سيرة العشرة المبشرين بالجنة قبل الإسلام: كلهم انتظروا النبي إلا عمر
الحديث رواه الصحابيان سعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وهما من المُبَشَّرين بالجنة في الحديث، ما أعطى فرصة للطعن فيه، خصوصاً من الشيعة.
الحديث جاء في صحيح الترمذي والنسائي في سننه، وأحمد في مسنده، لكنه لم يأت في صحيحي البخاري أو مسلم، اللذين أوردا أحاديث أخرى يبشر النبي فيها بعض الصحابة بالجنة، ومنهم من ذكر في هذا الحديث.
ولكن الشائع والمُصَدّق عند أهل السنة أن المذكورين في الحديث هم العشرة المبشرون بالجنة.
بعيدًا عن صحة الحديث، دعونا نتأمل في سيرة هؤلاء العشرة قبل الإسلام، وكيفية دخولهم الإسلام، وسنجد بينهم مشتركات مثيرة، فجميعهم كانوا من مكة وليس بهم مدني واحد.
كذلك فقد كانوا من السابقين الأولين لدخول الإسلام، وبدا بعضهم وكأنه كان ينتظر الإسلام، الذي جاء متسقاً مع أفكاره الشخصية، أو أنه كان صغير السن- أغلبهم- ولم تمسه الوثنية أو لم تتغلغل أفكارها بداخله، وقد يكون الاستثناء الوحيد مما سبق هو عمر بن الخطاب.
وكذلك تشير بعض الروايات -غير المؤكدة- إلى أن إسلام بعض هؤلاء كان بمعجزة، أو بفعل خارق للعادة، أو بكرامة صوفية، تمثلت في هاتف ينادي أو مبشر يبشر هذا الشاب القرشي بالإسلام الذي لم يكن قد جاء بعد، فانطبعت هذه الكرامة أو البشرى على قلبه النقي، فأسلم حين بلغته الدعوة.
وبعيداً عن اقتناعهم بالعقيدة الإسلامية ونبيها، نجد أن أبا بكر الصديق، كانت له اليد العليا في إسلام أكثرهم، لتأثيره عليهم، باعتباره رجلاً محمود الطباع والسيرة، مستقيم السلوك، مصدق القول بين قومه، وأخيراً فإننا وجدنا أن قرابة بعضهم للنبي قد لعبت دوراً في إسلامهم.
في السطور التالية، نستعرض شذرات من سيرة العشرة قبل الإسلام، ودورها في دخولهم الإسلام.
عمر بن الخطاب
بدأنا بعمر باعتباره الوحيد بين العشرة الذي كان معادياً للإسلام في البداية، ولم يكن من السابقين إليه، فقد كان وثنياً، شديد الطباع، غليظ القلب.
تولى السفارة والتحكيم في الجاهلية، كوارث لذلك من قبيلته «بني عدي»، فقد كان أبوه الخطاب وجده نفيل من أهل الشدة والبأس، وكانت أمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة زعيم قريش الكبير بها نفس هذه الشدة.
عاش عمر طفولة فقيرة، فعمل في رعي الإبل، ما ترك أثراً في شخصيته القوية، المقاومة للصعاب والبعيدة عن حب الترف، ولكن في شبابه انتقل من العمل برعي الإبل إلى التجارة، واستطاع أن يجمع ثروة.
ومن قسوته كان عمر من المؤمنين بوأد البنات، كعادة بعض العرب، وقيل إنه وأد ابنة له، ورغم التشكيك في الرواية فإنها تنسجم مع ما عُرف عنه من شدة.
جاء الإسلام وعمر من سادات قومه، شديد الإيمان بما يؤمنون به، فحارب المؤمنين بالدين الجديد وأغلظ عليهم، حتى إنه ضرب أخته وزوجها اللذين اعتنقا الدين الذي يحارب دين أجداده.
كل ما سبق جعل من إسلام عمر واحدة من علامات قوة الدين الجديد، الذي مس قلبه وجعله ينقلب من النقيض إلى النقيض، وصارت قصة إسلامه واحدة من أكثر القصص التي يرويها الرواة والوعاظ والداعون للإسلام، إن لم تكن أكثرها، لما بها من إثارة للعقل ناحية قوة الإسلام.
أبوبكر الصديق
أغلب أصحاب النبي– وبخاصة الصحابة الأوائل- كانوا أصغر منه بسنوات طوال، لكن أبا بكر كان يعتبر من نفس عمره، فهو يصغره بعامين فقط، وكان صديقه المقرب من قبل الإسلام.
كان ميالاً إلى التوحيد ويجالس الموحدين مثل ورقة بن نوفل. صداقته بالنبي قبل البعثة وعمله بالتجارة جعلاه يرافق النبي في تجارة إلى الشام، وهناك التقيا الراهب بحيرى الذي بشّر بنبوة محمد.
بل قيل أيضاً إن أبا بكر لم يؤمن بعبادة الأصنام قبل الإسلام، ولم يسجد لصنم، وإن كان هناك شك في صحة هذه الرواية، فالأكيد أنه كان لا يميل إليها، بدليل سرعة تصديقه بالإسلام.
إضافة إلى ذلك كان أبوبكر على صفات وسلوكيات وأخلاق حميدة، فقد عُرف بلقب الصديق لأنه كان وكيلاً عن قريش في دفع الديات، وسداد الديون عن الناس؛ فما يتولاه من أمر الديات والديون عن أحد تصدقه فيه قريش وتقبله، وما يتولاه غيره لا يقبلوه.
وعرف بالعتيق لجمال وجهه، من العتاقة، وهي الجودة في كل شيء، وقيل من العِتق، لأن أمه لم يكن يعيش لها ولد فاستقبلت به الكعبة بعد ولادته، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من النار فهبه لي، فعاش وعرف باسم عتيق.
قيل إنه لم يشرب الخمر قط، وحين سُئِل عن السبب بعد تحريم الإسلام لها قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي.
وبشكل عام كان يتقي كل ما يضعه بمواضع الشبهات، ومن ذلك أن رجلا دعاه ليرافقه في حاجة يقضيها، فرآه يمر في طريق غير التي يمر منها، فسأله: أين تذهب؟ هذه الطريق! فقال الرجل: إن فيها أناساً نستحي أن نمر عليهم. فرد أبوبكر: تدعوني إلى طريق نستحي منها؟ ما أنا بالذي أصاحبك.
وكان يتحاشى أن يتلفظ بما لا يليق، ولا يتكلم إلا أن يدعوه داع إلى قول خير، فيقولها ويصدق في مقاله.
كل ذلك جعله أنسب شخص يبدأ النبي مفاتحته في أمر الإسلام، فصدقه وآمن به على الفور.
علي بن أبي طالب
أسلم علي وهو صبي دون العاشرة؛ فأغلب الروايات تشير إلى أن عمره كان بين السابعة والتاسعة. وكان قبلها بسنوات يعيش مع النبي في بيته يربيه تخفيفاً عن أبيه؛ فإذا كان أبوطالب هو والد عليّ البيولوجي، فإن النبي هو أبوه بالتربية والروح.
وبالتالي لا نجد في حياة عليّ قبل الإسلام من تناقضات، فهو ابن الإسلام، نَضجَ مع نُضجِ الدعوة، وكبر بها ومعها.
وكل ما يقال عنه أنه كان أنضج من سنه، بفعل تربيته على يد النبي.
وهذه التربية كان لها أكبر الأثر في تنشئته تنشئة الأب للابن الملتصق به في كل أفعاله، فمما يروى في الأدبيات الشيعية، بل وبعض الأدبيات السنية، أن علياً قال في خطبته «القاصعة»:
وفي الخطبة أيضا يقول إنه كان يتبعه حتى وهو يتعبد في غار حراء قبل الرسالة: «ولقد كنت أتبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علمًا، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان (النبي) يجاور في كل سنة بحِراء فأراه ولا يراه غيري».
كل ذلك جعل قبول عليّ للإسلام مسألة محسومة، رغم ما يقال عن أنه طلب من النبي أن يستشير أباه أبا طالب في أمر الإسلام، فوافق ونصح صبيه بطاعة ابن عمه، فكان أول من أسلم من الصبيان.
عثمان بن عفان
كان عثمان بن عفان من أفضل الناس في قومه، وأكثرهم ثراءً وخُلقاً، محبوباً بينهم رغم ما يقال عن أنه لم يسجد لأصنامهم قط، ولم يقترف فاحشة.
هكذا تحكي الروايات، وحتى لو كان بها بعض المبالغة، فإنها تؤكد أن عثمان كان رجلاً بعيد الفكر عن محيطه الوثني، ما جعل قبوله للدين الجديد محتملاً بقوة.
هذا البُعد الفكري عن محيطه، رافقه بُعد نفسي رصده المفكر عباس محمود العقاد؛ فقد كانت نشأة عثمان في كنف زوج لأمه غير أبيه لها دور في ذلك، حيث توفي أبوه وتزوجت أمه من عقبة ابن أبي معيط الأموي، فترك ذلك فيه نفوراً ناحية أهله من بني أمية.
فصحيح أن عادة زواج المرأة بعد وفاة زوجها كانت موجودة بين قريش، إلا أنها تترك أثراً نفسياً سلبياً في قلب الابن.
ومع هذا الاغتراب عن الجو العام في مكة، كان عثمان منفتحاً على ثقافات أخرى بعيدة عن الوثنية، فقد كان يرحل إلى الشام والحبشة، في إطار تجارته الواسعة، وشاهد الدين المسيحي مزدهراً في تلك البلدان.
كذلك كان عثمان قريباً من الموحدين في مكة، فقد روي أن له خالة كانت كاهنة متعبدة اسمها سعدي بنت كريز، هنأته حين أسلم وقالت شعراً:
وكانت سعدي قد نصحته بالإسلام وبشرته به قبل إسلامه، ويحتمل أن يكون كلامها، ضمن المؤثرات التي أثرت عليه في قبول الإسلام.
كذلك كان عثمان معجباً برقية ابنة النبي، وأحس بغيرة وحسرة حين تزوجت من عكرمة ابن أبي لهب، وحين علم بخبر زواجها عاد إلى خالته الكاهنة فروى لها أحاسيسه وغيرته، فبشرته بأنه سيتزوج من بنات محمد، وربما كان في ذلك تمهيد نفسي آخر لعثمان تجاه الإسلام، بالرغبة في القرب من محمد.
بعد حديثه مع خالته بشأن بنات محمد، انصرف عثمان إلى أبي بكر وكان صديقه وله مجلس دائم عنده، فحدّثه الصديق في أمر الدين الجديد فقبل أن يسمع من محمد، وجلس معه.
وبمجرد أن تحدث النبي إليه قبل عثمان الدعوة، ونطق الشهادتين، وكان في سن الرابعة والثلاثين من عمره، ليكون بذلك أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعليّ، وزيد بن حارثة الذي كان صبياً كعلي، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي.
طلحة بن عبيد الله
كان يعمل بالتجارة، ميسور الحال وربما، وأسلم وعمره بين 15 و18 عاماً، وليس هناك الكثير عن حياته قبل الإسلام، ولكن طريقة إسلامه تشير إلى أنه كان من أولئك المهمومين بفكرة الدين، وهو في سنه الصغيرة مع بدء البعثة.
كان طلحة بن عبيد الله في تجارة إلى مدينة «بصرى» بالشام، فلمّا وصل إلى سوقها سمع أن راهباً في صومعته يُبشّر بقدوم نبيّ من مكة، فدخل عليه طلحة، فسأله الراهب: هل جاء أحمد؟
عاد طلحة مُسرعاً إلى مكة ليرى صدق كلام الراهب. وفي مكة قابل أبا بكر، وأخبره بما جرى مع الراهب، فصدّق الصدّيق على كلامه، وعرض عليه الإسلام، فوافق على الفور وذهب إلى النبي.
ويعتبر طلحة من أول ثمانية أعلنوا إسلامهم، بعد أن ذهب بهم أبوبكر للنبي، وهم: عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، وطلحة. وكان قد سبقهم علي بن أبي طالب، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي، وزيد بن حارثة، ابن النبي بالتبني، وبالطبع أبو بكر.
سعد بن أبي وقاص
كان الشاب سعد بن مالك (وقّاص) يعمل في «بَرْي السهام» وصناعة القسيِّ وأدوات القتال، ويقضي أغلب وقته بين الفرسان وهواة الصيد والقنص، ما جعله ميالاً إلى المغامرة، تواقاً للمواجهة، وهو أمر يؤهله مع حداثة سنه (17 عامًا) وقت مجيء الإسلام، إلى الرغبة في اعتناق الدين الجديد وتحدي مجتمعه، بخاصة وأن هذا المحيط القرشي لم يكن يروق له.
وقد كان سعد يشعر بالضيق من قومه، بسبب ما يقولونه عن نسبه، وهناك روايتان في هذا الشأن، إحداهما تشكك في نسبته لأبيه «مالك»، والأخرى تشكك في انتساب قبيلته لقريش، وهما أمران يوصمان صاحبهما بالعار في مجتمع شديد الاعتزاز بقبليته ونسبه.
وفي المقابل، كان النبي يكرم سعداً ليس فقط بإقرار نسبه بل بتكريمه ومناداته بلقب «خال»، وكان النبي يقول عن سعد وهو بين أصحابه: هذا خالي فليرِني امرؤٌ خالَه.
وأقر النبي صلة القرابة بينه وبين سعد، حين سأله عن حقيقة ما توصم به أمه «حمنة» من إنجابها له من غير أبيه؛ فقد نسب إلى سعد أنه سأل النبي: «من أنا يا رسول الله؟ فقال: أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، ومن قال غير ذلك فعليه لعنة الله».
وبهذا النسب صار سعد من خؤولة النبي، وصار أبوه مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، ابناً لعم السيدة آمنة بنت وهبة أم النبي، وكذلك أصبح خالاً لحمزة وصفية ابني عبد المطلب.
بالطبع حين يجد مقاتلاً في مقتبل عمره هذه الغصة من قومه، فسيكون ميالاً لمن يناقضهم أمرهم، ويا حبذا لو كان خلوقاً، طيب الطباع كالنبي محمد.
ويزيد على ذلك ما يُروَى عن أنه شاهد في منامه قبل إسلامه كأنه في ظلمة لا يبصر، وفجأة أضاء له القمر فاتبعه. وهذا القمر فسّره سعد بأنه النبي، فيحكي سعد عن منامه:
وبعدها بلغته الدعوة من أبي بكر، والتقاه النبي في شِعْب أَجْيَاد على أطراف مكة، فأسلم بين يديه.
الزبير بن العوام
القرابة أيضاً ربما قربت بين الزبير بن العوام والإسلام، فهو ابن عمة النبي من جهة، وابن أخي زوجته خديجة بنت خويلد، المناصرة الأولى للدعوة، من جهة أخرى.
إضافة إلى ذلك كانت حداثة سنه؛ فقد قيل إن عمره كان 16 عاماً وقت إسلامه، بل من الرواة من قال إن عمره كان ثماني سنوات فقط.
إضافة إلى حداثة سنه وقت بدء الدعوة وقرابته من النبي، كان الزبير يتيماً، فقد قُتِل أبوه العوام بن خويلد في حرب الفجار.
هذه الأمور جعلت عرض الدعوة الجديدة عليه أمراً سهلاً، فهو يتيم يحتاج من يدعمه، وقريب للنبي ولزوجته، ولم يتأثر بالوثنية أو لم تتغلغل به نظرا لحداثة سنه، وبالتالي فاتحه أبو بكر في أمر الدعوة، فأسلم بين يدي النبي، ضمن الثمانية الأول.
عبد الرحمن بن عوف
وُلِد عبد الرحمن بن عوف في مكة بعد عام الفيل الذي ولد فيه النبي بنحو 10 سنوات، أي كان عمره وقت بدء الدعوة نحو 30 عاماً.
وكان اسمه يوم مولده «عبد عمرو»، وقيل «عبد الكعبة»، وظل اسمه كذلك، فلمَّا أسلم سماه النبي «عبد الرحمن».
صحيح أن أباه كان سيد بني زهرة، وأنه نشأ نشأة أرستقراطية، مخالطاً لسادات قريش باعتباره واحداً منهم، وأنه كان تاجراً ثرياً، إلا أن بعض الرواة يشيرون إلى أنه لم يكن على وفاق مع طبائع المجتمع.
فقد قيل إن عبد عمرو لم يكن يرتاح لعبادة الأصنام، وإنه تأثر بالدعوات التوحيدية التي سبقت النبي بمكة، والتي قادها ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهما، وكذلك لم يكن يشرب الخمر.
كذلك كانت تجمعه صداقة بأبي بكر، وفي نفس الوقت كان قريباً للنبي من ناحية أخواله، ولكل ما سبق إضافة إلى أخلاقه العالية التي اشتهر بها، كانت مفاتحة أبي بكر له في أمر الدعوة الجديدة أمراً منطقياً.
الثابت أنه أسلم على يدي أبي بكر، وهناك رواية تقول إن موقفاً حدث له قبل عرض أبو بكر أسهمت في قبوله الدعوة، حيث سافر إلى اليمن قبل الدعوة بعام، فنزل عند شيخ كبير يدعى عسكلان بن عواكن الحميري، فسأله سؤالاً ملفتاً، وهو: هل ظهر في مكة من خالف دينهم أم لا؟
بعدها زاره مرة أخرى، فقال له الشيخ:
بعدها عاد عبد عمرو إلى مكة والتقى أبا بكر، فعرض عليه الإسلام، فعلم بصدق بشارة الشيخ اليمني، وذهب للنبي ونطق الشهادتين، وسماه النبي عبد الرحمن بدلاً من عبد عمرو.
وأخبر عبد الرحمن النبي برواية الشيخ اليمني فقال له: إن أخ حمير من خواصّ المؤمنين، ورُبّ مؤمن بي ولم يرني، ومصدّق بي وما شهدني، أولئك إخواني حقاً.
أبوعبيدة بن الجراح
لم تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن نشاط أبي عبيدة في الجاهلية، وكأن تاريخ حياته بدأ يوم إسلامه، ولكنهم قالوا إنه ضمن أول مجموعة أسلمت في دار الأرقم، قبل أن يبلغ عدد المسلمين 40 رجلاً، بحسبما تتفق المصادر.
وذكر المؤرخ ابن هشام أنه أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم. وجاء في «سير أعلام النبلاء» للذهبي: انطلق ابن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة ابن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله دار الأرقم.
ولعله كان من المغمورين في مكة، فحتى نسبه به شبهة انقطاع، فهو عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، ويقال إن «فهر» هو «قريش» نفسه، حيث يقف النسابة خلال سرد نسب أبي عبيدة عند «فهر» ولا يصلونه بباقي نسب قريش.
ويحتمل أن يكون فهر هو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، و«عدنان» هو الذي ينتهي إليه نسب قريش.
وإذا صحت رواية أن فهر هو نفسه فهر بن مالك، جد النبي، فإن أبا عبيدة يلتقي مع النبي عنده.
والإفادة هنا أن أبا عبيدة لم يكن سيداً بين قريش، وكذلك لم يكن عبداً فيعرف بسيده، فقد كان بين قريش رجل عادي، هادئ الطباع، يعيش يومه مثل أمسه، على هامش الأحداث، فلما دخل الإسلام صارت له شخصية صنعها الإسلام، بنبيه ورجاله، شخصية عظّمها إخلاصه للدعوة الجديدة ولنبيها.
سعيد بن زيد
ربما كان أكثر العشرة الذين ذكرناهم استعداداً للإسلام هو سعيد بن زيد، فهو ابن زيد بن عمرو بن نفيل، الرجل الموحد الذي ثار ضد عبادة الأوثان في قريش، ونادى بالتوحيد، وفر إلى الشام لينجو بنفسه من الوثنية.
وسعيد هو ابن عم عمر بن الخطاب، وأخته عاتكة بنت زيد زوجة عمر، وزوجته هي فاطمة بنت الخطاب، أخت عمر ابن الخطاب التي كانت سبباً في إسلامه.
لم يدرك زيد الإسلام، ولكن تنسب إليه قصص كثيرة مع رهبان أهل الكتاب تدل على تمسكه بدين إبراهيم، وعلى سفره إلى الشام وعيشه هناك لفترة، وكاد يدرك النبي مع بداية دعوته، لولا أنه قتل في طريق عودته لمكة.
أسلم سعيد وهو شاب صغير، يرجح أن يكون في عامه العشرين، وأسلمت معه زوجته فاطمة بنت الخطاب، وكذلك أسلمت أخته عاتكة بعد ذلك، وكذلك أمه فاطمة بنت بعجة الخزاعية، فهم أفراد بيت تأثر بالتوحيد من قبل الإسلام.
ولم يهاجر سعيد إلى الحبشة، حيث كان من أشراف قريش وساداتهم، ولم يكن يناله من العذاب ما ينال غيره من المستضعفين، وكان وزوجته فاطمة من المهاجرين الأولين إلى المدينة المنورة.
كان سعيد ضمن الأوائل من المسلمين، وقيل إنه كان ضمن أول 13 رجلاً أسلموا سراً.
- الطبقات الكبرى لابن سعد
- سيرة ابن هشام
- أنساب الأشراف للبلاذري
- سير أعلام النبلاء للذهبي
- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير
- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني
- نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، للشريف الرضي
- تاريخ الطبري
- البداية والنهاية لابن كثير
- عبقرية الصديق لعباس محمود العقاد
- عبقرية عمر لعباس محمود العقاد
- عبقرية عثمان لعباس محمود العقاد
- عبقرية علي لعباس محمود العقاد
- أبوعبيدة عامر بن الجراح لمحمد محمد حسن شراب
- سعد بن أبي وقاص لصلاح عبدالفتاح الخالدي