد تواتر اللون الموجود أمامه -تواترا صوتيّا- ثم ترسله إلى رقاقة موجودة في مؤخرة رأسه وبذلك يسمع بواسطة النقل الصوتي عبر العظم نغمة أو تواتر اللون الموجود أمامه. بدأ يحفظ أسماء ألوان كلّ نغمة معيّنة، في البدء كان الأمر صعبًا عليه، يتطلب الحفظ، ثم انتقل إلى مرحلة «الإحساس» بالألوان، بعد ذلك أصبحت أحلامه ملونة.
يعتبر نيل هذه النقطة اندماجًا بين دماغه والبرنامج الموجود في الرقاقة، فعندما ينام، يقوم دماغه بتشكيل هذه الأصوات الإلكترونية في نومه وليس الرقاقة، هنا قرر نيل أنّه أصبح فعلًا Cyborg.
وعندما قام بتجديد جواز سفره، قام بتقديم صورته مع العين الجديدة، وبعد إقناع الضباط أنّ هذا الشيء ليس «أداة إلكترونية» بل جزءا منه فعلًا، تمّ قبول هذه الصورة ليصبح أول سايبورج يمتلك جواز سفر. المميز هنا أنّ هذه الكاميرا تلتقط ألوانًا لا نستطيع نحن البشر العاديين رؤيتها، مثل infrared، و ultraviolet.
إذًا لم يعوّض نيل قدرته فحسب، بل قام تحسيّن رؤيته لتتجاوز رؤية البشر الطبيعيّن، وبدأ يرسم الوجوه التي يسمعها، محولًا الوجه إلى مقطوعة موسيقيّة، لمعرفة المزيد أنصحكم بمشاهدة هذا المقطع من مؤتمر TED.
المختصر في تاريخ ونشأة الـ Biohacking
بشكل ما، فإن فرانكشتاين -الذي كتبته ماري شيلي- يشكّل اتحاد جزءٍ بشريّ مع جزءٍ آليّ، وتمّ بثّ الحركة فيه بواسطة الكهرباء، يمتلك هذا المخلوق قوة فوق بشريّة، ربما هذه الصورة هي الأولى من نوعها في هذا المجال، مصوّرة ما قد يحدث عند تدخل العلم الحديث في الجسم البشريّ.
في عام 1960 جاءت الصورة الطيّبة المعاكسة لفرانكشتاين، فقد قام العالم والمخترع مانفريد كلينس بدراسة المشكلة البشريّة، واحتار في كيفيّة الحفاظ على البشر أحياء عند استكشاف الفضاء الواسع، وتوصل أنّ تداخل فيسيولوجيّة جسمنا الطبيعيّة مع الآلات والعقاقير قد يساهم في استمرار جنسنا خارج نطاق كوكبنا الأزرق الصغير. وبمساعدة الكاتب نيثان كلين، قام كلينس بإطلاق مصطلح جديد «السايبورج».
لتعريف السايبورج ببساطة، يمكننا تخيله ككائنٍ يمتلك جزئين مختلفين، جزء عضويّ بيولوجيّ وآخر صناعيّ، قد يكون معدنيّا، الكترونيًا، ميكانيكيًّا أو آليًّا. ببساطة، تخيّل توني ستارك، الرجل الحديديّ، الذي بنى لنفسه قلبًا ميكانيكيًّا، وبواسطة بدلته الآليّة يستطيع التحوّل لطائرة مقاتلة، ثم ببساطة يستطيع نزعها كما ينزع أحدنا الملابس.
في القرن الواحد والعشرين، قدمّت بريطانيا اثنين من أكثر الـ biohackers شهرةً، ورغم أنّ كلاهما من بريطانيا، فإن الفرق بينهما شاسع كالفرق بين بروس بانر وهالك!
ليفت أنونيم Lepht Anonym إحدى أوائل من قاموا بالتجريب على نفسها للقيام بالتعديلات والتحسينات على الجسم البشريّ العاديّ. استطاعت جلب الاهتمام بواسطة قناتها على يوتيوب وكثير من المقالات والتدوينات على المواقع المختلفة.الوجه الآخر هو كيفين وارويك Kiven Warwick، بروفسور في جامعة Reading في قسم علوم التحكم بالآلات والأحياء. يعتمد كيفين في تجاربه على طاقم مدرب وخبير من التقنييّن الطبيّين للتعامل مع الرقائق التي يغرزها في جسده.
يُقال أن ليفت ادّعت في إحدى المرات أنّ كل ما يلزمها للقيام بقرصنة جسمها هو قارورة من الفودكا وقشارّة البطاطا، حيث تقول في إحدى مقالاتها:
«لقد تعوّدت على هذا النوع من الألم في هذه المرحلة من حياتي، ونحن لا نستطيع الحصول على المخدّر، لذلك نتعلم أن نعيش بدونه. لقد قمت باستخدام المشرط لفتح جروح صغيرة في يدي وإدخال إبر بقطر خمس ميليمترات خلال بشرتي، وفي إحدى المرات استخدمت سكين الخضروات لأحفر تجويفًا في نهاية سبابتي. قد أكون حمقاء، لكنّي حمقاء أعمل في سبيل التطوّر».
وبالفعل كانت ليفت هي من أثبت -باستخدام جسدها كفأر تجارب- إمكانيّة زرع رقاقة NFC1 و RFID2 بل حتى رقائق مغناطيسيّة في الجسم، بدون دعم من مؤسسات أكاديميّة أو مساعدة فريق من الأطباء. يقول أحد المتأثرين بها: «هي مصدر إلهام لنا جميعًا، نحن لا نستطيع فعلًا تخيّل أننا هذا الشيء من اللحم والدم فقط، نحن نستطيّع القفز بجسدنا إلى المرحلة الأخرى من التطوّر، علينا أن نقوم بذلك بأنفسنا فحسب».
وبعكس قصص أنونيم المخيفة، فإنّ البروفسور كيفين وارويك يجلب المسؤولية الأكاديميّة لهذا المجال الجديد. كان بروفسور وارويك من أوائل من زرع الغرائس الإلكترونيّة في جسده، فقد وضع رقاقة RFID في جسمه في عام 1998، وقام باستخدام واستغلال هذه التقنيّة قدر استطاعته.
بعكس المطوّرين العاديين، يتمتع د. وارويك بمساعدة فريق طبيّ كامل، حيث قام في 2002 بزرع جهاز استشعار إلكترونيّ في أعصاب يده. رغم كلّ هذه الاحتياطات تبقى المخاطر موجودة، فنحن حينها لم نكن نعرف ما هي التأثيرات الطويلة الأمد لوجود هذه الأجهزة في جهازنا العصبي. ولكنّ حسب وارويك: «لهذا السبب أنا أحب هذه التقنية، أكاديميًّا هي حقل مفتوح وواسع».
تسمح الوحدة الآليّة الموجودة على ذراع وارويك بالتحكم بيد آليّة، لتقوم بتقليد حركات أصابعه وذراعه، الأكثر من ذلك أنّ الإشارات لا تُرسل من وارويك فقط، بل يستقبلها أيضًا.
فإيرينا، زوجة وارويك، تملك رقاقة مماثلة في ذراعها، وعند إمساك أحدهم ليدها فإنّ البروفسور وارويك يشعر بنفس الشعور في يده، حتى لو كانا في قارتين مختلفتين، هذا ما يعرّفه وارويك بـ«التخاطر الإلكترونيّ»، حيث تمرّ في أعصابه إشارات مماثلة للإشارات في أعصابها، عن طريق أجزاء من المعطيات الإلكترونيّة المسافرة عبر الإنترنت.
اعُتبر ما قام به وارويك خطوةً كبيرةً لمساعدة المصابين بإعاقة أو أولئك الذي خسروا أطرافهم وإعطائهم فرصةً جديدة للعودة إلى الحياة الطبيعيّة. لكن ذلك ليس ما يريده وارويك فعليًّا، فهو يقول: «أنا معجبٌ بأنّ الواقع والأفكار المتمخضة عن هذه التجارب تساعد في المجال الطبيّ، لكن ما يهمّني فعلًا ويدفعني للعمل هو شيء آخر تمامًا، أنا لا أريد أنّ أجعل الحياة طبيعيّة للناس فقط، أنا أريد تحسيّن الأشخاص الطبيعيّن إلى مرحلة أخرى، متقدمةً جدًا».
«لو قلت للعالم أنّك تريد تحسين الجنس البشري -في العقد الماضي- لانقلب الناس عليك معترضين على أفكارك، إلا إذا كان قصدك حينها مساعدة المعاقين، حيث لم يكن العالم منفتحًا كليًّا لهذه التجارب». تطوّر التكنولوجيا والوصول إلى الهواتف الذكيّة، حسب وارويك، غيّر كل شيء. «عندما رأى الناس أهميّة التكنولوجيا، وأهميّة العنصر الاجتماعي الجديد فيها، تغيّرت الرؤيّة، فالآن من المتوّقع أن نكون على اتصالٍ في جميع الأوقات».
رغم أنّه أكاديميّ معروف وقدير، إلّا أنّ وارويك يعتبر الـ biohackers الذين يقومون بالتعديلات بأنفسهم رفاق الطريق كما يقول، في طريق اختبار المستقبل السايبريّ. «بالنسبة لوضع رقاقات RFID أو المغناطيسات في جسمك، فإنّ المعلومات الموجودة على يوتيوب أكبر بكثير من الأوراق البحثيّة المنشورة، يدفع هؤلاء الفنانون حدود المعقول ويشاركون المعلومات بشكل كبير، عمليّ فعليًّا هو أخذ تلك المعلومات والقيام بتحليلٍ علميّ دقيق لها».
يقوم البروفيسور مع أحد طلاب الدكتوراة لديه، إيّان هاريسون Ian Harrison، بمجموعة دراسات على biohackers قاموا بوضع مغناطيسات في أجسادهم. «عندما يتعلق الأمر بوضع مستشعرات في نهايات أعصابك، فإنّ التجربة شخصيّة نوعًا ما، ويختلف الإحساس من شخص إلى آخر، نحاول هنا أنّ نضع خطًا لكل ما هو متشابه في هذه الحالات ليكون مرجعًا لنا في المستقبل».
الهدف الذي يسعى إليه البروفسور وارويك فعليًا هو الوصول إلى التواصل عبر الأدمغة Brain to Brain communication، ويأمل أن يحدث ذلك في حياته.
إذًا، ما هي بعض التطبيقات الموجودة لل Biohacking حاليًا؟ أو القريبة الحصول في المستقبل؟ سيكون هذا موضوع المقال القادم.
[1] NFC Near Field Communication: تقنية التواصل قريب المدى، وتختلف في كونها قادرة على تبادل البيانات في نطاق ضيق للغاية لا يتجاوز 4 سنتيمترات.
[2] RFID Radio Frequency Identification: البطاقات الذكية التي تعتمد على التلامس مع القارئ للتواصل، مثل بطاقات الهاتف والبطاقات البنكية.