علم الفلك للنظارات المعظمة
واحد من أشهر الأخطاء في الفهم هو ظن الكثيرين أنه كي تكون هاوي فلك؛ يجب أن تمتلك تلسكوبًا ضخمًا مع أدوات أخرى غالية الثمن. لكن في الحقيقة يمكن أن تجد المتعة الحقيقية لمتابعة سماء الليل فقط في تأمل النجوم وأشكالها بالعين المجردة. بل ويمكن لك في ليلة حالكة أن ترى أجرامًا أخرى غير النجوم والكواكب، كمجرة المرأة المسلسلة، أو سديم الجبار، أو تجمع خلية النحل الشهير.
أضف لذلك أن هناك نوعًا خاصًا من المتعة ربما لا يعرف عنه محبو سماء الليل هنا في مصر، والوطن العربي، الكثير؛ وهو أن تستخدم نظارة معظمة لرصد سماء الليل، لكن هل يمكن أن يفلح ذلك؟
بالطبع. الأمر فقط غير مألوف بعض الشيء، فنحن نستخدم النظارات المعظمة لمراقبة الطيور مثلًا أو الحيوانات أو لتأمل البحر أو الجبل البعيد هناك. رغم ذلك تمثل النظارة المعظمة أداة رصد فلكي قوية ومميزة، لأنها – أولًا – رخيصة الثمن، بالطبع هناك من النظارات المعظمة ما قد تتخطى قيمته 100-200 دولار (قم بالتحويل حسب عملتك المحلية)، لكن على الأسواق الإلكترونية العربية قد تجد أسعارًا ضمن حدود الـ 20-30 دولارًا فقط، وهو مبلغ زهيد حينما تقارنه بثمن تلسكوب مناسب، والذي قد يتخطى حاجز الـ 300 دولار بسهولة.
أضف لذلك أن النظارة المعظمة سهلة الحمل، متعددة الأغراض، ما يعني أنه يسهل السفر بها من مكان لآخر، على عكس التلسكوبات مثلًا والتي تحتاج لتجهيزات مسبقة ما قد يدعوك للكسل أو يحد من حريتك. أما بالنسبة للنظارة المعظمة فكل ما تحتاجه هو فقط أن تلتقطها وتخرج مع الأصدقاء، أو تصعد لسطوح المنزل وتشاهد السماء ليلًا.
كذلك فإن استثمارك في النظارة المعظمة رابحٌ في كل الأحوال، فإذا حدث يومًا ما ووجدت أنك لا تحب سماء الليل، أو أنها هواية مملة، فأنت لم تخسر ثمن تلسكوب مثلًا، وكذلك يمكنك استخدام النظارة المعظمة لأغراض أخرى ممتعة كثيرة.
كما أن هناك عدة مزايا أخرى للنظارة المعظمة كأداة رصد لسماء الليل. على سبيل المثال، تعطيك النظارة المعظمة مجالاً أوسع للرؤية مما يمكنك من التعرف على السماء بسهولة، وتلك فرصة هامة للمبتدئين مع سماء الليل من الصفر، أضف لذلك أنك تنظر خلالها بالعينين معًا، ما يعطيك صورة طبيعية بدرجة أكبر لما تراه. كما أن النظارة المعظمة – على عكس التلسكوبات – لا تغير من موضع الصورة (أعلى/أسفل، يمين/يسار)، وهي أيضًا صفة مميزة هامة للمبتدئين.
كيف أختار نظارتي المعظمة؟
في تلك النقطة من حديثنا، وطالما قررت الاستمرار، سوف تسأل عن كيفية اختيار نظارة معظمة مناسبة، والإجابة المختصرة هنا هي: احصل على نظارة معظّمة بمقاس 10×50، وتعني تلك الأرقام بعض خصائص النظارة، الـ 10 تقول إن قدرة تكبير نظارتك المعظمة هي 10 مرات، أما الـ 50 فتقول إن قطر العدسة الشيئية الخاصة بها (تلك التي توجهها ناحية الأشياء، باختصار: العدسة الكبيرة) هو 50 ملليمترًا؛ أي 5 سنتيمترات، وكل نظارة معظمة تحوي مقاسًا كهذا يمثل خصائص التكبير والقطر.
هناك العديد من المقاسات الشهيرة المعروفة، مثلًا 8×40 و 7×35 و7×50، لكن يشتهر هذا المقاس (10×50) بين هواة الفلك، خاصة المبتدئين، فنظارة معظمة من هذا النوع، أيًا كنت علامتها التجارية -لكن بالطبع فإن منتجات شركات عالمية كـ «سيلسترون» ستكون أفضل- سوف تكون صغيرة الحجم، خفيفة، ذات مدى رؤية واسع بحيث لا تستهلك الكثير من جهدك في البحث بين النجوم، خاصة إن كنت مبتدئًا. كذلك سوف تفيدك كثيرًا في تتبع كل النجوم الأساسية للكوكبات، والأجرام الأخرى التي سنتحدث عنها لاحقًا.
أحد الأرقام التي سوف تجدها مكتوبة تحت مقاس النظارة المعظمة هو مجال الرؤية الخاص بها، والذي عادة ما يكتب في صورة (عدد الأقدام لكل 1000 ياردة)، يعني هذا اتساع مجال الرؤية أمامك، وفي بعض النظارات يختصر المُنتِج كل تلك التعقيدات ويكتب المجال بالدرجة، في كل الأحوال نحن نعرف أن كل درجة تعني 52 قدمًا. تقول نظارتي المعظمة مثلًا إن مجال رؤيتها هو 231 قدمًا لكل 1000 ياردة، ويعني ذلك أنها ترى مجال رؤية حوالي 4-5 درجات.
لكن، ما الذي تعنيه تلك الدرجات؟
للتعرف على ذلك يمكنك تأمل منشور الفيسبوك المرفق مع التصميم من صفحتنا (السماء الليلة)، وسوف يتضح لك ما يعنيه هذا المفهوم ببساطة. لكن ما أود أن تتعلمه هنا بشكل أكثر وضوحًا هو فكرة «مجال الرؤية»، فكل أداة رصد لها مجال رؤية، ويعني القطعة التي يمكن أن تراها من سماء الليل، هل هي قطعة ذات مساحة كبيرة أم صغيرة؟
كلما كانت قدرة تلك الأداة أكبر على التقريب، ضاق هذا المجال، وكلما كانت قدرات التقريب أقل يتسع. من هنا تأتي أهمية النظارات المعظمة، حيث يمكن بسهولة أن ترى خلالها أجزاء كاملة من الكوكبات، أما بالتلسكوب فلا يمكن أن ترى إلا نجمة واحدة فقط، ويكون هذا محيرًا جدًا للمبتدئ.
في بعض الأحيان يهتم أصحاب النظارات المعظمة بالتعرف إلى خاصية أخرى يراها البعض مهمة، وهي «خارج بؤبؤ العين – Exit Pupil» الخاص بالنظارة، أي قطر دائرة الضوء الخارجة من العدسة العينية (التي تضع عينيك عليها لتنظر)، وتحصل عليها ببساطة حينما تقسم قطر العدسة الشيئية الخاصة بالنظارة المعظمة على قوة تكبيرها.
نظارة معظمة 10×50 مثلًا لها خارج بؤبؤ قيمته 5 ملليمتر، ويفيد ذلك في أثناء اختيارك للنظارة المعظمة، لأن خارج بؤبؤ العين من المفترض أن يتساوى مع قطر بؤبؤ عينك، وهو صفة تتدهور مع العمر، قبل عمر الـ30 مثلًا يكون قطر بؤبؤ عينك 5 ملليمتر، لكن بعدها ينقص هذا الرقم بمعدل ملليمتر واحد لكل 10-15 سنة.
ما الذي يمكن أن أراه بالنظارة المعظمة؟
حسنًا، كان ذلك هو عرض مبسط للكيفية التي يمكن أن تختار خلالها نظارتك المعظمة الأولى، حاولت تبسيط الأفكار قدر الإمكان. وبغرض التعمق في التعرف على كيفية شراء أدواتك (بما في ذلك النظارات المعظمة) يمكن لك أن تتأمل وتتعرف على بعض الكتب كالآتي:
1. A Buyer’s and User’s Guide to Astronomical Telescopes and Binoculars
كتاب «A Buyer’s and User’s Guide to Astronomical Telescopes and Binoculars» لتوم مولاني، من دار نشر سبرينجر المفتوحة مجانًا في مصر، سوف يساعدك كثيرًا، ليس فقط كدليل للشراء، لكن أيضًا في التعرف على تلك الأدوات بشكل مفصل،من هنا التحميل.
حينما تشتري نظارتك المعظمة الأولى ابدأ باختبارها، أمسكها بيديك وحرّكها وتأمل عدساتها من الجهتين، بعد ذلك اخرج بها إلى سطح المنزل ووجهها للسماء وابدأ في تعديل البؤرة عبر الدائرة الموجودة في المنتصف (البؤرة) حتى تتضح الصورة، حينما تظهر النجوم لك تفحص الصورة التي تظهر بها جيدًا، يجب أن يظهر كل نجم كرأس دبوس لامع في خلفية سوداء، مع عدم وجود أي زيغ لوني حول النجم، مع أقل قدر ممكن من الأشعة الخارجة منه.
أول وأهم استخدام للنظارات المعظمة هو تأمل كامل كوكبات سماء الليل بأكثر نجومها خفوتًا إن أمكن، تلك واحدة من أمتع المهام التي يمكن أن تستخدم نظارة معظمة لأجلها. مع عينيك المجردتين يمكن أن ترى، في ليلة حالكة، ما بين 2000 إلى 3000 نجمة، لكن مع نظارة معظمة تتخطى قدراتك حاجز الـ 100000 نجمة بسهولة، ما يعني قدرة أكبر على الغوص في أعماق الكوكبات وتأمل نجومها. سوف يشبه إتمامك لكوكبة بعد أخرى مع أطلس مناسب (بعد قليل سنبدأ بالترشيحات) أن تلعب Call Of Duty مثلًا، سوف يكون الأمر بنفس القدر من المتعة !
أضف لذلك أن وظيفة النظارة المعظمة الأساسية، بالنسبة للمبتدئين، وحتى بالنسبة للفلكيين المحترفين كذلك، هي تحقيق إلمام شامل بكافة النجوم والكوكبات الأساسية لسماء الليل. يعطيك ذلك، بعد فترة من التمرس، خبرة واسعة للغاية في تركيب سماء الليل سوف تساعد كثيرًا في تطوير مستواك الفلكي، خاصة مع تلسكوب مستقبلي بقدرات إلكترونية، أو حتى حينما تود أن تتعلم بصورة أكثر عمقًا عن علم الفلك، ليكن مسح كامل سماء الليل بنظارة معظمة هو هدفك الأول، ضع له خطة على عدة أشهر.
يمكن لك كذلك أن تستخدم النظارة المعظمة لتأمل روائع سماوية أخرى هامة، فمثلًا، مع نظارة بمقاس 10×50 يمكن أن ترى:
1. بعض المجرات كمجرة أندروميدا (المرأة المسلسلة).
2. بعض السدم اللامعة كـ«سديم الجبار – Orion Nebula».
3. معظم التجمعات النجمية المفتوحة المعروفة، بداية من القلائص والثريا مرورًا بتجمعات كوكبة ممسك الأعنة.
4. كذلك يمكن أن تتأمل الكواكب (المريخ، المشتري، زحل، الزهرة)، لكنها ستظهر أقرب للنجوم في شكلها في النظارات الصغيرة، لكن ما هو أكبر من 10×50 سيمكنك من رؤيتها دائرية مع ظهور مميز لأقمار المشتري.
5. بعض النجوم المزدوجة اللامعة.
6. يمكن بالطبع أن ترى تفاصيل القمر وتتابع أطواره بسهولة.
كلما ارتفعت قدرة تكبير النظارة المعظمة الخاصة بك، كان من السهل أن ترى في سماء الليل بصورة أعمق، لهذا السبب يفضل البعض المجموعات ذات الأقطار الأكبر، لكنك هنا تفتقد قدرتك على رؤية الكوكبات بصورة أفضل.
2. كتاب Binocular Highlights
في كل الأحوال يمكن الآن أن نبدأ بترشيح واحد من أهم الكتب التي يجب أن ترافق هواة النظارات المعظمة، إنه الكتاب الرائع التابع لمجلة سكاي آند تيلسكوب «Binocular Highlights» من تأليف جاري سيرونيك والذي يعطيك قائمة مفصلة بـ 99 جرمًا سماويًا يمكن لنظارة معظمة أن ترصدها، سواء كانت تلك هي نجوم مزدوجة، أو متغيرة، أو أجرام أخرى كالسدم والمجرات. الكتاب ملون، بسيط، فقط في 100 صفحة، مع مقدمة ممتعة عن النظارات المعظمة وكيفية شرائها واختيار الأفضل بينها.
3. كتاب Exploring the Night Sky with Binoculars
من جهة أخرى فإن أحد المصادر الهامة التي يمكن أن تلفت انتباه هواة الفلك مع النظارات المعظمة هو كتاب السير باتريك مور الشهير (Exploring the Night Sky with Binoculars)، والذي يمثل موسوعة شاملة ذات أسلوب مبسط للغاية عما يمكن أن ترصده في سماء الليل بنظارة معظمة. يركز باتريك مور بشكل رئيسي على النجوم والكوكبات الهامة، يلي ذلك النجوم المزدوجة والمتغيرة، ثم ينتهي بالأجرام الأخرى، مع فصل خاص لكل من القمر (سمات سطحه، وأطواره)، تتبع الكواكب. الكتاب بسيط، سهل، مكتوب للمبتدئين من الصفر، وكالعادة يبدأ مع مقدمة عن النظارات المعظمة.
4. كتاب Viewing the Constellations with Binoculars
كتاب «Viewing the Constellations with Binoculars» — تأليف بوجان كامبيك
لكن ما أود حقًا أن تفعله إذا كنت من هواة النظارات المعظمة هو أن تتأمل هذا الكتاب الرائع، أو تلك الموسوعة الضخمة التي تتخطى 500 صفحة في عدد صفحاتها، والتابع لسلسة باتريك مور الشهيرة، والمعروضة مجانًا في مصر، لأنه من إصدر دار نشر سبرينجر، الذي يسمى (Viewing the Constellations with Binoculars)، من تأليف بوجان كامبيك.
يهدف الكتاب بالأساس إلى إعطائك موسوعة لن تكون بحاجة أن تخرج منها أبدًا، فبجانب عرضه المميز لكل كوكبات السماء وكيفية رصدها بالنظارات المعظمة، يقدم كمًا ضخمًا من المعلومات الممتعة والميسرة عن كل منها، كذلك يعلمك كيف ترصد الكوكبات نجمًا بنجم، كذلك يعرض عليك خلال ذلك كله أكثر من 250 جرمًا سماويًا يمكن أن تراها في تلك الكوكبات، مع عدد ضخم من القوائم الهامة، ومقدمة لعلم الفلك الخاص بالنظارات المعظمة في أكثر من 100 صفحة.
الكتاب تحفة فنية، رغم أن أسلوبه ليس بسهولة سابقه، لكنه أكثر أهمية وإمتاعًا، كذلك فإنه قابل للطباعة، بالجنيه المصري سوف تكلفك طباعته كاملًا أقل من 100 جنيه مصري، الأمر يستحق.للمصريين حمّله مجانًا من هنا.
5. كتاب Astronomy Binocular
أما كتاب «Astronomy Binocular» لـستيفين تونكين، ضمن نفس السلسلة، فيمكن أن تعتبره الاختيار رقم 2 بعد سابقه، فرغم موسوعيته، واهتمامه بشكل رئيس بأجرام السماء العميقة DSO’s، لكنه أكثر صعوبة من كتاب كامبيك، كما أن رصد ما يعرضه هذا الكتاب يحتاج دائمًا لسماوات صحراوية أو قروية حالكة لا ضوء فيها.
في كل الأحوال تمثل تلك المجموعة المكونة من 4 كتب أفضل ما رأيت في هذا المجال وأبسطه، بالطبع هناك الكثير من الكتب الأخرى، لكن تلك المجموعة هي ما اعتمدت عليه بشكل شخصي، ويرجع السر الرئيسي في ذلك إلى أنه متاح بشكل مجاني هنا في مصر من هنا.
أما بالنسبة للأطالس، لكي تستخدمها مع النظارات المعظمة، فلا أجد أفضل من مصدرين؛ الأول هو أطلس الكوكبات المقدم من الاتحاد الفلكي الدولي والذي يعرض لكل كوكبة في صفحة كاملة ملونة، والثاني هو أطلس توشيمي تاكي للقدر الظاهري 6.5.
الأخير هو أفضل ما يمكن استخدامه مع نظارة معظمة بسيطة، ولحسن الحظ فإن صفحة السماء الليلة على الفيسبوك، سوف تصدر نسخة مترجمة للعربية منه خلال فترة قصيرة جدًا. وفي كل الأحوال فإن الكتب السابقة تعرض لخرائط أساسية، لكن يجب أن تمرن نفسك على التعامل مع الأطالس.
تاكي.
حسنًا، كان ذلك كل ما لدينا عن النظارات المعظمة. لقد مارست – بشكل شخصي – علم الفلك كهواية على مدى سنوات طويلة، وامتلكت تلسكوبات بدرجات تقريب مختلفة، لكن رغم ذلك لازال الرصد بالنظارات المعظمة، إلى الآن، هو مهمة ممتعة للغاية مهما تكررت، وهو السبب كذلك في تلك القاعدة الصلبة من المعرفة الفلكية والتي استمرت في دعمي إلى الآن.
سماء الليل، التجول خلالها مع نظارة معظمة لن تدفع فيها أكثر من 20 – 30 دولارًا، لهو حقًا رحلة مختلفة تستحق أن تجرب الخوض فيها، صدقني لن تندم، سيكون هذا ممتعًا لك، ولأطفالك بعد ذلك !